السودان إلى أين؟ حقل ألغام من الخلافات بين المدنيين والعسكر يضع المرحلة الانتقالية على مفترق طرق
تتصاعد المخاوف بشأن الأمن والانتقال السياسي الديمقراطي في السودان، فالبلاد تشهد أزمتها السياسية “الأشد وطأة والأعظم خطراً” منذ الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في عام 2019 وأنهت 30 عاماً من بقاء الرئيس السابق عمر البشير في السلطة.
وتقول صحيفة The Independent البريطانية إن الانقسامات والمنافسة الشرسة بين الجنرالات العسكريين وشركائهم المدنيين في الحكومة حول تقاسم الحكومة أدَّت إلى تفاقم الأزمة مؤخراً، حيث شهد السودان، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أحداثاً متسارعة، تم فيها اعتقال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، ووزراء وسياسيين آخرين، فيما أعلن عبد الفتاح البرهان حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد.
ما يخشاه العسكر في السودان
تقول الصحيفة البريطانية إن قائد المجلس العسكري البرهان وغيره من جنرالات الحكم قاوموا مراراً دعوات من قادة “الحرية والتغيير” لإصلاح الجيش والقوات شبه العسكرية وغيرها من الأجهزة الأمنية التي يزعمون أنها لا تزال تحت سيطرة أتباع البشير. وردَّ الجيش على ذلك بأن تحالف قوى الحرية والتغيير يجدر به إجراء إصلاحات داخلية في صفوفه التي يتقاسم أفرادها المناصب والوزارات.
ويقول مراقبون إن القادة العسكريين كانوا يشعرون بالتوتر بشأن ما قد يحمله انتقال السلطة إلى المدنيين ومصير قبضتهم طويلة الأمد على الحكم. وأشار جوناس هورنر، كبير الباحثين في شؤون السودان في “مجموعة الأزمات الدولية”، إلى أن “الجيش يشعر بالقلق من احتمال فقدان مكانته وسلطته في ظل حكومة ديمقراطية يقودها مدنيون، لكن خوفهم الآني يتعلق أيضاً باحتمال خضوعهم للحساب على الانتهاكات التي ارتُكبت خلال حكم البشير وبعد سقوطه”، حسب تعبيره.
وأضاف هورنر أن الجنرالات قلقون أيضاً من “فقدان مكانتهم المهيمنة وذات الامتيازات على الاقتصاد السوداني”.
كان الإعلان الدستوري للبلاد، الذي وُقِّع بعد الانتفاضة، حدَّد موعداً لتسليم قيادة مجلس السيادة للمدنييين في مايو/أيار 2021. ومع ذلك، فإن اتفاقية السلام التي وُقعت العام الماضي أعادت تنظيم الترتيبات الانتقالية وأرجأت تسليم السلطة إلى المدنيين.
حقل ألغام من الخلافات بين المدنيين والعسكر
لطالما كانت العلاقة بين الجانبين متوترة وتهيمن عليها النزعة العدوانية الرامية إلى السيطرة على أدوات السلطة الرئيسية في السودان الذي يعد أحد أفقر البلدان في شمال إفريقيا. وقد كشفت محاولة الانقلاب في سبتمبر/أيلول، ولأول مرة، عن حقل ألغام من الخلافات حول رؤية القادة العسكريين والمدنيين لمستقبل السودان.
في أعقاب المحاولة الانقلابية، قال عبد الله حمدوك، رئيس وزراء الحكومة المدنية قبل حلها: “إن محاولة الانقلاب فتحت باباً للفتنة، ولتبادل الخلافات والاتهامات الخفيّة من جميع الجهات، وبهذه الطريقة نلقي بمستقبل بلدنا وشعبنا والثورة في مهب الريح”.
وكان الصراع الداخلي بين النخبة الحاكمة أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل في السودان. وأظهرت بيانات رسمية الشهر الماضي تباطؤ التضخم للمرة الأولى منذ أن بدأت الفترة الانتقالية من 422% في يوليو/تموز إلى ما يزيد قليلاً على 387% في أغسطس/آب.
انقسامات المدنيين دفعت الجيش لنهج أكثر حزماً
وقال هورنر، من مجموعة الأزمات الدولية، إن “الكتلة المدنية داخل الحكومة الانتقالية تتزايد معاناتها من انقسامات عميقة بين أطرافها أيضاً”.
كما يقول يزيد صايغ، الباحث في برنامج العلاقات المدنية العسكرية في الدول العربية في مؤسسة “كارنيغي”، إن “الجيش السوداني كان على استعداد للتعامل مع الأحزاب السياسية المدنية، ولكن عندما تبين له أن هذه الأحزاب غير موحدة، تحوَّل إلى نهج أشد حزماً من جهة الهيمنة على وضع الأجندة السياسية والتوجهات الحاكمة للبلاد استباقياً. وليس من قبيل المصادفة أن يشير البرهان إلى الجيش على أنه (الوصي) على السودان”.
في غضون ذلك، استولى قادة مجلس “نظارات البجا” في شرق السودان على أكبر الموانئ المطلة على البحر الأحمر في البلاد وقطعوا الطرق المؤدية إليه. وأفادت وكالة Bloomberg أن الحصار تسبب في تعطيل عمليات نقل تجارية بقيمة 126 مليون دولار، وقالت إن شركات النقل تخسر نحو 400 ألف دولار في اليوم، نقلاً عن مسؤولين بالميناء وشركات الشحن ونقابات عمالية.
لطالما كان استعراض القوة من خلال استعادة الاحتجاجات الجماهيرية هي استراتيجية الحرية والتغيير لمواجهة الشركاء العسكريين واحتواء التغييرات المفاجئة من الجنرالات. ويقول هورنر: “الكتلة المدنية لا تزال تلتزم النهج الرامي إلى عملية انتقال بقيادة مدنية، وتظل تعبئة الشارع هي الأمل الأجدى لمقاومة الضغوط من الجانب العسكري”.
التحرك الدولي البطيء
في السياق ذاته، طالب مجلس الأمن الدولي، في بيان، بالإجماع، مساء الخميس 28 أكتوبر/تشرين الأول بـ”عودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون” في السودان، والإفراج عن كافة المسؤولين المعتقلين خلال الانقلاب الذي أدى إلى سيطرة الجيش على السلطة.
وبيان مجلس الأمن الدولي الذي صدر بإجماع أعضائه، طالب بـ”عودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون” في السودان، وإطلاق سراح جميع من تم اعتقالهم على الفور. وطالب البيان، الذي صدر بعد مباحثات استمرت أياماً، باستئناف الحوار السياسي “من دون شروط مسبقة”، و”الإفراج فوراً” عن المعتقلين، واحترام “حق التجمع السلمي”.
ندد البيان في الوقت نفسه بـ”تعليق عمل بعض المؤسسات الانتقالية” وبفرض “حالة الطوارئ واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وأعضاء مدنيين آخرين في الحكومة”، داعياً “جميع الأطراف” إلى التزام أكبر قدر من ضبط النفس والامتناع عن العنف، وكذلك إلى “أهمية الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وبينها حق التجمع السلمي وحرية التعبير”.
وتوافقت الأطراف المكوِّنة لمجلس الأمن الدولي، على بيان بخصوص الانقلاب في السودان بعد محادثات عسيرة وبطيئة استمرت أياماً؛ إذ إن البيان المتفق عليه أعدته بريطانيا وعمدت روسيا إلى التخفيف من حدة مضمونه.
كما قال دبلوماسي لرويترز إنه، بناءً على إلحاح الصين، أخذ بيان المجلس في الاعتبار عودة رئيس الوزراء إلى منزله مساء الثلاثاء، رغم أنه لا يزال محروماً من حرية التحرك، وفق الأمم المتحدة.
وجرت المفاوضات بين أعضاء المجلس والتي بدأت بُعيد الانقلاب الإثنين على خلفية تجاذب حول السودان بين الغرب وروسيا. وكانت مسودة بيان أول في بداية الأسبوع تضمنت “إدانة بأشد العبارات” لانقلاب العسكريين قبل أن يتم شطب هذه العبارة من المسودة.