هل سيطرت الصين على كورونا بالكامل؟ الإجابة لا، والدليل قادم هذه المرة من العاصمة

حتى الأسبوع الماضي، بدت بكين على وشك تجاوز جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن ثمة تطورات جديدة قد تعيق القضاء نهائياً على هذا الوباء، وهي ارتفاع الحالات المؤكد إصابتها مرة أخرى.

ولمدة 55 يوماً، لم تصدر أنباء من العاصمة الصينية عن أية حالات عدوى محلية، وكانت الحياة تعود لطبيعتها. إذ أعيد فتح المدارس والمستشفيات، وعاد الناس إلى العمل، واكتظت المتنزهات ووسائل النقل العامة في المدينة بالجماهير مرة أخرى.

لكن مظاهر الحياة الطبيعية هذه انهارت الأسبوع الماضي، حين ظهرت كتلة جديدة من الإصابات بفيروس كورونا المستجد في سوق لبيع الأطعمة بالجملة في المدينة، أصابت أكثر من 180 شخصاً حتى يوم الجمعة 19 يونيو/حزيران، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

عودة سريعة لفيروس كورونا إلى العاصمة الصينية – رويترز

وفي غضون أيام، وُضِعَت العاصمة الصينية وسكانها البالغ عددهم أكثر من 20 مليون شخص تحت إغلاق جزئي. وأعادت السلطات فرض الإجراءات التقييدية التي استخدمتها سابقاً لمحاربة الموجة الأولية من العدوى، والتي تشمل عزل الأحياء السكنية، وإغلاق المدارس، ومنع مئات الآلاف من الأشخاص الذين يُعتقَد أنهم معرضون لخطر الإصابة بالفيروس من مغادرة المدينة. وخضع نحو 356000 شخص للفحص في 5 أيام فقط.

إنَّ تفشي العدوى في بكين، مقر قوة الحزب الشيوعي، التي كان تُعتَبر في السابق من بين أكثر المدن أماناً في الصين، هو تذكير صارخ بمدى سهولة عودة الفيروس إلى أماكن اعتقدت أنها نجحت في ترويضه.

موجة إصابات ثانية

ويمثل التفشي الحالي في بكين أسوأ عودة لفيروس كورونا المستجد حتى حدود اللحظة، ولا تزال السلطات تحاول تعقب مصدره.

ووجدت تقارير صلة بين تفشي الفيروس والأطعمة البحرية أو اللحوم، بعد رصد آثار للفيروس على لوح تقطيع يستخدمه بائع سمك السلمون المستورد في السوق. ومع ذلك، هناك مخاوف الآن من أنَّ الفيروس كان ينتشر في الخفاء قبل أسابيع من اكتشافه.

من جانبه، قال جاو فو، مدير المراكز الصينية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في اجتماع عُقِد في شانغهاي يوم الثلاثاء 16 يونيو/حزيران: “ربما لم يبدأ تفشي المرض في بكين في أواخر مايو/أيار أو أوائل يونيو/حزيران، لكن ربما قبلها بشهر”.

وأضاف: “لابد أنَّ هناك الكثير من الحالات غير المصحوبة بأعراض أو الإصابات الطفيفة في (السوق)؛ ولهذا السبب رُصِدت نسبة كبيرة من الفيروس في محيط السوق”.

الرئيس الصيني قدم نفسه كقائد الحرب على فيروس كورونا/رويترز

وتشير الأدلة الواردة من الولايات المتحدة إلى أنَّ ما بين 25% و45% من المصابين لا تظهر عليهم أعراض، وأظهرت دراسات علم الأوبئة أنَّ هؤلاء الأشخاص يمكنهم نقل الفيروس لأشخاص غير مصابين.

ويتفق تشانغ يونغ، وهو مسؤول صيني في مركز السيطرة على الأمراض، مع رأي غاو. إذ قال في مقال نشرته الحكومة الصينية، يوم الجمعة 19 يونيو/حزيران، إنَّ كمية كبيرة من العينات البيئية المجمعة من سوق شينفادي تبين أنها لفيروس كورونا المستجد، وأظهرت أنَّ “الفيروس دخل (السوق) منذ فترة طويلة”.

وعلى مدى الأشهر الماضية، حذَّر بعض خبراء الصحة الصينيين من تفشي موجة ثانية محتملة من الإصابات، على الرغم من أنَّ وسائل الإعلام الحكومية الصينية كررت مراراً نجاحها في احتواء المرض وقارنت ذلك مع إخفاقات الحكومات الغربية.

وفي مقابلة حصرية مع شبكة CNN الأمريكية في مايو/أيار، حذَّر الدكتور تشونغ نانشان، الخبير البارز في أمراض الجهاز التنفسي في الصين، من أنَّ بكين لا تزال تواجه “تحدياً كبيراً” متمثلاً في عودة محتملة للفيروس، وأنه لا ينبغي للسلطات أن تكون راضية عن الوضع.

وقال تشونغ: “غالبية الصينيين في الوقت الراهن مازالوا عرضة للإصابة بـ(كوفيد-19) بسبب نقص المناعة. نحن نواجه تحدياً كبيراً، وفي رأيي نحن في الوقت الحالي لسنا في وضع أفضل من الدول الأجنبية”.

“التفشي تحت السيطرة”

يمثل التفشي الأخير في بكين أحدث اختبار لاستراتيجية الصين لاحتواء فيروس كورونا المستجد.

من جانبه، تحدث وو زونيو، كبير علماء الأوبئة في مركز السيطرة على الأمراض في الصين، يوم الخميس 18 يونيو/حزيران، بنغمة منتصرة، معلناً أنَّ الفاشية في بكين أصبحت “تحت السيطرة” بالفعل.

ورجح وو أن تظهر حالات إصابة مؤكدة أخرى في الأيام القادمة مرتبطة بسوق شينفادي في بكين، لكن ليس من المحتمل أن يكون ذلك بسبب عدوى جديدة.

تقوية الجبهة الداخلية استعدادا لانطلاق التنين / رويترز

وأضاف وو: “الحالات التي شُخِصَت حديثاً، والتي أُبلِغ عنها يومياً لا تعني انتقال عدوى جديدة. والسيطرة على تفشي المرض لا يعني أنه لن تظهر أية حالات جديدة غداً”.

وتابع وو: “ستُسجَل حالات غداً وبعد غد. هذه الحالات المُبلَغ عنها هي نتيجة عملية الكشف عن الإصابات السابقة. وهي ليست إصابات جديدة. لكن الإصابات الجديدة تكون حالات فردية وغير منتظمة”.

وقال كبير علماء الأوبئة إنه لم يكن من غير المتوقع رؤية فاشية جديدة في بكين؛ بالنظر إلى العدد الكبير من الحالات الجديدة عالمياً.

وأوضح: “ما دامت هناك مخاطر حدوث حالات إصابة مستوردة، فإنَّ العدوى المستوردة والتكتلات الصغيرة التي تسببها الإصابات المستوردة قد تحدث في أي مكان في الصين. ومن هذا المنطلق، فإنَّ (الفاشية التي حدثت في بكين) أمرٌ طبيعي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى