«الغزو» ليس الخيار الوحيد.. كيف تخطط واشنطن للاستحواذ على غرينلاند؟

لطالما كانت «غرينلاند» قطعة مرغوبة على رقعة الشطرنج الجيوسياسية، لكنّ طموح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جعلها «الولاية 51» يكشف عن تصور أمريكي جديد لديناميكيات القوة.
فكيف سيبدو هذا الاستحواذ حال حدوثه؟
رغم تشكيك بعض الخبراء ورفض السياسيين في غرينلاند والدنمارك، لم تتراجع الإدارة الأمريكية عن رغبتها في السيطرة على الجزيرة الواقعة في القطب الشمالي حتى إنها ألمحت إلى «غزو عسكري».
إلا أن أي خطوة من هذا القبيل ستكون لها عواقب بعيدة المدى على حوكمة غرينلاند وديناميكيات الدفاع الأمريكي، وأيضًا على التغيرات الجيوسياسية، وفقا لما ذكرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية.
وللولايات المتحدة وجود عسكري في غرينلاند منذ الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الجزيرة لا تزال مستعمرة دنماركية وكانت الدنمارك تحت الاحتلال الألماني النازي.
في 1941، أبرمت واشنطن صفقة مع مسؤولين دنماركيين منفيين لإنشاء قواعد عسكرية في غرينلاند للعمل ضد النفوذ الألماني مثل قاعدة “بيتوفيك” الفضائية، التي كانت تُسمى آنذاك قاعدة ثول الجوية، والتي أصبحت خلال الحرب الباردة موقعًا استراتيجيًا رئيسيًا لمراقبة إطلاق الصواريخ السوفيتية.
وفي حين ركزت رسائل ترامب بشكل رئيسي على «الاستحواذ» على غرينلاند، إلا أنه لم يستبعد اللجوء إلى العمل العسكري.
وقال الباحث الجغرافي باري سكوت زيلين، من جامعة كونيتيكت، إن الاستيلاء العسكري على غرينلاند سيكون «سريعًا وغير دموي إلى حد كبير»، مشيرًا إلى دور أمريكا الطويل في الدفاع عنها والذي رأى أنه قد يجعل الجزيرة أقل معارضة للاستيلاء الأمريكي وتصور إنشاء نوع من «السلطة المؤقتة».
أما أولريك برام جاد، الباحث الأول في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، والمتخصص في سياسات القطب الشمالي، فوصف فكرة الاستيلاء العسكري بأنها «سخيفة».
وقال: «غرينلاند ليست أرضًا تُناسب الاستيلاء العسكري.. إنها كتلة جليدية ضخمة محاطة بشريط صخري من الأرض تتخلله جبال حادة وأشكال جليدية عميقة.. لا توجد مستوطنتان متصلتان بالطريق، فبمجرد وصول الغزاة إليها، لن يذهبوا إلى أي مكان»، محذرًا من أن «أي غزو للجزيرة سيتحول إلى عملية بحث وإنقاذ».
شوفارت أضاف: «من وجهة نظر قانونية، يُشكّل الضم الأحادي الجانب أو الاستحواذ القسري على غرينلاند انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، ولا سيما فيما يتعلق بسلامة الأراضي وحق تقرير المصير».
إثارة الخلاف
وقال زيلين إن إحدى استراتيجيات السيطرة على غرينلاند تتمثل في «إثارة الخلاف بين طرفين محليين وتحويل دعمنا من أحدهما إلى الآخر من أجل تحقيق سلام دائم»، مضيفًا: «ستفقد الدنمارك سيادتها، وستظهر مكانها غرينلاند مستقلة تحت الحماية الأمريكية المباشرة».
سن قوانين
وأشار إلى أنه لكي تصبح غرينلاند ولاية أمريكية «سيتعين على الكونغرس سنّ قانون يسمح بانضمامها إلى الولايات المتحدة، ثم يوقع الرئيس على مشروع القانون لكن إذا ظل شعب وحكومة غرينلاند والدنمارك معارضين، فمن الصعب تصور كيف يمكن أن ينجح الأمر».
وبالفعل، بدأت ردود الفعل باحتجاج مناهض لترامب أمام القنصلية الأمريكية في نوك، غرينلاند، في وقت سابق من الشهر الجاري.
وقال زيلين، من جامعة كونيتيكت، إن هذا «يُذكرنا بالاحتجاجات المناهضة لأمريكا حول العالم خلال الحرب الباردة والحرب العالمية على الإرهاب».
لكنّ تداعيات أي تحركات من جانب واشنطن لإجبار غرينلاند على الرضوخ لرغباتها ستكون مؤثرة على نطاق واسع.
وقال جيم تاونسند، نائب مساعد وزير الدفاع السابق إن حلف شمال الأطلسي (الناتو): «لن يتعافى أبدًا (..) ستُمنح روسيا والصين نصرًا هائلاً».
فهل يمكن أن تصبح غرينلاند الولاية الـ51؟
اعتبر الدكتور رومان شوفارت، الرئيس والمدير الإداري لمعهد القطب الشمالي، أن سيناريو أن تصبح غرينلاند الولاية الـ51 «مستبعد للغاية»، قائلا «إن أي قرار يتعلق بالسيادة أو الدولة أو التكامل الإقليمي سيعتمد بشكل أساسي على العمليات الديمقراطية في غرينلاند، وسيتطلب مفاوضات شاملة وموافقة من خلال آليات قانونية وديمقراطية راسخة داخل غرينلاند والدنمارك».
وأظهر استطلاع رأي أجرته شركة «فيريان»، أن 85% من سكان غرينلاند لا يرغبون في الانضمام إلى الولايات المتحدة لكن معظم سكان الجزيرة يؤيدون أيضًا الاستقلال عن الدنمارك، وهو ما يحاول ترامب استغلاله.
لكن هل كان ترامب أول رئيس يطرح تلك الفكرة؟
ترامب ليس أول رئيس أمريكي يطرح فكرة السيطرة على غرينلاند، فهناك أمثلة تعود إلى عام 1867، عندما نظرت إدارة أندرو جونسون في شراء الجزيرة بعد شراء واشنطن ألاسكا من روسيا مقابل 7,2 مليون دولار.
لكن المحاولة الأخطر كانت عام 1946 عندما قدم الرئيس السابق هاري ترومان عرضًا بعد الحرب العالمية الثانية لشراء الجزيرة من الدنمارك مقابل 100 مليون دولار من الذهب.
وفي ولايته الأولى عام 2019، أعلن ترامب للمرة الأولى عن رغبته في الاستحواذ على غرينلاند وهو ما رفضته الدنمارك، لكن الفكرة أصبحت محورًا رئيسيًا لولايته الثانية.
وقالت راشيل لورنا جونستون، أستاذة القانون بجامعة أكوريري في أيسلندا، “كانت العروض السابقة من الولايات المتحدة في وقت كانت تعُقد فيه هذه الصفقات بين الدول الاستعمارية، دون مراعاة لنوايا الشعوب المعنية”.
وصف الباحث القانوني ويليام سي. بانكس، بجامعة سيراكيوز بنيويورك، فكرة أن تصبح غرينلاند ولاية أمريكية بأنها “مجرد حلم بعيد المنال من ترامب”.
وقال لنيوزويك “ستكون المواجهات مع الدنمارك والاتحاد الأوروبي كثيرة، وإذا حاولت الولايات المتحدة الاستيلاء على غرينلاند بالقوة، فستكون بمثابة حرب غير قانونية”.