أمريكا تزيد مساعدتها للجيش اللبناني، فهل تدفعه لتحدي حزب الله أم تشجعه سراً على التعاون معه؟

جاء الإعلان عن زيادة المساعدات الأمريكية المقدمة إلى الجيش اللبناني ليكون بمثابة مؤشر على تغير في سياسة واشنطن، تجاه لبنان، بل قد تكون مؤشراً على تغير جزئي لمواقفها تجاه حزب الله، حسب تقرير أمريكي.

ففي الوقت الذي كان فيه اهتمام العالم منصباً على جولة المواجهات الإسرائيلية الفلسطينية، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن دون ضجةٍ عن زيادة قدرها 15 مليون دولار في حزمة المساعدات السنوية للجيش اللبناني.

ربما يكون الهدف من هذه الخطوة هو الحفاظ على الحد الأدنى من الأمن في لبنان، ومن ثم لا تضطر الولايات المتحدة إلى مزيد من التدخل في الشرق الأوسط، لكن في الوقت نفسه، فإن زيادة المساعدات للجيش اللبناني قد يكون غرضها الحفاظ على مستوى معين من النفوذ الأمريكي في لبنان، لا سيما أن عديداً من الدول المتنافسة تحاول تعزيز نفوذها هناك، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

وأعلنت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا مؤخراً خلال حضورها اختتام “التمرين المشترك” 2021 بين الجيشين اللبناني والأمريكي وعناصر من الجيش الأردني، أن بلادها تعتزم تحويل 120 مليون دولار إلى الجيش اللبناني للسنة المالية 2021، وأشارت إلى أن “هذه المنحة العسكرية سوف تزود الجيش اللبناني بأنظمة وخدمات وتدريبات دفاعيّة بالغة الأهميّة. وهي تمثّل زيادة قدرها 15 مليون دولار عن السنوات السابقة”.

ويحتل لبنان المرتبة الخامسة عالمياً بين الدول التي تتلقى أكبر نسبة مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، وتشمل المساعدات التدريب والتسليح والمساعدات العينية، لكنها لا تشمل المساعدات المادية، في وقت يمارس فيه الجيش اللبناني سياسة تقشّف، حيث قلص عدد الدورات التدريبية وألغى بعضها، كما ألغى كثيراً من أسفار ضباطه إلى الخارج بغرض تقليل النفقات في هذه الظروف، حسبما ورد في تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

وتثير التصريحات التي أدلى بها مسؤولون أمريكيون ضد حزب الله اللبناني أسئلة حول ما إذا كانت هذه الزيادة في المساعدات لها علاقة أكبر بأجندة مناهضة لحزب الله في البلاد.

وسبق أن كشف مصدر سياسي لبناني لـ”عربي بوست” أن هناك ترتيبات يجري العمل عليها لزيارة قائد الجيش اللبناني جوزيف عون إلى الولايات المتحدة الأمريكية الشهر المقبل، تليها زيارة إلى المملكة المتحدة، وذلك لحشد الدعم للجيش اللبناني الذي يمر بأزمة جديدة منذ بداية الانهيار الاقتصادي.

لبنان أصبح ضرورة أمنية أمريكية والجيش اللبناني حليف أساسي

الإعلان عن زيادة المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني تزامنَ مع رسالةٍ من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، غريغوري ميكس، وحفنة من المشرعين الديمقراطيين، إلى وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، تفيد بأن دعم لبنان أصبح الآن ضرورة أمنية، بل ذهبوا أبعد من ذلك، بالتحذير من أن مزيداً من التدهور في أوضاع البلاد ربما يشكل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة.

كما حذرت الرسالة من تدهور أوضاع الجيش اللبناني تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت البلاد، مشددة بالتالي على ضرورة زيادة المساعدة الأمريكية للجيش اللبناني.

بالإضافة إلى ذلك، حاجج المشرعون الديمقراطيون بأن هذه الخطوة ضرورية لمنع “المجموعات المسلحة مثل حزب الله والميليشيات الأخرى” من الاستفادة من هذا الوضع وكسب مزيدٍ من النفوذ.

وهذه “الميليشيات الأخرى” تحديداً هي التي يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي الأمريكي من النوع الذي لمَّح إليه المشرعون الديمقراطيون، حسب الموقع الأمريكي.

هل يتحول لبنان إلى أفغانستان؟ تجربة سابقة

ففي ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي شهدت انهيار العملة المحلية إلى مستويات متدنية قياسية، وغياب حكومةٍ تعمل بكامل طاقتها منذ ما يزيد على 10 أشهر -فضلاً على جائحة كورونا وحادثة انفجار مرفأ بيروت- بات لبنان أرضاً خصبة مثالية لـ”الميليشيات الأخرى”، مثل تنظيمات “الدولة الإسلامية”، المعروف بتنظيم “داعش”، وتنظيم “القاعدة”، التي تزدهر في البيئات من هذا النوع.

وتجدر الإشارة إلى أنه في حين أن لبنان لم يكن ضحية لهجمات لهذه المجموعات على النطاق الذي شوهد في دول مثل سوريا والعراق، فإنه ليس غريباً بالمطلق عن هذا النوع من الهجمات.

فقد سبق أن خاض الجيش اللبناني نفسه معركة استمرت شهوراً ضد مجموعة “فتح الإسلام” المتأثرة بتنظيم القاعدة في عام 2007، وقد تكبد الجانبان وقتها خسائر فادحة قبل هزيمة المسلحين في النهاية.

كما أنشأ مسلحون فرعاً لتنظيم القاعدة في لبنان تحت اسم “كتائب عبد الله عزام” في عام 2009.

الجيش اللبناني
الجيش اللبناني يعتمد بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأمريكية/رويترز

وأعلنت هذه المجموعة مسؤوليتها عن تفجير مزدوج استهدف السفارة الإيرانية في بيروت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وعن هجوم على المركز الثقافي الإيراني في بيروت في فبراير/شباط 2014.

في الوقت نفسه، انضم ما يُقدر بنحو 900 مقاتل أجنبي لبناني إلى صفوف داعش وغيرها من المجموعات المسلحة في سوريا.

كما خاض الجيش اللبناني وحزب الله بصورة أقل معارك ضارية ضد مجموعات منسوبة للنصرة وداعش على الحدود الجبلية للبلاد مع سوريا، خاصة في بلدة عرسال الحدودية وسبق ذلك خطف داعش والنصرة لعشرات الجنود اللبنانيين من البلدة (أعدم داعش كافة الأسرى، بينما تبادلت النصرة الأسرى بمعتقلين بعد أن أعدمت أحدهم).

وجاء اعتقال الجيش اللبناني لثمانية عشر مسلحاً من المنتمين لتنظيم داعش في بلدة حدودية لبنانية مع سوريا في شهر فبراير/شباط الماضي ليدق ناقوس الخطر بأن المسلحين من هذه المجموعات لا يزالون يشكِّلون تهديداً للبلاد وقد يسعون للاستفادة في وضعها المتدهور.

باستحضار هذه العوامل، تبدو زيادة المساعدات الأمريكية المقدمة للجيش اللبناني -الذي ينظر إليه على أنه رمز للاستقرار في البلاد- خطوةً حكيمة من جانب إدارة بايدن تعمل على الحيلولة دون انزلاق لبنان إلى صراع مستعصٍ على الحل مثل العراق أو أفغانستان، حسب وصف موقع Responsible Statecraft.

هل تريد أمريكا استهداف حزب الله؟

لكن السؤال الكبير الذي يبرز هنا هو ما إذا كانت واشنطن تزيد من مساعداتها لمنع وقوع سيناريو من هذا النوع، أم أن لديها هدف آخر في الاعتبار: وهو استهداف حزب الله.

استضاف “معهد الشرق الأوسط” الأمريكي جلسةً حول العلاقات الأمنية والعسكرية اللبنانية الأمريكية، وبدا خلالها أن مسؤولي البنتاغون يركزون على كون حزب الله تهديداً أمنياً رئيسياً.

وخلال الجلسة، قالت دانا سترول، وهي نائبة مساعدة لوزير الدفاع الأمريكي: “النشاط الإرهابي والأعمال غير المشروعة لحزب الله تهدد أمن لبنان واستقراره وسيادته”.

إذا استدعينا هذه التصريحات وحقيقة أن واشنطن لديها سجل طويل في محاولات إضعاف حزب الله، لا يمكن للمرء أن يستبعد احتمال أن تكون زيادة المساعدات للجيش اللبناني جزءاً من خطة للاستعانة بالجيش في مواجهة حزب الله (إن لم يكن الآن، ففي وقت ما في المستقبل).

هل تستطيع سياسات بايدن إضعاف الحزب؟

يبدو أن نية إدارة بايدن في إرسال مزيدٍ من المساعدات العسكرية تتناقض مع نهج إدارة ترامب في التعامل مع لبنان على أنه أشبه ما يكون بعدوٍ متحالف مع إيران.

ولما كان الجيش اللبناني مؤسسة معروفة تقليدياً بأنها حليفة للولايات المتحدة، فإن تعزيز العلاقات معه يأتي في خدمة حدٍّ أدنى من النفوذ لواشنطن في البلاد.

ومن الجدير بالاهتمام أن إدارة بايدن اتخذت هذه الخطوة في وقت تحاول فيه قوى عظمى منافسة للولايات المتحدة، مثل روسيا، إبرازَ مكانةٍ لنفسها في لبنان.

وربما لمواجهة ذلك، أوصت رسالة رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي غريغوري ميكس، بإنشاء مجموعة دولية تحت اسم “أصدقاء لبنان”، تضم دولاً حليفة للولايات المتحدة مثل فرنسا.

ومن المتوقع أن يساعد التنسيق مع فرنسا في الحفاظ على نفوذٍ للولايات المتحدة في لبنان، لا سيما أن الفرنسيين لديهم اتصالات مع حزب الله، وهو الفاعل الأقوى والأشد نفوذاً في البلاد.

ومع ذلك، يجب التشديد مرة أخرى على أن هذا لن ينطبق إلا إذا كان الافتراض أنه لا توجد لدى الولايات المتحدة أجندةً خفية مناهضة لحزب الله.

ويذهب التقرير إلى أن السياسة الأمريكية التي تركز على شيطنة حزب الله لا تخدم أهداف الولايات المتحدة في أن تكون فاعلاً مؤثراً في لبنان، فالحركة الشيعية هي أقوى الفواعل في البلاد بفارق بعيد وقد ثبت استحالة إقصائها أو تهميشها، حسب الموقع الأمريكي.

ومن ثم إذا كانت واشنطن تنوي بالفعل التنسيقَ مع فرنسا بشأن الملف اللبناني، فمن الأجدر بها أن تستجيب لنصيحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتتبنى نهجاً أكثر واقعية يعترف بحزب الله باعتباره فاعلاً شديد التأثير في الساحة اللبنانية، بحسب التقرير.

هل تشجع أمريكا الجيش اللبناني سراً على التنسيق مع حزب الله؟

على الرغم من أن زيادة المساعدات للجيش اللبناني لن تحل مشكلات لبنان، فإنها تشكِّل خطوة في الاتجاه الصحيح، بشرط ألا تكون موجهة ضد حزب الله، وفقاً للموقع الأمريكي.

والمقصود هنا أن التركيز على المجموعات الشيعية عمّا عداها لن يؤدي إلا إلى تقوية “الميليشيات الأخرى” التي تشكل خطراً أكبر بكثير على المصالح الأمريكية. ويمكن حتى القول إن واشنطن وحزب الله يشتركان في مصلحة مشتركة في منع ظهور المجموعات المسلحة السلفية في البلاد.

ويرى الموقع الأمريكي أن النهج الواقعي الحكيم هو أن تساعد واشنطن الجيشَ اللبناني على منع تصاعد التهديدات الإرهابية بأي طريقة ممكنة، حتى إذا شمل ذلك التعاون بين الجيش وحزب الله. وهذا السيناريو ليس مستبعداً تماماً، وقد سبق أن اعتُمد عليه بالفعل عندما كان تهديد “داعش” في ذروته في عام 2014، بحسب التقرير.

والخلاصة أن اتباع هذا النوع من السياسة من شأنه أن يساعد الولايات المتحدة على تجنب الانجرار إلى أزمة أخرى في الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت السماح لها بالبقاء طرفاً فاعلاً على صلة بأحد أكثر البلدان محورية في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى