“صارمة أم رمزية”؟ تفاصيل العقوبات الأمريكية على أنقرة، ولماذا مررها ترامب قبل تسليمه السلطة؟

بعد طول ممانعة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو أن واشنطن ستنفذ تهديدها بفرض حزمة من العقوبات الأمريكية على تركيا بسبب شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي إس 400، ولكن لماذا غير ترامب موقفه في نهاية ولايته، وهل هذه عقوبات رمزية أم قد تسبب ضرراً حقيقياً لتركيا.

وقاوم مجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب خلال جلسة نادرة يوم الجمعة 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، حيث وافق على مشروع قانون الإنفاق الدفاعي الذي تعهد القائد العام باستخدام حق النقض ضده.

ويمهد مشروع القانون الطريق لفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها أنظمة صواريخ إس -400 من روسيا، وهذا التصويت يرسل مشروع القانون إلى مكتب الرئيس بعدما أجيز في مجلس النواب الثلاثاء الماضي.

ولا يزال بإمكان الرئيس ممارسة سلطات النقض الخاصة به ، لكن من شبه المؤكد أن يؤدي ذلك إلى هزيمة محرجة في الأيام الأخيرة من رئاسته، فيما أفادت تقارير بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقع على حزمة من الإجراءات الأمريكية بشأن تركيا التي أوصى بها وزير الخارجية مايك بومبيو ، وفقًا لما ذكره شخصان مطلعان على الأمر.

وحصلت أنقرة على دفاعات S-400 أرض – جو في منتصف عام 2019 وتنفي ادعاءات واشنطن أنها تشكل أي تهديد لحلفاء الناتو، وعرضت تشكيل لجان فنية لحل الأمر، إضافة إلى تعهدها بفصل شبكة الدفاع الخاصة بالنظام الروسي المضاد للطائرات والصواريخ الباليستية عن أنظمة الناتو، كما أنها تقول إن الولايات المتحدة وأوروبا رفضت تزويدها بأنظمة دفاع جوي مناسبة لحماية أجوائها وهو أمر اعترف به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وفي العام الماضي أقصت تركيا من برنامج طائرات F-35، بسبب نظام أس 400، ولكن أنقرة مازالت مشاركة في تصنيع الطائرة.

القانون يتيح فرض عقوبات كبيرة

ويتطلب مشروع القانون بشأن العقوبات الأمريكية على تركيا الذي مرره الكونغرس فرض عقوبات في غضون 30 يوماً من تمرير التشريع. ويدعو إلى فرض عقوبات على “كل شخص شارك عن علم في الاستحواذ على نظام الدفاع الجوي إس -400” من قبل تركيا. سيسمح مشروع القانون للرئيس بإلغاء العقوبات بعد عام.

ودعا مشروع قانون الدفاع أقره الكونغرس ترامب إلى فرض عقوبات في نطاق قانون مكافحة خصوم أمريكا CAATSA. الذي يعاقب من يشتري على أسلحة من روسيا.

وحسب المشروع على الرئيس أن يختار خمسة من بين مجموعة من 12 عقوبة ، من حظر التأشيرات ورفض الوصول إلى بنك التصدير والاستيراد في الولايات المتحدة إلى خيارات أكثر صرامة مثل منع المعاملات مع النظام المالي الأمريكي. ورفض تراخيص التصدير.

وسبق أن تعهد ترامب، وهو الآن في فترة البطة العرجاء ، باستخدام حق النقض ضد مشروع القانون لأنه يحتوي على بعض البنود التي أعرب عن رفضها بينما يفتقر إلى البنود الأخرى التي طالب بها. لكن قسما كبيرا من أنصاره الجمهوريين في المجلسين خالفوا تهديداته بالتصويت على مشروع القانون (واعتراضات ترامب لم تكن تقتصر على العقوبات على تركيا).

العقوبات الأمريكية على تركيا
نظام S-400 المضاد للطائرات والصواريخ/رويترز

ويطلب قانون مكافحة أعداء أمريكا CAATSA الذي أقر عام 2017 من الرئيس الأمريكي اختيار ما لا يقل عن خمسة من 12 عقوبات محتملة على البلدان المخالفة. تتراوح الخيارات الـ 12 من معتدل إلى قاسٍ ويمكن أن تستهدف الأشخاص أو الكيانات، ويصل أقساها إلى فرض عقوبات على القروض الكبيرة للدول التي تخالف القانون من المؤسسات المالية الأمريكية، والسعي إلى منع القروض من المؤسسات المالية الدولية بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومعاقبة أي معاملات صرف أجنبية لهذه الدولة تخضع للولاية القضائية للولايات المتحدة؛ ومعاقبة أي مدفوعات بنكية أو تحويلات تخضع للولاية القضائية الأمريكية.

ولكن من الواضح أن العقوبات المقترحة على تركيا أقرب للحد الأدنى المعتدل الذي يقترحه القانون منها إلى الحد الأقصى.

تفاصيل العقوبات الأمريكية على تركيا

لم يصدر إعلان رسمي من البيت الأبيض لتوضيح العقوبات، فيما يتيح القانون للرئيس مروحة من العقوبات، مما يجعله صاحب القرار في النهاية

وفعلياً، يبدو ان العقوبات الأمريكية المفروضة أقل من ذلك بكثير.

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر قولها إن العقوبات ستستهدف رئاسة الصناعات الدفاعية التركية ورئيسها إسماعيل دمير. وان العقوبات ستكون ضارة ولكنها أضيق من السيناريوهات الشديدة التي حددها بعض المحللين.

وقال مصدران مطلعان على الأمر، أحدهما مسؤول أمريكي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته ، إن الرئيس دونالد ترامب أعطى مساعديه موافقة على العقوبات.

كيف تأثرت الليرة؟

وهوت الليرة قرابة 2% بعد أن نقلت رويترز عن مصادر قولها إن العقوبات الأمريكية من المقرر إعلانها يوم الجمعة الماضية ثم انتعشت العملة في وقت لاحق حيث كان المستثمرون يزنون التأثير.

وبعد خروج بعض التفاصيل عن العقوبات، تراجعت الليرة التركية بنسبة 1.4%، فيما اعتبرت وكالة Bloomberg  الأمريكية أن تحرك الليرة كان بمثابة “رد فعل غير مباشر وليس تحولاً كبيراً في معنويات السوق”.

ووفقاً لاستراتيجي رابوبانك Piotr Matys في لندن. “إذا كانت الإجراءات العقابية معتدلة ورمزية نسبياً وكان رد تركيا محسوبًا إلى حد ما ، فيجب على الليرة تقليص خسائرها الأخيرة”.

رد فعل تركيا

وقال مسؤول تركي كبير إن العقوبات ستأتي بنتائج عكسية وتضر بالعلاقات بين البلدين العضوين في الناتو.

وقبل فرض العقوبات الأمريكية على تركيا بساعات، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن العقوبات الأمريكية بشأن شراء تركيا صواريخ إس 400 روسية، تمثل عدم احترام من قبل أمريكا لأحد شركائها في حلف شمال الأطلسي.

ولكن في خطاب لاحق أمام مسؤولين من حزب العدالة والتنمية الحاكم، اتخذ أردوغان نبرة أكثر تصالحية، داعيًا الساسة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى “التحرر من تأثير جماعات الضغط المناهضة لتركيا”.

وقال “لا توجد قضايا لا نستطيع حلها بالحوار والتعاون”.

ما حقيقة موقف ترامب؟

ولا يزال بإمكان وزارة الخارجية الأمريكية تغيير الخطط وتوسيع أو تضييق نطاق العقوبات المخططة ضد تركيا.

لكن مصادر قالت إن إعلان العقوبات الأمريكية على تركيا بشكلها الحالي وشيك على التنفيذ.

ويبدو أن العقوبات مشابهة للعقوبات الأوروبية على تركيا، وهي تتعلق ببعض الشخصيات والمؤسسات المتعلقة بالقضايا الخلافية، ولكن دون مساس بجوهر التعاون بين أنقرة وأمريكا أو بها إضرار بالاقتصاد التركي، وهذا قد يفسر ردة فعل الأسواق الدولية تجاه الليرة التي تراجعت بشكل محدود نسبياً.

والعقوبات الأمريكية على تركيا سيتم تنفيذها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بينما يستعد الرئيس المنتخب جو بايدن لتولي منصبه في 20 يناير/كانون الثاني.

واللافت أن الرئيس دونالد ترامب، وافق هذه المرة على العقوبات رغم العلاقة الوثيقة التي تربطه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وسبق أن قال ترامب إن تركيا كان لديها الحق في  شراء صواريخ إس 400 بسبب رفض إدارة أوباما منحها صواريخ باتريوت.

ترامب يرى أن أوباما سبب توجه تركيا لشراء صواريخ أس 400/رويترز

وقد لاتكون موافقة ترامب على العقوبات الأمريكية على تركيا فقط بسبب إصرار الكونغرس على تمريرها، ولكن أيضاً ليتسنى له هو تنفيذها على تركيا بشكل مخفف ومقبول للطرفين.

ففي كل الأحوال مضت تركيا في تنفيذ تعهدها بتفعيل صواريخ إس 400 مستغلة انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية، ومن غير المتوقع ألا يكون هناك رد فعل أمريكي على هذا التصرف، ولكن أن يكون رد فعل هذا محدوداً فإنه سيكون بمثابة الحل الأفضل للجانبين الأمريكي والتركي للخروج من هذه اللعبة، خاصة أن الولايات المتحدة لا تريد أن تضغط على تركيا وتدفعها لمزيد من التقارب مع روسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى