آخر الأخبارتحليلات و آراء

أخطر أزمة داخلية تواجه آبي أحمد منذ تمرد تيغراي.. ماذا يحدث في إثيوبيا؟

يشهد إقليم أمهرة أعمالاً قتالية مستعرة، في مؤشر على اتساع رقعة الحرب الأهلية في إثيوبيا، وامتداداً لما حدث في إقليم تيغراي، وذلك رغم إعلان وقف إطلاق النار مؤخراً من جانب حكومة آبي أحمد، فماذا يحدث؟

ويشهد إقليم أمهرة، خلال الأسبوعين الماضيين، قتالاً بين عناصر من ميليشيات فانو التابعة للإقليم وبين الجيش الاتحادي التابع لآبي أحمد، سرعان ما تحول إلى حرب بالأسلحة الثقيلة، تمكنت خلالها الميليشيات من السيطرة على مدن وقرى بشكل كامل.

وسرعان ما أصبحت الاضطرابات في أمهرة أخطر أزمة أمنية في إثيوبيا منذ انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت عامين في منطقة تيغراي المجاورة لأمهرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ماذا يحدث في إقليم أمهرة؟

كانت الأوضاع الأمنية في إقليم أمهرة قد انحدرت إلى مستويات خطيرة بعد أن سيطرت ميليشيا فانو الأمهرية على عدة مدن ومناطق في الإقليم، أشهرها مدينة لاليبيلا التاريخية ومطارها، ما أدى إلى اشتعال قتال بالأسلحة الثقيلة مع الجيش الفيدرالي، وإعلان الحكومة حالة الطوارئ يوم الجمعة 4 أغسطس/آب الجاري.

فالمناوشات المحدودة التي كانت قد اندلعت منذ أشهر بين الجيش و”فانو”، سرعان ما تحولت خلال الأيام الأخيرة إلى حرب حقيقية، أشبه بتلك التي خاضها رئيس الوزراء آبي أحمد، بدعم من فانو، ضد “جبهة تحرير تيغراي” ما بين 2020 و2022.

وهذه الأوضاع المضطربة لم يعد بإمكان حكومة آبي أحمد تجاهلها لفترة أطول، إذ أقرّ نائب رئيس الوزراء دمقي مكونن، بأن “المشكلات الأمنية في مناطق مختلفة من أمهرة صارت مقلقة”.

وقال مكونن، في تعليق نادر له على الأوضاع في الإقليم: “نحن في لحظة تاريخية يجب فيها أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أنه إذا لم يكن لديك سلام فستفقد كل شيء”، بحسب وكالة الأناضول.

إثيوبيا
جنود أسرى من الجيش الإثيوبي/ رويترز

فأمهرة، الإقليم الرئيسي الذي يعتمد عليه آبي أحمد في حكم البلاد، بعد طرد التيغراي من السلطة، التي استحوذوا عليها ما بين 1991 و2018. وهايلي سيلاسي، آخر أباطرة إثيوبيا (1892 -1975) تتحدر عائلته من أمهرة، كما أن والدة وزوجة آبي أحمد من الأمهرة أيضاً، رغم أن والده من الأرومو أكبر عرقية في البلاد، لكنها مهمشة، وتشهد تمرداً محدوداً.

لذلك يمثل تمرد إقليم الأمهرة على سلطة آبي أحمد، مأزقاً عميقاً، لا يقل خطورة عن تمرد التيغراي، باعتبارهما العرقيتين الرئيسيتين اللتين تداولتا على حكم البلاد طيلة قرون قبل حتى حكم النجاشي للحبشة (عاصمتها مدينة أكسوم في إقليم تيغراي).

وتجتذب ميليشيات فانو متطوعين من السكان المحليين. وكانت حليفاً لقوة الدفاع الوطني خلال حرب تيغراي، لكن العلاقة بينهما تدهورت لاحقاً بسبب اتهامات بأن الحكومة الاتحادية تحاول إضعاف دفاعات أمهرة لصالح المناطق المجاورة، وهو ما تنفيه الحكومة. وكان مسؤول من أمهرة قد قال لهيئة الإذاعة البريطانية إن قوات من الإقليم، جنباً إلى جنب مع قوات فيدرالية، انخرطت في أعمال قتالية ضد متمردي إقليم تيغراي على 3 جبهات.

لماذا تمردت ميليشيات “فانو” على آبي أحمد؟

تعتبر “فانو” نفسها القوات الخاصة لإقليم أمهرة، وشاركت بشكل فعال في دعم القوات الحكومية في قتال متمردي جبهة تحرير تيغراي، إذ مثلت الحليف الرئيسي لآبي أحمد في تثبيت حكمه في البلاد.

لكن تزايد نفوذ فانو، والميليشيات الأمهرية، أصبح يقلق آبي أحمد، الذي يؤمن بالحكم المركزي للبلاد، بدل الحكم الفيدرالي الذي يقسم البلاد لـ11 ولاية، تضم عرقيات وديانات مختلفة.

وفي هذا الإطار، أصدر آبي أحمد، خلال أبريل/نيسان الماضي، أوامره بدمج الميليشيات المسلحة في جميع الولايات في الجيش أو الشرطة أو الحياة المدنية. وعارضت “فانو” كبرى الميليشيات الأمهرية، هذا القرار، واعتبرت أنه يستهدفها بشكل رئيسي، وشاركت في المظاهرات العارمة التي اندلعت في مدن الإقليم ضد قرار آبي أحمد، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

واتخذت الأوضاع في أمهرة أبعاداً خطيرة بعد اغتيال رئيس حزب الازدهار (الحاكم) في أمهرة “جيرما يشيتيلا”، في 27 أبريل/نيسان، رغم أن الحكومة لم تنجرَّ بسرعة نحو هذه الاستفزازات.

وبدأ التمرد الفعلي لفانو، التي لا تملك قيادة محددة، عندما رفض عناصرها تسليم أسلحتهم، خاصة الثقيلة منها، وبدأوا ينتشرون في بعض البلدان والمدن، ويشتبكون مع قوات الأمن والجيش بشكل محدود. لكن الأمور تعقدت بعد الكمين الذي استهدف رحلة لكبار قادة الناحية الشمالية الغربية، والتي مركزها غوندور، ثاني أكبر مدينة بالإقليم بعد بحر دار، إلى منتجع سياحي، في 26 يوليو/تموز الماضي.

إثيوبيا مسلمون إقليم أمهرة
قرويون في إقليم التيغراي يسيرون أمام مركبات محترقة بسبب الحرب الأهلية في إثيوبيا/ رويترز

ومع انضمام عدة ميليشيات أمهرية إلى فانو، غيرت الأخيرة تكتيكها القتالي، وانتقلت من نصب الكمائن وحرب العصابات إلى الاستيلاء على المدن. وأطلق الجيش عملية عسكرية لاستعادة المدن التي سيطرت عليها فانو والميليشيات الأمهرية، على غرار مدينة بورن، في الشمال الشرقي لأمهرة، بالقرب من الحدود مع إقليم تيغراي، لكن فانو زحفت على مدينة لاليبيلا التاريخية والمقدسة لدى المسيحيين الشرقيين، واستولت عليها وعلى مطارها.

ولطالما كانت لاليبيلا، مركزاً للصراع والحروب بين الأمهرة والتيغراي، الذين يدينون بالمسيحية، نظراً لموقعها الاستراتيجي المرتفع، وأهميتها الدينية وكنائسها المنحوتة على الحجر والمصنفة ضمن التراث العالمي.

وإلى جانب غوندور وبورن ولاليبيلا، شهدت مدينة دبري تابور، الاستراتيجية الواقعة شرقي بحيرة تانا منبع نهر النيل الأزرق، اشتباكات بين الجيش والميليشيات الأمهرية.

والأربعاء 9 أغسطس/آب، قال سكان وعضو في ميليشيا فانو لرويترز إن الجيش الإثيوبي طرد عناصر الميليشيا المحلية من معظم مناطق جوندار التي تشهد قتالاً عنيفاً منذ اندلاع اشتباكات في أنحاء إقليم أمهرة الأسبوع الماضي. والنجاح الذي حققه الجيش في جوندار، ثاني أكبر مدن أمهرة، هو أول تقدم كبير للقوات الاتحادية بعدما تراجعت أمام ميليشيا فانو في جوندار وبعض البلدات الأخرى خلال الأيام الأولى من القتال.

وقال العضو في ميليشيا فانو من جوندار إن قوات الدفاع الوطني، مدعومة بشرطة مكافحة الشغب وميليشيات موالية للحكومة، طردت مقاتلي فانو من المدينة الثلاثاء. وأضاف شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية “كان قتالاً عنيفاً. قوة الدفاع الوطني استخدمت الدبابات. مقاتلونا كانوا يستخدمون بنادق الكلاشينكوف فقط”.

وأوضح مسؤول محلي في جوندار أن الجيش “يسيطر بشكل كامل تقريباً على المدينة”. وقال ساكن آخر في جوندار إنه شاهد الجيش يدخل وسط المدينة بعد ظهر الثلاثاء.

ونشرت الإدارة الإقليمية في أمهرة بياناً على صفحتها على فيسبوك، في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، قالت فيه إنه تم “تحرير” جوندار وبحر دار عاصمة الإقليم من فانو. لكن البيان لم يعد متاحاً اليوم. ولم يرد المتحدثون الرسميون باسم الإدارة الإقليمية والحكومة الإثيوبية وقوة الدفاع الوطني حتى الآن على طلبات رويترز للتعليق.

ما تداعيات الحرب في إثيوبيا على دول الجوار؟

يتوسط إقليم أمهرة إقليمي تيغراي في الشمال، وأورومو في الجنوب، وبينهما خصومات ونزاعات طويلة على السلطة والحدود داخل الدولة الواحدة. لكن أمهرة لديها حدود أيضاً مع إقليمي العفر في الشرق (تعود أصولهم لشبه الجزيرة العربية) وبني شنقول في الغرب (من أصول سودانية).

وللإقليم حدود مع السودان، حيث تقوم الميليشيات الأمهرية بالتوغل في منطقة الفشقة السودانية لاستغلال أرضها الخصبة في الزراعة، ما تسبب في وقوع عدة اشتباكات مع الجيش السوداني، بالتزامن مع حربه الداخلية ضد قوات الدعم السريع (شبه عسكرية).

فتمرد فانو، من شأنه أن يدفع ميليشيات مسلحة في ولايات أخرى على غرار العفر، الذين أثبتوا شراستهم في القتال خلال حرب التيغراي، إلى رفض نزع أسلحتهم والاندماج في الجيش والشرطة، والأمر ينطبق على بقية الميليشيات في الولايات الأخرى، بحسب تقرير الأناضول.

إثيوبيا السودان
كيف ستؤثر الحرب في إثيوبيا على السودان؟ /رويترز

كما أن الجيش الفيدرالي منهك من حربه ضد التيغراي، الذين أسقطوا عدة مدن في أمهرة واقتربوا من الوصول إلى العاصمة أديس أبابا، وخوضه حرباً جديدة ضد فانو، قد يغري جبهة تيغراي لنقض اتفاق السلام مع آبي أحمد، والعودة إلى القتال، سواء منفردة أم بتنسيق مع أعدائها التاريخيين (الأمهرة).

وعلى الجبهة السودانية، من شأن انشغال فانو بالحرب مع الجيش الإثيوبي إشغالها عن دخول معارك مع الجيش السوداني في إقليم الفشقة. لكن احتدام القتال في أمهرة، من شأنه أن يؤدي إلى فرار آلاف اللاجئين إلى شرق السودان، والذي يعد أكثر جهات البلاد أماناً، لكنه سيزيد من الأعباء على بلاد يحتاج أكثر من نصف سكانها إلى المساعدات الإنسانية.

والمسؤولون الإثيوبيون يدركون خطورة تمرد فانو على وحدة البلاد، وإمكانية تفككها وقيام دول جديدة على أرضها، أو انضمامها إلى دول أخرى تربطها بها روابط عرقية وقبلية، مثل إقليم الصومال، وإقليم بني شنقول (السودان)، وإقليم العفر (جيبوتي)، وإقليم غامبيلا (جنوب السودان). لذلك دعا نائب رئيس الوزراء إلى الحوار لتفادي حرب جديدة في ثاني أكبر بلد إفريقي من حيث عدد السكان بعد نيجيريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى