أقل من 100 قنبلة فقط تكفي لفناء البشرية.. لماذا ترغب أمريكا في زيادة أسلحتها النووية؟

تمتلك الولايات المتحدة 400 صاروخ نووي تنطلق من صوامع أرضية، و200 سلاح نووي على متن غواصات، بخلاف 80 قاذفة طائرة، وتريد الآن أن تنشر المزيد من مخزونها غير النشط، والذي يبلغ آلاف الرؤوس والقنابل النووية، وذلك بعد انتهاء معاهدة الحدّ من الأسلحة النووية العام المقبل، فلماذا، وما القيمة الاستراتيجية لتلك الزيادة؟

موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: “زيادة الأسلحة النووية الأمريكية في 2021 ليس لها قيمة استراتيجية”، ألقى الضوء على كواليس ذلك التحرك ومبرراته وانعكاساته على سباق التسلح النووي حول العالم.

واشنطن تركب سلاحاً نووياً على غواصات البحرية..
صورة أرشيفية لإحدى الغواصات الأمريكية/رويترز

وكان تقرير سرّي تم الكشف عنه قبل 4 سنوات، أشار إلى أنه بين 10 و100 قنبلة نووية تكفي للقضاء على الجنس البشري وجميع أشكال الحياة على الكوكب، قياساً على التدمير الذي حلّ بمدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان عام 1945، بحسب قراءة في التقرير نشرها موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي عام 2016.

ماذا تريد إدارة ترامب؟

هذا الأسبوع، أكد عدد من المسؤولين داخل إدارة ترامب لموقع Politico اهتمام إدارة ترامب بزيادة عدد الاسلحة النووية الأمريكية المنتشرة، إن لم تجدد الإدارة المعاهدة الجديدة للحدّ من الأسلحة الاستراتيجية New START في فبراير/شباط القادم.

وفقاً للمسؤولين، طلب البيت الأبيض من البنتاغون تقريراً عن السرعة التي يمكن بها أخذ رؤوس نووية من المخزون غير النشط، وإعادة نشرها لتصبح في الخدمة بصواريخها وقنابلها، بما يتجاوز الحد الأقصى للرؤوس الحربية الذي تفرضه المعاهدة حالياً.

معاهدة New START، التي تضمنت خياراً يسمح للبلدان بتمديد المعاهدة لستة أعوام أخرى، هي من أسس الاستقرار بين واشنطن وموسكو، رغم التوترات النووية الأخيرة، وبموجب بنود الاتفاق ظلّت القوات الاستراتيجية للبلدين مستقرة بصورة يمكن الاعتماد عليها على مدار العقد الماضي، وبفضل آليات التفتيش المتماسكة، حافظ الطرفان على مستوى مرتفع من الشفافية.

نهاية الهيمة الأميركية
.ترامب وبوتين/ رويترز

وقد أعلن فلايمير بوتين منذ زمن أنه مستعد لتوقيع تمديد معاهدة New START دون مفاوضات، في انتصارٍ سهل يقدمه لإدارة ترامب، التي تحتاج إلى نجاحاتٍ ملموسة في مجال السياسة الخارجية، لكن البيت الأبيض قرر إرسال إشارات متباينة عن توقعاته التي يرغب في تحقيقها قبل التوقيع على تجديد المعاهدة، واهتمامها المزعوم بتنفيذ الزيادة العام القادم يشير فيما يبدو إلى أن الإدارة تفكر فيما بعد المعاهدة من الأصل، وقد تكون هذه الأبناء تهدف إلى الضغط على موسكو قبيل المفاوضات، لكنها من المستبعد أن تزحزح موسكو عن مواقفها.

ومع أن نهج البيت الأبيض في التعامل مع المعاهدة محير، يظل من المهم دراسة تأثير زيادة الأسلحة النووية المنتشرة في 2021 على الإمكانات الأمريكية والتوازن الاستراتيجي، وللأسف سرعان ما يتضح أن زيادة القوة النووية القائمة لن يحدث فارقاً له معنىً في تحقيق أي من أهداف واشنطن المعلنة، والأسوأ هو أن هذا التحرك ستكون تكلفته كبيرة على الثقة بين الطرفين، وسمعة واشنطن الدولية، وسيسبب المزيد من الضرر لمنظومة منع الانتشار العالمية، المتضررة بالفعل.

دروس منسية

تتكون القوة النووية الاستراتيجية الأمريكية اليوم من نحو 400 صاروخٍ داخل صوامع موزعة على السهول العليا، و200 صاروخٍ تُطلق من غواصات موزعة على 14 سفينة، ونحو 80 طائرة قصف ثقيلة، قادرة على حمل صواريخ الكروز أو قنابل الجاذبية، وهذه المنصات الثلاث معاً يُشار إليها باسم الثلاثية النووية.

وبشكلٍ عام، ظلت هذه الاستراتيجية قائمة منذ الستينات، فتنويع المركبات ونشر مخزونٍ كافٍ يعني أن الولايات المتحدة لا يمكنها فقط اختيار وسائل متنوعة لشنّ حرب نووية، بل وأيضاً احتمال هجومٍ مفاجئ والاحتفاظ بقواتٍ كافية للرد بضربات موجعة.

لكن التجربة السوفييتية- الأمريكية في الحرب الباردة ينبغي أن تعلّمنا أن استراتيجية الردع الفعالة والآمنة تتحقق بالموازنة بين امتلاك أسلحة وإمكانات تجعل أي هجوم محتمل باهظ الثمن على العدو، وبين تجنب تطوير هذه القوة والتسليح لدرجة تضغط على الخصم وتدفعه إلى التهور والمخاطرة.

وفي غياب استراتيجية جديدة واضحة فلن تؤدي زيادة الأسلحة بعد عقودٍ من تخفيض التسليح إلى تحسين أمن أي ركن من أركان الثلاثية، وكل ما سيحدث هو زيادة التوترات بين الحلفاء والخصوم، ما سيؤدي إلى نتائج أكثر خطوة لكل النزاعات المستقبلية.

الثلاثية لن تتغير

بالنسبة للصواريخ الباليستية الأرضية العابرة للقارات، ستعني الزيادة إما إضافة رؤوس نووية إلى الصواريخ القائمة أو نشر عددٍ من صواريخ Minuteman، البالغ عددها 50 تقريباً، وتركيبها في الصوامع القائمة، وأيهما لن يحقق أي أهداف استراتيجية جديدة أو قائمة، غير أن تركيب رؤوس نووية إضافية على كل صاروخ لطالما اعتبره الخصوم تاريخياً تحركاً مثيراً للتوترات، وبالمثل رفع عدد الصواريخ الكلي من 400 إلى 450 لن يُحدث تفوقاً مفاجئاً على قدرات الاستهداف الروسية، إذ ستظل الصوامع تلعب دور “إسفنجة الصواريخ” نفسه، كما يراها أغلب المحللين الاستراتيجيين.

صاروخ نووي روسي تم تفكيكه بموجب الاتفاقية/ رويترز

وبالنسبة للقوة النووية القائمة على الغواصات، فستعني زيادة الرؤوس النووية إضافة المزيد منها على صواريخ ترايدنت القائمة، أو إعادة تفعيل بعض أنابيب الصواريخ المعطلة عن العمل في غواصات فئة أوهايو، وكلا الهدفين يمكن تحقيقه على المدى القصير ببعض الأعمال الهندسية، لكن كل قارب من بين القوارب الأربعة عشر يحمل بالفعل ما يزيد عن 80 رأساً حربياً استراتيجياً، وهذا أكثر من كافٍ لتنفيذ ضربة هائلة ضد أي خصم يمكن تخيله، وحتى مضاعفة هذا الرقم لن تؤدي إلى مستوى مختلف جذرياً من الإمكانات، على الصعيدين الدفاعي والهجومي.

أما طائرات القصف فهي تتفرد نظرياً بكونها وسيلة “قابلة لإعادة الاستخدام” لإطلاق الأسلحة النووية، ويمكن استعمالها في سيناريوهات أكثر مرونة بالمقارنة بالصواريخ البالستية، لذا هناك بالفعل عدد من الصواريخ والقنابل يفوق بكثير حمولة الطائرات. وتفعيل المزيد من صواريخ الكروز لطائرات B-52 أو القنابل لطائرات B-2 لن يكون فقط غير عملي في أي سيناريو متخيل للصراع النووي، بل سيكون تبذيراً فجاً كذلك. علاوة على ذلك، وفي غياب إمكانية إضافة طائرات القصف إلى السرب الموجود حالياً، فإن هذه الزيادة في مخزون الرؤوس النووية ستواجه عنق زجاجة متمثلاً في وسائل الإطلاق، ما يجعل أي زيادة عددية في المخزون غير ذات قيمة.

سياسة غير مسؤولة

بعيداً عن الانطباعات قصيرة النظر لأساليب المفاوضة “العنيدة” على معاهدة New START، لن تقدم زيادة قوة رؤوس الاستراتيجية النووية البالغ عددها 3 آلاف للاستراتيجية النووية الأمريكية أي شيءٍ جديد. حتى بقراءة الوضع من جانب أنصار التوسع في الأسلحة النووية باعتبارها سلاحاً رادعاً، من الواضح أن نشر المزيد من الصواريخ الأرضية سيوفر أهدافاً إضافية للأعداء، وأن قوة الغواصات حالياً في مستوى الفاعلية الأقصى، وأنه لا توجد طائرات قصف لحمل القنابل الإضافية.

على العكس، يمكن تحقيق الأهداف نفسها للإدارات المتعاقبة بقوة نووية أصغر بكثير، ما يوضح أكثر المنفعة التي تحققها القيود القائمة حالياً بموجب اتفاقية New START، ويفتح باب الحوار حول إمكانية أن تحافظ قوة نووية “بشكلٍ جديد” على نفس مهام الردع القائمة حالياً، بتكلفة أقل.

إن قرار عكس خفض القوة النووية الذي تحقق على مدار خمسة عقود وتسع إدارات أمريكية ينبغي أن تصاحبه مبررات واضحة للغاية، ومجموعة من الأهداف الواقعية القابلة للتحقيق. إن مجرد دراسة احتمالية زيادة الأسلحة النووية بعد انقضاء المعاهدة يؤدي إلى أضرارٍ ستؤدي إلى انتكاسة في جهود السيطرة المستقبلية على الأسلحة وتجعلنا جميعاً في خطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى