“ماكرون في أضعف فترات حكمه”.. هل تهز احتجاجات قانون التقاعد عرش الرئيس الفرنسي؟
لم يكن إيمانويل ماكرون أضعف من ذلك في أي وقت مضى، بعد استخدام السلطات الرئاسية لدعم إصلاحاته غير الشعبية بشأن معاشات التقاعد. اتخذ الرئيس الفرنسي خياراً خطيراً بإطلاق بند دستوري يسمح له بتجاوز التصويت البرلماني على التغييرات، والتي تشمل رفع سن التقاعد من 62 إلى 64.
رغم الجهود المحمومة في اللحظة الأخيرة، فشلت حكومته في تأمين الأصوات اللازمة لتمرير إصلاح المعاشات التقاعدية من خلال الإجراءات البرلمانية العادية. وفي المقابل، قامت حكومته باستخدام المادة 49.3 في الدستور، التي تمكِّنها من فرض الإصلاح دون تصويت، ولكن مع المخاطرة بإثارة أزمة سياسية.
ماكرون يستخدم قانوناً غير مسبوق لدعم إصلاحته المرفوضة شعبياً
وفقاً لصحيفة The Economist البريطانية، يُعَد استخدام المادة 49.3 أمراً غير معتاد، ولكنه ليس غير مسبوق. في عهد ميشيل روكار، رئيس الوزراء الاشتراكي الذي أدار أيضاً حكومة أقلية من عام 1988 إلى عام 1991، استُخدِمَت المادة 28 مرة.
ولم يكن ماكرون يحلم قط بمثل هذه التكتيكات المعادية للديمقراطية على نحو صارخ، إذا كان يعتقد أن إصلاحاته غير الشعبية لديها أي فرصة لتمريرها في الجمعية الوطنية. لقد تُرِكَ في مواجهة اقتراحات محتملة بحجب الثقة، مما قد يجبر رئيسة وزرائه وحليفته المقرّبة إليزابيث بورن وحكومتها على الاستقالة.
ويقول تقرير لصحيفة Telegraph البريطانية، إنه لطالما وصفه منتقدوه بأنه “رئيس نخبة الأثرياء”، وقد منحهم مزيداً من الأدلة التي تعزز هذا الوصف لتهربه من الديمقراطية. ولابد أن ازدراء الجمعية العامة سوف يؤدي إلى اندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات في جميع أنحاء فرنسا، والتي نشبت بالفعل بسبب الخلاف حول الإصلاحات.
خصوم ماكرون يستعدون للانتقام منه
مضى وقت طويل منذ الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان من العام الماضي، عندما هزم ماكرون بسهولة مارين لوبان؛ ليفوز بولاية ثانية نادرة كرئيس للبلاد. كانت الإصلاحات الوعد الوحيد لحملة إعادة الانتخابات التي استندت إلى حدٍّ كبير على اتهام لوبان باتباع سياسة تهدف إلى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، مما قد يسبب دماراً اقتصادياً.
تعهد ماكرون بتوحيد البلد المستقطب بعد التصويت، لكن تلك الأحلام صارت في حالة يُرثى لها، بعد أن فقد أغلبيته المطلقة في الجمعية الوطنية بعد شهرين فقط.
أما الآن، فإن منافسيه الرئاسيين المهزومين من اليمين المتطرف واليسار المتشدد -مارين لوبان وجان لوك ميلانشون- في وضع جيد لانتزاع الانتقام منه.
أُجِّلَ التشريع لشهور من أجل محاولة التوصل إلى حل وسط بين الأحزاب. لم يكن ماكرون يريد أن يقنع التحالف اليساري أو اليمين الشعبوي القومي لمارين لوبان بدعمه. لكن في النهاية، لم تكن الأصوات واردة حتى من الجمهوريين من يمين الوسط، رغم أنهم رفعوا سن التقاعد الفرنسي عندما كان منصب الرئاسة في أيديهم.
ومن المتوقع أن تسفر محاولات بورن، التي أقنعت ماكرون بمحاولة حشد المحافظين وراء القوانين من خلال تقديم تنازلات، عن فشل ذريع.
فرنسا أمام مزيد من الاضطرابات
لكن بصمات ماكرون منتشرة في جميع القوانين، مما يخاطر باضطرابات عامة لا تقل عن احتجاجات السترة الصفراء. لن يستقيل الرئيس، لكنه سيصبح كالبطة العرجاء. لقد تلقت فرصه، لتمرير حتى الإصلاحات غير الطموحة لبقية فترة ولايته البالغة 5 سنوات، ضربةً قوية.
صدم ماكرون العالم عندما فاز بأول انتخابات رئاسية في عام 2017. وكان قادراً على الهيمنة على السياسة الفرنسية بأغلبية مطلقة في البرلمان. إنه ليس من النوع السياسي المناسب للتسوية الفوضوية لبناء الإجماع بين الأحزاب اللازم لإدارة دولة بحزب أقلية.
تكمن مشكلة ماكرون في أنه، رغم ذلك، تضرر سياسياً. يهدد قادة النقابات بجولة جديدة من الإضرابات والاحتجاجات في الأيام القليلة المقبلة. وتتراكم القمامة التي لا تُجمَع في شوارع باريس. وقد تجمهرت حشود من المتظاهرين في العاصمة في اليوم الذي أعلنت فيه بورن قرارها أمام المشرعين الصاخبين، الذين طالبوا ماكرون بإلغاء الخطة والاستسلام للإرادة الشعبية. وتُظهِر استطلاعات الرأي باستمرار أن الغالبية العظمى من الفرنسيين يعارضون بشدة رفع سن التقاعد.
من الصعب رؤية نتيجة جيدة من هذه الفوضى. يمكن لماكرون تغيير رئيسة وزرائه ومحاولة إيجاد قوة دفع جديدة. لكن على المدى القصير سيكون من الصعب تحقيق النظام في البلاد، ناهيك عن الاستمرار في أجندته الإصلاحية. عندما رفض الناخبون في يونيو/حزيران الماضي منح الرئيس المُعاد انتخابه أغلبية برلمانية، كان البعض يأمل أن يساعد ذلك في خلق ثقافة سياسية أكثر توافقية في فرنسا. حتى الآن، يبدو أن العكس هو الذي حدث.
المعارضة تقدّم مقترحاً لحجب الثقة عن الحكومة الفرنسية
وقدمت الأحزاب الفرنسية المعارضة لقانون إصلاح سن التقاعد، الجمعة، 17 مارس/آذار 2023، مقترحاً لحجب الثقة عن الحكومة إلى البرلمان، حيث أفادت صحيفة “لو فيغارو” اليومية بأن أعضاء الكتلة المستقلة “ليوت” المدعومة من اليساريين، و5 أحزاب معارضة أخرى، وهو ما مجموعه 91 نائباً، قدموا أول اقتراح بحجب الثقة عن الحكومة. كما أعلنت النائبة لور لافاليت أن حزب التجمع الوطني “RN” قدم اقتراحاً آخر بحجب الثقة، حسبما أفادت القناة البرلمانية “إل سي بي”.
قامت قوات الأمن الفرنسية، مساء الجمعة، بإخلاء ساحة لاكونكورد بالعاصمة باريس، بعد إعادة تجمع نحو 4 آلاف متظاهر للاحتجاج على قانون التقاعد. وفي وقت سابق، قال وزير الداخلية جيرالد دارمانين، إنه “تم توقيف 310 أشخاص، بهدف استجوابهم على هامش مظاهرة مفاجئة ضد مشروع قانون إصلاح التقاعد”. وخرج الآلاف إلى شوارع عدة مدن فرنسية؛ احتجاجاً على استخدام الحكومة المادة الدستورية 49.3 لتمرير قانون إصلاح نظام التقاعد مساء الخميس، في مظاهرات عفوية.