بتكلفة منخفضة جداً.. كيف يمكن الكشف عن الإصابة بكورونا بأقل من دقيقة بواسطة اختبار الشم؟

في عالمٍ مثالي، سيقدِّم العاملون في كلِّ مكتبٍ ومطعمٍ ومدرسة اختبار فيروس كورونا المُستجَد، سيقدِّمون اختباراً ذا دقةٍ مطلقة، وقادراً على التحديد الفوري للشخص الخالي من الفيروس والآمن تماماً، وبالتالي الذي يُقبَل دخوله للمكان، ومن يجب منعه من الدخول. لكن هذا الواقع غير قائم، وفي الوقت الذي يكافح فيه البشر لاستعادة ما يشبه الحياة الطبيعية في ظلِّ الانتشار الخارج عن السيطرة للفيروس، يعتقد بعض العلماء أن الاختبار السريع، الذي يتألَّف من شريطٍ من الورق ذي رائحةٍ نتنة، قد يقرِّبنا على الأقل من هذا الواقع، كيف ذلك؟

ما هو اختبار الشم سريع الكشف عن الإصابة بكورونا؟

لا يبحث الاختبار عن الفيروس نفسه، ولا يمكنه تشخيص المرض. لكنه يقوم بالكشف عن إحدى العلامات المميِّزة للإصابة بكورونا، ألا وهي فقدان حاسة الشم، كما تقول صحيفة New York Times الأمريكية. ومنذ الربيع الماضي، توصَّلَ العديد من الباحثين إلى التعرُّف على الأعراض، والتي من بينها فقدان حاسة الشم، كأحد أفضل المؤشِّرات لعدوى فيروس كورونا المُستجَد، وهي قادرة على تحديد حتى الأشخاص المُصابين الذين لا يشعرون بالمرض.

لا يمكن لاختبار الرائحة تحديد الأشخاص الذين يُصابون بفيروس كورونا المُستجَد ولا تظهر عليهم أيُّ أعراضٍ على الإطلاق. لكن في دراسةٍ لم تُنشَر بعد في مجلةٍ علمية، أظهر نموذجٌ رياضي أن الاختبارات القائمة على حاسة الشم، إذا أُجرِيَت على نطاقٍ واسع وبشكلٍ متكرِّر، قد تكتشف حالاتٍ كافية لتقليل انتقال العدوى بشكلٍ كبير.

عامل صحي يقوم بإجراء اختبار حاسة الشم لرصد فقدان الرائحة لمصابي كورونا في مدينة بوينس آيرس الأرجنتينية/ ALEJANDRO PAGNI

شدَّدَ دانيال لارمور، عالم الأوبئة بجامعة كولورادو، والمؤلِّف الرئيسي للدراسة، على أن عمل فريقه لا يزال عملاً نظرياً بحتاً. وعلى الرغم من أن بعض اختبارات الرائحة قيد التطبيق بالفعل في الإعدادات السريرية والبحثية، تميل المنتجات إلى أن تكون باهظة الثمن وشاقة في الاستخدام، علاوةً على أنها ليست متاحة على نطاقٍ واسع.

وفي سياق الجائحة، لا توجد بياناتٌ واقعية حتى الآن لدعم فعاليات اختبارات الشم. ونظراً للعديد من مشكلات الاختبار التي أعاقت جهود السيطرة على الجائحة حتى الآن، يشكِّك بعض الخبراء في إمكانية توزيع اختبارات الشم على نطاقٍ واسع بما يكفي، أو ضمان مقاومتها للغشِّ بشكلٍ كافٍ، لتقليل تفشي العدوى.

تقول الدكتورة كلير هوبكنز، جرَّاحة الأذن والأنف والحنجرة في مستشفيات جاي وسانت توماس في المملكة المتحدة للصحيفة الأمريكية: “شاركتُ بشكلٍ وثيقٍ في الدفع من أجل التعرُّف على فقدان حاسة الشم كعرضٍ من أعراض الإصابة بكوفيد-19 منذ البداية. لكنني لا أرى أيَّ قيمةٍ لذلك كاختبار فحص”.

ما الفوائد المحتملة لاختبار الشم في كشف كورونا؟

يوفِّر اختبار الرائحة الموثوق به العديد من الفوائد المُحتَمَلة، إذ يمكن أن يلتقط المزيد من الحالات أكثر من فحوصات الحمى، التي فشلت إلى حدٍّ كبيرٍ كأدواتٍ لفحص الإصابة بكوفيد-19. وتوصَّلَت دراساتٌ إلى أن نحو 50 إلى 90% من الأشخاص الذين ثبُتت إصابتهم بكوفيد-19 يعانون من درجةٍ معينةٍ من فقدان حاسة الشم بشكلٍ قابلٍ للقياس، نتيجةً للفيروس الذي يعيث فساداً حين يغزو الخلايا في مجرى الهواء في الجهاز التنفُّسي.

تقول دانييل ريد، المديرة المساعدة لمركز مونيل “كيميكال سينيس” في فلادلفيا: “ما يفعله الفيروس في الأنف يكمِّل الكثير من المعلومات التي تحصل عليها من الاختبارات الأخرى”. في الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول، نشرت الدكتورة ريد وزملاؤها دراسةً، لم تُنشَر بعد في مجلةٍ علمية، تصف اختباراً سريعاً للشم قد يكون قادراً على فحص الإصابة بكوفيد-19.

على النقيض من ذلك، فإن أقليةً فقط من الأشخاص المصابين بالفيروس ينتهي بهم الأمر بارتفاع درجة الحرارة. تميل الحمى أيضاً إلى أن تكون عابرة فقط، في حين أن فقدان حاسة الشم يمكن أن يستمر لعدة أيام.

اختبار الشم يمكن أن يباع بسعر منخفض جداً

يقول ديريك تومري، عالم الأحياء الخلوية في جامعة ييل، إن اختبار الرائحة يمكن أن يأتي بسعرٍ منخفضٍ وجذَّاب، ربما يصل إلى 50 سنتاً للشريحة الواحدة. وهذا الاختبار، الذي يحمل اسم “U-Smell-It”، عبارة عن مجموعةٍ صغيرةٍ من الروائح، بحيث تخدش البطاقة ثم تشمها، وتخمِّن ثلاثة على الأقل من الروائح الخمس بشكلٍ صحيح. وتحتوي البطاقات المختلفة على مجموعاتٍ مختلفة من الروائح، لذا لا مجال للحفظ في هذا الأمر.

لقطة ترويجية لاختبار الشم u-Smell-it يأمل مطوروها في إمكانية استخدام الاختبار على نطاق واسع للكشف عن الإصابة بكورونا

وقدَّرَ تومري أنه يمكن إجراء الاختبار في أقل من دقيقة، وقال إنه أيضاً حلم الشركة المُصنِّعة: “طابعةٌ واحدة يمكنها إنتاج 50 مليوناً من هذه الاختبارات يومياً”. وقال إن أرقاماً كهذه يمكن أن تُحدِث تأثيراً هائلاً في بلدٍ يعوقه نقصٌ واسعٌ في الوصول إلى الاختبارات التي تبحث مباشرةً عن أجزاءٍ من فيروس كورونا المُستجَد.

وفي دراستهم، قام الدكتور لارمور والدكتور تومري ومعاونهم روي باركر، عالم الكيمياء الحيوية في جامعة كولورادو، بوضع نموذجٍ لمثل هذا السيناريو باستخدام أدواتٍ حسابية. استطاعت شاشة الرائحة، التي تُعطَى يومياً أو نحو ذلك، والتي التقطت ما لا يقل عن 50% من الإصابات الجديدة، القضاء على تفشي المرض تقريباً، بالإضافة إلى اختبارٍ معملي أدق، لكن أبطأ، يُقدَّم مرةً واحدةً فقط في الأسبوع.

البحث عن طريقة لتقليل سوء استخدام اختبار الشم

يرى الدكتور لارمور أن مثل هذه الاختبارات يمكن أن تعمل في مداخل حرم الجامعات أو في المكاتب، وربما بالاقتران مع اختبارٍ سريعٍ للفيروس. وقد يكون هناك مكان لهم في المنازل، إذا تمكَّن الباحثون من إيجاد طريقةٍ لتقليل احتمالية سوء الاستخدام.

وقالت الدكتورة كارول يان، أخصائية الأذن والأنف والحنجرة بجامعة كاليفورنيا: “أعتقد أن هذا هو الحال. سيكون اختبار الأشخاص بشكلٍ متكرِّرٍ جزءاً مهماً من هذا”.

ويسعى الدكتور تومري الآن للحصول على ترخيصٍ للاستخدام الطارئ لبطاقة الشم من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وقد في شراكةٍ في عددٍ من المجموعات الأوروبية وفي مناطق أخرى لتجربة الاختبار في ظلِّ ظروفٍ واقعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى