الدول الفقيرة أكبر المتضررين.. كيف يهدد خروج أمريكا من منظمة الصحة العالمية بعودة أمراض فتاكة؟

يحذر خبراء الصحة العامة من أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية سوف يدمر الجهود العالمية للتصدي لجائحة كوفيد-19، إلى جانب عدد من الأمراض المميتة الأخرى، مثل شلل الأطفال والسل، ومرض الإيدز.

وتضطلع منظمة الصحة العالمية، التي أسستها الولايات المتحدة وعدد من القوى العالمية الأخرى في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بدور فريد في جمع ونشر المعلومات الحيوية إلى الحكومات الأجنبية، فيما يتعلق بالأمراض المعدية، وتنسيق بحوث التطعيمات، وتقديم المشورة الطبية المهمة والمعدات إلى الدول ذات الدخول المنخفضة، وذلك حسبما قال الخبراء.

لا بديل عنها في مواجهة الجائحة

ففي لحظةٍ يواجه خلالها العالم أسوأ جائحة على مدى 100 عام، ليس هناك بديل لدور منظمة الصحة العالمية، وفقاً لما أشار إليه توماس بوليكي، مدير برنامج الصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، في حديث لشبكة NBC News الأمريكية.

وأوضح بوليكي: “انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية يجعل الأمريكيين غير آمنين ويقوِّض المعركة العالمية ضد مرض كوفيد-19. لم يكن أداء منظمة الصحة العالمية مثالياً في هذه الجائحة، لكن العالم أكثر أماناً مع وجود البيانات والخبرة العلمية والتقنية التي تقدمها منظمة الصحة العالمية في حال حصولها على كامل الدعم”.

تعهد ترامب بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية في مايو/أيار، وأخطرت إدارته رسمياً الأمين العام للأمم المتحدة والكونغرس بالقرار الثلاثاء 7 يوليو/تموز. وسوف يكون خروج الولايات المتحدة من المنظمة سارياً بدايةً من 6 يوليو/تموز 2021.

أخبر متحدث باسم منظمة الصحة العالمية موقع NBC News بأنهم كانوا على دراية بالتقارير التي تشير إلى تقديم الولايات المتحدة إخطاراً رسمياً بالانسحاب، لكنه رفض التعليق بأكثر من ذلك.

“تقديم المنظمة على طبق من ذهب للصين”

اتهم البيت الأبيض منظمة الصحة العالمية بالفشل في مواجهة بكين فيما يتعلق باستجابتها الأولى لتفشي فيروس كورونا، وقال إن الولايات المتحدة لن تقدم مزيداً من التمويل إلى المنظمة بدون إجراء إصلاحات رئيسية. لكن خبراء الصحة العامة والمسؤولين الأمريكيين السابقين قالوا إن الانسحاب من المنظمة سوف يضعف من تأثير أمريكا على الصحة العالمية، ويتنازل بكل وضوح عن مساحة ليتركها للصين، التي أعلنت بالفعل خططها الرامية إلى زيادة إسهاماتها المقدمة إلى المنظمة التابعة للأمم المتحدة.

قالت إليزابيث كوزينز، الرئيسة والمديرة التنفيذية لمؤسسة الأمم المتحدة التي تدعم عمل الهيئات التابعة للأمم المتحدة: “تَحرُّك الإدارة للانسحاب رسمياً من منظمة الصحة العالمية وسط أكبر أزمة صحة عامة واجهها الأمريكيون والعالم منذ قرن، يعد تحركاً قصير النظر وغير ضروري وخطيراً بشكل لا لبس فيه. تعد منظمة الصحة العالمية الجهة الوحيدة القادرة على قيادة وتنسيق الاستجابة العالمية لمرض كوفيد-19”.

تقول إدارة ترامب إن قرارها المتعلق بمغادرة منظمة الصحة العالمية لن يؤثر على التزام البلاد بمكافحة الجائحة خارج الولايات المتحدة، وإن الولايات المتحدة خصصت أكثر من 10 مليارات دولار من أجل الاستجابة العالمية لمرض كوفيد-19. وقال المسؤولون إن الإدارة رعت فعلياً في تحويل أموال إلى منظمات صحية عالمية أخرى، وهي الأموال التي كان من المقرر إرسالها إلى منظمة الصحة العالمية.

وأوضحت الإدارة أن الانسحاب لن يضعف كذلك من الدور القيادي الذي تضطلع به الولايات المتحدة على صعيد الصحة العالمية والمساعدات الإنسانية. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن الولايات المتحدة “ملتزمة بضمان وصول عطائنا مباشرة إلى الأشخاص حول العالم”.

كيف ستتأثر المنظمة بالانسحاب الأمريكي؟

كانت الولايات المتحدة صاحبة الإسهام الأكبر في موازنة منظمة الصحة العالمية، وسوف يتسبب قرار ترامب بانسحاب بلاده في أزمة تمويل داخل المنظمة. فقد بلغ الإسهام السنوي الموجه لها من الولايات المتحدة 400 مليون دولار في العام الماضي، وهو ما يعادل تقريباً 15% من قيمة موازنتها. أما الصين، فقد بلغ إسهامها 40 مليون دولار.

سوف تضطر منظمة الصحة العالمية للبحث عن تمويلات إضافية من المانحين غير الحكوميين أو الحكومات الأجنبية، ما سيشكل مصدر تشتيتٍ غير مرغوب بالنسبة لمنظمة تسلط تركيزها على مواجهة الجائحة، وذلك وفقاً لما أشار إليه بوليكي وخبراء آخرون.

عودة شلل الأطفال والملاريا وأمراض أخرى

وبخلاف التأثير على جهود التصدي لجائحة كوفيد-19، سوف يحمل انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية كذلك خطراً سيتعرض له برنامج تطعيمات مرض شلل الأطفال، الذي طالما شكّل أولوية للولايات المتحدة مع الإدارات المتعاقبة داخل البيت الأبيض. يأتي قرار ترامب في وقت يعتقد فيه الأطباء أن مرض شلل الأطفال يوشك أن يُمحى تماماً من وجه الكوكب.

قال لورانس جوستين، مدير معهد أونيل لقانون الصحة الوطني والعالمي في جامعة جورج تاون: “بدون تمويل الولايات المتحدة ودعمها السياسي، ثمة احتمالية كبيرة بأن يشهد العالم عودة مرض شلل الأطفال الجامح”.

قال جوستين في حديثه مع موقع NBC News: “تعد الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً في جهود استئصال شلل الأطفال. إننا نقترب من نقطة استئصاله. لا يمكننا التوقف الآن”.

يتركز برنامج الأمم المتحدة لمكافحة شلل الأطفال في أفغانستان ونيجيريا وباكستان، حيث يتواصل ظهور مجموعات من الحالات كل عام. يقول الخبراء إن منظمة الصحة العالمية تستطيع العمل في أفغانستان وباكستان بفاعلية أكبر من عمل الولايات المتحدة وحدها، نظراً إلى أن المنظمة يُنظر إليها على أنها جهة موثوقة ومحايدة.

منذ إطلاق البرنامج في عام 1988، انخفضت حالات الإصابة بشلل الأطفال بنسبة 99%، بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية. قال كريج سبنسر، الأستاذ المساعد في مركز جامعة كولومبيا الطبي: “أسهمت الولايات المتحدة بعمل كبير في هذه الجهود. والانسحاب الآن يعد متهوراً وخطيراً”.

وأوضح جوستين أن مغادرة الولايات المتحدة يمكن أن تهدد برامج منظمة الصحة العالمية الأخرى التي تسعى لمحاربة الأمراض المقاومة للعقاقير، مثل السل والإيدز والملاريا، والتي تضمن وصول اللقاحات إلى الأطفال وتضمن الولادة الآمنة في البلاد الأفقر.

تصحيح الأخطاء

منذ تأسيس منظمة الصحة العالمية قبل أكثر من 70 عاماً، اضطلعت الولايات المتحدة بدور مهيمن في تشكيل خطط المنظمة وسياساتها. إذ إن الأمريكيين الذين يعملون في المنظمة يبلغ عددهم أكثر من عدد أصحاب الجنسيات الأخرى العاملين في المنظمة، بما في ذلك ثلاثة أمريكيين في المناصب العليا داخل المنظمة.

لكن إدارة ترامب وبعض الحلفاء الجمهوريين في الكونغرس يعتقدون أن منظمة الصحة العالمية كانت مبالغة في احترام ومراعاة الصين عندما بدأت الجائحة، وكانت تتلقى وتنقل المعلومات القادمة من بكين بدون تحفظات كافية. وشددت إدارة ترامب على أن المنظمة ساعدت في التستر على نطاق التفشي في مراحله الأولى، لكن المنظمة رفضت هذا الزعم رفضاً شديداً.

قدم بعض المشرعين الجمهوريين حججاً ضد قرار ترامب، وقالوا إن الولايات المتحدة يجب أن تبقى في منظمة الصحة العالمية لتعمل على إصلاح وتصحيح أي أخطاء ارتكبت في إطار استجابة المنظمة للجائحة.

قال النائب الجمهوري ويل هيرد في مقال رأي له نُشر في الشهر الماضي: “يريد حلفاؤنا كذلك إجابات، ومن أجل أن نحصل عليها نحتاج إلى إظهار القيادة العالمية والعمل مع البلاد ذات التفكير المماثل، لا أن نغادر عندما لا تسير الأمور وفقاً لما نريد”.

كذلك انتقد السيناتور الجمهوري لامار ألكسندر، رئيس لجنة الصحة في مجلس الشيوخ، تحرك الإدارة نحو الانسحاب. قال ألكسندر: “إذا كان لدى الإدارة توصيات محددة من أجل إصلاح منظمة الصحة العالمية، يجب عليها تقديم هذه التوصيات إلى الكونغرس، ويمكننا العمل معاً لتحقيق هذا”. فيما قال جو بايدن، المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، الثلاثاء 7 يوليو/تموز، إنه سوف يعيد الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية في أول يوم له في الرئاسة إذا فاز في الانتخابات.

تغطية على إخفاقات إدارة ترامب

واتهم أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي، وبعض مسؤولي الصحة السابقين، البيت الأبيض بقيادة ترامب بتسليط الضوء على منظمة الصحة العالمية والصين من أجل تشتيت الانتباه عما يقولون إنها إخفاقات الإدارة في التعامل مع الجائحة.

قال جيريمي كونينديك، أحد كبار الباحثين في مركز التنمية الدولية: “الحالة الكارثية للتفشي في الولايات المتحدة ليست نتيجة اتباع إرشادات منظمة الصحة العالمية، بل بدلاً من ذلك نتيجة تجاهل التحذيرات شديدة الإلحاح التي أطلقتها المنظمة بدءاً من أواخر يناير/كانون الثاني إلى الآن”. وتجدر الإشارة إلى أن كونينديك ساعد في الإشراف على استجابة إدارة أوباما لتفشي مرض الإيبولا في إفريقيا.

وأضاف: “إذا اتبعت الولايات المتحدة نصيحة منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بالاستعداد المبكر، وزيادة الاختبارات، وتتبع الإصابات، وتدابير الاستجابة الأخرى، لكُنَّا في موقف أفضل بكثير مما نحن فيه اليوم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى