آخر الأخبارتحليلات و آراء

متى تهتز الشوارب لحرق و إهانة المصحف الشريف ؟

لؤي عوض الله

مرة ..لحظة هي مرتين ..انتظر قليلا لقد أصحبت ثلاث مرات في أقل من شهر..ومع ذلك مرت مرور الكرام.

الفعل: حرق وتدنيس القرآن الكريم.

الفاعل : كردي عراقي يقيم في أحد سكنات اللجوء في ستوكهولم السويد

المفعول به: القرآن الكريم والعلم العراقي وصور للمرشد الإيراني..

هنا انتهت الجملة الفعلية، لنستمع ونستمتع بردود الأفعال والتي أتت مختلفة في كل مرة، ولكن في المرة التي مَزق فيها المتطرف علم بلاده إلى جانب صور للمرشد الإيراني، جاءت ردود الأفعال متوالية وقوية بما يتناسب مع الواقعة من قبل بعض الدول العربية والإسلامية، وعلى إثرها تحركت المظاهرات في الشارعين الإيراني والعراقي وجاليتِهما المتواجدة في العاصمة السويدية ستوكهولم، وصدحت الأصوات ملغمة بالتنديد والشجب والاستنكار تارة والمطالبات بتقديم الاعتذار ومنع السماح بتكرار هذه الممارسات من إهانة للقرآن وتدنيسه.

ووصلت الأحداث إلى ذروتها، حيث تم استدعاء سفراء السويد من قبل بعض الدول لتقديم مذكرة احتجاج وتفسير ما وقع، وتوج هذا التوتر بطرد السفير السويدي في العراق وقطع العلاقات، ولكي تحلل المشهد بتجردٍ وبعيداُ عن المصالح والحسابات السياسة، ودون أن تأخذك حاله النشوة المشبعة بشحنة من العواطف الممزوجة بالغيرة على أحد أهم رمز من رموز الدين وهو القرآن الكريم.

ما أجده مفهوما ومسوغا لكل مسلم حقيقي يدافع عن معتقداته في وجه هجمة شرسة تَنمُّ عن أحقاد دفينة لم يطمسها مرور السنون، محاولة توجيه صفعة كلما سنحت لها الفرصة، فتغلفها بديمقراطية تتيح لصاحبها حرية التعبير، وإن كان ازدراء للدين الذي لا يروق لهم لأنه لا يقبل بالمثلية التي أجازوها ولا بحقوق منتسبيها ومؤيديها رغما عن أنف الآخرين، حتى وأن كانت تتعارض مع دينهم وأخلاقهم فما بالك بقيم ومعتقدات المخالفين والمختلفين معهم.

فابتدعوا لها قوانين صارمة تجرم من يرفضها، أي أين حرية التعبير من ذلك، وكالعادة يسقط قناعهم من جديد دون خجل أو مواربة، حرية زائفة وازدواجية للمعايير تطوعها أوروبا كيفما وأينما وحيثما تشاء، أما على الضفة الأخرى فتجد العجب العجاب في سيرورة ردة الفعل والتي لم نراها بهذا الزخم من المواقف والبيانات النارية حين دنس ومزق القرآن في المرات السابقة،  ويبدو أن كلمة السر تكمن في صورة مرشد الجمهورية الإسلامية بالدرجة الأولى وقدسيته التي تصل إلى الألوهية أحيانا في معتقد التيارات الشيعية، وهذا مايفسر الهبة والانتفاضة لأتباعه سواء في الداخل أو الخارج.

فالمسمى الظاهري نصرة القرآن فهو جزء من التقية المجاز استخدامها وفقاُ لمعتقدهم، أما بالنسبةِ للعلم العراقي فيأتي بالمركز الثاني من حيث الأهمية، فواهم من يظن أن الغضبة جاءت لنصرة القرآن الكريم، وسيرى المتابع ولو تعمق سياسيا بالأمر مدى سيطرة إيران عقائديا وفكريا في العراق من خلال أذرعها المنتشرة هنا وهناك.

أما فيما يخص المملكة العربية السعودية المُمثلة والراعية للجانب السني كما تحب أن تسمي نفسها فيبدو أن المنافسة الدينية والسياسية وربما العرقية، تعد أبرز الدوافع وراء موقفها المعلن، وليس مكانتها الدينية التي تحاول تسويقها أو تصويرها، أو استغلالها على النحو الذي يخدم توجهاتها الظاهرية والتي تتناقض بشكل صريح وواضح في الآونة الأخيرة من خلال ما تسميه بالسياسة الانفتاحية، تماشيا مع الحداثة، والتي هي أقرب ما يكون للإباحية والمجون، فتناقض قيمنا وأخلاقنا العربية والإسلامية وترفضها مجتمعاتنا.

وفي الجانب الآخر يتقمص الرئيس التركي أروردغان روح السلاطين وأمجاد العثمانيين فنظن أن أوروبا ستشهد أياما سوداء حالكة الظلام لتدفع ثمن غطرستها الغربية، وسيمرغ أنفها في الوحل، فهللت وكبرت الجموع مباركة الموقف الرهيب، وللأسف تحطمت آمالها حين انقلبت المواقف وبيعت القيم والمبادئ بين عشية وضحاها، وقبلت تركيا بانضمام السويد لحلف الناتو بعد معارضة شرسة دامت أشهرا.

وليكتمل المشهد السريالي ويؤكد المؤكد، تُتهم امرأة حاولت مالم يحاوله الكثير من الذكور من الدفاع عن نسخة حاول متطرف دنماركي وضع قدمه على المصحف بعد أن حرق نسخة أخرى فتعرضت للضرب والاعتداء واتهمها بالسرقة، ومن المثير للاستغراب ارجاء الوزير السويدي بأن ما حدث ما هو إلا أجندة ومؤامرة حيكت من أطراف خارجية ضد البلاد، والغريب هنا التناقض فيما قاله، دون أن يدرك مساهمة الشرطة السويدية فيها من خلال توفير الحماية وتصاريح الموافقة لمنفذيها، فلم يا سيادة الوزير لم تمنعوها؟

خلاصة القول إن البعض باع دينه ودنياه، وآخرون اشتروا بضاعته بثمن بخس ووعود كاذبة وهذا ما حصل في حالة الكردي والمدعو بسلوان موميكا الذي خرج في فيديو متباكيا لتخلي السويديين عنه وإخلالهم بوعودهم وعدم توفيرهم الحماية له، وبالرغم من ذلك لم يمنعه رخصه من استجدائهم من جديد وتكرير فعلته الشنيعة، لعلهم يرضون ويقتنعون بقرابينه.

حُرق القرآن ومازال يحرق ويدنس هنا وهناك، وستجد من منا يُشترى ويُباع دون ثمن، ودول تتاجر بالدين وتطوعه كيفما تشاء وفي الاتجاه الذي يتناسب مع سياساتها ومصالحها ومآربها، وشعوبنا العربية والاسلامية السعيدة ما تزال تعيش سكرات الموت فتستيقظ تارة منتفضة معبرة عن غضبها، وعندما تنتهي من صراخ التهديد والوعيد تعود لغيبوبتها كسابق عهدها، وكأن شيئا لم يكن، وتستمر حالة من الوعي واللاوعي بين شعوب الأرض بمختلف مشاربها وصراعاتها الحضارية والثقافية، فتدافع لفرض وجهات نظرها والتي تحركها قناعات وأيدولوجيات  فكرية تنبثق من مرجعيات دينية وعرقية وقِيَميّة ومصالح سياسية واجتماعية تشكلت بمرور الزمن، وقد تكون انحرفت معه، لكن الشيء الثابت أن الصراع بين الخير والشر والذي بدأ مع الخلق سيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى