تحليلات و آراء

التحاق يهود المغرب بالمشروع الصهيوني خيار كولنيالي

دراسة: سليم الزريعي

 

إن التحاق اليهود المغاربة بمشروع الحركة الصهيونية  في فلسطين، هو تبني واعي يتكئ على  أيديولوجبا دينية اخترعها اليهود جعلتهم  جزءا من ذات إلههم (يهوه) الذي يجب أن تعترف كل البشرية بما يقرره مع أن ذلك مجاف للعقل والمنطق والسوية الإنسانية. وهو ما عمله تيودور هرتزل عندما بعث الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل 1897 لبغبف مشروعة الكولنيالي بعلاف ديني ليستغل عواطف المتدينين اليهود.

ولما كانت الصهيونية العالمية كحركةٍ سياسية إيديولوجية وثيقة الصّلة بالمشاريع الاستعمارية المعاصرة،  فقد رأت أنّ حُلم إيجادِ وطنٍ قوميّ لليهود في العالم لا يمكن تحقيقه  إلاّ بدغدغة العواطف الدينية لليهود لإقناعهم بالهجرة إلى تلك الأرض، ولم تجد إلاّ أسطورةً في التوراة المحرَّفة بأنّ الله وعد بني إسرائيل بأرض الميعاد، وهي فلسطين على لسان سيّدنا إبراهيم عليه السلام. (1)

ولذلك ربط هرتزل أيديولوجياً بين ثلاثة أبعاد لدولته اليهودية: الأول، البعد الاجتماعي من خلال التوجُّه إلى يهود الطبقات الدنيا في السلّم الاجتماعي الأوروبي، والثاني، البعد الديني التوراتي، في محاولة لاستحضار مقولتي «أرض الميعاد» و«شعب الله المختار»، وإظهار أنَّ استعادة إحياء الدولة اليهودية هي مسألة تكليف إلهي، والثالث، البعد القومي على اعتبار أنّ اليهود، على الرغم من توزيعهم في الشتات، هم شعب واحد. فقد جاء في

اليهودية، فقد حسم هرتزل الجدل عندما أعطى الأولوية لفلسطين على الأرجنتين حيث جاء في قوله: «إنّ الأرجنتين من أكثر بلاد العالم خصوبة، وهي تمتد على مساحات شاسعة وفيها عدد قليل من السكان، ومناخها معتدل. وجمهورية الأرجنتين سوف تحصل على مكاسب كبيرة إذا تنازلت لنا عن قطعة من أراضيها.. أما فلسطين فإنها وطننا التاريخي الذي لا تُمحى ذكراه، إنّ اسم فلسطين بحدّ ذاته سيجتذب شعبنا بقوة ذات فعالية رائعة. فإذا منحنا جلالة السلطان فلسطين سنأخذ على عاتقنا بالمقابل، تنظيم مالية تركيا. ومن هناك سوف نشكِّل جزءاً من استحكامات أوروبا في مواجهة آسيا كموقع أمامي للحضارة في مواجهة البربرية. وعلينا – كدولة طبيعية – أن نبقى على اتصال بكل أوروبا التي سيكون من واجبها أن تضمن وجودنا».

في خاتمة كتابه يطلق هرتزل نداءً إلى يهود العالم يخاطبهم بالقول: «فيا إخواننا اليهود هذه هي «أرض الميعاد»! لا أسطورة هي ولا خدعة، وكل إنسان يستطيع أن يختبر حقيقتها بنفسه، لأن كل إنسان سيحمل معه قطعة من أرض الميعاد: بعضها في رأسه، وبعضها بين ذراعيه، وبعضها في ملكيتها المكتسبة».

هكذا وضع هرتزل الأساس الأيديولوجي لدولته اليهودية، وهو أساس مزج بين التوراتي التاريخي من جهة، والقومي العلماني من جهة أخرى. فهو أعار أهمية بالغة للاعتبارات الدينية، إلا أنها اعتبارات لم تخرج عن كونها وسيلة ضرورية للتعبئة والشحن النفسي ليهود العالم من أجل دفعهم تحت توهَّج الحرارة الدينية إلى الهجرة باتجاه فلسطين. وقد أوضح هرتزل هذه الوسيلة عندما أناط وظيفة الهجرة برجال دين أي بحاخامات يهود يتولَّون قيادة المجموعات المهاجرة. إنّ «كلَّ مجموعة سيكون لها حاخامها يسافر مع رعيته. وسوف تتشكَّل المجموعات المحلية في ما بعد تشكيلاً تطوعياً حول حاخاماتها، وسوف يكون لكل مجموعة محليَّة قائدها الروحي». وعن وظيفة هؤلاء الحاخامات أوضحها هرتزل بالقول: «إنّ حاخاماتنا الذين نوجِّه إليهم دعوة خاصة سيكرِّسون طاقاتهم في خدمة فكرتنا، وسيحفزون رعاياهم بالوعظ من فوق منابرهم.. فدعوة كهذه جديرة بأن يتردّد صداها بين جدران المعابد».

هذه الوظيفة الوعظية لمدرسة المعابد هي وظيفة مكيافلية من حيث أنّها وسيلة في خدمة الغاية أو الهدف الأعلى الذي يتمثّل بإقامة الدولة اليهودية وغير الدينية حسب هرتزل نفسه. فالدولة الدينية باتت من الماضي في التاريخ الأوروبي، وباتت ظاهرة أخرى مسيطرة في أوروبا والعالم هي ظاهرة الدولة القومية العلمانية. لذلك يتساءل هرتزل: «هل سننتهي إلى حكومة ثيوقراطية؟»، ويجيب على الفور: «لا بالتأكيد. إن العقيدة تجمعنا والمعرفة تمنحنا الحرية. ولذلك سنمنع أي اتجاهات ثيوقراطية تتصدَّر قيادتنا من جانب الكهنوت. سوف نحصر كهنتنا داخل حدود المعابد، كما سنحصر بالمثل جيشنا داخل حدود معسكراته. ولسوف يتلقَّى جيشنا وكهنتنا منا كل احترام رفيع بقدر ما تستحقه وظيفتهما القيّمة، ولكنهما لا يجب أن يتدخلا في إدارة شؤون الدولة التي تُخلع عليها مكانة سامية، وإلا فسيجلبان علينا صعوبات في الداخل والخارج».(2)

إن نظرة عميقة نحو مشروع بازل تشير إلى البعد الاستعماري الذي يحتويه المشروع، فهو بهذا يتجاوب مع الرؤى الاستعمارية الأوروبية وعلى وجه الخصوص التلاقي الذي سيحدث مع النهج الاستعماري الإنكليزي.

ولم يتطرق المشروع إلى العرب ولو بذكر اسمهم، وهذا التغاضي مقصود كجزء من الفكر الاستعماري الذي يتعامل مع السكان الأصليين على أنهم منحطون حضارياً ولا قيمة لوجودهم على وجه الإطلاق، وهذا ما يمكن رؤيته بوضوح من خلال نص تصريح بلفور الذي تعامل مع السكان الأصليين الفلسطينيين على أنهم طوائف غير يهودية.

وهذا السلوك يشير إلى أن يشير إلى أن المشروع الصهيوني بدأ كجزء من المشروع الاستعماري للهيمنة على الوطن العربي، ذلك أن فكرة تأسيس “إسرائيل” في فلسطين برزت عندما بلغ التنافس بين بريطانيا وفرنسا ذروته للسيطرة على مصر وفلسطين والهند. وكانت حملة نابليون على الشرق واحتلال مصر وندائه عام 1799 لليهود بدعم حملته لإقامة “إسرائيل” في القدس، بعد فشله في احتلال عكا (3)

وقد ترافق ذلك مع صعود نجم محمد علي بصفته تهديداً ‏لقدرة أوروبا‏ الاستعمارية على التوغل في الإمبراطورية العثمانية.وبسبب ذلك المعطى نشأت الحاجة لدى الدول الاستعمارية الأوروبية، وخصوصاً بريطانيا، إلى إيجاد موطئ قدم ثابت في فلسطين باعتبارها رأس حربة في المنطقة. والتقت هذه الحاجة الاستعمارية مع إمكان توظيف أسطورة إحياء دولة يهودية في فلسطين. وهذا جعل البعض يرى أن نشوء الحركة الصهيونية في الأساس جاء كاستمرار للمشروع الاستعماري، وتظهر فيه الصهيونية أيضاً ‏أداة في أيدي القوى الاستعمارية الكبرى(4).

وقد كشف هرتزل حقيقة ذلك المشروع عندما “اعتبر أن الدولة اليهودية الموعودة تمثل ’رأس حربة الثقافة ضد البربرية’ الآسيوية، وكان قادة المشروع الصهيوني كافة، شركاء في الأيديولوجية الأساسية تلك.(5)

وتبنى هرتزل في كتابه «دولة اليهود» خطاب أوروبا القرن التاسع عشر الكولنيالي، الذي يقسم العالم إلى‏ أمم متحضرة وأخرى بربرية، ويضع المشروع الصهيوني بوضوح كجزء من المشروع الأوروبي الحضاري الكولنيالي ويكتب: «بالنسبة إلى أوروبا،‏ سنمثل جزءاً من السد أمام آسيا، سنخدم في الخط الأمامي لندافع عن الحضارة ضد البربرية. وسنبقى كدولة مستقلة متحالفين مع أوروبا‏ التي ستضمن في المقابل وجودنا.»

لكن اللافت هو اندماج اليهود المغاربة الكثيف في المشروع الصهيوني الغربي إلا من استثناءات جد قليلة،  في حين أنهم الأكثر معرفة من غيرهم من الصهاينة من شتى بقاع الأرض ،  أن فلسطين أرض فلسطينية وبعيش فيها  الشعب العربي الفلسطيني مسلمية ومسيخيخة، لكنهم  انخرطوا في العمل لصالح المشروع الصهيوني بعدائية مستغربة، بدءا من توفير التغذية البشرية له عبر عمليات الهجرة، وتقديم الدعم المالي، وتشكيل قناة سياسية له تربط بين المغرب والكيان الصهيوني توظف فيها دعوى الولاء المزدوج، ثم الانخراط في خدمة مشروع إسرائيل العظمى اقتصاديا تحت دعوى المنفعة المتبادلة(6)

ويكاد يهود المعرب أن يكونوا من أكثر المجموعات الصهيونية  التي جلبتنها الحركة الصهيونية والاستعمار إلى فلسطين استقرارا في حياتهم كونهم كانوا يعيشون كمواطنين مثل غيرهم من مكونات المجتمع المغربي، فلم  يتعرّض يهود المغرب لهجمات جماعية أو لمذابح أو لأحداث عنف من أيّ نوع من جانب المغاربة المسلمين، وحتى أشد المصادر الصهيونية تطرّفاً لا يذكر أيّ شيء من ذلك.  بل حظي اليهود بعطفٍ خاص من قبل سلاطينها الذين أتاحوا لهم الفرصة للعيش بأمان، والعمل بحرية واطمئنان. وقبل تأسيس “إسرائيل” سنة 1948، كان عدد اليهود في المغرب يزيد على 250 ألفاً، أي نحو 2.5% من السكان، وهو أكبر تجمع لليهود في البلاد العربية على الإطلاق.(7)

ويمكن القول إن اليهود المغاربة قد تنكروا للشعوب العربية الذي احتضنوهم لمئات السنين وابوا إلا أن يكونوا جزءا من مشروع إجلائي استعماري استهدف فلسطين والأمة العربية معاد لها، الذين طالما احتضنوهم وتعاملوا معهم كجزء من نسيج تلك الشعوب  بما يخالف تعامل الشعوب الأوروبية وحكوماتها  المعادي لمعتنقي الديانة اليهودية.


الهوامش

1- ناصر حمدادوش، الأساطير الدّينية المؤسِّسة لإسرائيل، 13/02/2020، https://www.echoroukonline.com

2- المصدر السابق

3- د. غازي حسين، المشروع الصهيوني إلى أين !، 9/8/2014، https://kanaanonline.org

4- رائف زريق، إسرائيل: خلفية أيديولوجية وتاريخية، 18/6/2020، https://www.palestine-studies.org

5- شمس الدين الكيلاني، ثلاثية شلومو ساند: في حال إسرائيل: التاريخ والمصير، 16/10/2020،  https://www.arab48.com/

6- مصطفى الخلفي، يهود المغرب والتعايش اليهودي العربي، 22/12/2004، ttps://www.aljazeera.net/

7- حسام عبد الكريم، دور الحسن الثاني في هجرة اليهود المغاربة إلى “إسرائيل”، 21/2/2022، https://www.almayadeen.net/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى