هل تعود جنين عاصمة للمقاومة بالضفة أم تهاجمها إسرائيل سريعاً لمنع تكرار معركة 2002 التاريخية؟
ويعرف مخيم جنين بصلابته في مواجهة الجيش الإسرائيلي، حيث خاض مقاومون معركة ضارية، مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، في أبريل/نيسان من العام 2002، أسفرت عن استشهاد 52 فلسطينياً، وفق تقرير للأمم المتحدة في حينه، وتدمير غالبية مساكن المخيم، ولكن اللافت أن المعركة أدت إلى خسائر كبيرة في أوساط الجيش الإسرائيلي حيث قتل 23 جندياً، منهم 13 جندياً قُتلوا في يوم واحد إثر تعرضهم لكمين؛ مما جعل رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت أرئيل شارون يصف ذلك اليوم بالعصيب.
كما أنه من بين الذين قتلوا في معركة جنين، قائد وحدة الهبوط المظلي الإسرائيلي (الكوماندوز).
وثمّة تخوّف إسرائيلي، في ضوء هذا التاريخ، أن تتحوّل جنين مجدَّداً إلى عاصمة المقاومة في الضفة الغربية، وتنقل تجربتها إلى سائر المناطق الأخرى، حسبما ورد في تقرير لموقع الميادين.
اشتباك مسلح بالتزامن مع القبض على الأسرى
وأفادت وسائل إعلام فلسطينية، صباح اليوم الأحد، بوقوع اشتباك مسلح ومواجهات يتخللها إلقاء عبوات محلية الصنع صوب قوات من الجيش الإسرائيلي في مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.
ونقلت شبكة “قدس” الفلسطينية، عن مصادر محلية، إصابة شاب فلسطيني برصاص الجيش الإسرائيلي خلال المواجهات في جنين.
من جانبها، أكدت هيئة البث الإسرائيلية، صباح اليوم الأحد، أن قوات الجيش الإسرائيلي نفذت عملية عسكرية استهدفت الحي الشرقي لمدينة جنين، لافتة إلى أنها ألقت القبض على الأسيرين الفلسطينيين الأخيرين أيهم كممجي، ومناضل انفيعات في جنين.
وأضافت أن فلسطينياً أصيب جراء تبادل لإطلاق نار بين الجيش الإسرائيلي والمسلحين الفلسطينيين في جنين.
جنين تتعهد بحماية الأسرى، ولكن الأسيرين الأخيرين كانا لهما رأي آخر
وكانت الفصائل الفلسطينية في مخيم جنين قد تعهَّدت بتوفير الحماية للأسرى الفلسطينيين الباحثين عن الحرية، وقد وقعت اشتباكات محدودة بين مقاومين في جنين وبين القوات الإسرائيلية، ولكن من الواضح أن آخر أسيرين قررا عدم المقاومة، حتى لا يتم تدمير المبنى اللذين يختبئان فيه، حسبما ذكر، فؤاد كممجي، والد الأسير أيهم كممجي، إذ قال إن نجله أبلغه هاتفياً قبل اعتقاله أنه وانفيعات سيستسلمان دون مقاومة، حماية لسكان المبنى الذي كانا فيه، بعد أن هددت القوات الإسرائيلية بنسف المبنى بمن فيه، علماً بأنهما كان قد خرجا من مخيم جنين معقل المقاومة المسلحة إلى المدينة نفسها الأكثر هدوءاً.
وفي الأغلب، فإن قرار الأسيرين جنَّب جنين معركة، قد تكون مشابهة للتي وقعت عام 2002، ولكن هذا لا يغير حقيقة أن جنين ولا سيما مخيمها تستعيد تدريجياً تاريخها كعاصمة للمقاومة الفلسطينية المسلحة في الضفة، وهو التاريخ الذي قضت عليه إسرائيل عبر معركة عنيفة دمرت خلالها المخيم.
ولم تكن صدفة أن يكون كل الأسرى الستة من مدينة جنين، وخمسة منهم من حركة الجهاد وواحد من كتائب شهداء الأقصى.
وكانت قوات الاحتلال، قد اقتحمت عدة قرى غرب جنين، كما حاصرت منزلي الأسيرين كمامجي ونفيعات في مدينة جنين، بأكثر من 30 دورية وآلية عسكرية وقامت بتفتيشه واستجواب أفراد العائلة، محذرة إياهم من التواصل مع الأسير المطارد أو تقديم مساعدة له.
وعقب تصريح الأسيرين محمود ومحمد عارضة في سجن الجلمة، بأن الخطة الأساسية للأسرى الستة كانت الهرب من سجن جلبوع في اتجاه الضفة الغربية ومن هناك الوصول إلى مخيم جنين، أعلن عشرات المسلحين الفلسطينيين في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، استعدادهم لأي عدوان إسرائيلي محتمل، وتم تأسيس غرفة عمليات مشتركة في مخيم جنين، تضم الأجنحة العسكرية لكل من حركة فتح وحماس والجهاد الإسلامي، تحسباً لأي اقتحام قد يقوم به الجيش الإسرائيلي.
واندلعت مواجهات مع قوات الاحتلال، تخللها إلقاء عبوات محلية الصنع على حاجز الجلمة في جنين، إضافة لاندلاع مواجهات مع قوات الاحتلال قرب الحاجز الشمالي لمدينة قلقيلية.
ونقلت وكالة الأناضول من داخل مخيم جنين، أن عشرات المسلحين يجوبون الأزقة، واضعين أقنعة تحمل شعارات الفصائل التي ينتمون إليها، في استعداد تام لصد أي اعتداء للجيش الإسرائيلي. ونقلت الوكالة أيضا، أن المسلحين هم شباب تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 عاماً، ومن أسر مناضلة، ومنهم من وصل من الضفة الغربية تحسباً لأي معركة.
وعقب اعتقال أربعة من الأسرى، انطلقت مسيرات ووقفات بمخيم جنين، لمساندة الأسرى الفارين وتنديداً بإعادة اعتقال بعضهم. وفي وقت سابق، رشق المتظاهرون حاجز الجلمة العسكري القريب من جنين بالحجارة والعبوات الحارقة، بينما اندلعت في الضفة الغربية مواجهات بين شباب فلسطينيين وجيش الاحتلال، تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين.
وشهد المخيم حالة غضب واستنفار لصد أي هجوم محتمل منذ منتصف الشهر الماضي، حيث قتلت قوات الاحتلال 4 مقاومين خلال اقتحامهم للمخيم. وتصاعدت حدة التوتر مع إعادة اعتقال زكريا زبيدي، وتعرضه للتعذيب خلال التحقيق.
وقبل إلقاء القبض على الأسيرين، هدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، خلال مقابلة مع “القناة 12” الإسرائيلية، باقتحام مدينة جنين في حال وصل إليها أي من الأسيرين الفارين، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال على أهبة الاستعداد لاقتحام المدينة بقوات كبيرة من أجل اعتقالهما، حتى لو كان ذلك على حساب التأثير على باقي مناطق الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وقال كوخافي ، إن التحقيق مع الأسير زكريا زبيدي، أظهر أن الأسرى خططوا للذهاب إلى جنين، ومن المحتمل أن يكون أحد الأسرى على الأقل قد وصل بالفعل إلى هناك ويتلقى المساعدة، مضيفاً أن “الخطط موجودة،” وإذا زاد حجم الهجمات التي تنطلق من مدينة جنين أو المخيم، “فقد يكون من المحتمل إجراء عملية تطهير في هذه المنطقة”.
اشتباكات سابقة
في 2020 شهدت مدينة جنين اعتداءات من قبل جيش الاحتلال على مدار 10 أيام، مخلفة أكثر من 50 قتيلاً ودمرت حوالي 150 بناية كلياً وشردت حوالي 435 عائلة، كما قُتل خلال الاشتباكات 23 جندياً إسرائيلياً على يد المقاومين.
بتاريخ 18 أغسطس/آب، من الشهر الجاري نظمت أجنحة عسكرية في مخيم جنين عرضاً مسلحاً جاب شوارع المخيم والمدينة، ومن ثم توجه العرض إلى بيت عزاء شهداء المدينة الأربعة الذين سقطوا قبل ذلك بيومين برصاص وحدات خاصة إسرائيلية اقتحمت المدينة ومخيمها لتنفيذ عملية اعتقال تقليدية.
بعد تأدية واجب العزاء نظم المسلحون ما سموه “عرضا عسكرياً” بسيطاً في المنطقة التي وقع فيها الشهداء الأربعة الذين انضموا لستة شهداء سقطوا في المدينة منذ بداية العام الحالي، وهناك قالوا رسالتهم التي التفت حولها جماهير عريضة ومفادها أن المقاومة المسلحة مستمرة وهي بدون أي تنظيمات سياسية وبجهود ذاتية.
عد الحدث فارقاً ولا سيما أنه ضم مقاتلين من مختلف الفصائل: فتح، والجهاد الإسلامي، وحركة حماس… إلخ، وفيه أكد المقاتلون أنهم يعملون من دون انتماء فصائلي، وأنهم ينتمون لصالح المخيم والمدينة “بكل ما يحمل من رمزية مقاومة وعنفوان وتاريخ طويل من النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي”.
بعد ذلك العرض بساعات أصدرت حركة الشبيبة الفتحاوية في المدينة بياناً سياسياً جاء مسانداً للحالة القتالية وخروجاً عن الخطاب الفتحاوي التقليدي الذي يأتي دوماً متماشياً مع خطاب الرئيس محمود عباس والمتمثل بالمقاومة الشعبية.
يمتلكون أسلحة متقدمة
وقال مسؤول عسكري اسرائيلي كبير مؤخراً، إن معظم اقتحامات الجيش الاسرائيلي خلال الأشهر الماضية لجنين شهدت اشتباكات مسلحة بين جنود الاحتلال والمقاومين الفلسطينيين.
وأشار يائير فلاي قائد لواء جولاني الذي سيتسلم منصبه العام المقبل في تصريحات لصحيفة معاريف الاسرائيلية، إلى أن عدة خلايا للمقاومة بدأت تنشط في جنين خلال الفترة الماضية.
ووفق فلاي فإنه لا يوجد في الضفة الغربية مدينة أخرى مثل جنين، مضيفاً: “إن كل اقتحام لجنود الاحتلال لجنين يتزامن مع إقامة غرفة عمليات مركزية ميدانية إضافة لاقتحام القوات الخاصة للمدينة”، مضيفاً أن المقاومين يمتلكون “أسلحة ومعدات متطورة”.
وأوضح أن “خلايا المقاومة في جنين لديها عناصر يقومون بمراقبة تحركات جيش الاحتلال لحظة بلحظة ويبلغون بها المقاومين المسلحين، وهنالك خلايا تقوم بإطلاق النار من السيارات، بالإضافة إلى خلايا أخرى تطلق النار من عدة أماكن ويتواصلون مع بعض البعض عبر الهواتف الخلوية”.
وحول انتماء هذه الخلايا، أشار إلى أن بعضهم ينتمي لحماس وهناك خلايا للجهاد الإسلامي القوي نسبياً في جنين، مؤكداً وجود مقاومين يتبعون لفصائل أخرى خاصة في مخيم جنين، مستدركاً: “لكن الانتماء الأول لجميع المقاومين هو الانتماء لمخيم اللاجئين، وهذا ما يوحدهم”.
ولفت إلى أن بعض خلايا المقاومة تضم عدة مقاومين من عدة فصائل فلسطينية في خلية واحدة؛ وهذا لا يؤثر على عملهم.
وبحسب فلاي، فإن محادثات تجري بالخصوص مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية ولكنها ضعيفة في جنين، حسب زعمه، منوهاً إلى أن الجيش الاسرائيلي لا يعرف تماماً كم عدد الأسلحة في جنين، ولكن التقديرات تشير إلى وجود مئات قطع السلاح.
وأوضح أن “هناك حوالي 15 مقاوماً مسلحاً يقومون بإطلاق النار تجاه جنود الاحتلال خلال اقتحامهم جنين”، منوها إلى أنه “لا يستطيع نفي إن كانت هناك صواريخ ضد الدبابات في جنين، بينما يملكون أسلحة ومعدات عسكرية متطورة، وكذلك قنابل يدوية الصنع والكثير من العبوات الناسفة”.
معركة سيف القدس أحدثت تحولاً في المخيم.. وإليك الحركة التي بدأت المقاومة
ويؤرخ مراقبون لهذا التحول بمعركة “سيف القدس”، حسب ما ورد في موقع رام الله الإخباري نقلاً عن صحيفة القدس.
فلقد برزت خصوصية مدينة جنين في أثناء معركة “سيف القدس”، بحيث شكّل تهديد فصائل المقاومة، وخصوصاً “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد، خلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد داخل مخيم جنين في أثناء معركة “سيف القدس”، مؤشراً خطيراً للأجهزة الأمنية الإسرائيلية على توجُّهات فصائل المقاومة داخل جنين، الأمر الذي تعزّزه عمليات إطلاق النار المتكرّرة تجاه آليات الاحتلال وجنوده، كلما حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحام مخيم جنين.
إذ قامت مجموعة من المقاومين في المدينة بعمليات إطلاق نار على قوات الاحتلال التي كانت تمارس قبل ذلك عملياتها بهدوء وسلاسة، وهو ما يعني أن الاقتحامات أصبحت عملاً مكلفاً بالنسبة لإسرائيل.
وأكد مراقبون أن نواة هذا الفعل العسكري بدأت من خلية تتبع سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، حيث “كانت خلية جميل العموري (الشهيد) هي الأولى، وكانت بمثابة رأس التنظيم، وتوقع الاحتلال أن يترتب على اغتياله تشتت الخلية وتوقفها على القيام بنشاطها المقاوم”.
ويؤكد المراقبون أن أغلب من يقود هذه الحالة النضالية الجديدة التي بدأت تتسع مع تصاعد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة والقدس وغزة هم شباب ولدوا مع الانتفاضة الثانية عام 2000.
ونقل موقع رام الله الإخباري عن جمال حويل، محاضر العلوم السياسية وأحد قادة العمل الفصائلي في مخيم جنين قوله: إن جنين تستند على تاريخ طويل وممتد منذ ثلاثينات القرن العشرين، أي منذ أن جاء عز الدين القسام للمدينة مقاتلاً، وهو ما يجعل النفس المقاوم تعبيراً عن ثقافة وتكوين للوعي الجمعي في المدينة وكل فلسطين.
وتابع قائلاً: “الشباب غاضب ويشعر بالإحباط، لكنه مع ذلك مفعم بالأمل، هؤلاء شباب ملتحمون مع أبناء شعبهم، وطالما نحن تحت الاحتلال يجب أن تظهر المقاومة”.
ويرى حويل أن مفهوم المقاومة الشاملة، بحسب ما طرحه الأسير مروان البرغوثي، هو نوع المقاومة الذي نحتاجه في هذه الأوقات وليس مفهوم المقاومة الشعبية السلمية، فهي مقاومة ليست مهادنة بل تعمل على تدفيع الثمن.
ويصف رياض أبو وعد، الناشط في مخيم جنين، الأوضاع حالياً بقوله: “حالة من التوتر والقلق، المشهد ثأري، الشباب غاضب وأي اقتحام لقوات الاحتلال سيحدث اشتباك مسلح أعنف من السابق”.
وأضاف أبو وعد لوكالة الأناضول “المواجهة تتسع يوماً بعد يوم مع قوات الاحتلال الإسرائيلية، رداً على عمليات الاقتحام والاعتقالات التي لم تتوقف منذ العام 2002”.
وأشار أبو وعد، إلى وجود “تكاتف بين كافة المقاومين”، وقال: “الرابط الاجتماعي في المخيم أقوى من الفصائلي، لذلك تجد جميع الفصائل معاً في مواجهة أي اقتحام”.
ولكن حويل يشير إلى مشكلة كبيرة تتعلق بهذه الظاهرة تتمثل في أن “الفصائل الفلسطينية على اختلافها تخاف من الاقتراب من هؤلاء المقاتلين، هناك خوف من التواصل معهم، وهم بحاجة إلى النصح والدعم والتنظيم، هم بحاجة إلى تنظير وتنظيم، وهناك خوف من الاقتراب منهم لكونهم معرضين للتصفية، فإسرائيل تضعهم تحت المجهر طوال الوقت وبشكل لحظي”.
الاحتلال يستهدفها بشكل دائم
وحتى قبل التطورات الأخيرة الخاصة بالأسرى، فإنه في حين كانت قوات الاحتلال تقتحم بقية مناطق الضفة، تُواجه برشقها بالحجارة من قبل الشبان؛ لكن في جنين، يُطلقون الذخيرة الحية باتجاهها، وتندلع اشتباكات مسلحة، حسب تقرير لوكالة الأناضول.
ويرى الخبراء، أن ما يجرى في “جِنين”، مردّه “استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وغياب الأفق السياسي، وأسباب أخرى منها اجتماعية واقتصادية، تدفع لمواجهة الاحتلال”.
وبحسب إحصائيات فلسطينية، استشهد منذ مطلع العام الجاري 10 شبان في جنين، برصاص الجيش الإسرائيلي.
وكان من أبرز الحوادث خلال الفترة الماضية، ما جرى يوم 10 يونيو/حزيران الماضي، حينما اندلع اشتباك مسلح، عقب اقتحام المدينة، وأسفر عن استشهاد 3 فلسطينيين، بينهم عنصرا أمن، يعملان في جهاز الاستخبارات الفلسطينية.
وفي شوارع مخيم جنين، يُشاهَد عشرات الشبان الذين يحملون السلاح علانية، من كافة الفصائل.
مقاومة بالأسلحة لا بالحجارة
اعتبرت إسرائيل مدينة جنين، وخصوصاً مخيمها، هدفاً استراتيجياً لأجهزتها الأمنية، التي باتت في أوّل سلّم أولوياتها، محاوِلة إفراغ جنين من حالة المقاومة المتزايدة بين أزقة مخيمها.
لكن، يبقى الأخطر إسرائيلياً أن هناك إشارات أمنية إلى إمكان العودة إلى العمليات الاستشهادية انطلاقاً من مخيم جنين، الأمر الذي يحمل في طياته تغيراً استراتيجياً في طبيعة الصراع، في الضفة الغربية بصورة خاصة، وفي الحالة الفلسطينية بصورة عامة.
وترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في منطقة شماليّ الضفة الغربية، وخصوصاً مدينة جنين ومخيمها، التحدِّيَ الأكبر أمام نفوذ الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، بحيث تفيد تقديرات جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه يوجد في المخيم نفسه عدة آلاف من قطع السلاح، ومخازن ذخيرة كبيرة، ناهيك عن وجود مطلوبين مسلَّحين للأجهزة الأمنية للسلطة، من حركة فتح، لا يؤيدون السلطة الفلسطينية، من دون أن تكون لأجهزة أمن السلطة القدرة على ضبط الحالة الأمنية في جنين، كما يقتضي التنسيق الأمني مع “إسرائيل”.
