إنهم «لا يثقون» بولي العهد.. رويترز: حالة استياء شديد من قيادة محمد بن سلمان للسعودية
عبَّر بعض أفراد الأسرة الحاكمة ونخبة رجال الأعمال في السعودية عن إحباطهم من قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في أعقاب أكبر هجوم على الإطلاق، على البنية التحتية النفطية بالمملكة الشهر الماضي.
وقال دبلوماسي أجنبي كبير، وخمسة مصادر تربطها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال، بعدما طلبوا جميعاً عدم نشر أسمائهم، إن هذا الأمر أثار قلقاً وسط عدد من الفروع البارزة لعائلة آل سعود ذات النفوذ القوي، والتي يبلغ عدد أفرادها نحو عشرة آلاف، بشأن قدرة ولي العهد على الدفاع عن أكبر دولة مُصدّرة للنفط في العالم وقيادتها.
استياء «شديد» من قيادة محمد بن سلمان
قالت المصادر إن الهجوم أثار سخطاً بين بعض الذين يعتقدون في دوائر النخبة أن ولي العهد سعى إلى تشديد قبضته على السلطة. وقال بعض هؤلاء الأشخاص إن الهجوم أثار انتقادات بين أولئك الذين يعتقدون أنه اتخذ موقفاً عدوانياً مبالغاً فيه تجاه إيران.
وقال أحد المصادر، وهو أحد أفراد النخبة السعودية الذي تربطه صِلات بالعائلة المالكة: «ثمة حالة استياء شديد» من قيادة ولي العهد. «كيف لم يتمكنوا من رصد الهجوم؟».
وأضاف هذا الشخص أن بعض الأشخاص في أوساط النخبة يقولون إنهم «لا يثقون» بولي العهد، وهو الأمر الذي أكدته المصادر الأربعة الأخرى والدبلوماسي الكبير.
بيد أن لولي العهد مؤيدين أوفياء
قال مصدر سعودي داخل الدوائر الموالية لولي العهد: «لن تؤثر الأحداث الأخيرة فيه شخصياً كحاكم محتمل، لأنه يحاول إيقاف التوسع الإيراني في المنطقة. هذه قضية وطنية؛ ومن ثم لن يكون في خطر، على الأقل ما دام الأب على قيد الحياة».
وقال دبلوماسي أجنبي ثانٍ رفيع المستوى، إن المواطنين السعوديين ما زالوا يرغبون في الاصطفاف خلف الأمير محمد بن سلمان كقائد قوي وحاسم ومفعم بالحيوية.
ولم يردَّ المكتب الإعلامي الحكومي السعودي على أسئلة مفصلة من رويترز لهذا المقال.
وقال ولي العهد، خلال مقابلة تلفزيونية بثتها محطة «سي بي إس» التلفزيونية الأمريكية الأحد الماضي، إن الدفاع عن السعودية أمر صعب؛ نظراً إلى حجم المملكة الكبير ونطاق التهديدات التي تواجهها. وقال: «من الصعب تغطية كل هذا بالكامل». ودعا أيضاً إلى اتخاذ إجراء عالمي «قوي وصارم» لردع إيران، لكنه قال إنه يفضل «الحل السلمي» على الحل العسكري.
هجمات أرامكو أسهمت في تأجيج الاستياء
الاستقرار السياسي على المحك في أكبر دولة مُصدّرة للنفط بالعالم، وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويخلف ولي العهد رسمياً والده الملك سلمان، البالغ من العمر 83 عاماً. والأمير محمد هو أيضاً الحاكم الفعلي للمملكة، وقد تعهد بتحويلها إلى دولة حديثة.
وتلقى ولي العهد، البالغ من العمر 34 عاماً، والذي يحظى بشعبية عند الشباب السعودي، إشادة في الداخل بعدما خفف القيود الاجتماعية بالمملكة المحافِظة ومنح النساء مزيداً من الحقوق وتعهد بتنويع الاقتصاد السعودي الذي يعتمد على النفط.
لكن سيطرة الدولة على وسائل الإعلام وقمع المعارضة في المملكة يجعلان من الصعب قياس مستويات الحماسة الحقيقية محلياً.
استهدفت هجمات الرابع عشر من سبتمبر/أيلول وحدتين لمعالجة النفط تابعتين لشركة أرامكو السعودية العملاقة؛ وهو ما أدى في بادئ الأمر إلى توقف نصف إنتاج المملكة من النفط، والذي يمثل خمسة في المئة من إنتاج النفط العالمي. وألقت السعودية بالمسؤولية على إيران، وهو تقييم يشترك فيه المسؤولون الأمريكيون. ونفى مسؤولون إيرانيون تورط بلادهم.
وقال نيل كويليام الباحث لدى مؤسسة تشاتام هاوس البحثية بلندن: «لا يغيب عن السكان حجم هذه الهجمات ولا حقيقة أن (ولي العهد) هو وزير الدفاع وشقيقه هو نائب وزير الدفاع، ومع ذلك يمكن قول إن البلاد تعرضت لأكبر هجوم على الإطلاق».
وأضاف كويليام، وهو خبير في شؤون السعودية والخليج: «هناك تقلُّص في الثقة بقدرته على تأمين البلاد، وهذا نتيجة لسياساته»، مشيراً إلى أن الأمير محمد بن سلمان يشرف على السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية.
وأجَّج الهجوم مشاعر استياء بدأت منذ تولي ولي العهد منصبه قبل عامين، إذ نحَّى منافسيه على العرش، واعتقل مئات من أبرز الشخصيات في المملكة بسبب مزاعم فساد.
إضافة إلى تضرر سمعة محمد بن سلمان خارجياً
وتضررت سمعة الأمير محمد بن سلمان في الخارج بسبب حرب مكلفة في اليمن على جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران. وأسفرت الحرب عن مقتل عشرات الآلاف وأدت إلى أزمة إنسانية. كما تعرض الأمير محمد لانتقادات دولية، بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي قبل عام بقنصلية المملكة في إسطنبول. وقالت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إن ولي العهد أمر بقتله.
ونفى ولي العهد، في أثناء المقابلة مع شبكة «سي بي إس»، أنه أمر بقتل خاشقجي، لكنه قال إنه يتحمل في النهاية «المسؤولية الكاملة»، بوصفه القائد الفعلي للمملكة.
وقال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، خلال حلقة نقاشية استضافها مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك في 24 سبتمبر/أيلول، إن خاشقجي قُتل على أيدي عناصر من الحكومة السعودية دون تكليف أو إذن.
بسبب سياساته العدائية في الخارج
يقول بعض المنتقدين السعوديين إن السياسة الخارجية العدائية التي ينتهجها الأمير محمد تجاه إيران وتورُّطه في حرب اليمن عرَّضا المملكة للهجوم، وفقاً لأربعة من المصادر التي لها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال. وعبَّروا أيضاً عن شعورهم بالإحباط، لأن ولي العهد لم يتمكن من منع الهجمات، على الرغم من إنفاق مئات المليارات من الدولارات على الدفاع، وفقاً للمصادر الخمسة وأحد كبار الدبلوماسيين.
وقال الجبير في تصريحاته بنيويورك في الآونة الأخيرة، إن وسائل الدفاع الجوي السعودية تصدَّت لمئات الصواريخ الباليستية وعشرات الطائرات المسيَّرة التي استهدفت المملكة. وأضاف أن الفشل في رصد هجوم الرابع عشر من سبتمبر/أيلول «قيد البحث»، لكن «من الصعب للغاية رصد أجسام صغيرة تطير على ارتفاع 300 قدم».
ويقول بعض أفراد النخبة السعودية إن جهود ولي العهد لإحكام قبضته أضرت بالمملكة. وقال أحد المصادر المقربة من الدوائر الحكومية إن الأمير محمد جاء بمسؤولين أقل خبرة من السابق، بشكل عام.
وأزاح الأمير محمد بن سلمان، الأميرَ محمد بن نايف من ولاية العهد ووزارة الداخلية قبل عامين. وكانت لولي العهد السابق خبرة لنحو 20 عاماً في المناصب العليا بالوزارة، التي كانت مسؤولة عن الشرطة المحلية والاستخبارات. وعيَّن الأمير محمد بن سلمان ابنَ عمه البالغ من العمر 33 عاماً بدلاً منه، بعدما جعل القطاعات الرئيسية للمخابرات ومكافحة الإرهاب ضمن اختصاص الديوان الملكي.
كما أطاح ولي العهد بالأمير متعب بن عبدالله، الذي كان يشرف على قيادة الحرس الوطني ويتولى قيادته فعلياً منذ عام 1996. وفي نهاية المطاف حلَّ محله في أواخر العام الماضي، الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز وكان عمره آنذاك 32 عاماً، وكان نائب أمير منطقة مكة مدة تقل عن عامين وقبل ذلك كان يعمل في الأعمال التجارية الخاصة.
ولم يردَّ المكتب الإعلامي الحكومي السعودي على طلب للتعليق موجَّه إلى الأمير عبدالله.
لكن رغم ذلك فإن الإطاحة به «صعبة»
يقول مطلعون سعوديون ودبلوماسيون غربيون إن الأسرة لن تعارض على الأرجح الأمير محمد بن سلمان خلال وجود الملك على قيد الحياة، وأقروا بأنه من غير المحتمل أن ينقلب الملك على ابنه الأثير.
ونقل الملك معظم مسؤوليات الحكم إلى ابنه، لكنه لا يزال يترأس اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية ويستقبل كبار الشخصيات الأجنبية.
ويقول المطلعون والدبلوماسيون إنه بصرف النظر عما سيحدث في المستقبل بعد الملك، فإنَّ تحدي سلطة الأمير محمد قد يكون صعباً في ظل قبضته المُحكمة على هيكل الأمن الداخلي.
وينظر بعض الأمراء إلى الأمير أحمد بن عبدالعزيز، البالغ من العمر 77 عاماً، وهو الأخ الشقيق المتبقي الوحيد على قيد الحياة للملك سلمان، كبديل ممكن يحظى بدعم أفراد الأسرة والجهاز الأمني وبعض القوى الغربية، على حد قول اثنين من المصادر الخمسة التي تربطها علاقات بالنخبة السعودية.
وقال أحد رجال الأعمال الكبار: «ينظرون جميعاً إلى (الأمير) أحمد، ليروا ما سيفعل. لا تزال العائلة تعتقد أنه الوحيد الذي يستطيع الحفاظ عليها».
ولا يوجد دليل على أن الأمير أحمد مستعد للقيام بهذا الدور، وفقاً لمراقبين سعوديين. ولا يضطلع الأمير أحمد بدور رسمي، وظل بعيداً عن الأنظار إلى حد كبير منذ عودته إلى الرياض في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، بعد أن أمضى شهرين ونصف الشهر في الخارج. وخلال الرحلة، بدا أنه ينتقد القيادة السعودية بينما كان يردُّ على متظاهرين خارج مقر إقامته بلندن، وهم يهتفون بسقوط أسرة آل سعود.
وكان الأمير أحمد واحداً من ثلاثة أشخاص فقط في هيئة البيعة، التي تضم كبار أفراد الأسرة الحاكمة، عارضوا أن يصبح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في عام 2017، بحسب مصدرين سعوديين في ذلك الحين.
ولم يتسنَّ الوصول إلى الأمير أحمد للتعليق. وقال أحد المصادر الخمسة التي لها صِلات بالنخبة السعودية، إن موقف الأمير أحمد بشأن ما إذا كان سيتحدى الأمير محمد بن سلمان هو: «سنعبر هذا الجسر عندما نصل إليه».