النادي النووي.. ماذا لو قررت غالبية الدول بما فيها حلفاء أمريكا امتلاك سلاح ردع خاص؟

يضم النادي النووي حالياً 9 دول فقط، منها اثنتان فقط أعداء لأمريكا هما روسيا والصين ودولة إسلامية، فماذا لو قررت دول أخرى امتلاك سلاح نووي كرادع ضد التهديدات التي تتعرض لها؟

هذه الفرضية تحوّلت إلى نقاش فعلي خلال السنوات الأربع الماضية بسبب سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب “أمريكا أولاً”، التي زعزعت ثقة الحلفاء قبل الأعداء في موثوقية واشنطن، كحليف وشريك يعتمد عليه في مواجهة التهديدات الخارجية لأمن الدول التي تخلت عن الطموح النووي رغم امتلاكها إمكانات تطويره وامتلاكه.

وقد ناقشت مجلة Foreign Affairs هذا السيناريو الافتراضي من وجهة النظر الأمريكية، وبدأته بتصور مستقبلي عن عام 2030. أجهزة مراقبة الزلازل ترصد للتوِّ انفجاراً نووياً غير مُتوقِّعٍ تحت الأرض، ما يشير إلى انضمام دولة أخرى إلى النادي المتنامي للدول المُسلَّحة نووياً.

Shutterstock/ المعاهدات النووية بين أمريكا وروسيا
Shutterstock/ المعاهدات النووية بين أمريكا وروسيا

هناك الآن 20 دولة من هذا القبيل، أي أكثر من ضعف العدد في العام 2021. وما يثير الدهشة أن هذا الانتشار النووي لم يأتِ من الدول المارقة المُصمَّمة على الابتزاز النووي، بل من مجموعة البلدان التي يُنظَر إليها عادةً على أنها حذرةٌ وملتزمة بالقواعد: حلفاء الولايات المتحدة. ورغم أنهم تخلوا عن امتلاك قدراتٍ نووية منذ عقود حين وقَّعوا اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية، غيَّرَ هؤلاء الحلفاء رأيهم وانسحبوا من الاتفاقية، وهي الخطوة التي أدَّت إلى المزيد من الانشقاقات مع تسابق الدول في جميع أنحاء العالم لامتلاك قنبلةٍ نووية. وهكذا تضاعَفَ عدد صُنَّاع القرار النوويين، ما زاد من إمكانية وقوع احتمالٍ مرعب: أن أحد هذه الأسلحة القوية قد ينفجر.

سيناريو نووي لم يعد افتراضياً تماماً

هل هذا السيناريو خيالي أكثر من اللازم؟ ربما، لكنه أصبح الآن أكثر واقعية مِمَّا يعتقده كثيرون، فرغم أن تهديد الانتشار النووي قد تركَّزَ في الشرق الأوسط وآسيا في العقود الأخيرة، لم يكن هذا هو الحال دائماً.

في الستينيات، كانت واشنطن قلقةً من تحوُّل حلفائها الآسيويين والأوروبيين إلى الأسلحة النووية. وتوقَّع مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أنه بحلول منتصف السبعينيات من القرن الماضي، قد يكون هناك ما بين 10 إلى 15 قوة نووية في العالم، بما في ذلك أستراليا وألمانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا. وصُمِّمَت معاهدة منع الانتشار النووي لمنع هذا الاحتمال، ومنذ توقيعها عام 1968، حصلت 4 دول فقط (الهند وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية) على أسلحةٍ نووية واحتفظت بها. ويُعزى هذا النجاح في جزءٍ كبيرٍ منه إلى جهود الولايات المتحدة المتضافرة لتوسيع مظلَّتها النووية إلى أراضي الحلفاء. وهذا ما طمأن حلفاء الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا بأنهم سيُحمون من أيِّ هجومٍ وترهيب نوويَّين، فقرَّروا عدم تطوير قدراتهم النووية.

أسلحة نووية /رويترز

لكنهم الآن ربما يعيدون التفكير في هذا القرار. في كلٍّ من آسيا وأوروبا، يواجه حلفاء الولايات المتحدة تهديداً عسكرياً متزايداً من القوى المُسلَّحة نووياً، إذ تصبح كلٌّ من الصين وروسيا أكثر عدوانية، وتقومان بتحديث قواتهما النووية. وفي الولايات المتحدة، يرى الحلفاء حكومةً انسحبت من الاتفاقيات طويلة الأمد للحدِّ من التسلُّح، وشعباً لم يعد يبدو ملتزماً بالمشاركة العالمية. كلُّ هذا جعل حلفاء الولايات المتحدة يتساءلون عمَّا إذا كان لا يزال بإمكانهم الاعتماد على واشنطن في دفاعهم وأمنهم، أو ما إذا كان الوقت قد حان للتفكير في امتلاك قنبلة نووية.

وحالياً يضم النادي النووي (التسمية غير الرسمية لمجموعة الدول التي تمتلك أسلحة نووية) أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وإسرائيل وكوريا الشمالية، علماً أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم تعترف رسمياً ولم تنفِ رسمياً امتلاكها أسلحة نووية، فيما يعرف باسم استراتيجية الغموض النووي.

بايدن يسعى لطمأنة الحلفاء.. ولكن

في خطاب تنصيبه، تعهَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن قائلاً “سنصلح تحالفاتنا”، لكن بعد أن فعلت إدارة ترامب الكثير لبث عدم الثقة، سيتطلَّب الأمر أكثر من مجرد كلمات لطمأنة الحلفاء بالتزامات الولايات المتحدة ومحو أيِّ أفكار للانضمام إلى النادي النووي. سيتطلَّب الأمر أيضاً أن تُتَّخَذ خطواتٌ نشطة لتعزيز الثقة في الضمانات النووية للولايات المتحدة، وتنشيط التعاون الدفاعي مع الحلفاء، وإعادة التفكير بشكلٍ كاملٍ في الحدِّ من التسلُّح. هذه أجندةٌ كبيرة، لكنها قابلة للتنفيذ.

خرجت معظم النقاشات في عواصم الحلفاء حول المظلة النووية للولايات المتحدة خارج نطاق الرؤية العامة، ولكن بوادر القلق بدأت في الظهور. في ألمانيا، نشأت شكوكٌ داخل الدوائر الرسمية حول موثوقية الولايات المتحدة، وطرحت أصواتٌ متعالية خارج الحكومة بدائل محتملة للضمان النووي الأمريكي. اقترح البعض الاعتماد بدلاً من ذلك على مظلةٍ نووية أوروبية تتكوَّن من مزيجٍ من القوات الفرنسية والبريطانية، ربما بدعمٍ مالي من ألمانيا ودول أوروبية أخرى غير نووية. ومن جانبها، دعت فرنسا الدول الأوروبية إلى “حوارٍ استراتيجي” حول رادعها النووي وربما المشاركة في التدريبات النووية.

الرئيس الأمريكي جو بايدن/رويترز

وفي بولندا، كانت هناك دعواتٌ لتعزيز الردع النووي في أوروبا، حيث رحَّب ياروسلاف كاتشينسكي، زعيم الحزب الحاكم في البلد، بفكرة الاتحاد الأوروبي كقوةٍ نووية ذات ترسانة أسلحة مساوية لترسانة روسيا. وأبدت تركيا أيضاً اهتماماً بامتلاك قنبلة نووية، وأشار رئيسها رجب طيب أردوغان إلى أنه منفتحٌ على إمكانية امتلاك بلاده إياها. وقال: “لدى العديد من الدول الأوروبية صواريخ برؤوسٍ نووية -وليس دولة أوروبية واحدة أو اثنتين- في حين أننا لا يمكننا الحصول عليها. هذا لا يمكنني قبوله”.

وتظهر مشاعر مماثلة في آسيا أيضاً. تشعر اليابان، الدولة الوحيدة في التاريخ التي تعرَّضَت لهجومٍ نووي، بالقلق إزاء استمرار موثوقية المظلة النووية الأمريكية، خاصةً أن جيرانها المُسلَّحين نووياً أصبحوا أكثر عدوانية. وليست الشكوك حول موثوقية الولايات المتحدة شيئاً جديداً في اليابان، ففي سبعينيات القرن الماضي أخَّرت اليابان التصديق على معاهدة منع الانتشار النووي لأكثر من خمس سنوات، خوفاً من أن المعاهدة ستكرِّس دونيتها النووية، وأن مظلة الولايات المتحدة قد لا تكون كافية لضمان أمن اليابان. واليوم، تفاقمت هذه المشاعر بفعل الإصرار الصيني الجديد والتقدُّم النووي الذي أحرزته كوريا الشمالية. ورغم أن المسؤولين اليابانيين لا يثيرون علانيةً احتمال أن تمتلك بلادهم ترسانةً نووية خاصة بها، تواصل اليابان الاحتفاظ بالمواد والمعرفة للقيام بذلك بسرعة إذا قرَّرَت ذلك بالفعل.

وكانت كوريا الجنوبية تتساءل عن افتقارها إلى ترسانةٍ نووية، واختبرت كوريا الشمالية لأول مرة سلاحاً نووياً في عام 2006، وفي السنوات التي تلت ذلك صنعت عشرات الأسلحة ومئات الصواريخ، بعضها يمكن أن يصل إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة. ومِمَّا زاد من مشاعر عدم الأمان في كوريا الجنوبية في عام 2019، أن إدارة ترامب ألغت التدريبات العسكرية المشتركة مع البلاد، وطالبت بمضاعفة المبلغ الذي تدفعه 5 مرات لامتياز الاحتفاظ بعشرات الآلاف من القوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية. ورغم أن قلةً من الكوريين الجنوبيين هم فقط من دافعوا عن وجود رادع نووي وطني، فإن المزيد والمزيد منهم يريدون تطمينات أكبر من الولايات المتحدة. ودعا الكثيرون واشنطن إلى إعادة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية -قصيرة المدى وذات القدرة المنخفضة- التي سحبتها بعد الحرب الباردة.

