أول دولة في العالم “تتعايش” مع كورونا.. كيف فعلتها وهل تنجح؟

 

بينما تخوض دول العالم معركة شرسة ضد الوباء الفيروسي القاتل كوفيد-19 أو كورونا، وسط معضلة تبدو بلا حلول، وهي الخيار المر بين الإغلاق الاقتصادي المدمر أو المخاطرة بحياة المواطنين هرباً من الآثار الاقتصادية، أجرت دولة واحدة انتخابات عامة ورفعت قيود الإغلاق، فخرج الناس إلى الشوارع وعادوا لأعمالهم، فكيف فعلتها كوريا الجنوبية، وهل ستندم؟

ماذا حدث؟

بدأ الكوريون الجنوبيون في العودة للعمل والازدحام في المراكز التجارية والحدائق وملاعب الغولف وبعض المطاعم، بعد أن خفَّفت كوريا الجنوبية قواعد التباعد الاجتماعي، مع استمرار اتجاه حالات فيروس كورونا نحو التراجع، بحسب تقرير لرويترز، اليوم الإثنين 20 أبريل/نيسان.

وأنهى عدد متزايد من الشركات من بينها إس كيه انوفيشن ونافر سياسة العمل من المنازل أو تخفيفها في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من استمرار شركات كثيرة في تطبيق ساعات عمل مرنة، والحد من التنقل والاجتماعات المباشرة.

وامتلأت الحدائق والجبال وملاعب الغولف بالزائرين في مطلع الأسبوع، في حين بدأت المراكز التجارية والمطاعم في العودة ببطء لطبيعتها.

الحياة تعود لكوريا الجنوبية بعد تخفيف تدابير التحرك بسبب كورونا/رويترز

وقال كيم تاي-هيونغ، وهو مهندس محطات كهرباء يبلغ من العمر 31 عاماً ويعيش في سول “إنني عضو في نادٍ محلي لكرة القدم، وخرجنا للعب يوم السبت لأول مرة منذ شهرين، مضيفاً: “كنا نضع كمامات أثناء اللعب، مازلنا نشعر بقلق من فيروس كورونا، ولكن الطقس كان بديعاً وشعرت بانتعاش كبير”.

هل انتهت معركة الوباء إذن؟

الحقيقة أن هذه الأنباء القادمة من أول دولة تشهد تفشياً للوباء خارج مصدره وهو الصين، يطرح علامات استفهام بقدر ما يفتح أبواب الأمل أمام مليارات البشر الذين يعانون من الخوف من العدوى والقلق على قوت يومهم، حيث يمثل تعافي كوريا الجنوبية صورة متناقضة مع ما يحدث في دول كثيرة أخرى ما زالت عواصمها مغلقة، وتطبق أوامر شاملة للبقاء في المنازل.

صحيح أن كوريا الجنوبية مدّدت أمس الأحد، 19 أبريل/نيسان، سياسة التباعد الاجتماعي 16 يوماً أخرى، لكنها منحت بعض التخفيف للمنشآت الدينية والرياضية التي فرضت عليها سابقاً قيوداً صارمة، فهل يعني هذا أنها انتصرت على الوباء وقضت عليه تماماً؟

الواقع أن ذلك لم يحدث، وعلى الأرجح لن يحدث قبل التوصل لمصل مضاد لفيروس كورونا، حيث أعلنت المراكز الكورية لمكافحة الأمراض والوقاية منها 13 حالة إصابة جديدة بكورونا، اليوم الإثنين، بعد يوم من تسجيل ثماني حالات فقط، والتي مثلت أول زيادة يومية تتألف من رقم واحد منذ تسجيل 909 حالات إصابة في ذروة انتشار المرض.

عمال يرشون مواد مطهرة في سيول، كوريا الجنوبية/ رويترز

القرار الذي يهدف إلى إعادة فتح رابع أكبر اقتصاد في آسيا بشكل حذر، مع استمرار تأرجح عدد حالات الإصابة اليومية بكورنا عند مستوى 20 حالة أو أقل، معظمها لأشخاص قادمين من الخارج، يمكن قراءته على أنه “تعايش” مع الفيروس إذن.

كيف فعلتها كوريا الجنوبية؟

هذا التعايش لم يأتِ بالصدفة، ولا هو قرار عشوائي لم يأخذ طبيعة الفيروس القاتلة ولا سرعة تفشيه في الاعتبار، بل هو نتيجة منطقية لاستراتيجية واضحة طبقتها كوريا الجنوبية بشكل مدروس، فتمكنت من إجراء أول انتخابات عامة في العالم، في ظل ذعر الوباء، أُجريت الأربعاء الماضي، 15 أبريل/نيسان، وشهدت إقبالاً قياسياً لم يحدث منذ 28 عاماً بنسبة 66.2%، وحقق فيها التحالف الحاكم انتصاراً ساحقاً لم يحققه منذ ثلاثة عقود تقريباً، بفضل النجاح الباهر في حرب الوباء.

أما عن تفاصيل الاستراتيجية نفسها فقد تمثلت في مثلث السرعة في التحرك واستخدام التكنولوجيا في التتبع والعزل، إضافة إلى إجراء اختبارات الكشف عن الفيروس بصورة مكثفة ومتنوعة، وهو ما أدى لاحتواء تفشي الوباء وتقليل نسبة الوفيات بصورة لافتة، ففي كوريا الجنوبية المعدل هو أقل من 1 لكل 100 ألف من السكان، بينما في بريطانيا المعدل هو نحو 18 لكل 100 ألف، و8 في الولايات المتحدة.

وبحسب تقرير لشبكة  CNN  الأمريكية رصد التجارب الناجحة في مواجهة الوباء -وهي نادرة حول العالم- اتضح أن السر في نجاح تجربة كوريا الجنوبية يكمن في طريقة إجراء الاختبار والتشخيص المبكر، والعلاج المبكر، حيث قامت بنصب أكثر من 500 مركز لإجراء الاختبار في أرجاء البلاد منذ اكتشاف الحالة الأولى، وتم تشكيل لجنة متابعة لإدارة الاستجابة الحكومية للفيروس.

كما أن كوريا الجنوبية اتّسمت بالإبداع في كيفية إجراء الاختبار لمواطنيها، فتم نصب المئات من “أكشاك الاختبار لسائقي السيارات” حول البلاد -مثل أكشاك بيع الطعام السريع التي توفر الخدمة للسيارات دون أن يضطر السائق لمغادرتها- وهو اختبار سريع يقوم به عاملو الصحة من على مسافات آمنة، وتلك الاختبارات مجانية.

هل توجد مخاطر لعودة التفشي؟

لا تزال الإجابة الوحية الآمنة والدقيقة للإجابة عن هذا السؤال وأي سؤال آخر يتعلق بوباء فيروس كورونا المستجد هي أنه لا توجد إجابة حاسمة مئة بالمئة، فالفيروس “مستجد”، ولا تزال محاولات التوصل لحقيقته الكاملة مستمرة، ولن يتمكن العالم من تنفس الصعداء بشكل كامل إلا بعد التوصل لكلمة السر وهي “المصل”.

لكن الاستراتيجية الكورية والنتائج التي حققتها وصولاً لهذه المرحلة من التعايش مع وجود الفيروس تحت السيطرة تشير إلى أن فرص النجاح ليست قليلة، وربما يكون أهم عناصر النجاح هنا هو الالتزام من جانب المواطنين باتخاذ كافة أساليب الوقاية، من ارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة، والإبلاغ الفوري عن ظهور أي أعراض للعدوى، وهو ما يُسهل مهمة المسؤولين عن الصحة في سرعة الاستجابة ومحاصرة أي بؤرة محتملة للوباء.

ويمثل نجاح التجربة الكورية بارقة أمل يحتاجها الجميع حول العالم، مع اشتداد وطأة التداعيات الاقتصادية جراء الإغلاق الكامل ووقف النشاط الاقتصادي، بصورة تهدد الملايين حول العالم، فهل تكون هذه التجربة بداية “مرحلة التعايش” مع الوباء انتظاراً للتوصل لمصل يقضي عليه؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى