هذا هو الدور الذي لعبه محمد دحلان لتوريط مصر في اتفاق سد النهضة
ووصلت حدة الخلافات بين الدول الثلاث إلى تبادل الاتهامات والتهديدات، الامر الذي دفع مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة دعت لها تونس ممثلة القاهرة والخرطوم، لبحث أزمة سد النهضة تزامناً مع تحدث تقارير عن لعب الإمارات دوراً بارزاً في تورط مصر بهذا الاتفاق الذي أزم موقف مصر.
واعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري أن سد النهضة يشكل “تهديدا وجوديا” بالنسبة لبلاده، مطالبا بـ”اتفاق مُلزم قانونا” بالنسبة إلى إثيوبيا.
وقال شكري، خلال الجلسة، إن “المسار التفاوضي الذي يقوده الاتحاد الإفريقي قد وصل لطريق مسدود”.
وأضاف “تُطالب مصر مجلس الأمن بتبني مشروع القرار الخاص بمسألة سد النهضة الإثيوبي والذي تم تعميمه من قِبل جمهورية تونس الشقيقة”، معتبرا أن هذا المشروع “متوازن وبناء”.
ويُطالب هذا المشروع، الذي حصلت عليه وكالة فرانس برس، بتسوية النزاع بغضون ستة أشهر، وبأن توقف إثيوبيا ملء خزان السد، وبأن يُدرج المجلس على جدول أعماله هذا الملف المتأخر منذ العام 2011.
وحذر شكري من أنه “إذا تضررت حقوق مصر المائية أو تعرض بقاؤها للخطر فلا يوجد أمام مصر بديل إلا أن تحمي وتصون حقها الأصيل في الحياة وفق ما تضمنه لها القوانين”. في إشارة إلى تدخل عسكري.
الإمارات لعبت دوراً في تورط مصر باتفاق سد النهضة
وكانت مجلة “نيوزويك” الأمريكية كشفت أن محمد دحلان القيادي السابق في حركة فتح، قد توسط لتوقيع اتفاق سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان في آذار/ مارس 2015، وأنه كان في قلب المفاوضات، ودعاه للتوسط في المحادثات رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هيلا مريام ديسالين.
وقال مصدر مقرب من دحلان للمجلة، رفض الكشف عن هويته، إن ” رئيس وزراء إثيوبيا قد دعاهم، وكنا مستعدين للمساعدة.. ووضعنا أساس الاتفاق”.
صور دحلان مع مسؤولين مصريين وإثيوبيين
ونشرت المجلة صوراً قالت إنها حصرية يظهر فيها دحلان مع كلاً مع كل من ديسالين ورئيس المخابرات المصرية السابق أيضاً خالد فوزي في أديس أبابا ووزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم في أبو ظبي.
وكان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد هو الطرف الوحيد الآخر الذي يعلم بمشاركة دحلان في محادثات الأبواب المغلقة.
ويمثل دحلان في تلك المفاوضات التي قامت في وقتها الإمارات وليس فلسطين وردا على ذلك، قال مسؤول رفيع في منظمة التحرير الفلسطينية، إن دحلان يحاول أن يلعب السياسة الفلسطينية إلا أنه قال إنه كان يمثل الإمارات وليس كشخصية فلسطينية عندما توسط في اتفاق السد.
وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته إن الرجل يظهر أوراق اعتماده لكثير من الناس، ويمكنه أن يرتدي قبعات مختلفة، وعندما يلتقي مسؤولا في دولة مختلفة، فهو لا يفعل ذلك بالضرورة باعتباره شخصية فلسطينية، فبإمكانه أيضا أن يرتدي القبعة كمبعوث للإمارات.
إثيوبيا تنصلت من الاتفاق والسودان تطلب مساعدة مجلس الأمن
قالت وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، إن بلادها “تطلب المساعدة” من مجلس الأمن لإيجاد اتفاق ملزم قانونا، من دون أن تأتي على ذكر مشروع القرار.
وحذّرت من أن الصمت سيُفسر على أنه ضوء أخضر لإثيوبيا لمواصلة ملء خزان السد.
من جهتها، أكدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إنغر آندرسن، أنه “يمكن التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة”.
وتطرقت آندرسن إلى “أسس تعاون” مستقبلي بين الدول الثلاث، مشيرة إلى أن “الثقة والشفافية والالتزام أمور أساسية من أجل التوصل إلى اتفاق بالحد الأدنى”.
وقالت المسؤولة الأممية إنه “على الرغم من تحقيق تقدم في ميادين عدة خلال المفاوضات، إلا أن أي توافق لم يتم التوصل إليه في ما يتعلق ببعض النواحي الأساسية، خصوصا الترتيبات الخاصة بإدارة فترات الجفاف الطويلة الأمد”، كما و”إيجاد آلية لتسوية الخلافات”.
وتُصر إثيوبيا على أن قضية السد لا تهدد السلم والأمن الدوليين، وبالتالي لا تتطلب انعقاد مجلس الأمن.
وقال وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بيكيلي أوولاتشو، إن الاعتراضات التي عبرت عنها القاهرة والخرطوم “ليست موجهة ضد سد النهضة وإنما تهدف بالأحرى إلى وقف استخدام المياه من جانب إثيوبيا”.
وأضاف “خلافا لمصر والسودان، لا تمتلك إثيوبيا احتياطات كبيرة من المياه الجوفية”.
وكانت الإمارات هي إحدى الدول العربية القليلة التي لم يصدر عنها بيان تأييد لموقف مصر والسودان من أزمة سد النهضة، خلال الفترة التي وجه فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أول تهديداته لإثيوبيا، بل إنه بالتزامن مع ذلك أعلنت إرسال مساعدات لإثيوبيا، علماً بأنها ساعدت أديس أبابا في قمع إقليم تيغراي.
من يمول سد النهضة؟
تقدر تكلفة سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) بما يقارب 5 مليارات دولار أمريكي، أي حوالي 7% من إجمالي الناتج القومي الإثيوبي لعام 2016، حسبما ورد في كتاب “سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق” الذي نشر لأول مرة عام 2018.
ويشير الكتاب إلى أنه لطالما زُعم أن الافتقار إلى التمويل الدولي للمشروعات على نهر النيل الأزرق هو سبب لحملة مصر المستمرة المنتقدة للمشروع.
ولذا تضطر إثيوبيا إلى تمويل سد النهضة بتمويل جماعي من خلال جمع الأموال الداخلية في شكل بيع السندات وإقناع الموظفين بالمساهمة بجزء من دخولهم.
على الرغم من النجاح المحلي في جمع الأموال، إلا أن مساهمة الإثيوبيين والإثيوبيين الذين يعيشون في الخارج قوبلت بالشكوك بسبب البيئة السياسية في إثيوبيا.
حقيقة تمويل الإمارات لسد النهضة
كما تقدم الحكومة الصينية قدراً كبيراً من التمويل الدولي للبنية التحتية للطاقة الكهرومائية.
كما زُعم أن دول الخليج تساهم في بناء السد، ولكن المؤلفين لم يحددوا مدى دقة هذه الادعاءات وأي دولة خليجية تموله.
من الصعب الجزم بوجود تمويل إماراتي مباشر لسد النهضة، في ظل غياب معلومات على قدر من المصداقية في هذا الشأن.
ولكن في المقابل، فإنه يمكن القول إن الإمارات ودولاً خليجية أخرى تساهم في تمويل سد النهضة بشكل غير مباشر عبر طريقين.
المساعدات والمنح الاقتصادية
يمكن اعتبار المساعدات والمنح الاقتصادية التي تقدمها الإمارات والسعودية لإثيوبيا نوعاً من التمويل غير المباشر لسد النهضة، حيث إن هذه المساعدات والمنح قد تدعم ميزانية الحكومة الإثيوبية؛ بما يسمح لها بتحويل الأموال إلى بناء السد.
وتعتبر الإمارات داعماً ضخماً ومباشراً لإثيوبيا وليست مستثمراً فقط، حتى إن وزير الخارجية الإثيوبي غدو أندرجاتشاو سبق أن قال: “لا يمكن حصر الدعم الذي قدمته دولة الإمارات لإثيوبيا وخصوصاً في المجال الاقتصادي”.
وقال: “الإمارات دعمتنا في التحول مالياً، وخلقت فرص العمل للإثيوبيين، كما شجّعت المستثمرين الإماراتيين على بعث مشاريعهم في إثيوبيا، فضلاً عن حرصها على متابعة نجاح عملية التحول والإصلاح الذي بدأه رئيس الوزراء آبي أحمد“.
وفي عام 2018، أعلن أحمد شيد، رئيس مكتب شؤون الاتصالات الحكومية في إثيوبيا، أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستودع مليار دولار في البنك المركزي الإثيوبي لتخفيف نقص العملة الأجنبية، وذلك بالتزامن مع زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد لأديس أبابا.
وأوضح “شيد” أن الإمارات وافقت أيضاً على تخصيص ملياري دولار إضافيين “لاستثمارات مختلفة”.
وفي فبراير/شباط 2020، وقع صندوق خليفة لتطوير المشاريع الإماراتي اتفاقية بقيمة 100 مليون دولار مع وزارة المالية الإثيوبية، لدعم وتمويل المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في إثيوبيا.
كما تعد الإمارات الدولة الخليجية الثانية بعد المملكة العربية السعودية في الاستثمار في إثيوبيا 2014.
يمكن تفهم آثار المساعدات المالية الإماراتية بالنظر إلى أنه تلك الفترة كانت تمثل الحقبة الحرجة لبناء السد الذي وصل نسبة تشييده إلى أكثر من 70% بحلول نهاية عام 2017 وفي ذلك الوقت وردت أنباء عن أن نقص السيولة لدى إثيوبيا تعرقل إكماله، ولا يمكن استبعاد أن الأموال الإماراتية قد حلت المشكلة بشكل غير مباشر؛ فعبر دعم الموازنة الإثيوبية حتى لو عبر توجيه الأموال لبنود أخرى غير بناء السد، تستطيع أديس أبابا تحويل أموال من هذه البنود للسد.
ويفسر هذا الدعم الإماراتي وكذلك الصيني قدرة بلد فقير كإثيوبيا، على بناء سد بحجم سد النهضة دون دعم صريح من المؤسسات المالية الغربية، فمصر على سبيل المثال احتاجت دعماً سوفييتياً لبناء السد العالي بعد رفض الولايات المتحدة السماح للبنك الدولي بتمويله.
المشروعات الزراعية
أما الطريقة المالية الثانية لدعم سد النهضة بشكل غير مباشر، فهي الاستثمارات في مجال الزراعة والتي باتت تمثل حافزاً لبناء السد وجعله أكبر ربحية بالنسبة لإثيوبيا، وأيضاً يعتقد أن هذه الاستثمارات لها تأثيرات سلبية على البيئة وعلى ملكيات المزارعين الصغار.
وهذه الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا في مجال الزراعة جزء من عملية سباق تشهده منطقة القرن الإفريقي على الاستثمار في الزراعة من قبل دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية وقطر، وأيضاً من قبل دول كالهند والولايات المتحدة والصين.
إذ تنفذ الهند والصين والمملكة العربية السعودية وقطر والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة استثمارات زراعية واسعة النطاق في منطقة البحيرات الكبرى- إثيوبيا وجنوب السودان ودول شرق إفريقيا الأخرى لتوفير الغذاء والوقود الزراعي لسكانها المتنامين.
وتنظر السعودية والإمارات باهتمام خاص لدور إثيوبيا والسودان في توفير الغذاء، ولكنهما أيضاً تريان في تعزيز النفوذ في إثيوبيا وسيلة لامتلاك أدوات ضغط على حليفتهما مصر، حسبما ورد في تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
ويشير المركز إلى أنه في ضوء المشاركة المتزايدة لأبوظبي والرياض مؤخراً في القرن الإفريقي، فإن القاهرة غير قادرة على الاعتماد على حلفائها العرب الأساسيين للضغط على إثيوبيا لتبني نهج أكثر تصالحية. علاوة على ذلك، نظراً لدور إثيوبيا والسودان في توفير الغذاء لهذه البلدان، فمن غير المرجح أن تتدخل لصالح مصر لأن سد النهضة يمكن أن يزيد من أمنها الغذائي.
ومن هنا يخلص التقرير إلى أن الإمارات العربية المتحدة تمتلك عدداً من الحوافز فيما يتعلق باستمرار مشروع سد النهضة، بما في ذلك خدمة مصالحها الخاصة بالأمن الغذائي، وحماية نفوذهما الإقليمي الذي اكتسبته بشق الأنفس، واحتمال أن يكون لهما اليد العليا ضد إيران وقطر وتركيا، ويكتسب العامل الأخير أهمية خاصة بعد أن مالت القاهرة للمصالحة مع الدوحة والتهدئة مع أنقرة.
يقول المركز يمكن أن تشعر أبوظبي بالارتياح إزاء افتقار القاهرة للخيارات في مسألة سد النهضة.