ماذا نعرف عن قدرات الصين التجسسية التي كبدت أمريكا 12 تريليون دولار، وتهدد بالإطاحة بريادتها للعالم؟
في وقتٍ سابق من عام 2021، أعلنت أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، في الكونغرس، أنَّ بكين أصبحت أولوية لا تُضاهى بالنسبة لوكالات الاستخبارات الأمريكية. في الواقع أصبحت الصين منافساً شبه ندٍّ يتحدى الولايات المتحدة بصورة متزايدة في العديد من المجالات.
وتحاول بكين طيلة الوقت تعديل القواعد الدولية وتكييفها مع النظام الرأسمالي السلطوي للحزب الشيوعي الصيني، حسبما ورد في تقرير لموقع Sandboxx، أعادت نشره مجلة The National Interest الأمريكية.
التجسس الصيني على أمريكا يتفاقم.. قضية كل 10 ساعات
ووفقاً لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI)، كريستوفر راي، يفتح المكتب تحقيقاً جديداً لمكافحة التجسس، مرتبطاً بالصين، كل 10 ساعات، ويوجد حالياً نحو 2000 قضية نشطة، معظم هذه القضايا يرتبط بالتجسس الاقتصادي، الذي شهد زيادة بنسبة 1300% في السنوات القليلة الماضية.
فلِكي تتحدى الصين الولايات المتحدة بفاعلية وتتجاوزها تحتاج إلى اقتصاد قوي وريادة في التكنولوجيا، وشرعية دولية لنظامها السياسي وسياساتها. ومفتاح تحقيق هذه الأهداف هي أجهزة الاستخبارات الصينية، حسبما ورد في تقرير لموقع Sandboxx، أعادت نشره مجلة The National Interest الأمريكية.
ما الأجهزة المسؤولة عن التجسس في الصين، ولماذا لديها هذه القدرات الهائلة
تُعَد وزارة أمن الدولة الصينية مسؤولة عن غالبية العمليات الاستخباراتية الصينية، ويتولى الجيش الصيني هذه المسؤولية أحياناً، خصوصاً في عمليات التجسس السيبرانية.
والعمليات الاستخباراتية الصينية متنوعة ومتعددة المستويات، وتشمل كل الأدوات والقطاعات المتاحة. فالشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة (الشرعية منها وغير الشرعية)، ومراكز الأبحاث، والمنظمات غير الحكومية، والباحثون، والطلاب، بالإضافة إلى العمليات السيبرانية التي يزداد شيوعها أكثر فأكثر، كلها تُستخدَم في نهج جمع الاستخبارات متعدد الجوانب.
وتمتلك بكين بالتأكيد القدرات والأعداد لانتهاج استراتيجية كهذه، فالجيش الصيني وحده يمتلك ما يقرب من 40 ألفاً من القوات السيبرانية، مقارنةً بـ6 آلاف فقط يمكن للقيادة الإلكترونية الأمريكية الاستعانة بهم.
كل شيء تبنيه الصين يعتمد على التجسس مسببة خسارة 12 تريليون دولار لأمريكا
تسعى بكين في الأساس وراء أهداف اقتصادية وصناعية وتكنولوجية، ستوفر للقطاع الاقتصادي والتكنولوجي الصيني ميزة تنافسية. وتستخدم الصين التجسس لتزويد أفرانها الاقتصادية بالوقود، سواء تمثل ذلك في المخططات المسروقة للطائرات الأمريكية (والأجنبية، بما في ذلك الروسية)، مثل مقاتلات F-35 وF-22، أو تكنولوجيا الصواريخ.
تشكل هذه العمليات الاستخباراتية خطراً شديداً على الأمن القومي والرخاء الاقتصادي الأمريكيين. وذكر مايك أورلاندو، مدير مركز الأمن ومكافحة التجسس بالإنابة، في مقابلة مؤخراً، أنَّ التجسس الصيني يكلف الولايات المتحدة ما بين 200 إلى 600 مليار دولار سنوياً من الملكية الفكرية المسروقة. وهذا شيء كان يحدث طوال العقدين السابقين، ما يعني خسارة مقدارها 4 تريليونات دولار على أقل تقدير، وصولاً إلى 12 تريليون دولار على أقصى تقدير، وهي خسارة مذهلة في كلتا الحالتين.
وكل المواطنين والمؤسسات ملزمون بالتعاون مع الوكالات الأمنية بما في ذلك المبتعثون
تتخذ كل من الصين وروسيا نهج “حكومة بأكملها” أو “دولة بأكملها” تجاه الأمن القومي، فكل شيء مطروحاً على الطاولة ولا شيء محظوراً، إذ يُتوقَّع من الشركات والجامعات والأفراد مساعدة الحكومة، وفي الصين يُعَد كل مواطن وشركة مُطَالباً بموجب “قانون الأمن القومي”، بالتعاون مع الجيش وأجهزة الاستخبارات ومساعدة النظام بكل طريقة ممكنة.
ما يعنيه هذا عملياً هو أنَّه حين يأتي طالب صيني إلى الولايات المتحدة للدراسة سيكون مطالباً بمشاركة بحثه أو أي معلومات أو تكنولوجيا ربما يمكنه الوصول إليها مع أجهزة الاستخبارات الصينية. وسيكون مُطالَباً أيضاً بمراقبة وتقييم رفاقه المواطنين الذين يدرسون أيضاً في نفس المؤسسة والإبلاغ عن أي سلوك معارض.
على العكس من ذلك، لا يوجد نهج “حكومة بأكملها” أو “دولة بأكملها” في الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال لن تُوجِد شركة Apple مواطن ضعف في أجهزتها وبرامجها حتى يمكن لوكالة الأمن القومي أو مكتب التحقيقات الفيدرالي الولوج إليها بسهولة أكبر لإجراء عمليات مراقبة لأهداف أجنبية أو محلية، في الواقع لدى الشركات الأمريكية خيار العمل مع الجيش والاستخبارات لكنَّها ليست مُطالَبة بذلك، وهذه نقيصة استراتيجية، لكنَّها أيضاً ميزة مؤسسية وأخلاقية.
التجسس الاقتصادي: سرقة الأفكار والتكنولوجيا
كي تتجاوز الصين الولايات المتحدة فإنَّها بحاجة لمواصلة نموها الاقتصادي والتفوق تكنولوجياً على الولايات المتحدة وبقية الغرب، لكن بدلاً من الاعتماد على الابتكار والاختراع، تُفضِّل الصين سرقة التكنولوجيا ثم نسخها.
وتستهدف الصين وتسرق “تكنولوجيات النقل”، مثل الحوسبة الكمومية والمركبات ذاتية القيادة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية وشبكات الجيل الخامس. ومع أنَّ هناك تطبيقات عسكرية لكل هذه التكنولوجيات، فإنَّ القيمة التجارية والاقتصادية مهمة لبكين بنفس القدر في محاولتها لكي تصبح قوة عظمى.
يستخدم الصينيون أيضاً برامج الاستحواذ على المواهب لجذب المواهب الكبيرة إلى الصين، لكن في حين أنَّ هذه البرامج تبدو بريئة ظاهرياً فإنَّها كثيراً ما تتطلب سرقة التكنولوجيا من الشركة السابقة لتقديمها إلى الشركة الصينية الجديدة المُوظِّفة كجزء من تلك العملية.
وأضاف أورلاندو: “إذا نظرت 20 عاماً إلى الوراء، أكثر ما كنا قلقين حياله هو استهداف أجهزة الاستخبارات للحكومة الأمريكية، من أجل الحصول على معلومات سرية أو استهداف تكنولوجيات وزارة الدفاع. وما رأيناه على مدى الأعوام العشرين الماضية هو التحول إلى مجال بحث وتطوير الملكية الفكرية في القطاع الخاص، لا سيما من جانب الصين، التي كانت الأكثر فظاعة في سرقة تلك التكنولوجيات”.
ومن الجدير بالذكر أنَّ أجهزة الاستخبارات الأمريكية تجمع المعلومات الاستخباراتية الأجنبية تماماً مثل وزارة أمن الدولة الصينية، لكنَّ مسألة كيفية استخدام هذه المعلومات الاستخباراتية هو ما يُميِّز بين الاثنين، فبكين لا –ولن- تتردد في جمع البيانات الاستخباراتية وسرقة الأسرار لتعزيز أهدافها الاقتصادية فضلاً عن أمنها القومي.
فرنسا تفعل مثل الصين
وتستخدم غالبية الدول أجهزتها الاستخباراتية بطريقة مماثلة، فالفرنسيون على سبيل المثال مشهورون تاريخياً بتجسسهم الاقتصادي والصناعي، حتى ضد الولايات المتحدة. على العكس من ذلك تجمع الولايات المتحدة المعلومات الاستخباراتية الأجنبية لأغراض الأمن القومي، لا لكي تشاركها مع الشركات الأمريكية، حتى يمكنها الحصول على ميزة تنافسية على منافسيها الدوليين، حسب كاتب التقرير.
ولتعقيد الأمور أكثر، شهد مسؤولو مكافحة التجسس الأمريكيون تحولاً من عمليات التجسس الأكثر تقليدية إلى عمليات غير تقليدية. فتاريخياً استخدمت الدول وسيلتين للتجسس الاستخباراتي باستخدام العنصر البشري: الغطاء الرسمي أو الغطاء غير الرسمي.
“الغطاء الرسمي” هو حين يُعيَّن ضابط استخبارات بسفارة أو قنصلية تحت ستار منصب دبلوماسي، مسؤولين سياسيين أو قنصليين على سبيل المثال. وإلى جانب أدوارهم الدبلوماسية، يؤدي هؤلاء الضباط أدواراً استخباراتية خلال النهار أو الليل، ومع أنَّهم معلومون للدولة المضيفة –وللدول الأخرى- ومُقيَّدون بمهامهم الدبلوماسية الثانوية، فإنَّهم يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية في حال الإمساك بهم.
و”الغطاء غير الرسمي” هو حين يجري نشر ضابط استخبارات تحت اسم مزيف وخلفية مُختَلَقة، والتظاهر بأنَّه شخص ليس هو في الحقيقة. يوفر هذا النهج مرونة أكبر لضابط الاستخبارات لأنَّ مسؤولي مكافحة التجسس وأجهزة الأمن أقل احتمالاً للاشتباه به، وبالتالي مراقبته. وجاء استخدام الغطاء غير الرسمي أو “غير القانونيين” كما تسميهم بعض الدول، تحت دائرة الضوء بصورة مثيرة جداً عام 2010، مع إلقاء القبض على 10 ضباط استخبارات روس كانوا يعملون داخل الولايات المتحدة طيلة عقود.
والآن يبدو أنَّ هناك فئة ثالثة لم تتجاوز أبداً هذين النهجين المعياريين في حجم الاستخدام، رغم أنَّها كانت موجودة دائماً. فجامعو المعلومات الاستخباراتية غير التقليديين لا يُدرَّبون باعتبارهم ضباط استخبارات لدى جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، أو مديرية الاستخبارات العامة الرئيسية للأركان العامة للقوات المسلحة الروسية أو لوزارة أمن الدولة الصينية، بل باعتبارهم رجال أعمال وباحثين وطلبة لديهم وظائف مشروعة أو يجرون بحثاً حقيقياً. ويستخدمون مؤهلاتهم التي تبدو بريئة للعمل كبدلاء أو وكلاء لأجهزة الاستخبارات.
وقضية ماريا بوتينا، التي قُبِضَ عليها وأُدينَت بكونها عميلة روسية في عام 2018، هي مثال رائع على هذا النهج. إذ تسللت بوتينا إلى الدوائر المحافظة ودوائر الاتحاد الوطني للأسلحة في الولايات المتحدة، تحت غطاء كونها خريجة بالجامعة الأمريكية، سعياً لتقييم وتحديد الأهداف.
ومثلما تُظهِر الأمثلة السابقة، فإنَّ جهود الاستخبارات الصينية كبيرة، وتستحق أخذها على محمل الجد.