آخر الأخبارتحليلات و آراء

أوسلو.. مكافأة للكيان وخسارة صافية للفلسطينيين

 سليم يونس الزريعي

في الثالث عشر من شهر أيلول/ سبتمبر يكون قد  مر على عقد الاتفاق النكبة “أوسلو”، الذي يمكن القول إنه الوجه الآخر لنكبة عام 1948 التي كانت حربا على الحياة في فلسطين، ارتكبت فيها عشرات المجازر ودمرت مدن وقرى وشرد مئات الآلاف من أهلها، في حين أن نكبة أوسلو كانت خيارا واعيا لطرف فلسطيني كان يقود منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، وهو اتفاق سُوِّق  حينها على أنه إنجاز وطني، احتفى به بعض النظام الرسمي العربي والولايات المتحدة والدول الغربية، وبعض القوى السياسية  الفلسطينية التابعة وأصحاب المصالح والمُضللون من أهل فلسطين، الذين خُدعوا لأن قيادة وطنية، وتنظيم كان له شرف إطلاق الرصاصة الأولي في الثورة الفلسطينية المعاصرة هو من قام بذلك. وثقة منهم في أن الرائد لا يضلل أهله!!!.

اتفاق أوسلو.. النكبة الثانية

لكن الوقائع تقول إن الرائد للأسف ضلل أهله، فبعد ثلاثة عقود من اتفاق أوسلو تؤكد النتائج أن ذلك الاتفاق كان جريمة موصوفة ارتكبت  في حق الشعب الفلسطيني، ليكون السؤال كيف ظن الطرف الفلسطيني لذي أبرمها أن بإمكانه أن يعقد اتفاقا يحقق الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، مع كيان عنصري إحلالي في ظل موازين قوى مختلة لصالح العدو الصهيوني؟ هل هي الثقة في حسن نوايا ذلك الكيان الغاصب، بأنه سيقدم له شيئا مقابل الاعتراف الفلسطيني به، والتنازل عن 78% من فلسطين التاريخية؟ في حين أن هناك العديد من القوى الفلسطينية والنخب السياسية والثقافية قد حذرت من تلك الذهنية والسلوك، الذي أنتج أوسلو وسوق له كمنجز وطني، بأن رفضت التعامل معه،  لتؤكد الثلاثة عقود الماضية من عمر أوسلو، صوابية ذلك التحذير ، وكم هو باهظ ذلك الثمن الذي دفعه الشعب  الفلسطيني جراء سياسة فريق فلسطيني ظن أن قيادته للثورة ومنظمة التحرير يمنحه حق   التصرف في القضية الوطنية  بمعزل عن رأي القوى الفاعلة الأخرى، وتغطية جريمته بالعودة لهيئات تمثيلية ذات اللون الواحد، الذي يعرف الفلسطينيون كيف يجري ترتيب تشكيلها.

خطابا الاتفاق

وقد جاء الاتفاق حسب جدعون ليفي، في صحيفة يديعوت أحرونوت تحت عنوان “أخطأنا عندما اعتقدنا أن «أوسلو» سينهي الاحتلال عندما نقل عن يوفال بلومبرغ، الناقد الحاد للاتفاقات، من كتابه “فخ أوسلو”: إن الاتفاق: “تميز بصياغات غامضة وضبابية استهدفت تشويش الخلافات الجوهرية بين الطرفين”. وأن تلك الضبابية ” والتشويش يخدمان مصلحة إسرائيل بل اليمين السياسي. من ناحية عملية وأحادية الجانب، لذلك كان “أوسلو” إنجازاً متواصلاً لكيان الاحتلال. وكونه كان إنجازا صهيونيا فهو بالمقابل مثل نكبة مستمرة حتى الآن للشعب الفلسطيني.

وأصاف الكاتب أن الذروة التي مكنت رابين وبيرس من التنفس الصعداء كانت عندما وافق الفلسطينيون على أن يبقى المستوطنون في أماكنهم في الصفة الغربية. لكن الغلطة الكبرى التي يصفها الكاتب بأنها كانت غلطة حياة الفلسطينيين الأكثر مصيرية هي التي كانت في عدم لمس المستوطنات، وبالطبع تجاهل الإسرائيليون بخداعهم وطمعهم الجريمة الكبرى. أي تلك المستوطنات حسب الكاتب. التي باتت مدنا صادرت نصف مساحة الضفة تقريبا.

وخلص الكاتب إلى أن عدم اقتراح رابين وبيريس تجميد البناء في المستوطنات كان إشارة إلى أنهما لم ينويا للحظة السماح بإقامة الدولة الفلسطينية. وهذا في رأبه كان يشير إلى أن  رابين وبيريس لم يبحثا عن العدالة أو عن السلام أيضاً، بل بحثا عن الهدوء الذي يسمح بمضاعفة عدد المستوطنين بثلاثة أضعاف وضمان تخليد الاحتلال. وهو ما لا يمكن غفرانه.

إنجاز صهيوني.. فشل فلسطيني

فيما أجاب عنوان مقال سيفر بلوتسكر في  صحيفة هآرتس، “بفضل أوسلو” على سؤال هل فشلت أوسلو؟  ليرد قائلا  إن ما حققه الكيان الصهيوني من مكاسب بفضل الاتفاق النكبة أن ارتفع عدد الدول التي اعترفت بإسرائيل من 110 في 1993 إلى 166 اليوم؛ حيث ارتفع 88 في المئة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعترف بإسرائيل، مقابل 60 في المئة فقط قبل “أوسلو”. كما ارتفع عدد المستوطنين في أراضي الضفة الغربية من 115 ألفا إلى 485 ألفاً؛ أي 4.2 ضعف . كما ارتفع نصيب جمهور المستوطنين في عموم سكان إسرائيل من 2 في المئة إلى 5 في المئة منهم.

وقد وصف الوزير السابق يوسي بيلين ً بأن اتفاق أوسلو “غيّر مجرى التاريخ” في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وأتاح إمكان عقد اتفاقية سلام لاحقة مع الأردن، وأوجد عنواناً جديداً لتمثيل الشعب الفلسطيني (يتمثل برأيه في السلطة الفلسطينية)، وأدى إلى ازدهار اقتصادي غير مسبوق في إسرائيل، وحسّن صورة دولة الاحتلال في نادي الأسرة الدولية، وفتح أمامها مجالاً كبيراً لإقامة علاقات دبلوماسية مع دول كثيرة، بما في ذلك دول عربية.

هل كانوا في وعيهم؟

المفارقة أن عرفات لم يتلقَ قط تعهداً إسرائيلياً بوقف أو إبطاء وتيرة الاستيطان خلف الخط الأخضر. وإنما أيضا اختفت  مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عملياً، بعد أن لم تذكر في اتفاقات أوسلو. في الثلاثين سنة التي انقضت دون حراك بالحد الأدنى في الموضوع، · بل إن عرفات لم يطالب بتعريف السيطرة الإسرائيلية في “المناطق”  باعتبارها “احتلال”، وإنما  وافق على أن يعترف بالحكم العسكري بأنه صاحب السيادة الوحيد في “المناطق” التي نقلت إلى إدارة مدنية فلسطينية. والسؤال هنا هل كان هؤلاء المتنفذين الفلسطينيين في وعيهم؟!

والنتيجة حظي فلسطينيون بحكم ذاتي موسع، مع سلطة تشريعية، تنفيذية وقضائية – ولكن دون سيادة ودون تقرير مصير قومي – سياسي. فيما لا يظهر الحل المسمى “دولتين للشعبين” على الإطلاق في اتفاقات أوسلو، وبقي مفتوحاً لمفاوضات مستقبلية فشلت المرة تلو الأخرى.

وقاربت صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها محضر وقائع محضر الجلسة التي عقدتها الحكومة الإسرائيلية قبل ثلاثين عاماً، بالقول إن إسرائيل لم تنظر إلى هذه الاتفاقية باعتبارها نقطة انطلاق نحو التخلّي عن الاحتلال في أراضي الضفة ونحو منح الفلسطينيين الحق في الحرية وتقرير المصير والاستقلال.

وقالت “هآرتس”: إن المحضر مثير للغاية بما غاب عنه وربما أكثر مما ورد فيه، فقد تم تجنّب التطرّق إلى الاحتلال الإسرائيلي أو إلى حق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال. حتى عندما كانت تتسلم مقاليد الحكم فيها الحكومة الأكثر يسارية في تاريخها، لم تكن تنوي الانسحاب من أراضي الصفة الغربية وأن تقيم فيها دولة فلسطينية. كما أن إسحق رابين (رئيس الحكومة الإسرائيلية إبان توقيع اتفاقية أوسلو) عارض أي نقاش حول القدس، وشدّد وزراء حكومته على أهمية استمرار السيطرة على “الأراضي العامة” أو “أراضي الدولة” في الضفة الغربية (التي تمت تسميتها في وقت لاحق بـ “مناطق ج”)، وذلك بهدف الاحتفاظ باحتياطي أراضٍ في سبيل توسعة المستوطنات. ووعد رابين بإقامة سلطة فلسطينية تعمل (من وجهة نظره) كمقاول ثانوي أمني لدى الجيش الإسرائيلي.

مع ذلك، فإن المظاهر الاحتفالية التي رافقت توقيع اتفاقية أوسلو في حدائق البيت الأبيض الأميركي كوّنت انطباعاً وهمياً قوياً بأنها اتفاقية سلام، بينما لم تكن أكثر من خطوة أولى، بسيطة للغاية، في طريق التوصل إلى هكذا اتفاقية!

وماذا بعد؟

والسؤال بعد ثلاثة عقود من نكبة أوسلو، ألم يحن الوقت لمن أبرموا أوسلو القيام بمراجعة فكرية وسياسية لأوسلو، وإعلان البراءة من أوسلو ونتائجه الكارثية التي كانت ربحا صافيا للكيان الغاصب، والاعتذار للشعب الفلسطيني عن تلك الجريمة ونتائجها وتصويب كل خطايا تلك العقود من المشاركة في تلك الجريمة.. ؟

  • المصادر

صحيفة الأيام الفلسطينية.

أنطوان شلحت ..مركز مدار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى