أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية القيادة الفلسطينية نموذجاً – 4
محمد حسين
ما زالت الغالبية العظمى من القيادات الفلسطينية تعتقد أن ما تقوم به من سياسات يمثل المصلحة الوطنية العليا ، ومعبرة عن المشروع الوطني ، وحارسة للأهداف الوطنية ، وأن الإخفاقات التي تواجه مشروعها السياسي تعود إلى الظروف الموضوعية بالدرجة الأولى ، وليس إلى خلفيتها الفكرية، وأدواتها المعرفية القاصرة ، وتفكيرها الغير استراتيجي .
●القيادة الاستراتيجية والتكتيكية
نلاحظ أنه بعد تشكل المنظمات الفلسطينية بفترة قصيرة بدت هذه القيادة تتعامل مع الشيء ونقيضه لقصر تفكيرها الاستراتيجي ، ورفضت الشرعية الدولية وقراراتها ثم وافقت عليها ، كان الكفاح المسلح هو الشكل الوحيد للنضال متناسية أو غافلة عن أشكال النضال الأخرى وعملية الربط بينهما بشكل خلاق ، فذهبت بعد ذلك إلى إسقاط خيار المقاومة المسلحة واتجهت إلى خيار التفاوض ، والبعض الآخر منها اعتقد أن الكفاح المسلح مجرد حمل سلاح والاشتباك مع العدو الصهيوني متناسي قواعد وقوانين حرب العصابات وتشابك العسكري مع السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي والجماهيري ، وأصبحت الصواريخ بعيدة المدى هي الشكل النضالي الرئيس ، والبعض تبنى البرنامج المرحلي لعشرات السنين ومن ثم أسقطه من برنامجه ، حتى في المفاوضات لم تكن هذه القيادة بارعة وتمتلك الإمكانيات في التفاوض فكل الاتفاقات السياسية والاقتصادية كانت نصوصها ملتبسة وفسّرت لصالح الكيان الصهيوني .
إن عمق أزمة التفكير الاستراتيجي لدى القيادة الفلسطينية كانت آثارها قاسية على الشعب الفلسطيني، ودفع ثمناً باهظاً ( من تجربة الأردن ، إلى تجربة لبنان ، إلى الكويت ، إلى سوريا ، إلى فلسطين ) لقد انتهت أكبر وأعظم انتفاضة في التاريخ انتفاضة عام 1987 إلى اتفاق أوسلو الذي لازال الشعب الفلسطيني يدفع ثمنه وانتهت انتفاضة الأقصى عام 2000 رغم كل التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الفلسطيني إلى مشروع خارطة الطريق وبعدها الانقسام المدمر عام 2006 ، حالة من التخبط تعيشها القيادات الفلسطينية، وما زالت وهذه هي النتائج للأسف، والسبب يعود إلى أن هذه القيادات لم تكن تمتلك التفكير الاستراتيجي، وليس لديها كفاءة عالية لاتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة ، لقد كانت هذه القيادات ترتكز في حركتها، ومواقفها على التفكير التكتيكي اليومي لأنها قيادات ذات طابع شعبي ، كانت تجيد لغة الخطاب السياسي العاطفي على حساب الفكر السياسي، ومستمرة به إلى يومنا هذا .
لم تحظ الحركة الوطنية الفلسطينية بقائد مفكر ينتج فكراً قادراً على دراسة الواقع وواضعاً حلولاً له وقارئاً للمستقبل، قائداً يحمل صفات القائد الاستراتيجي ، حتى أن هذه القيادات لم تفكر يوماً في إنشاء مراكز أبحاث محيطة بها حتى لو كانت متواضعة تضع لها كل المعلومات والبيانات والاحتمالات لتساعدها في اتخاذ القرار المناسب ، فكان نضالها عفوياً ارتجالياً كما قال الشهيد جورج حبش في رده على سؤال لماذا هزمنا : ( لقد قاتلنا اسرائيل بالعاطفة والعضلات وأنصح الجيل الجديد استخدام العلم بكثافة وقراءة التاريخ )
عندما نقرأ الأدب الفيتنامي نكتشف أن “هوشو منّه” كان قائداً عسكرياً ،فذاً ، مفكراً ، شاعراً وكاتباً صحفياً ، كان له العديد من المؤلفات المتنوعة ، ولكي لا نظلم واقعنا العربي لابد من الإشارة إلى شخصية الزعيم والمفكر والشاعر” أنطوان سعادة ” مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أعدم ولم يتجاوز عمره الخامسة وأربعين عاماً والذي يعتقد البعض أنه لو قدر له أن يستمر في الحياة لحقق إنجازات على مستوى الأمة السورية وفي القلب منها فلسطين .
إن غياب القادة الاستراتيجيين عن حركتنا الوطنية الذين يمتلكون المعرفة الشاملة والمنتجين للفكر هو أحد الأسباب الرئيسية للفشل، والذي دفع شعبنا الأثمان الباهضة بسبب هذا الغياب.