وتُعَدّ حادثة إطلاق النار على المقاطعة في جنين بعد مصادرة أجهزة أمن السلطة سيارةَ الشهيد جميل العموري، الذي اغتاله جيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤشراً مهماً لدى “إسرائيل” على فقدان السيطرة لدى السلطة الفلسطينية في منطقة شمالي الضفة، وخصوصاً مدينة جنين، الأمر الذي يُقلق منظومة الأمن الإسرائيلية. أضف إلى ذلك أن مراجعة سريعة لقائمة أسماء شهداء جنين في الآونة الأخيرة، تُظهر أنها تشمل أسماء من تنظيمات متعددة. والأهم أن نسبة كبيرة منهم هي من المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، الأمر الذي يمكن أن يهدّد وجودياً منظومةَ التنسيق الأمني مع “إسرائيل” بالكامل، حسب “الميادين”.
مقاومون أبناء مقاومون.. إسرائيل تخشى تحول جنين إلى عاصمة للمقاومة
تدرك “إسرائيل” أن أيّ تأخّر في استهداف جنين معناه تحوّلها إلى نموذج ملهِم للضفة الغربية برمتها، وخصوصاً مع وجود جيل شابّ جديد يمتلك نسبة عالية من الجرأة على تحدّي جيش الاحتلال الإسرائيلي ومنظومة التنسيق الأمني معه، خاصة في ضوء ذكريات معركة جنين، حسب موقع الميادين.
وقناعة هذا الجيل بأنه قادر على إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال إذا حاول دخول جنين، كما تهدّد “إسرائيل” مؤخَّراً.
ويُرجع القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في مخيم جنين، أسامة الحروب، تصاعد المقاومة المسلحة في جنين، إلى وجود جيل “تربى على مقاومة الاحتلال، وكسرت لديه حالة الخوف بينما كانوا أطفالاً خلال معركة المخيم في العام 2002”.
ويضيف: “معركة المخيم أنتجت جيلاً تربى على المقاومة، والمقاومون (الحاليون هم) أبناء شهداء وذوو شهداء أو أسرى”.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، جهاد حرب، إن الحالة السائدة في جنين، (التصدي المسلح لقوات الاحتلال) قد تمتد إلى بقية محافظات الضفة الغربية، في ظل “الظروف المتفجرة وبسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسياسات التهويد في القدس، والبناء الاستيطاني وغيرها، وكلها مؤشرات دافعة للوصول إلى انفجار”.
وتابع حرب: “في مخيم جنين تحديداً، يعيش جيل يعشق تحدي الاحتلال””.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، جنوب الضفة الغربية، بلال الشوبكي، أن الشارع الفلسطيني والعقل الجمعي، يطوّر أدواته النضالية، وهو ما ينسجم مع فلسفة حركات المقاومة التي تسعى لإبقاء حالة النضال مستمرة مع الاحتلال، بمعنى أنه (أي الاحتلال) لم ينتصر على الشعب.
وأرجع الشوبكي تلك الحالة، والتي وصفها بـ”الحتمية” لـ”وجود احتلال، إلى جانب غياب الأفق السياسي بفعل السلوك الإسرائيلي”، وختم حديثه بقوله: “في أي صراع، لا بد من وجود حلول، إما أفق سياسي أو مقاومة، وبات الخيار الأخير هو المفروض على الشعب الفلسطيني”.
من الواضح أن المسؤولين الإسرائيليين سيولون مزيداً من الانتباه إلى جنين، بعد كل التطورات السابقة، ولكن هل يعمدون إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة، قد تجلب انتقادات دولية خاصة أن تل أبيب تعرضت إلى انتقادات غير مسبوقة في تاريخها خلال حرب غزة الأخيرة، كما أن الاقتحام قد يؤدي إلى انهيار الحكومة الإسرائيلية التي تعتمد على دعم حزب عربي إسلامي التوجه.
إضافة إلى أن الاقتحام قد لا يؤدي بالضرورة إلى القضاء على المقاومة بل قد يتسبب في اشتعالها أكثر.