ألمان درجة ثانية.. روايات صادمة للعائلات المختلطة الأعراق، وهؤلاء يعانون مع المسلمين
بعد مرور ثلاثة عقودٍ على سقوط جدار برلين، ما يزال الألمان منقسمين بشدة حول إجابة سؤال: ما معنى أن يكون المرء ألمانياً؟، وهو سؤال ينعكس في شكل معاناة على حياة ملايين من أفراد الأسر ذات الأصول العرقية المختلطة في ألمانيا.
فما زال الجدل المُتجدِّد حول الهوية الألمانية قائماً بين الذين يُفرِّقون بوضوحٍ بين «الألمان الأصليين» ذوي الدماء الألمانية، وبين حاملي جواز السفر الألماني.
صحيفة The New York Times الأمريكية عرضت لنماذج لكفاح الأسر المتعددة الأعراق داخل ألمانيا في ظل مثل هذا الجدل.
وسألت الصحيفة الألمان والمُهاجرين إلى ألمانيا حول رأيهم في هويتهم، وكيف يتغلَّبون على التوتُّرات الشديد في بلادهم.
وأجاب قرابة 500 شخص، من بينهم الكثيرون ممن تنقسم حيواتهم بين هويتين وطنيتين مُختلفتين: الألمان المُتزوِّجون من مهاجرات، والعكس صحيح، إلى جانب أطفال الأزواج المُختلطي الأعراق.
وتحدث هؤلاء عن العنصرية الماكرة والصريحة التي تعرَّضوا لها هم أو أفراد عائلتهم، وكفاحهم من أجل الاندماج الكامل مع المجتمع، ومخاوفهم من المستقبل.
وهذه مجموعة مُختارة من إجاباتهم، والتي جرى تلخيصها وتحريرها.
«هناك افتراضٌ دائم بأنَّك لا تنتمي إلى المكان»
والدي تُركيٌّ جاء إلى ألمانيا في طفولته مع أبويه، اللذين كانا من العاملين الضيوف في الستينيات. أمَّا والدتي فهي ألمانيةٌ بيضاء.
وهناك افتراضٌ دائم بأنك لا تنتمي إلى المكان، أو أنك لا تُفكِّر في ألمانيا مثل الآخرين المُحيطين بك. ويتحوَّل ذلك الافتراض إلى نبوءةٍ تتحقَّق ذاتياً نوعاً ما -ففي حال أخبرك الناس بأنك لا تنتمي إليهم بما يكفي؛ ستبدأ في التساؤل حول ما إذا كُنت تنتمي حقاً إلى المكان الذي وُلِدت فيه وعشت فيه طوال حياتك.
ويجري التأكيد باستمرار على «عدم ألمانيتك» المزعومة. إذ لا يصفك أحدٌ بأنك «نصف ألمانيٍ» مثلاً، بل تُوصَف بأنك «نصف تركي»، وكأن ذلك النصف هو النصف المُهيمن.
وقبل سن الـ16، لم أكُن لأُعرِّف نفسي على أنِّي تركي، ولكنَّني بدأت في فعل ذلك بمرور الوقت لأنَّ الآخرين واصلوا الربط بيني وبين تركيا باستمرار. ورغم ذلك، قرَّرت أنَّني لا أرغب في أن تتحدَّد هويتي من خلال التصنيفات الوطنية.
– يسار أوهلي، برلين
«الرحلات إلى أرض الوطن تزداد سوءاً في كل مرة»
نشأت في بلدةٍ ساكسونية لا تبعُد كثيراً عن مدينة كيمنتس. وأعيش وأعمل في الولايات المتحدة الآن، وأنا مُتزوجةٌ من رجلٍ هسباني الأصل وذي بشرةٍ داكنة. لذا لا مُستقبل لي في ساكسونيا مع شريكي.
والرحلات إلى الأرض الوطن تزداد سوءاً في كل مرة. وفي مارس/آذار عام 2018، تعرَّضنا لهجومٍ لفظي داخل قطارٍ مُمتلئ، ولم يتدخَّل أحد. وزوجي مُشجِّع كرة قدمٍ مُتحمِّس، ويعشق حضور المباريات في مُختلف الدول. لكنَّنا تجنَّبنا حضور مباريات كرة القدم، خاصةً في ساكسونيا، بسبب المُشجِّعين اليمينيين.
وازداد في داخلي شعور عدم القدرة على العودة إلى ألمانيا الآن، خاصةً بعد مولد طفلنا الأول. إذ لا أرغب في المخاطرة بتعرُّض طفلي لهذه العنصرية.
-أنيغريت أوهم، سياتل
«الأمن يتعقب زوجي داخل السوبر ماركت»
يمتلك زوجي أصولاً أفغانية، وتعرَّض للعنصرية كثيراً لدرجة أنَّ الأمر صار اعتيادياً بالنسبة له، إذ كان أفراد الأمن يتعقبُّونه داخل السوبر ماركت، ولا يحصل على شقةٍ بسبب اسمه، ولا يستطيع دخول الملاهي الليلية بسبب شعره الأسود. وأرى الأمر يحدث مراراً وتكراراً، وليس في الريف فقط، بل في المدينة أيضاً.
كنت أعمل في حانة، وجاءني واحدٌ من النازيين الجُدد في أحد الأيام. وطردته خارج المكان بعد أن تفوَّه ببعض الكلمات العنصرية. فغضب بشدة، وصرخ وهو يُغادر: «سنأتي بمسيرةٍ أخرى قريباً! نحن مُنظمون جيداً! وسترين!». كان ذلك في عام 2009. والآن، يبدو أنَّه كان على حق.
– إستير غورنيمان، دوسلدورف، ألمانيا
«لا ألوم الألمان على وضعية الدخيلة التي أعيشها»
بصفتي مهنيةً أمريكيةً بيضاء في ميونيخ، فأنا أعيش حياة «مُغتربة» محظوظة. وبدأت أتقبَّل حقيقة أنَّني سأعيش للأبد بصفتي دخيلةً في وطني المُختار، رغم أنَّ لدي ابناً وزوجاً ألمانيين.
والسبب بسيط: وهو أنَّني لا أُشاركهم اللغة، والتاريخ، والفهم الثقافي العميق اللازمين لأندمج فعلياً.
وقد اخترت أن أكون دخيلةً حين تزوَّجت ألمانياً وانتقلت إلى العيش في ألمانيا. وهدفي الآن هو أن أعيش بالكامل في الثقافة الألمانية (وأفهم النكات).
ومن المُفيد أنَّني أُحِبُّ العيش هنا، وأنا فخورة بنشأة ابني هنا لأنَّني أفهم قيم المكان. إذ إنَّ ألمانيا رائعةٌ في الكثير من الأشياء التي لا تبرع فيها أمريكا، مثل: الرعاية الصحية ميسورة التكلفة، ورعاية الأطفال، والمدارس العامة الممتازة، والجامعات المجانية، والمواصلات العامة الرائعة، والثقافة الصديقة للبيئة، وتقدير قيمة الوقت (والعطلة السنوية التي تمتد إلى ست أسابيع، إلى جانب إجازة الولادة).
لذا فرغم أنَّني لن أصير ألمانيةً أبداً، لكنّني أشعر بالوطن هنا أكثر بكثير من شعوري بذلك في الولايات المتحدة. فحين تعيش وسط ثقافةٍ تتوافق مع قيمك؛ تشعر أنَّك وجدت وطنك. أو هذه هي تجربتي على الأقل بصفتي مهنيةً أمريكية.
– كليو غادسي، ميونيخ
«كاد والدي، أسود البشرة، أن يُقتل على يد الفاشيين»
وُلِدتُ في جمهورية الدومينيكان لأُمٍ ألمانية بيضاء وأبٍ دومينيكي، وأحمل جنسيتين. وبالنسبة لي، فإنَّ كوني ألمانيةً يعني أنَّني ألمانيةٌ إفريقية، أي ألمانيةٌ سوداء.
والهوية الألمانية مُعقَّدة. وتُناقش بنيتها المُعقَّدة كثيراً، لكنَّها تصير أقل وضوحاً حين تُحاول العثور على جذورٍ وثقافةٍ وتقاليد مُشتركة (قارن بين الشمال والجنوب -في بافاريا وشرق فريزيا مثلاً). ويتضّح الأمر مع البحث المُتعمِّق: تدور الهوية الألمانية حول كونك أبيض البشرة، لأنَّ هذا هو الافتراض العُنصري للتجربة البيضاء المُشتركة وسيادة العرق الأبيض.
ولا يتعلَّق الأمر بحلقات العنف هنا، بل يدور حول العُنف اليومي. ففي عام 1990، كاد والدي، أسود البشرة، أن يُقتل على يد الفاشيين. وتميَّزت سنوات دراستي في العقد الأول من القرن الـ21 بسماعي لكلمة «زنجية»، والعنصرية، والأصدقاء السود الذين شارفوا على الانتحار بسبب نظام المدارس الألمانية. واليوم، نحن بالكاد ننجو في حين يعتقد اليسار في الولايات المتحدة أنَّ ألمانيا هي جنة المُهاجرين.
– شوارزروند، برلين
«اضطررت أن أتصدى لأفراد عائلتي المُقرَّبين»
أنا من أبناء مدينة كيمنتس ( مدينة تقع في شرق ألمانيا بولاية ساكسونيا)، وعِشت في الخارج طوال 22 عاماً. وعُدت إلى ألمانيا عام 2017 لأعيش في مدينة لايبزيغ الساكسونية مع زوجي، الذي وُلِد في الهند ونشأ في دبي.
وبصفتنا عائلةً مُختلطة الأعراق، ما نزال نُحاول الإلمام بالأمر. وشعرت بالحُزن والإحباط بسبب شعورنا أنَّنا لا نستطيع حضور تظاهرةٍ مُناهضةٍ للعنصرية العام الماضي، لأنَّني كُنت خائفةً على سلامة زوجي ببساطة.
واضطررت أن أتصدّى لأفراد عائلتي المُقرَّبين، وأن أُوبِّخهم لنشرهم مُحتوىً تحريضياً، وهو أمرٌ لا أعلم حتى الآن ما إذا كانت علاقتنا ستتعافى منه. لكنَّني انبهرت أيضاً بشجاعة والدتي. إذ تبلغ من العمر 69 عاماً، وذهبت رغم ذلك بمفردها إلى تظاهرة مُناهضة العنصرية، التي حضرها 65 ألف شخصاً، نيابةً عنا.
انتهى زمن السكوت. ولكن رؤية مدى قوة من يدعموننا هي أمرٌ مُشجِّع للغاية.
– كاتيا سالدانها، لايبزيغ، ألمانيا
«يُواجهني الناس أحياناً بالحديث حول صفاتي الجسدية»
والدتي هنديةٌ ووالدي ألماني. ووُلِدت في ألمانيا، ونشأت مُنغمساً في الثقافة الألمانية إلى حدٍّ كبير. وكُنت أعتبر نفسي ألمانياً على الدوام، حتى أنهيت دراستي في الصف الـ11 داخل بلدة فيردين بولاية ساكسونيا السفلى عام 2001.
ثم غادرت ألمانيا في العام نفسه، وانتقلت إلى الهند بذكرياتٍ ومشاعر مُختلطة. إذ لم أشعر أنَّني مقبولٌ بالكامل بصفتي ألمانياً، بسبب لون بشرتي. لكن المُجتمع الألماني صار أكثر انفتاحاً وتسامحاً في وقتٍ لاحق.
ويبدو أن نظرة الناس للشخص «بُني البشرة» اليوم قد تغيَّرت. إذ حدث تحوُّلٌ بعيداً عن موجة التسامح التي اجتاحت ألمانيا في العقدين الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين.
ما أزال أمتلك جواز سفرٍ ألمانياً، وأعيش في النرويج الآن. وأزور ألمانيا بانتظام، لكنَّني أشعر أحياناً بالضيق وأنا هناك.
لم أتعرض للعنف مُطلقاً، واسمي يجعل الأمور أسهل لأنَّه اسمٌ ألماني تقليدي. لكن التعامل مع الناس الجاهلين بخلفيتي يُمكن أن يُمثِّل تحدِّياً. إذ لا يقبلونني كألمانيٍّ أحياناً بسبب صفاتي الجسدية.
– هانز آدم، آوس، النرويج