ينفجر غضباً كلما حذَّروه من روسيا.. كيف رفض ترامب تقارير الاستخبارات الأمريكية حول خطورة موسكو؟
كشف مسؤولون سابقون بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بينهم معنيُّون يإعداد الإحاطات الاستخباراتية، أن المقاومة التي أخذ يبديها ترامب حيال التحذيرات الاستخباراتية بشأن روسيا أفضت بفريقه للأمن القومي، لا سيما المسؤولين عن الإحاطات التي تُعرض عليه يومياً، إلى إطلاعه شفهياً بدرجة أقل فأقل، على التهديدات المتعلقة بروسيا للأمن القومي للولايات المتحدة.
المسؤولون تحدثوا لشبكة CNN، التي قاالت في تقريرها، إن ما جرى يأتي في الوقت الذي ينفي فيه البيت الأبيض أن ترامب كان مطلعاً على قيام روسيا بوضع مكافآت على قتل الجنود الأمريكيين في أفغانستان، وهي المعلومات التي أكدت مصادر لشبكة CNN، أنها كانت مشمولة في الإحاطات التي عُرضت على ترامب الربيع الماضي، والسؤال هنا هو عن حجم المعلومات التي كان يعرفها الرئيس بشأن الأمر، ومتى انتقلت إلى صدارة عنايته.
تقرير CNN يضيف أن الأمر برمّته يعيد تسليط الضوء على نفور ترامب من الاستماع إلى أي تحليلات سلبية بشأن روسيا ويلفت الانتباه إليه.
عديد من المسؤولين السابقين كانوا قد رسموا صورة لترامب بوصفه رئيساً غير مستعد لسماع أي أخبار سيئة بشأن روسيا.
وفقاً لأحد كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين، كان لدى موجِزي الرئيس المعنيِّين بتقديم الإحاطات اليومية لترامب شبه قاعدة واحدة بسيطة معه، وهي: لا تبدأ موجزك أبداً بروسيا.
يرجع ذلك إلى أن موجزي ترامب هؤلاء اكتشفوا في وقت مبكر من ولايته، أنه عندما تتضمن إيجازاتهم الشفهية اليومية معلومات استخباراتية تتعلق بـ”أنشطة روسيا الخبيثة ضد الولايات المتحدة”، وضمن ذلك أدلة على تدخُّلها في الشؤون السياسية الأمريكية، غالباً ما كان ترامب ينفجر غضباً عليهم، مطالباً بمعرفة سبب استمرارهم في التركيز على روسيا، وغالباً ما ينتقل إلى التشكيك في معلومات الاستخبارات ذاتها، وذلك بحسب مسؤولين سابقين في إدارته.
ينقل جيم سكويتو، مراسل شبكة CNN المتخصص بشؤون الأمن الدولي، عن عضو بارز سابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية، أن ترامب “خلق وسطاً يميل إلى تجنب- إن لم يكن يحظر- ذكر أي معلومات استخباراتية سلبية عن روسيا”.
نتيجة ذلك، عمد المسؤولون عن تقديم الإحاطات اليومية إلى ترامب، إلى تقليل حجم المعلومات الاستخباراتية المقدمة إليه بشأن روسيا في الإحاطات الشفهية، وعوضاً عن ذلك، غالباً ما وضعوها في الموجز المكتوب، وهي وثيقة تقدَّم إليه يومياً، وأحياناً تمتد إلى عشرات الصفحات التي تحتوي على أهم المعلومات والاستنتاجات التي توصل إليها مجتمع الاستخبارات.
يضعها دون أن يقرأها: لكنهم اكتشفوا بمرور الوقت، أن ترامب لم يكن يقرأ في كثير من الأحيان وثائق الإحاطة تلك، وهو ما جعله غير مدرك لمعلومات استخباراتية حاسمة، لا سيما التهديدات المتعلقة بروسيا وأجزاء أخرى من العالم.
مع ذلك، فعندما سئل مدير جهاز الاستخبارات الوطنية الأمريكي، جون راتكليف، عما أوردته شبكة CNN في تقرير لها، بشأن أن ترامب كان يقاوم التحذيرات الاستخباراتية المتعلقة بروسيا، قال راتكليف: “هذه معلومات مغلوطة تماماً”.
مستشار الأمن القومي، روبرت أوبراين، قال الأربعاء 1 يوليو/تموز، إن ترامب لم يطّلع على معلومات الاستخبارات بشأن روسيا، لأنها لم تكن مدعومة بالأدلة والتوثيق اللازم.
ووصف أوبراين ما ورد عن حجب معلومات عن الرئيس بسبب مخاوف من أنها تزعجه، بأن ذلك “سخيف”، وقال إن مستشاري الرئيس للأمن القومي “يُطلعونه على كل ما يحتاج معرفته للحفاظ على البلاد آمنة. لذا فإن أي فكرة عن أننا لن نطلعه على شيء ما لأنه سيُغضبه، لا أعرف حتى كيف أرد على ذلك السؤال”.
من جانبه، لم يردَّ البيت الأبيض على طلب للتعليق على هذه القصة حتى بعد ظهر الأربعاء 1 يوليو/تموز 2020.
أحد كبار مسؤولي الاستخبارات السابقين الذين خدموا في عهد ترامب، أوضح أن مهمة الوكالات الاستخباراتية هي تزويد الرئيس برؤية أوسع لجميع التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة. أما إذا كان الرئيس مهووساً بتهديد واحد فقط، بحسب كلام المسؤول، فإنه لن يستمع إلى أي معلومات استخباراتية بشأن تهديدات أخرى، وفي هذه الحالة سيتعطل خط اتصال رئيسي بين أجهزة الاستخبارات والقائد العام أو ينقطع تماماً.
مسؤولو الاستخبارات قرروا الاحتفاظ بفرصهم المحدودة لتضمين تلك المعلومات وعرضها على الرئيس في الوقت الذي تكون فيه التهديدات شديدة. وبحسب المسؤول الاستخباراتي السابق، بات نهج أجهزة الاستخبارات: “لا تتحدَّث عن روسيا عرضياً، وفِّر ذلك إلى حين يكون الأمر له أهمية كبيرة” أو يكون فارقاً.
كانت النتيجة أن ترامب بات يسمع على نحو أقل، وليس أكثر، عن التهديدات التي يشكّلها أحد ألدّ أعداء أمريكا. وقال المسؤول السابق في الأمن القومي، موضحاً: “لقد غدا الأمر بمثابة نبوءة تحقق ذاتها، إذ بات يسمع عن الأمر بدرجةٍ أقل فأقل فأقل، ومن ثم تنامى اعتقاده أكثر فأكثر بأن الروس لا يفعلون أي شيء سيئ”.
وهكذا، فعندما ادعى ترامب علناً في وقت لاحق، أنه لم يرَ أي أدلة على عدوان روسي، كان يقول الحقيقة إلى حد ما، لكن السبب الحقيقي وراء أنه لم يكن قد رأى، هو أن المحيطين به خافوا من إطلاعه على التهديدات؛ خشية أن يبدي رد فعل سلبياً تجاههم.