آخرهم النيجر.. قصة 11 انقلابًا في أفريقيا نفذهم ضباط دربتهم أمريكا
مع كل انقلاب في أفريقيا، تسارع الولايات المتحدة الأمريكية لإدانته، مُلوحة بالعقوبات على منفذيه إذا لم يتراجعوا عنه، إلا أن تحذيراتها، لا يلقي لها بالا، من نفذ ذلك التحرك العسكري.
ورغم التحذيرات والإدانات الأمريكية، إلا أن المثير في الأمر، أن ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ العام 2008، نفذهم ضباط دربتهم الولايات المتحدة، مما أثار تساؤلا: ما الذي كان يتدرب عليه هؤلاء الضباط؟
وظهر الجنرال عبد الرحمن تشياني قائد الحرس الرئاسي في النيجر الذي يقف وراء الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، على التلفزيون الرسمي الجمعة، وتلا بياناً بصفته “رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن”، أي المجلس العسكري الذي أطاح بـ”بازوم”. وبرّر الانقلاب بـ”تدهور الوضع الأمني” في بلاد تواجه أعمال عنف تقف وراءها جماعات إرهابية.
وتقول صحيفة “ذا إنترسبت” الأمريكية، في تقرير لها، إن انقلاب النيجر، هو الأحدث في سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا، والتي قاد العديد منها ضباط دربتهم الولايات المتحدة.
وفيما لم يتضح على الفور ما إذا كان أي من القوات النيجرية المتورطة قد تلقى تدريبًا من قبل الولايات المتحدة، لكن أمريكا دربت أعضاء من الحرس الرئاسي النيجري في السنوات الأخيرة، وفقًا لوثائق البنتاغون ووزارة الخارجية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن ضباطًا دربتهم الولايات المتحدة كانوا شاركوا في ستة انقلابات على الأقل في: بوركينا فاسو ومالي المجاورتين للنيجر منذ عام 2012.
وأشارت إلى أن هؤلاء الذين تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية، نفذوا ما لا يقل عن 10 انقلابات في غرب أفريقيا منذ عام 2008، في بوركينا فاسو في أعوام: (2014، 2015، 2022) وفي غامبيا (2014) وغينيا (2021) وفي مالي في أعوام: (2012، 2020، 2021)، وانقلاب موريتانيا (2008).
وعن انقلاب النيجر، قال المتحدث باسم القيادة الأمريكية في أفريقيا جون مانلي، في تصريحات لصحيفة “ذا إنترسبت” الأمريكية: “نحن على دراية بالوضع في النيجر. نعمل مع وزارة الخارجية الأمريكية لتقييم الأمر بشكل أكبر، وسنقدم المعلومات عندما تصبح متاحة”.
ورفض المتحدث باسم القيادة الأمريكية، الرد على تساؤلات حول ما إذا كان أي من قادة انقلاب النيجر قد تلقى تدريبه من قبل الولايات المتحدة.
إلا أن الصحيفة الأمريكية أكدت في تقرير ثان لها، نقلا عن مصادر لها قولها، إن موسى سالو برمو قائد قوات العمليات الخاصة في النيجر وأحد قادة انقلاب النيجر، تلقى تدريبًا على يد الجيش الأمريكي.
وفي تصريحات سابقة بثت عام 2021، قال بارمو: “كانت لدينا علاقة طويلة جدًا مع الولايات المتحدة. القدرة على العمل معًا بهذه الصفة أمر جيد جدًا للنيجر”.
وفي الشهر الماضي، التقى بارمو مع اللفتنانت جنرال جوناثان براغا، رئيس قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي، في القاعدة الجوية 201، وهي قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز النيجرية التي تمثل العمود الفقري للقوات الأمريكية في غرب أفريقيا.
ويوم الأربعاء، انضم بارمو، الذي تدرب في فورت بينينج، بجورجيا، وجامعة الدفاع الوطني في واشنطن، إلى المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس النيجري المنتخب محمد بازوم، وفقا لمصادر نيجرية ومسؤول بالحكومة الأمريكية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.
وأكد المسؤول الأمريكي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، علاقة بارمو بالجيش الأمريكي، قائلا إنه ربما لم يكن وحده، مشيرًا إلى أن أعضاء آخرين في المجلس العسكري الجديد تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية.
وقال المسؤول الأمريكي: “نحن ندرب القوات وفقًا للمعايير – قوانين الحرب والمعايير الديمقراطية. هؤلاء عسكريون أجانب. لا يمكننا التحكم في ما يفعلونه. ليس لدينا طريقة لمنعهم”.
إنفاق عسكري
ومنذ عام 2012، أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 500 مليون دولار في النيجر، مما يجعلها واحدة من أكبر برامج المساعدة الأمنية في جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا.
وفي جميع أنحاء القارة، أحصت وزارة الخارجية تسع هجمات إرهابية فقط في عامي 2002 و2003، مقارنة بـ2737 في العام الماضي في بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر وحدها، وفقًا لتقرير صادر عن مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية.
وبحسب صحيفة “ذا إنترسبت”، فإن القوات الأمريكية تقوم بتدريب وإسداء النصح والمساعدة لنظرائهم النيجريين، مشيرة إلى أنه على مدى العقد الماضي، قفز عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين المنتشرين في النيجر من 100 فقط إلى 1016.
وتشارك وكالات وزارة الدفاع مع الجيش النيجري والعملاء الخاصين لمحاربة التطرف العنيف في جميع أنحاء شمال غرب أفريقيا، لكن الخبراء يقولون إن التركيز الهائل على مكافحة الإرهاب هو جزء من المشكلة.
إلا أن “القضايا الرئيسية التي تؤجج الصراع في النيجر والساحل ليست عسكرية بطبيعتها – إنها تنبع من إحباط الناس من الفقر، وإرث الاستعمار، وفساد النخبة، والتوترات السياسية والعرقية والظلم”، تقول المديرة المشاركة لمشروع تكاليف الحرب في جامعة براون، ستيفاني سافيل.
وأضافت: لكن بدلاً من معالجة هذه القضايا، أعطت الحكومة الأمريكية الأولوية لإرسال الأسلحة وتمويل وتدريب جيوش المنطقة لشن حروبها الخاصة على الإرهاب.
وأشارت الخبيرة في شؤون الجهود العسكرية الأمريكية بغرب أفريقيا إلى أن “إحدى العواقب السلبية الهائلة كانت تمكين قوات الأمن في المنطقة على حساب المؤسسات الحكومية الأخرى، وهذا بالتأكيد أحد العوامل في قائمة الانقلابات التي شهدناها في النيجر وبوركينا فاسو وأماكن أخرى في السنوات الأخيرة”.
وتستضيف النيجر واحدة من أكبر قواعد الطائرات بدون طيار التي يديرها الجيش الأمريكي، والتي بنيت في مدينة أغاديز الشمالية مقابل 110 ملايين دولار. وتتراوح تكلفة صيانتها بين 20 إلى 30 مليون دولار سنويا.
وتعد “القاعدة الجوية 201″، مركزًا لأفراد القوة الفضائية، ومفرزة جوية للعمليات الخاصة المشتركة، وأسطول الطائرات بدون طيار، كما تعتبر منطلقًا للجهود العسكرية الأمريكية في النيجر والمنطقة.
ما موقف أمريكا من الانقلاب؟
أكّد وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن لرئيس النيجر المخلوع محمد بازوم “دعم” الولايات المتحدة “الثابت” له، مشدّدا على أنّ الانقلاب العسكري يُعرّض للخطر “مساعدات بمئات ملايين الدولارات” لنيامي.
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأمريكيّة ماثيو ميلر في بيان، إنّ بلينكن شدّد خلال اتّصال هاتفي مع بازوم هو الثاني خلال أيّام، على أنّ “الولايات المتحدة ستُواصل العمل لضمان الاستعادة الكاملة للنظام الدستوري والحكم الديمقراطي في النيجر”.
وأشاد بلينكن بـ”دور بازوم في تعزيز الأمن ليس في النيجر فحسب لكن في منطقة غرب أفريقيا الأوسع”.
وفي اتّصال منفصل مع زعيم النيجر السابق محمد إيسوفو، أبدى بلينكن قلقه إزاء استمرار اعتقال بازوم، قائلا إنّه “يأسف لأنّ من يعتقلون بازوم يُعرّضون للخطر سنوات من التعاون الناجح ومساعدات بمئات ملايين الدولارات” لنيامي.
كذلك، تحدّث بلينكن مع نظيرته الفرنسيّة كاترين كولونا بشأن الوضع في النيجر، مشددا على ضرورة بذل “الجهود لاستعادة النظام الدستوري” في هذا البلد.