أول “مطعم في الظلام” بمصر.. الكفيف يقود المبصرين
إيمانه بأن الإنسان الفاقد لبصره ليس عاجزاً، ويستطيع العمل والكفاح في الحياة مثلما يقوم به المبصر، جعل الدكتور عبدالباسط عزب، متحمساً لاستنساخ التجربة الفرنسية بإنشاء “مطعم في الظلام” داخل مصر، حتى يثبت للجميع أن “الكفيف” قادر على النجاح في العمل ودوره لا يقل عن الشخص الذي يرى بعينيه.
لم يتردد الرجل الستيني في تنفيذ فكرته، وأسس التجربة الباريسية الغريبة على مجتمعنا المصري على أرض الواقع، خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأصبح المشروع قائماً في منطقة حدائق الأهرام بالجيزة، وتحديداً في شارع جاردينيا عند البوابة الأولى، ليكون أول مطعم في مصر يقدم وجباته الشهية في الظلام، على غرار مطعم “Dans le noir” (دون لونوار) الشهير بفرنسا، الذي له عدة فروع في إسبانيا وبريطانيا والمغرب.
“العين الإخبارية” تجولت داخل المطعم المظلم؛ للتعرف على طبيعة الأجواء داخله، والتقت الدكتور عبدالباسط عزب؛ للوقوف على تفاصيل فكرته، والهدف منه وحجم النجاح الذي يحققه من خلال الحوار التالي..
كيف اختمرت الفكرة في ذهنك؟
أولاً: لا بد أن أشير إلى طبيعة عملي الذي ساعدني على تكوين الفكرة في ذهني منذ شهور عديدة حتى نفذتها على أرض الواقع، فأنا أعمل رئيساً للمركز العربي للإعلام لأصحاب الهمم والمسؤول عن دعم هؤلاء الأبطال في الخارج، لذا كنت أسافر كثيراً إلى دول أوروبا التي اكتشفت فيها “مطعم في الظلام” منتشراً بشكل كبير، خاصة فرنسا التي تعد الأشهر في هذا الأمر، بفضل امتلاكها مطعماً عريقاً اسمه “Dans le noir” تأسس عام 2002 في باريس، له عدة فروع في العالم، وذات يوم كنت أتناول وجبة العشاء في المطعم الفرنسي الشهير، وسألت نفسي: “ما المانع في نقل هذه الفكرة إلى مصر؟” وبعدها فتحت قنوات اتصال مع إدارة المطعم الفرنسي لتبني فكرتي وتنفيذها في مصر بكل احترافية، وبالفعل توصلت في نهاية المطاف إلى اتفاق شراكة معهم، بأن يتم نقل المطعم لمصر بنفس الاسم والقواعد التي يتمتع بها المطعم الفرنسي الشهير.
كيف كانت خطوات تنفيذ المشروع على أرض الواقع؟
أول شيء فكرت فيه المكان الذي سأفتتح فيه المطعم، ولم أجد أفضل من حدائق الأهرام، كونها قريبة من الحضارة العريقة لمصر، سواء الأهرامات الثلاثة، والمتحف المصري الكبير الذي أوشك على الانتهاء من إنشائه وسيتم افتتاحه قريباً، نظراً لأنني فكرت أن من المؤكد أن قرب المطعم من هذه الأماكن التاريخية سيساعد على تنشيط السياحة بشكل ما خلال الفترة المقبلة، لأنه سيجذب السياح مستقبلاً على مطعمي لخوض تجربة الطعام في الظلام، وأما بالنسبة النقطة الثانية في تنفيذ المشروع فكانت مهمة للغاية لما تحتويه من اتفاقية مع إدارة المطعم الفرنسي على إرسال طاقم مميز يساعدني في تدريب العاملين من الشباب والفتيات المكفوفين على العمل داخل المطعم، وهو ما حدث بالفعل، وأصبح عندي ما يقرب من 20 شاباً وفتاة قادرين على خوض التجربة الجديدة بكل نجاح وتميز.
ما الهدف الذي تنشده من وراء هذا المطعم الذي قد يعتبره البعض غريبا؟
هدفي الأول هو توفير فرص عمل للشباب والفتيات المكفوفين في مصر بشكل مناسب وبعيداً عن الواقع الروتيني الذي نعيشه منذ فترة كبيرة، بالإضافة إلى أنني أردت أن أثبت للجميع أن العجز يكون في الفكر وليس في الجسد، وأكبر دليل على كلامي أن مطعمي حقق نجاحاً كبيراً خلال فترة وجيزة، بفضل الله وعرق الشباب والفتيات المكفوفين، وجميع الوجبات التى تقدم إلى الزبائن المبصرة تكون عبارة عن أكلات مصرية فرعونية وشرقية، وأيضاً هي من صنع المكفوفين.
ما قواعد تناول الوجبات المختلفة في المطعم المظلم؟
تناول الطعام في مطعمي سواء كان إفطاراً أو غداء أو عشاء، يقتضي أن يكون الزائر مدركاً بشكل كامل لجميع القواعد التي يجب اتباعها خلال فترة وجوده داخل “Dans le noir”، فيكون المرشد المصاحب لهم كفيفاً، ويتم تجميع الزبائن داخل ممر الاستقبال، وبعد ذلك يتم إدخالهم لغرف الطعام في صفوف منتظمة، كل شخص يضع يده على كتف المتقدم عنه، وبعد ذلك تأتي المرحلة قبل الأخيرة، وهي جلوسهم على الطاولة في انتظار الطعام الذي اختاروه قبل دخولهم إلى الغرف المظلمة، ثم يتركهم المرشد يأكلون بحواسهم وبعد ذلك يخرجهم بنفس طريقة إدخالهم بعد مرور 90 دقيقة.
هل نجح مشروعك في إثبات قدرة المكفوفين على العمل؟
طبعاً، فالعاملون في المطعم قادرون على النجاح وإثبات الذات، فهم المرشدون للمبصرين في غرف الظلام، التي يتم فيها تناول الطعام، بالإضافة إلى أن الزبائن الذين جاءوا إلينا أكدوا أن العمل يحتاج إلى إرادة فكرة وقوة وعزيمة وليس جسد سليم لا ينقصه شيئاً، وأنا بفضل الله، استطاعت إثبات أن فقدان البصر ليس عجزاً، وإنما العجز في الفكر العقيم الذي يحاول تهميش دورنا في المجتمع العام والوظيفي بشكل خاص. أضف إلى ذلك أن تناولك الطعام في الظلام يجعلك تخوض تجربة مثيرة من ناحية، وتشعر بوضع فاقدي البصر من ناحية أخرى، فيزيد دعمك لهم وتضامنك معهم، مما يسرع بوتيرة دمجهم في المجتمع.