“أعداد صادمة للمصابين الخفيين بكورونا”.. فلماذا قد يصبحون أمل البشرية للنجاة من الجائحة؟
وقفت الطبيبة وكأنها خرجت لتوها من غرفة العمليات، بردائها الأخضر، والكمامة، وبجوارها ضابط شرطة يقرعان جرس الباب في إطار خطة البحث عن الأجسام المضادة لفيروس كورونا، لمعرفة حجم الإصابات الخفية بكورونا.
عندما فتح فيليكس جيرمان الباب كان المنظر مرعباً بالنسبة له.
صاح جيرمان وهو يرفع يديه للأعلى: “أنا لم أفعل شيئاً!”، فضحك الجميع.
وكان الزائران غير الاعتياديين قادمين باقتراح غير اعتيادي: هل سيسمح لهم بفحص دمه لإيجاد الأجسام المضادة لمرض كورونا؟ كل شهر؟ ولمدة سنة؟ ابتداءً من الأسبوع المقبل؟.
وهو بذلك سيساعد في دعم الدراسات العلمية التي ستمكن ألمانيا في النهاية من رفع القيود الاجتماعية والاقتصادية بطريقة منهجية وإنقاذ الأرواح، حسبما ورد تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
خطة البحث عن الأجسام المضادة لفيروس كورونا تشمل اختبار لـ3 آلاف أسرة
يقول جيرمان (41 عاماً)، وهو مدير مشروع في شركة إعلامية في ولاية بافاريا الألمانية: “وافقت بالطبع، فأن أريد أن أساعدهم، وهذه أزمة تمسنا جميعاً والحكومة تفعل ما يمكنها فعله. وعلى كل شخص أن يشارك بما يستطيعه”.
وبذلك، يكون جيرمان وصديقته قد انضما إلى 3000 أسرة وقع عليها الاختيار عشوائياً في ميونيخ لإجراء دراسة طموحة هدفها الرئيسي فهم عدد الأشخاص الذين لم تظهر عليهم أعراض الإصابة رغم أنهم أصيبوا بالفيروس بالفعل، وهو متغير رئيسي لاتخاذ قرارات بشأن الحياة العامة أثناء الجائحة.
وتعد هذه الدراسة جزءاً من نهج صارم لمحاربة الفيروس بطريقة شاملة جعلت ألمانيا في طليعة الدول الغربية في اكتشاف طريقة السيطرة على المرض والعودة إلى ما يشبه الحياة الطبيعية.
ولا تزال دول أخرى، مثل الولايات المتحدة، تجاهد لكشف الإصابات بالفيروس.
لكن ألمانيا تفعل ذلك وأكثر. فهي ترنو إلى أخذ عينات من جميع السكان للبحث عن الأجساد المضادة في الأشهر المقبلة، على أمل اكتساب نظرة عميقة عن مدى توغل الفيروس في المجتمع ككل، ودرجة خطورته الحقيقية، واحتمال تطور المناعة من عدمه.
أي أن المرحلة الحالية تركز على البحث عن الأجسام المضادة لفيروس كورونا لدى المواطنين الألمان.
إنها تعتمد على معدل هائل من الفحوصات
وتأمل الحكومة الألمانية في توظيف النتائج التي تتوصل إليها لإجابة السؤال الذي سيسمح لألمانيا بالانتقال إلى المرحلة التالية من الجائحة انتقالاً آمناً: أي من هذه القيود الاجتماعية والاقتصادية واسعة النطاق التي أبطأت الفيروس هي الأكثر فعالية؟ وأيها يمكن رفعه بأمان؟.
وتُطرح هذه الأسئلة نفسها على مستوى العالم. إذ أجرت دول أخرى مثل أيسلندا وكوريا الجنوبية فحوصات للكشف عن الإصابة بالفيروس على نطاق واسع، أو جمعت بين الفحص والتتبع الرقمي للحد من انتشار الفيروس.
وفي إيطاليا التي تضررت بشدة، خيمت اختبارات الأجسام المضادة -وإمكانية إصدار “تراخيص الحصانة”- على نقاش وطني حول كيفية وموعد إعادة فتح البلاد. ولجأ رؤساء الأقاليم إلى الاختبارات المصلية، التي تكشف عن الأجسام المضادة، لرسم مخطط أدق للإصابات وللتعرف أيضاً على العاملين الذين قد يكون لديهم الأجسام المضادة اللازمة لحمايتهم والعودة إلى العمل.
ولكن حتى أفضل الخطط المطروحة قد تنحرف عن مسارها؛ فعندما حاولت سنغافورة إعادة فتح البلاد فوجئت بعودة الفيروس.
وفي الولايات المتحدة، يتعجل دونالد ترامب إعادة تشغيل الاقتصاد في عام سيشهد انتخابات رئاسية، لكن الخبراء ينبهون إلى أنه من الضروري إجراء فحوصات على نطاق واسع لرفع الحظر عن البلدان بأمان.
وأضاعت كل من بريطانيا والولايات المتحدة، حيث كانت بعض الفحوصات الأولى معيبة، فرصة إجراء فحوصات على نطاق واسع في وقت مبكر من تفشي المرض فيهما، واضطرتا بعدها إلى تقنين الفحوصات في محاولتهما لتعويض الخسائر. وفي إيطاليا، وهي واحدة من الدول الأكثر تضرراً بالفيروس، دار سجال بين الحكومة المركزية وزعماء الأقاليم حول نطاق الاختبار.
وتنتج ألمانيا معظم المجموعات عالية الجودة من الفحوصات التي بحوزتها، وهي تجري فحوصات على نطاق أكبر من معظم الدول، إذ تُجري الدولة التي يبلغ عدد سكانها 83 مليون نسمة 120 ألف اختبار يومياً وتزيد منها باستمرار.
ولكن هناك ثغرة كبيرة في الخطة
وتعد دراسة الأجسام المضادة في ميونيخ، التي تديرها شعبة الأمراض المعدية والطب الاستوائي في مستشفى جامعة ميونيخ، وتشارك في تمويلها حكومة ولاية بافاريا، هي الأكبر من بين العديد من الدراسات المحلية التي تُجرى في مناطق مختلفة من ألمانيا.
ومع ذلك، يحذر العلماء من عدم وجود دليل حتى الآن على أن كشف الأجسام المضادة يدل على قوة المناعة، وحتى إذا كان كذلك، فليس معروفاً إلى متى قد تستمر هذه المناعة.
وعلى الصعيد الوطني، يفحص معهد روبرت كوخ، المؤسسة العلمية المركزية الحكومية في مجال الطب الحيوي، 5000 عينة من بنوك الدم في أنحاء البلاد كل أسبوعين و2000 شخص في أربع بؤر انتشر بها الفيروس بدرجة كبيرة.
ومن المقرر أن يبدأ مشروعه الأكثر طموحاً، الذي يهدف إلى اختبار عينة عشوائية لـ15 ألف شخص على مستوى البلاد، الشهر المقبل.
الحل في معرفة حجم الإصابات الخفية بفيروس كورونا
يقول البروفيسور مايكل هويلشر، الذي يرأس دراسة ميونيخ: “في العالم الحر، تعد ألمانيا هي الدولة الأولى التي كانت لها نظرة مستقبلية”، مشيراً إلى أن بعض الدول طلبت منه بالفعل البروتوكول لتتمكن من نسخه، وقال: “نحن في مقدمة من يفكرون في ما يجب فعله مستقبلاً”.
ويُشار إلى أن هويلشر شارك في تأليف ما اعتبره كثيرون بحثاً مهماً عن إمكانية انتقال الفيروس قبل ظهور أعراض على أحدهم.
إذ قال الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة، لشبكة CNN في 1 فبراير/شباط، أي بعد ثلاثة أيام من نشر البحث: “لا شك بعد قراءة هذا البحث في أن انتقال الفيروس دون ظهور أعراض قائم. وهذه الدراسة تحسم هذه المسألة”.
إن انتقال الفيروس دون أعراض هو ما جعل احتواءه صعباً للغاية نظراً لعدم اكتشاف عدد كبير من الإصابات.
ويقول العلماء إن تقدير عدد الإصابات الخفية والتعرف على الحجم الحقيقي للمرض هو المفتاح للتخفيف التدريجي من القيود وفقدان الوظائف والعزلة الاجتماعية.
يقول لوتر فيلر، رئيس معهد روبرت كوخ للأمراض المعدية، الذي يجري عدداً من اختبارات الأجسام المضادة: “ستتكون لدينا فكرة أفضل عن عدد الإصابات غير المكتشفة فور إجراء هذه الدراسات لعينات تمثيلية. ونفعل الكثير لإجراء تقييم دقيق”.
وقد ظهرت بالفعل بعض النتائج المرحلية.
نسبة صادمة للأجسام المضادة.. هل اقتربوا من مناعة القطيع أم يواصلون الإغلاقات؟
في غانجلت، وهي بلدة صغيرة يقطنها حوالي 12 ألف شخص في شمال غرب ألمانيا، وجدت فحوصات أجريت على 500 شخص في إحدى المجموعات الأولى أن 14% يحملون أجساماً مضادة للفيروس، فيما جاءت نتيجة فحص 2% بفيروس كورونا إيجابية، وهو ما أنعش الآمال في أن حوالي 15% من السكان المحليين قد يكون لديهم بالفعل درجة معينة من المناعة (وقد يعني أنه يحتمل أن بينهم مصابين خفيين بالمرض أو مصابين سابقين).
يقول البروفيسور هندريك ستريك، مدير معهد علم الفيروسات في مستشفى جامعة بون، الذي يقود الدراسة، في تقرير أولي: “لقد بدأت عملية الوصول إلى مناعة القطيع”.
وحتى إذا كان 15% من سكان غانجلت يتمتعون بدرجة معينة من المناعة، فمن شبه المؤكد أن مستويات المناعة أقل في أماكن أخرى من البلاد.
ويتساءل البروفيسور هويلشر: “نحن في مفترق طرق. هل نمضي في طريق تخفيف القيود وزيادة المناعة في الصيف لإبطاء انتشار هذا الفيروس في الشتاء والتمتع بالحياة دون قيود؟ أم أننا سنحاول تقليل انتقال الفيروس إلى الحد الأدنى إلى أن نحصل على لقاح؟”.
وأضاف: “هذا سؤال موجه للساسة وليس للعلماء. لكن الساسة بحاجة إلى البيانات لإجراء تقييم مستنير للمخاطر”.