محاكمة دونالد ترامب عزل ترامب الجمهوريون الديمقراطيون
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب – رويترز

وأخيراً، في أستراليا، أدَّى القلق المتزايد بشأن الصين إلى ما وصفته الحكومة الأسترالية بأنه أكبر عملية لإعادة تنظيم سياساتها الدفاعية الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الثانية، بمعنى التركيز الواضح على الدفاع عن أمنها القومي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، التي تعجُّ بالمنافسة بين القوى العظمى وتصاعد فرص الصراع. ورغم أن أستراليا لم تشرع في إعادة التفكير بعد في امتناعها عن امتلاك سلاح نووي، فقد قرَّرَت اكتساب قدرات هجومية بعيدة المدى لتعزيز مصداقية موقفها الدفاعي والردعي. وإذا كانت الشكوك حول موثوقية الولايات المتحدة أكثر من مجرد ظاهرة مؤقَّتة، فقد يؤدي نفس المنطق إلى تجدُّد الجدل حول سياسة أستراليا غير النووية.

ويرى تقرير مجلة Foreign Affairs أن طمأنة حلفاء واشنطن يبدأ بالعودة إلى الأساسيات: يجب على إدارة بايدن إعادة التأكيد بشكلٍ لا لبس فيه على الركائز الرئيسية في الالتزامات الأمنية الأمريكية. وهذا يعني تأكيد التزامات الولايات المتحدة بموجب المعاهدة بشأن الدفاع الجماعي، وعكس قرار إدارة ترامب بسحب القوات الأمريكية من ألمانيا وبلدانٍ أخرى، والتفاوض على ترتيبات تقاسم التكاليف طويلة الأجل مع الدول التي تستضيف القوات الأمريكية في آسيا وأوروبا.

ولمحو الشكوك حول مظلة الولايات المتحدة، يجب على إدارة بايدن إبراز أهمية القضايا النووية مع الحلفاء. ويجب أن تدفع الناتو والحلفاء الآسيويين إلى عملية التخطيط النووي منذ البداية، والتشاور معهم عن كثب بينما تُجري الإدارة مراجعةً للوضع النووي. ويجب على الإدارة أن تخطِّط لمزيدٍ من التدريبات مع حلفاء الولايات المتحدة، تتضمَّن بَعداً نووياً، وتشرك القادة السياسيين المتحالفين فيها بانتظام. وأخيراً، يجب أن تسعى إلى تعزيز القدرات الدفاعية والردعية لتحالفاتها في آسيا وأوروبا. قد يستلزم ذلك زيادة عدد القوات الأمريكية في كلتا المنطقتين، أو على الأقل التعهُّد بالحفاظ على مستوياتها الحالية. وقد يستلزم ذلك أيضاً نشر قدرات دفاع صاروخية إضافية ومراجعة الموقف النووي للولايات المتحدة في كلتا المنطقتين، لضمان أن القدرات الحالية كافية للحفاظ على مصداقية المظلة النووية للولايات المتحدة. ومهما كانت القرارات، يجب أن تُتَّخَذ فقط بالتشاور الوثيق مع حلفاء الولايات المتحدة وبدعوةٍ منهم.

لكن وجهة النظر الأمريكية هذه تسقط منها اعتبارات ومتغيرات كشفت عنها السنوات الأخيرة ولا يمكن التغاضي عنها، وأهم هذه الاعتبارات أن عودة واشنطن للأساسيات تعني ببساطة عودة أجواء الحرب الباردة التي كانت قائمة بين المعسكر الغربي بزعامة واشنطن، والشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، مع اختلاف أن الصين أصبحت الآن المنافس الأبرز، ولن يكون قرار إعادة واشنطن نشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضي دول حليفة لها في أوروبا وآسيا ميسوراً دون إثارة اعتراضات من جانب موسكو وبكين، وإطلاق سباق تسلح نووي أكثر شراسة وخطورة مما شهده العالم في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

الاعتبار الآخر يتعلق بالتغير الذي أصبحت عليه السياسة الدولية الآن، وانتشار النزعات القومية، ورغبة كثير من الدول الحليفة لواشنطن في الاستقلال بقرارها واختيار سياساتها، دون الوقوع تحت الضغوط التي تفرضها الحماية الأمريكية النووية تحديداً، وهو ما يجعل مسألة إعادة عقارب الساعة للوراء وانضواء الحلفاء تحت الهيمنة الأمريكية كما كانت الأمور من قبل تبدو أمراً مستحيلاً، خصوصاً بعد ما أظهرته رئاسة ترامب من مدى هشاشة الأمور من ناحية، وبعد أن أصبحت الصين قوة عظمى بالفعل واستعادت روسيا كثيراً من نفوذها وقوتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى