رأي محكمة العدل الدولية.. وخرافة نتنياهو عن “أرض الآباء”
سليم الزريعي
أصدرت محكمة العدل الدولية الجمعة 19 يوليو 2024 قرارا تاريخياـ نص على إن “إسرائيل” موجودة بشكل غير شرعي في الأراضي الفلسطينية، ودعت جميع الدول إلى عدم الاعتراف باحتلالها، والتعاون مع الأمم المتحدة لتمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم، مشيرة إلى أن تشريعات “إسرائيل” وتدابيرها تعزز الفصل والتمييز العنصري بحق الفلسطينيين.
وذكرت أن “إسرائيل” فرضت سلطتها كقوة احتلال وفشلت في أداء واجبها لحماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين في الضفة، ودعتها إلى وقف المشاريع الاستيطانية الجديدة والتعويض المادي للفلسطينيين بسبب ما نتج عن الاستعمار والاحتلال. وأشارت إلى أن “إسرائيل” سرّعت من إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة بلغت أكثر من 24 ألف وحدة استيطانية، مؤكدة أن عليها وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة.
ويمكن القول هنا إن رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري حول التكييف القانوني لوضع الضفة الغربية ومدى شرعية المستوطنات، والاحتلال يؤكد الحقيقة الموضوعية، التي سبق أن أكدتها كل قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات العلاقة ، ورأي نفس المحكمة حول جدار الفصل العنصري في يوليو 2004، وهو أن استمرار وجود “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وإنها ملزمة بإنهاء وجودها فيها بأسرع وقت ممكن.
هذا الحكم التاريخي الذي يجب أن يكون له ما بعده، أثار ذعر وغضب مسؤولي الكيان الصهيوني، لأنه كما قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية قوض الحجج الأساسية التي تسوقها “إسرائيل” لاحتلالها طويل الأمد للضفة الغربية وقطاع غزة، وسلح البلدان والمؤسسات والشركات بشكل أساسي بمبرر قوي لمعاقبة إسرائيل، مؤكدة أن تجاهله لا ينبغي أن يكون خيار “إسرائيل”.
لكن رئيس وزراء الكيان الصهيوني الذي لا يعتبر أن الضفة أرضا محتلة، ,وأن ما سماه “الشعب اليهودي “لا يحتل أرضه”، معتبرا أن هذا الخليط البشري في فلسطين المحتلة “لا يحتل أرضه ولا القدس ولا ما سماها “أرض آبائنا وأجدادنا في يهودا والسامرة”، وهنا لن نرد نحن على نتنياهو وعصابته، ولكن سنترك علماء ومؤرخين يهود إسرائيليين يدحضون خرافات توراته التي بني على أساسها هذا الكيان الكولنيالي الدخيل كيانه على الأرض الفلسطينية.
يقول عالم الآثار اليهودي زئيف هرتسوغ“ إن سكان العالم سيُذهلون، وليس فقط مواطنو “إسرائيل” عند سماع الحقائق التي باتت معروفة لعلماء الآثار الذين يتولون الحفريات منذ مدة من الزمن. فبعد الجهود الجبارة في مضمار التنقيب عن “إسرائيل القديمة” في فلسطين، توصل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة، وهي أنه لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق يدل علي وجود اليهود في فلسطين، وحكايات الآباء التوراتية هي مجرد أساطير.فنحن لم نهبط من مصر، ولم نحتل فلسطين، ولا ذكر لإمبراطورية داود وسليمان. إن المكتشفات الأثرية أظهرت بطلان ما تضمنته النصوص التوراتية حول وجود مملكة متحدة يهودية بين داوود وسليمان في فلسطين “بل إن هرتسوغ جزم بصورة قاطعة بأن القدس لم تكن إطلاقا عاصمة مملكة كبيرة كما تذكر المزاعم التوراتية.
فيما نسف باحثان يهوديان هما بروفسور يسرائيل فنكلشتاين من قسم علم الآثار بجامعة تل أبيب، ونيل سيلبرمان عالم آثار أمريكي يهودي في كتاب بعنوان بدايات إسرائيل، قصص التوراة الأساسية مثل الخروج من سيناء وعجائب موسى ورحلة احتلال يشوع بن نون لأرض الميعاد إذ تبين مثلا أنها آثار هكسوسية وليست يهودية، بل ذهبوا إلى القول إنه على الأغلب الملك سليمان وداوود هما أسطورتان، مؤكدين أنه لا علاقة بين التوراة وأرض إسرائيل.
وذكر عالم الآثار ميشيل هوبينك أنّ علم الآثار في إسرائيل هو علم مشحون بالتوقعات، ومنذ القرن التاسع عشر، يجري التنقيب في الأرض للعثور على أدلّةٍ ملموسةٍ حول تاريخ الشعب اليهوديّ كما جاء في التوراة، لكن، بعد مرور قرن، لم تتوصل الحفائر إلى العثور على ما يؤكّد هذا التاريخ، بل على العكس من ذلك، تشير الدلائل إلى اتجاهٍ مُعاكسٍ.
وتوافِق غالبية علماء الآثار على أنّ معظم قصص التوراة لم تحدث بالفعل، ويجب اعتبارها مجرد أساطير، وحتى عالم إسرائيليّ مثل زئيف هرتسوغ، توصّل إلى قناعة بأنّ البحث عن أشياءٍ لا وجود لها ليس مُجديًا، كما قال.
وخيبت نتائج فورة حفريات علم الآثار بعد حرب 1967 آمالهم التي لم تتطابق وتخيلات الـ”تناخ”!عندها، اقترح الباحثون التعامل مع قصص الآباء هذه على أنها مجموعة قصصيّة اخترعها باحثون لاهوتيون أكفّاء.
ويدحض المؤرخ شلومو ساند خرافة نتنياهو عن الشعب اليهودي ـ وهو كيف فبركت الحركة الصهيونية تاريخًا مزيفًا لليهود مبنيًا على فكرة الشعب اليهودي. وبيّنُ أن هذه فكرة خاطئة ومجرّد خرافة، تمّ استعمالها من أجل تبرير الاحتلال الإسرائيلي، فالشعب بالمعنى الأنثروبولوجي والسوسيولوجي- الاجتماعي، هو مصطلحٌ يُطلق على مجموعة بشرية تجمعها ثقافة مشتركة مثل؛ اللغة والأدب والموسيقى وما إلى ذلك من الشروط الثقافية الأخرى. وهذا ما لا ينطبق على الشعب اليهودي الذي اخترعته الحركة الصهيونية”.
وكشف المؤرخ اليهودي شلومو ساند هذا التدليس في سياق دحض أسطورة الشعب اليهودي أي خرافة الشعب اليهودي والعودة، كخرافة توراتية، بالعودة آلاف السنين إلى الوراء، ساعياً إلى إثبات أن الشعب اليهودي لم يكن أبداً “شعبا عرقيا” ذا أصل مشترك، وإنما هو خليط كبير ومتنوع لمجموعات بشرية تبنت خلال مراحل مختلفة من التاريخ الديانة اليهودية.
لكن الثابت الذي يرد على نتنياهو وعصابته هو أن القول بوجود شعب يهودي ، وأرض يهودية، هو كان وما يزال مجرد كذبة، وفي ذلك يقول عالم الآثار البروفيسور زئيف هرتسوغ لقد “توصل علماء الآثار إلى استنتاج مخيف وهو أن: الأمر مختلق من الأساس. فأفعال الآباء هي مجرد أساطير شعبية، والباحثون والمختصون يعرفون هذه الوقائع منذ وقت طويل، ولكن المجتمع لا يعرف”.
إن استمرار حالة إنكار نتنياهو وعصابته الوقائع المادية والقانونية في أن هذه الأرض هي فلسطين كانت وما زالت، وأن الشعب الفلسطيني هو صاحب الولاية والحق التاريخي والقانوني فيها، وأن “إسرائيل” هي حالة مؤقتة ستتلاشى كخرافات توراتهم، وأن القوم الجبارين أصحاب هذه الأرض فلسطين، باقون فيها ما بقي الزمان.
* الاقتباسات من دراسة للكاتب بعنوان: مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين.. نهاية الخرافة