مغاربة القدس “غاضبون” من التطبيع مع إسرائيل.. استقروا بفلسطين منذ الأربعينيات وذاقوا مرارة الدمار والتهجير

عبَّر العديد من الفلسطينيين عن غضبهم عندما أعلنت الحكومة المغربية اعتزامها تطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، لكن قلةً من الناس من شعروا شخصياً بذلك القدر من خيبة الأمل التي شعرت بها الجالية المغربية الصغيرة، لكن العريقة في القدس الشرقية المحتلة. فالمغاربة المقدسيون يعيشون في البلدة القديمة منذ قرون مضت، صمدوا خلالها أمام الدمار والتهجير، وحافظوا كذلك على الروابط بثقافتهم.

في مقابلات أجراها موقع Middle East Eye معهم، الأربعاء 13 يناير/كانون الثاني 2021، فإن أفراد الجالية يسترجعون ذكريات المحن التي خاضوها على مر السنين، ويُعربون في الوقت نفسه عن عميق حزنهم لرؤية الرباط تقرر تطبيع علاقاتها مع الدولة التي أدارت عمليات محو منازلهم وتراثهم في المدينة المقدسة.

قرون من الهجرة

حي المغاربة في القدس قبل عام 1946

يقول الباحث في تاريخ القدس روبين أو شمسية، لموقع MEE، إن وجود ذوي الأصول المغربية في القدس- المعروفين محلياً باسم “المغاربة”- بدأ في ظل الخلافة الأموية بالقرنين السابع والثامن.

وقع أول وصول جماعي للمغاربة وغيرهم من مجتمعات شمال إفريقيا إلى القدس في عهد الملك نور الدين في أواخر القرن الثاني عشر. وأنشأ لهم الملك حي/حارة المغاربة بساحة البراق قرب المسجد الأقصى في البلدة القديمة بالقدس.

لم تتوقف الهجرات المغربية إلى القدس طوال العصور الوسيطة، حيث انتقل عديد من سكان شمال إفريقيا إلى المدينة المقدسة على مر القرون.

وُلدت عائشة المصلوحي في القدس لأب مغربي وأم فلسطينية عام 1946، كان والدها يبلغ من العمر 20 عاماً عند أتى إلى القدس ضمن قافلة من الحجاج العائدين من مكة، وبدلاً من العودة إلى الوطن، تعلَّق قلبه بشدة بالمدينة، وقرر الزواج والاستقرار فيها، وعمِل حارساً في الأقصى لعقود.

يروي مقدسي مغاربي آخر، هو عبداللطيف السيد، الذي يبلغ من العمر 73 عاماً، القصة ذاتها. فقد وصل جده لأول مرة إلى القدس في عام 1915 من مدينة العيون الواقعة بمنطقة الصحراء المغربية المتنازع عليها حالياً.

عبد اللطيف السيد أحد المغاربة المقيمين في فلسطين

تقاسمت عائشة وعبداللطيف رواية ذكريات جميلة عن سنواتهما الأولى في حارة المغاربة.

تقول عائشة إنها عاشت طفولة “فريدة” ساد فيها جو من التضامن بين 138 أسرة كانت تقطن في الحي.

ويتذكر عبداللطيف كيف كان منزل عائلته على بُعد ستة أمتار فقط من مجمع الأقصى، وكيف “اعتاد هو ورفاقه اللعب في الساحات أمام المنزل”، وأنهم “درجوا على الدخول عبر باب المغاربة إلى فناء مجمع المسجد الأقصى، حيث قضوا معظم أوقات طفولتهم يمرحون هناك”.

الاحتلال يدمر كل شيء

انتهى مرح الشباب والأيام الهادئة في يونيو/حزيران 1967، عندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية والضفة الغربية في حرب 1967.

بعد ثلاثة أيام من انتهاء الحرب، هدمت الجرافات الإسرائيلية حارة المغاربة التي يعود تاريخ إنشائها إلى ما يقرب من 800 عام، وهدمت 135 منزلاً وتركت مئات الفلسطينيين دون مأوى، من أجل تمهيد الطريق أمام توسعة المكان وفتح الطريق أمام استقبال اليهود للصلاة قبالة حائط المبكى.

في أعقاب الهدم، تشرذم سكان الحي. فرَّ بعضهم إلى الأردن، وعاد آخرون إلى المغرب بعد أجيال من سفر أجدادهم منها، فيما تحوَّل شعيب “أبو مدين الغوث”، الذي كان مخصصاً تاريخياً لاستقبال زوار بيت المقدس، إلى موطن لبعض النازحين.

كانت عائشة المصلوحي من بين من نزحوا إلى الخارج لسنوات، لكنها عادت إلى القدس عام 1988 وتعيش في غرفة هناك منذ ذلك الحين.

عندما تُسأل عائشة عن شعورها وهي ترى حيَّها السابق وقد بات موقعاً يحتله المُصلون والسياح اليهود، قالت: “أنا أعتبر صلاة الغرباء على مدار الساعة فوق أنقاض منازلنا مرحلة عابرة، سوف تمر”.

صدمة التطبيع

بالنظر إلى التجربة الصعبة التي عاشتها الجالية المغربية في القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، جاء قرار الرباط تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل صدمةً مؤلمةً على نحو خاص.

كان المغرب قد شرع في علاقات منخفضة المستوى مع إسرائيل في عام 1993، بعد أن توصلت الأخيرة إلى اتفاق سلام مع منظمة التحرير الفلسطينية ضمن اتفاقيات أوسلو. لكن الرباط عادت إلى تعليق علاقاتها مع إسرائيل بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.

القنصلية الأمريكية الصحراء
استقبال العاهل المغربي لوفد أمريكي إسرائيلي بالرباط / مواقع التواصل الاجتماعي

ومع ذلك، استمر مجتمع المغاربة المقدسيين في إشادته الدائمة بدعم المغرب للقدس، وقد شمل ذلك الدعم إنشاء الملك الراحل الحسن الثاني وكالة بيت مال القدس الشريف في عام 1998، والتي أشرفت على تنفيذ عددٍ من المشروعات التي عادت بالنفع على السكان الفلسطينيين في البلدة القديمة بالقدس.

تعليقاً على اتفاق التطبيع الأخير، قالت عائشة: “السياسة لها دور كبير، وأنا لا أنكر أو أخفي خيبة الأمل العميقة من توقيع هذه الاتفاقية. لكن بصفتي مقدسية، لطالما شعرت بخيبة الأمل أيضاً عندما سارعت القيادة الفلسطينية لتوقيع اتفاق أوسلو مع الاحتلال (عام 1993). كانت تلك أشد طعنة في الظهر تعرضت لها على الإطلاق”.

على النحو نفسه، أبدى عبداللطيف حزنه الشديد حيال اتفاق التطبيع، وقال إن أفراد عائلته في المغرب شعروا بخيبة الأمل نفسها من قرار الحكومة.

وفي الختام قال: “يجتاحني الشوق إلى حارة المغاربة. كنت آمل أن يصلني خبر اجتماع شمل المغاربة المقدسيين هناك مرة أخرى، لا أن أسمع الأنباء عن تعاون المغرب مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي دمّر منازلنا وسوّاها بالأرض”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى