ملايين القصاصات تبوح بأسرار شرطة ألمانيا الشرقية
يجمع فريق مكون من 10 أفراد قصاصات ورق من مجموعة هائلة من الوثائق التي مزقتها الشرطة السرية “ستازي” في ألمانيا الشرقية سابقا.
وكانت “ستازي” من أكثر الأجهزة العالمية فعالية في القمع الذي تمارسه الدولة خلال ٤٠ سنة، ووظفت أكثر من ٢٧٠ ألف شخص، من بينهم مخبرون مندسون بين السكان، خلال فترة الحرب الباردة ما جعل مجتمع ألمانيا الشرقية من أكثر المجتمعات المراقبة في الكتلة الشرقية.
وعندما سقط جدار برلين في نوفمبر/تشرين الثاني عام ١٩٨٩، بدأت الشرطة السرية تمزيق ملفاتها لكن آلات التمزيق تعطلت نتيجة الضغط الكبير عليها، ما اضطرهم لتمزيق تلك المستندات يدويا ثم حرقها.
وبعد سقوط النظام، اقتحمت “لجان المواطنين” مكاتب “ستازي” ومن ضمنها مقرها الرئيسي في برلين الشرقية في ١٩٩٠ وصادرت ملايين الملفات والمستندات، إضافة إلى ١٦٠٠ كيس من الوثائق الممزقة لاستخدامها في المستقبل.
وبعدما أصبحت ملفات “ستازي” علنية في السنوات التي تلت إعادة توحيد ألمانيا في ١٩٩٠، كشف عن آلاف الجواسيس الذين عملوا لصالح هذا الجهاز، وأدى هذا الأمر إلى اكتشاف الكثير من الألمان الشرقيين أن فردا من عائلتهم أو أحد أصدقائهم كان يراقبهم بصفته “متعاونا غير رسمي” مع “ستازي”.
ومنذ بدأت إعادة جمع الأوراق الممزقة في ١٩٩٥، استطاعت المجموعة التوصل إلى أكثر من ١.٥ مليون صفحة من حوالي ٥٠٠ كيس من القصاصات.
وشملت تلك المستندات أوراقا تثبت رعاية الدولة لبرنامج منشطات كانت تعطى للرياضيين في ألمانيا الشرقية، وأوراقا عن زيلكه ماير فيت التي كانت عضوا بارزا في جماعة الجيش الأحمر المتطرفة.
وقال أندرياس لودر، المسؤول عن فريق إعادة الجمع اليدوي، إن الكثير من الفضائح قد تبقى مخفية لسنوات؛ إذ يستغرق إكمال كل وثيقة ١٨ شهرا من العمل على التفتيش في أكياس القصاصات الورقية.
وأضاف: “بما أن كل كيس يحتوي على ٣٥٠٠ صفحة، هذا يعني أن هناك ما يصل إلى ٦٠٠ مليون من قصاصات الورق التي تحتاج إلى إعادة جمع لتشكيل حوالي ٥٥ مليون صفحة”.
وتعززت الآمال في ٢٠١٣ عندما تمت الاستعانة بالتكنولوجيا لتسهيل هذه المهمة، إلا أن آلة “إي بازلر” والتي طورها معهد البحوث “فراونهوفر” لم تحدث فرقا وعجزت أمام مئات الآلاف من القصاصات الورقية، وفي النهاية، جمعت 23 كيسا أو ما يعادل ٩١ ألف صفحة فقط.
وحاليا، يجري تصميم آلة جديدة، ويأمل العاملون في مجال الأرشيف بأن تصبح جاهزة للعمل في السنوات المقبلة، لكن حتى الآن، ما زال على الموظفين إتمام هذه المهمة يدويا.
وتعترف المشرفة على إعادة جمع الوثائق، أوته ميكالسكي، بأنه لا يمكنها الجزم بأنه سيأتي اليوم الذي ستجمع فيه كل القصاصات معا، لكنها شددت على أهمية إكمال العمل، لافتة إلى أن الأولوية ستكون جمع المستندات التي تحمل طابعا شخصيا.
وأوضحت: “الأكياس التي تحتوي على المستندات التي تشمل معلومات حول الأشخاص الذين كانوا تحت مراقبة الشرطة السرية هي الأولى في القائمة”.
وتابعت ميكالسكي: “بالنسبة للكثير من الأشخاص المتضررين، ما زالت هذه الأمور مهمة جدا من أجل إعادة تأهيلهم اجتماعيا، نحن لا نبحث تحديدا عن وثائق مثيرة للجدل”.
وأضافت: “بالنسبة إلينا، إن مساعدة ضحايا النظام الدكتاتوري للمطالبة بحقوقهم هي أهم من معرفة ماذا كانت الشرطة السرية تعرف عنهم”.
أما باربرا بونيش، وهي عضو في الفريق علّقت قائلة: “أستمتع في هذا العمل فهو شبيه بعمل المحققين”.
وأضافت: “من دواعي سرورنا أن نكون قادرين على جمع هذه المستندات التي مزقت قبل ٣٠ عاما، لأنني على يقين بأن هذه الأوراق سيدرسها أحد العاملين في مجال الأرشيف ويساهم في تقبلنا الماضي”.
وتصف بونيش عملها بأنه “مساهمة صغيرة في التصالح مع الماضي” إلا أنه في الواقع مهمة شاقة ولها تأثير كبير على حياة الآلاف إن لم يكن الملايين من الأشخاص.
ومن بين الوثائق الشخصية التي استطاعت إعادة جمعها، رسالة من امرأة إلى الشرطة السرية تتوسل إليها لتحرير ابنها.
وقالت بونيش: “رغم أن تلك الرسالة عمرها سنوات، فهي أثرت بي كثيرا”، وتقر بأن هذا العمل لا يتطلب الدقة والصبر فحسب بل هو يتطلب أيضا “مسؤولية كبيرة”.