المُطبعون الجدد في حرج.. مفاجآت بمواقف الدول العربية من حرب غزة تؤشر لتغيير بخريطة العلاقات بالمنطقة
بين صمت وتنديد وتحرك دبلوماسي، جاءت مواقف الدول العربية من حرب غزة الحالية تحمل بعض المفاجآت التي تؤشر إلى الكثير من التغيرات في خريطة العلاقات السياسية بين دول المنطقة.
وقبل حرب غزة، بدا أن العرب قد نسوا القضية الفلسطينية، وانطلق قطار التطبيع بلا هوادة، ولكن مقاومة المقدسيين للاعتداءات على المسجد الأقصى، وكفاح سكان حي الشيخ جراح ضد محاولات طردهم، ثم أخيراً، اندلاع حرب غزة بسبب تضامن حركات المقاومة مع المقدسيين، أحدث كل هذا صدمة في الرأي العام العربي، وأثبت أن قضية فلسطين، وضمنها القدس وغزة وحتى عرب 48، في مقدمة اهتمامات الأجيال الجديدة قبل القديمة.
ولكن اللافت أن أغلب المواقف الشعبية العربية ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل تضييق عام على أي حراك شعبي في أغلب دول المنطقة.
أما مواقف الحكومات العربية الرسمية وكذلك المواقف التي تسمح بها هذه الحكومات، فلقد حملت بعض المفاجآت، فأنظمة كان يُنظر إلى على أنها مناهضة للمقاومة بدت أكثر حماسة في تحركاتها مثل حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بينما ساد الارتباك بين دول قطار التطبيع الجديد الذي يضم دولاً خليجية بالأساس إضافة إلى المغرب والسودان.
وكان قادة الدول العربية المُطبعة حديثاً مع إسرائيل، قد روجوا لقراراتهم أمام شعوبهم، بالقول إن التطبيع لحماية الفلسطينيين، ولمنع ضم باقي أراضيهم من قِبل إسرائيل، وهو ما أتى متناقضاً مع التطورات الأخيرة على الأرض، وأدى من وجهة نظر كثيرين في المنطقة العربية، إلى فضح وكشف مزاعم الدول العربية المُطبعة حديثاً، حسب وصف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”
أبرز مواقف الدول العربية من حرب غزة ومغزاها السياسي
إليك أبرز مواقف الدول العربية من حرب غزة، علماً بأن التقرير يركز على مواقف الحكومات، لأنه من نافلة القول تؤيد كافة الشعوب العربية القضية الفلسطينية، ولكن مواقف الشعوب محكومة في أغلب الدول العربية بالمساحة التي تتيحها الحكومات، ومقدار الزخم والاهتمام الذي يعطيه الإعلام في كل دولة عربية للقضية، علماً بأن الإعلام موجَّه في معظم الدول العربية.
مصر.. مفاجأة سارَّة
شكَّل الموقف المصري الرسمي من حرب غزة مفاجأة سارَّة بالنسبة للشعب الفلسطيني، وقطاع كبير من الشعب المصري، والمؤيدين للقضية الفلسطينية، بصفة عامة.
وبدا النهج المصري في حرب غزة الحالية معاكساً بشكل كبير للتغطية الإعلامية والتعامل السياسي مع المقاومة في حرب 2014، التي بدت فيها القاهرة في بعض الأحيان أقرب إلى إسرائيل ويركز إعلامها على تشويه حماس وأحياناً الشعب الفلسطيني، في مخالفة صريحة لتقاليد مصر العريقة الداعمة للقضية الفلسطينية.
ولكن في الأزمة الحالية، ظهرت مواقف قوية لوزير الخارجية المصري سامح شكري في بداية الأزمة، وحتى قبل اندلاع الحرب، وعندما كانت الأزمة مقتصرة على القدس، وظهر ذلك واضحاً، في كلمته باجتماع الجامعة العربية على المستوى الوزاري، بل إن الوزير المصري تساءل عن جدوى السلام بعد كل هذه السنوات.
وكان الموقف المصري أكثر قوة في كواليس الأزمة، وفقاً للتسريبات للإعلام عن الوساطة المصرية بين حماس وإسرائيل، والتي تبنت بشكل كبير، مطالب المقاومة، ومن ضمنها الربط بين وقف الاعتداءات على الأقصى والشيخ جراح، وهجمات المقاومة على إسرائيل.
ووصل الأمر إلى تسريب أنباء عن تهديد مصر لإسرائيل بوقف التعاون في ملفات عدة، ومغادرة الوفد المصري لتل أبيب غاضباً، ومازالت مصر تقوم بدور نشط في عملية الوساطة، في ظل إشادة من قِبل حركات المقاومة الفلسطينية بدورها.
ولكن اللافت هو التغطية الإعلامية الإيجابية لدور المقاومة في الحرب، لاسيما دور حماس، حتى لو لم تكن تغطية مكثفة، وفتح باب التبرع لفلسطين عبر جهات رسمية واستقبال الجرحى الفلسطينيين، وإرسال أطباء لغزة.
وكان من الأمور ذات المغزى الخطبة القوية التي ألقاها رئيس جامعة الأزهر الأسبق، الدكتور أحمد عمر هاشم، في الجامع الأزهر برمزيته الدينية والتاريخية والتي هاجم فيها إسرائيل بشدة وطالب الحكامَ العرب، بدعم الفلسطينيين ضد ظلم إسرائيل، أما الأغرب فترديده الشعار الشهير الذي كان يقوله الرئيس جمال عبدالناصر، وهو “ما أخذ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالقوة”، وهو الشعار التي توقفت مصر الرسمية عن ترديده منذ توقيعها اتفاقية السلام مع إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي.
بل وصل الأمر لدعوة أحمد عمر هاشم إلى تشكيل “قوات ردع عربية إسلامية من كل المذاهب وهي تعني مشاركة الشيعة، بما فيها من دعوة ضمنية إلى الانفتاح على المحور الإيراني، حسب صحيفة “رأي اليوم” الإلكترونية اللندنية، وهو غمز واضح من قناة السعودية والإمارات.
ولكن التطور الأبرز، كان إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن تبرع القاهرة بـ500 مليون دولار، لإعمار غزة على أن تتولى الشركات المصرية تنفيذ هذه المشاريع، وهي بادرة غير مسبوقة، فلم يسبق لمصر، في أفضل عصور علاقتها مع فلسطين، التبرع بمبلغ ضخم هكذا، خاصةً أن مصر ليست دولة غنية حتى لو تحسنت ماليتها بفضل الإصلاح الاقتصادي الصارم الذي نفذته السنوات السابقة.
دوافع القاهرة إلى هذا التغير معقدة، وهي لا تقتصر فقط على التخلي عن السياسات السلبية تجاه القضية الفلسطينية التي صدمت كثيراً من المصريين والعرب، وليس سببها فقط استعادة القاهرة علاقتها مع حماس قبل عدة سنوات.
ولكن من الواضح أن ما حدث جزء من عملية إعادة مراجعة واسعة للسياسة المصرية، قد تكون جرت من قِبل الأجهزة المختصة واقتنع بها الرئيس المصري.
ومما حفَّز هذه المراجعة التهدئة من قِبل قطر وتركيا تجاه مصر، والتي تزامنت مع خلافات مع الإمارات في الملف الليبي وغضب القاهرة من موقف أبوظبي الداعم لإثيوبيا في ذورة أزمة سد النهضة، وأيضاً هناك حديث عن غضب مصري من تقديم إسرائيل أنظمة صواريخ سبايدر إلى أديس أبابا؛ لحماية سد النهضة، رغم أنه يُفترض أن العلاقة بين القاهرة وتل أبيب أصبحت في أفضل حالاتها في عهد الرئيس السيسي.
كما تبدو القاهرة قلقة من الأنشطة العسكرية الإماراتية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر والتي تبدو مفيدة لإسرائيل وإثيوبيا أكثر من أي طرف آخر، إضافة إلى التجاهل الغريب لمصر في المنتدى الذي أطلقته إسرائيل والإمارات وقبرص واليونان في شرق المتوسط مؤخراً.
والأكثر ارتباطاً بهذه الأزمة، قلق القاهرة من قطار التطبيع الذي تقوده الإمارات، والذي لا يهدد دورها بالنسبة في المنطقة كأكبر صديق للغرب، ودورها كذلك كوسيط بين العرب والإسرائيليين؛ بل يهدد قيادتها للمنطقة في العديد من الأصعدة إذا أُزيل حاجز العداء العربي لإسرائيل.
والأخطر بالنسبة للقاهرة، هو مشاريع التعاون بين الإمارات وإسرائيل في مجال النقل، والتي تمثل منافساً إن لم يكن بديلاً لقناة السويس، مثل خط أنابيب إيلات عسقلان، والاستثمار الإماراتي في ميناء حيفا.
يشير كل ما سبق، إلى تناقض جذري بين مصالح القاهرة وتل أبيب وأبوظبي (حليف إسرائيل الأول في المنطقة)، ولكن قد تكون هناك رغبة من الحكومة المصرية أيضاً في تبديد التوتر الداخلي مع كثير من القطاعات المؤيدة تقليدياً لفلسطين مثل الناصريين واليساريين وذوي التوجهات الإسلامية غير الحركية وفئات واسعة من الشباب، وجيل ثورة يناير.
ولا يمكن استبعاد أن الموقف المصري الإيجابي نحو غزة والمقاومة يهدف ضمن أهداف أخرى، إلى إبعاد النظر عن وصول أزمة سد النهضة إلى طريق مسدود، وهو ما تبدَّى في إعلان وزير الخارجية المصري الأخير، سامح شكري، أن القاهرة ستتغلب على تأثيرات الملء الثاني للسد عبر إجراءات داخلية تعتمد على المخزون المائي للسد العالي وترشيد استخدام موارد المياه.
في كل الأحوال، قد يكون الموقف المصري إزاء حرب غزة بدايةً لإعادة تموضع مصري بالمنطقة، ولا يمكن استبعاد مزيد من التقارب مع قطر وتركيا، وأيضاً قدر من التطبيع مع قطاعات كبيرة من الشعب المصري كانت ساخطة على الوضع السابق.
السعودية.. موقف حذِر
أدانت السعودية بشكل قاطع، الممارسات الإسرائيلية، على لسان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي قيل من قبلُ إنه أوقف أو أبطأ قطار التطبيع الذي كان يقوده نجله وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
ولكن بصفة عامة، فإنَّ رد الفعل السعودي يمكن وصفه من حيث الكثافة بالمتوسط، وأقل من رد الفعل السعودي التقليدي القديم، وكذلك ليست هناك مظاهر للسماح بردِّ فعل شعبي قوي، وقد يكون ذلك مرده قلق القيادة الحالية للمملكة من فكرة التفاعل الشعبي، لأنه يمكن أن يكون تدريباً لحراك شعبي في أمور أخرى حساسة.
وفي هذا الصدد كان لافتاً الموقف السلبي لأحد مشاهير المُطبعين السعوديين الذي هاجم فيه الفلسطينيين والمقاومة، والذي لا يمكن اعتباره عفوياً أو منطلقاً من دوافع ذاتية، ولكن يمكن اعتباره أداة غير مباشرة لكبح التعاطف الشعبي مع غزة، أو بمثابة إنذار للمتعاطفين مع فلسطين.
ولم ينتشر هاشتاغ “فلسطين ليست قضيتي” في السعودية مثل بعض الدول الخليجية الأخرى.
بل، ردَّ عدد كبير من السعوديين على هاشتاغ (فلسطين ليست قضيتي) بنشر صور للعاهل السعودي الملك سلمان مع عبارته “القضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى”، حسب موقع “يورو نيوز”.
وفي 13 مايو/أيار 2021، بث التلفزيون السعودي لقطات لإمام الحرم المكي وهو يدعو أن ينتصر الفلسطينيون على “أعداء الله”، بعد أقل من عام على حثه على عدم انتقاد اليهود بعد “اتفاقيات أبراهام”، في سبتمبر/أيلول الماضي.
ولكن حتى قبل حرب غزة، يبدو أن الحماسة السعودية للتطبيع غير العلني قد خفتت منذ بضعة أشهر، وقد يكون ذلك بسبب ذهاب الرئيس الجمهوري المؤيد لإسرائيل دونالد ترامب وصهره غاريد كوشنر عراب صفقة القرن من البيت الأبيض، وهما الطرفان اللذان كانا يدفعان إلى تطبيع سعودي علني، وكانا مستعدَين لتقديم ثمن باهظ مقابله.
واليوم مع وجود إدارة أمريكية ديمقراطية لا تلقي بالاً للشرق الأوسط وتأخذ موقفاً سلبياً من الأمير محمد بن سلمان، ويُعرف عنها أنها لا ترتاح لنتنياهو، فإن التطبيع مع إسرائيل لم يعد مفيداً إلى حد كبير، في تعزيز وضع الرياض داخل واشنطن.
كما أن التحالف الذي يجرى الحديث عنه بين إسرائيل والسعودية ضد إيران، تراجعت أهميته في ضوء إصرار بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي، والأهم في ضوء الحديث عن مفاوضات سعودية-إيرانية قد تخفف التوتر بين البلدين، بل قد تحلحل بعض الملفات الخلافية.
لا يعني ذلك ضرورة تخلي الرياض عن بعض التعاون الأمني والتقني مع إسرائيل، ولكن في ظل وجود بايدن ثم حرب غزة، وما يثار عن خلاف مصري مع الإمارات وإسرائيل، كل ذلك يجعل تكلفة التقارب مع إسرائيل وعلانيته، كبيرة بالنسبة للرياض، وقد تعني أنها قد تكون أبطأت هذا الملف أو حتى جمدته.
ويُعتقد على نطاق واسعٍ أن السعودية قد أعطت مباركة ضمنية لقرار جارتيها البحرين والإمارات، العام الماضي، إقامة علاقات مع إسرائيل. لكن الرياض أحجمت عن الاعتراف بإسرائيل، وأصبح إقدامها على الخطوة الآن مستبعداً أكثرَ، في الأجَل المتوسط على الأقل، حسب موقع “يورو نيوز”.
ونقل الموقع عن نيل كويليام، الباحث الزميل بمعهد تشاتام هاوس، قوله إنه سيكون “من المحال” أن تفكر القيادة السعودية الآن في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ليس قبل عامين على الأقل.
وبصفة عامة فإن الموقف السعودي من قضايا المنطقة يبدو أنه خاضع لما يمكن وصفه بعملية تقييم أو قراءة، قد تكون أقل درجة من العملية المصرية المماثلة، ولكن الحماسة السعودية للتحالف مع الإمارات واستعداء إيران والتطبيع مع إسرائيل يبدو أنها ليست في أوجها.
الإمارات.. الإحراج الأكبر
تبدو الإمارات أكثر المحرجين من الأزمة الحالية، فلقد جاءت الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى وحي الشيخ جراح في ذروة التقارب مع إسرائيل، وهو التقارب الذي تعدَّى التطبيع إلى التحالف الوثيق.
وكما يقول محلل الشؤون الأمنية، بالـ”بي بي سي”، فرانك جاردنر، في تقرير له، فإن حكومات الدول العربية الموقعة، على اتفاقات التطبيع الأخيرة والتي عرفت بـ”اتفاقات أبراهام”، تجد نفسها حالياً في موقف غير مريح على الإطلاق، خصوصاً الإمارات والبحرين.
وبينما يأتي الانتقاد الرسمي الإمارتي لإسرائيل الآن متوازناً في أغلب الأحيان، يظهر بالمقابل تعبير شعبي عن انتقاد شديد اللهجة للطرف الآخر(الفلسطينيين)، حسب موقع “يورو نيوز”، علماً بأن هذه المواقف على الأرجح مدفوعة حكومياً وعلى الأغلب أكثر تمثيلاً لموقف النظام الإماراتي الحقيقي من البيانات الرسمية.
ووصل الأمر أحياناً في الإمارات، التي تعادي منذ وقت طويل، حركات الإسلام السياسي، إلى ترديد نقاط تستند إليها الأحاديث الإسرائيلية عند إدانة مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير غزة.
فقد كتب وسيم يوسف، وهو داعية إسلامي في الإمارات، بحسابه على تويتر، والذي يتابعه 1.6 مليون شخص: “تطلق حماس صواريخ بين مساكن ومنازل الناس، وحينما يأتي الرد تتباكى حماس وتصرخ أين العرب أين المسلمون؟ جعلتم غزة مقبرة للأبرياء والأطفال!”.
وفي بلد تراقب فيه السلطات مواقع التواصل الاجتماعي عن كثب، كتب إماراتي آخر هو منذر الشحي على تويتر: “لن أقف أو أتعاطف مع أي جماعة إرهابية مثل حماس، لنصرة أي قضية وإن كانت مغلَّفة بغلاف الإنسانية والدين. #لا_للإرهاب”.
حتى إن هاشتاغ #فلسطين_ليست_قضيتي بدأ ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بين بعض الخليجيين، حسب “يورو نيوز”.
وأدانت الإمارات اقتحام المسجد الأقصى وتهجير الفلسطينيين في حي الشيخ جراح.. ولكن اللافت أنه فيما يتعلق بغزة ساوت أبوظبي بين إسرائيل والفلسطينيين، إذ أعرب وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، عن قلق بلاده “البالغ” إزاء تصاعد “أعمال العنف” في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وتقدمها بـ”خالص التعازي في جميع الضحايا” الذين سقطوا جرّاء “أعمال القتال الأخيرة”، بحسب بيان للخارجية الإماراتية.
كما أثارت تغريدة نشرها حساب السفارة الإماراتية في إسرائيل، تهنئ من خلالها الإمارات الدولةَ العبرية بذكرى استقلالها، بالتزامن مع قصف إسرائيلي لقطاع غزة، جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي مواجهة تركُّز الانتقادات للدول المُطبعة على الإمارات بشكل رئيسي، قال وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إنَّ تعاطف بلاده مع القضية الفلسطينية “متأصل” و”لا نحتاج من يزايد عليه”.
المغرب.. الشارع يتحرك والسفير الإسرائيلي يغادر
يمثل المغرب حالة خاصة بين المُطبعين الجدد، ففي الأغلب الرباط التي احتفظت تاريخياً بعلاقة نصف سرية ونصف معروفة مع إسرائيل، لم تدخل في قطار التطبيع نكاية في الإسلاميين أو إيران، بل في منتهى البساطة قام المغرب بالتطبيع لينال في المقابل اعترافاً أمريكياً خليجياً بمغربية الصحراء، إضافة إلى تقليل الضغوط الخليجية بعد غضب الرياض وأبوظبي عليه؛ لوقوفه على الحياد في الأزمة القطرية وعدم تنكيله بالإسلاميين المحليين لديه.
ومن هنا قدَّمت الرباط التطبيع على أنه ضرورة وطنية، لا تتعارض مع التزام المملكة بالقضايا الفلسطينية (المغرب يرأس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي).
وفي موقف مثير للجدل، اضطر الحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي يقود الحكومة، إلى القبول بهذا التطبيع، مُعرِّضاً نفسه لأزمة داخلية جرى احتواؤها.
ومع اندلاع حرب غزة، تجد الرباط نفسها في مأزق أصعب قليلاً من باقي المطبعين العرب، القديم منهم والحديث، بل أصعب من موقف معظم الدول العربية، ألا وهو أن المغرب الذي يتمتع ببعض الحريات والتقاليد السياسية المنفتحة مقارنة بأشقائه العرب، معروف عنه رغم عدم انخراطه في القضية الفلسطينية، حماسة شعبه للتظاهر وتأييد الفلسطينيين في الأزمات.
وبالتالي فإن قدرة الرباط على كبح التأييد الشعبي للفلسطينيين ومنع إدانة التطبيع أدنى من شركائه من المطبعين الآخرين.
وفي مواجهة هذا المأزق، كانت أقوى المظاهرات المنددة بجرائم الاحتلال والمساندة لفلسطين على مستوى العالم العربي، تلك التي خرجت في مدن المغرب، كما أن التفاعل الرسمي وبالمقارنة مع باقي الدول العربية المُطبعة كان لافتاً، حسبما نقل موقع “بي بي سي” عن نزار بولحية، في صحيفة “القدس العربي” اللندنية.
فقد انتقل المغرب وبشكل تدريجي، من إرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى الضفة والقطاع، إلى وصف رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، في حديث لقناة الجزيرة، القصف الإسرائيلي على غزة بأنه “عدوان ممنهج” و”جرائم حرب” ضد المدنيين. فضلاً عن أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين العثماني ورئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، أكد من خلاله المسؤول المغربي “رفض المملكة المغربية القاطع لجميع إجراءات سلطة الاحتلال، التي تمس بالوضع القانوني للمسجد الأقصى والقدس الشريف، أو تمس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني'”.
وبعدما تحول إلى ضيف شبه دائم على الصحافة، ونجم لمواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، اختفى دافيد جوفرين، القائم بالأعمال الإسرائيلي عن الأنظار، فور انطلاق العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة وكل فلسطين.
جوفرين كتب في تغريدة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أنه “اضطر للانتقال إلى إسرائيل وذلك للاطمئنان على الحالة الصحية لوالدي الذي يرقد بالمستشفى”.
ورغم الصمت الرسمي المغربي على خلفيات مغادرة القائم بالأعمال الإسرائيلي في هذا الوقت بالذات، إلا أن مصادر “عربي بوست” شددت في تقرير سابق على أنه لا دخان بدون نار، والرباط تستعمل ما تملكه من وسائل ضغط لتحقيق السلام في المنطقة، في تلميح إلى علاقة ما بين مغادرة السفير الإسرائيلي والعدوان على غزة.
وحتى قبل حرب غزة، كان هناك خلاف بين المغرب وإسرائيل حول مستوى التمثيل والعلاقات بين الجانبين، حيث كشفت مصادر “عربي بوست” أن “إسرائيل تعتبر نفسها أمام اتفاق سلام مع المغرب، بينما ترى الرباط أن الأمر لا يتجاوز إعادة فتح مكتب اتصال، سقفه مكتب الاتصال الذي افتتح سنة 1998 وأغلق في 2000 بعد الانتفاضة”.
وتابعت المصادر ذاتها أن من أسباب الخلاف أن إسرائيل روجت لأن جوفرين سيحظى باستقبال العاهل المغربي، أو بحد أدنى رئيس الحكومة، باعتباره سفيراً، لكن الواقع أن موظفي وزارة الخارجية هم من تسلم أوراق اعتماد القائم بالأعمال الإسرائيلي.
وأضافت المصادر ذاتها أن مقر مكتب الاتصال هو أيضاً يحظى بخلاف بين الجانبين، فإسرائيل تريده مكتباً كبيراً حتى تستطيع تحويله إلى سفارة، بينما عرضت الرباط العودة إلى المقر القديم لمكتب الاتصال، وهو ما رفضته تل أبيب، فيما تشبث المغرب بالعرض الذي قدمه.
ويرى عبدالسلام الشامخ، في صحيفة “هسبريس” الإلكترونية المغربية، أن المملكة المغربية “لا تريد خسارة أي طرف من أطراف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لذلك فهي تارة ترفض التصعيد وتطلب وقف كل أشكال الحرب التي تستهدف المدنيين، وتارة أخرى ترسل مساعدات إنسانية إلى الشعب الفلسطيني، الذي يواجه امتحاناً صعباً، مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، حسب ما نقل عنه تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
الأردن.. الوصاية على الأقصى وانتقام ذاتي
كان الموقف الأردني قوياً على المستويين السياسي والشعبي، وهذا متوقع بالنظر إلى العلاقة الخاصة بين الأردن والفلسطينيين، الذين يمثلون نحو نصف سكان المملكة، وكذلك الوصاية الهاشمية على القدس، إضافة للعلاقات الأمنية القوية والمرنة مع إسرائيل.
ولكن لا يمكن استبعاد أنَّ حدة موقف الأردن نابعة أيضاً من غضب الملك عبدالله من الضغوط التي مارسها نتنياهو وحلفاؤه الخليجيون وترامب قبل خروجه من البيت الأبيض على عمّان، ليست فقط للتخلي عن ثوابت القضية الفلسطينية عبر صفقة القرن، بل تهديد وجود المملكة عبر طرحها كوطن بديل للفلسطينيين.
هذا إلى جانب ضغوط أخرى مورست عليه في الأزمة مع قطر والعلاقة مع تركيا وغيرها من النقاط الخلافية بين المحور الخليجي والأردن، الذي يعتمد على جيرانه الخليجيين مادياً بشكل كبير.
الجزائر.. موقف تاريخي داعم للقضية الفلسطينية وقلق من التظاهر
تعدُّ الجزائر تاريخياً واحدة من أكثر الدول العربية دعماً للقضية الفلسطينية شعبياً وحكومياً، وقد سارعت إلى إدانة إسرائيل ومطالبة مجلس الأمن بالتحرك وإرسال مساعدات لغزة.
ولكن اللافت أن هناك تقارير عن منع الجزائر مظاهرات لدعم غزة، منها مسيرة كان يقودها الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، علي بلحاج، بعد صلاة الجمعة في مسجد الوفاء بالعهد في العاصمة الجزائرية.
وبصفة عامة، تبدو مشكلة الجزائر الأساسية حالياً مع وضعها الداخلي، وقلقها من تحوُّل أي حراك أو مظاهرات داعمة لفلسطين إلى إثارة قضايا داخلية.
قطر.. تنسيق مع مصر ودعم لغزة
تعتبر قطر داعماً للقضية الفلسطينية ولديها علاقة وثيقة مع حركة حماس، كما أنها الرئيس الحالي لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، وعضو في اللجنة التي شكَّلها مجلس الجامعة “للتحرك والتواصل مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها من الدول المؤثرة دولياً؛ لحثها على اتخاذ خطوات عملية لوقف الإجراءات والسياسات الإسرائيلية غير القانونية في القدس”، والتي تضم كلاً من الأردن والسعودية وفلسطين ومصر والمغرب، إضافة للدوحة.
ويُعتقد أن الدوحة هي الداعم المالي الرئيسي لقطاع غزة.
وتلعب قطراً دوراً في الوساطة بين إسرائيل والمقاومة، وأشاد بجهودها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وخالد مشعل رئيس إقليم الخارج في حماس.
ولكن اللافت هو إجراء اتصال بين وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، والمصري سامح شكري، فى إطار التنسيق المتواصل بين البلدين في الأزمة.
وقد اتفق الوزيران على أهمية العمل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بشكل فورى بين الجانبين، كما اتفقا على استمرار التنسيق في الإطار الثنائى كما في الأطر الإقليمية والدولية حول ما فيه تحقيق مصلحة الشعب الفلسطينى والتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
كما أكد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، أن بلاده تدعم جميع الجهود المخلصة لوقف التصعيد في القدس وغزة، مثمناً الجهود الأردنية والمصرية بهذا الشأن.
لا يمكن استبعاد أن هذا التنسيق بين مصر وقطر قد يمتد إلى ملفات أخرى، أو أنه يعبر عن تغيير ما في خارطة العلاقات بالمنطقة بحيث تتحول التهدئة المصرية مع تركيا وقطر إلى شكل من التعاون والتقارب والتنسيق إزاء الرؤية العامة للمنطقة.
تونس.. تحرك رسمي ودعوات لتجريم التطبيع
كان الموقف التونسي قوياً في ظل دور الإسلاميين والقوميين بالبلاد، وطبيعة الحكم الديمقراطية، إضافة إلى أن تونس هي العضو العربي في مجلس الأمن، وبالفعل قامت بدور ناشط في هذا الصدد.
وشهدت العاصمة التونسية مظاهرات حاشدة تضامناً مع الفلسطينيين ضد القصف الإسرائيلي، ومطالبات للبرلمان بالتصديق على مشروع قانون يُجرِّم التطبيع مع إسرائيل.