أيهما أقوى على الأرض طالبان أم الحكومة الأفغانية؟ خارطة المعارك تكشف ماذا سيحدث بعد انسحاب أمريكا

مع بدء انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، يثار تساؤل حول توازن القوى بين طالبان والحكومة الأفغانية، ومن يسيطر على مساحة أكبر من البلاد، وما مصير قوات الحكومة في ظل غياب الدعم الأمريكي؟

وتزداد مهمة رسم خريطة حرب أفغانستان الطويلة صعوبة في الوقت الذي تستعد فيه جميع القوات الأمريكية للانسحاب من البلاد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

وحذر مستشارون عسكريون أمريكيون من أن طالبان، التي حققت مكاسب مهمة في ساحة المعركة في الأشهر الأخيرة، من المحتمل أن تستولي على الحكم في البلاد إذا غادرت أمريكا،حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

من يسيطر على أفغانستان طالبان أم الحكومة؟

“وفقاً لعدة مقاييس، وضع طالبان العسكري أقوى الآن من أي وقت منذ عام 2001، رغم أن العديد من المقاييس التي كانت معلنة يوماً والمتعلقة بسير الحرب أصبحت سرية أو توقف تحديدها من قبل الأمريكيين”، حسبما ورد في تقرير أصدرته هيئة أبحاث الكونغرس الأمريكية في مارس/آذار.

وضم هذا التقرير بيانات عن حوالي 400 مقاطعة محلية في ولايات أفغانستان التي يبلغ عددها 34 ولاية. والسيطرة على هذه المقاطعات مقياس رئيسي في تقدير السيطرة على البلاد ككل، حسب تقرير The Washington Post.

وقالت هيئة التفتيش العامة الأمريكية الخاصة لإعادة إعمار أفغانستان في تقريرها عن هذه التفاصيل إن الحكومة الأفغانية بسطت سيطرتها على 54% فقط من هذه المقاطعات اعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، وهذا أقل رقم مسجل منذ بدء التتبع المعلن للحرب في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015. أما المقاطعات المتبقية، فقالت الحكومة الأمريكية إن 34% منها متنازع عليها و12% منها يقع تحت سيطرة المتمردين على الحكومة.

وقال بيل روجيو، الذي يتبع موقعه Long War Journal مركز أبحاث مقره واشنطن يسمى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنه يتابع الصراع منذ سنوات مستعيناً بالتقارير الصحفية والبيانات التي جمعها. وقد توصل إلى أن نصف مقاطعات البلاد متنازع عليها الآن بين الحكومة وطالبان، وأن الحكومة تسيطر بالكامل على أكثر من 120 مقاطعة، فيما تسيطر طالبان على 70 مقاطعة.

ولكن حتى هو يقر بأن هذه الأرقام متفائلة. فبعض المقاطعات تخرج من سيطرة الحكومة ثم تعود إليها، اعتماداً على الهجمات التي تشنها طالبان. ويرى آخرون أن الحكومة تلجأ إلى المقار المركزية أو الثكنات، ثم “يُقتل قائد الشرطة في هجوم بعبوة ناسفة حين ينسحب من قاعدته”، على حد قول روجيو.

يقول روجيو: “في الكثير من حالات هذه المقاطعات التي ناقشتها، لا تسيطر الحكومة فعلياً إلا على مراكز هذه المقاطعات. وأعتقد أن هذه الخريطة في الواقع أسوأ مما تبدو عليه”.

الحكومة تقلل من قوة طالبان

على أن فؤاد أمان، نائب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية، شكك في أرقام روجيو ووصفها بأنها “غير صحيحة وبعيدة عن الواقع”. لكنه زعم، دون تقديم دليل، أن طالبان لم تفرض سيطرتها إلا على “ما يزيد قليلاً عن 10 مقاطعات في مناطق نائية جداً من البلاد”.

على أن الرقم الذي يزعمه أمان يمثل ما يقرب من نصف أدنى تقدير لسيطرة طالبان على المقاطعات أعلنته الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني عام 2016.

وحتى كابول، العاصمة الخاضعة لحراسة مشددة، ليست آمنة. إذ أظهر تقرير لبعثة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في أفغانستان أن أكبر عدد من الضحايا المدنيين عام 2020 في جميع الولايات كان في كابول، حيث قُتل 255 شخصاً وأصيب 562 آخرون.

زلماي خليل زادة الممثل الأمريكي لأفغانستان مع رئيس وفد طالبان خلال محادثات الجانبين في الدوحة/ رويترز
زلماي خليل زادة الممثل الأمريكي لأفغانستان مع رئيس وفد طالبان خلال محادثات الجانبين في الدوحة/ رويترز

وكانت عمليات الاغتيال التي تستهدف نشطاء وصحفيين وقضاة ومحامين هي الأشد عنفاً منذ أبرمت واشنطن اتفاقها مع طالبان. ورغم أن فرع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في أفغانستان أعلن مسؤوليته عن بعض هذه العمليات، لم تتبنّ أي جماعة معظمها، وهو ما لم يؤدِّ إلا إلى زيادة الشعور بعدم الارتياح هناك.

وشكك أمان أيضاً في الحديث عن أن كابول غير آمنة، متعللاً بما دعاه الدوريات الأمنية المنتظمة ونقاط التفتيش والمداهمات.

وزعم أن “وجود طالبان حول العاصمة كابول أقل من أي وقت مضى. ولا يُخشى شيء على شعب كابول”.

ماذا سيحدث بعد انسحاب القوات الأمريكية؟

ويُتوقع أن يشهد الانسحاب الأمريكي، الذي يبدأ في مايو/أيار 2021، رحيل جميع الجنود المقاتلين الأجانب من البلاد بعد أطول حرب خاضتها أمريكا. وقد يشمل هذا الانسحاب الأفراد المسؤولين عن استدعاء وتوجيه الضربات الجوية، التي يقول روجيو إنه بدونها سيصبح الجيش الأفغاني عرضة لهجوم كبير، لن يكون قادراً على صده.

وبمجرد مغادرة أمريكا -والأهم من ذلك طائراتها الحربية- ستكون طالبان قادرة على الضغط على مصلحتها. هذا لا يعني أن الدولة ستنهار في الحال، لكنها ستكافح لدرء “تقدم المتمردين”.

وفي العام الماضي، أخبر جون سوبكو، المفتش الأمريكي العام لإعادة إعمار أفغانستان، الكونغرس، أن القوات المسلحة الأفغانية ظلت “كابوساً كارثياً ميئوساً منه”. وفي مقابلة مع موقع Task & Purpose، قال سوبكو إن الحكومة الأفغانية لديها “قدرة محدودة على نقل المواد الغذائية والذخيرة والإمدادات الطبية إلى الوحدات في الميدان”. ويزيد على ذلك أن النسبة الكبيرة من أموال الحكومة، تأتي من الخارج، فيما تبدو عيوب مثل هشاشة نظام الحكم والفساد المستشري كأمراض مزمنة عصيةٍ على العلاج في وقت قريب، وهذا كله يصب في مصلحة طالبان.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 26 مارس/آذار 2021، إن وكالات المخابرات الأمريكية أبلغت إدارة الرئيس جو بايدن أن حركة طالبان قد تجتاح معظم أفغانستان خلال عامين إلى ثلاثة أعوام، إذا انسحبت القوات الأمريكية قبل توصّل أطراف الحرب إلى اتفاق لتقاسم السلطة.

في كل الأحوال، من المتوقع أن تتغير الخريطة للأسوأ بالنسبة للحكومة الأفغانية.

يقول روجيو: “سيتعين عليهم توحيد جبهاتهم، والرحيل عن الجنوب. لا أرى طريقاً آخر للنجاة أمامهم. وسيتعرضون للهزيمة على مراحل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى