إدارة بايدن نجحت بتجنب الإغلاق الحكومي وخسارة المليارات.. لكنها قد تغرق بأزمة مالية وتجر العالم معها!
كان البعد الأول أمراً لا بد منه: تمويل الحكومة بحلول منتصف الليل لتجنب إغلاقها. في حالات الإغلاق النموذجية، يتوقف مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين عن تلقي رواتبهم ويتوقف الكثير منهم عن العمل، وتُعلَّق بعض الخدمات وتُغلَق العديد من مناطق الجذب والمتنزهات الوطنية مؤقتاً.
أما البعد الثاني فهو إلزام أكبر، ويتمثل في رفع سقف الدين الوطني- وهو حد اقتراض مصطنع- قبل الموعد النهائي المقدر في 18 أكتوبر/تشرين الأول. حيث إنَّ الفشل في دفع فواتيرها سيشهد تخلف الولايات المتحدة عن السداد لأول مرة في التاريخ. وحذرت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، من أنَّ الآثار ستكون “كارثية” وستكلف الدولة 6 ملايين وظيفة.
وأخيراً، البعد الثالث ليس ضرورياً تماماً، لكنه يبدو كذلك بالنسبة لجو بايدن والديمقراطيين؛ وهو تمرير فاتورة بنية تحتية من الحزبين بقيمة تريليون دولار وحزمة حزبية بقيمة 3.5 تريليون دولار من أجل توسيع الخدمات الاجتماعية ومعالجة أزمة المناخ. وكلتاهما متعثرتان بسبب الانقسامات بين الوسطيين الديمقراطيين والتقدميين، بجانب حرص الجمهوريين على حرمان بايدن من الفوز.
لماذا تعقّد الموقف لهذا الحد بالنسبة للإدارة الأمريكية؟
برغم أنَّ الديمقراطيين يتولون الرئاسة ومجلسي الكونغرس، لكن هوامشهم في هذا الأخير ضئيلة للغاية. وينقسم مجلس الشيوخ بالتساوي 50-50، وتحمل نائبة الرئيس، كامالا هاريس، الصوت الفاصل بين التعادل. ويتمتع الديمقراطيون بهامش أصوات 220-212 في مجلس النواب؛ لذلك لا يمكنهم تحمل سوى عدد قليل من الانشقاقات.
وتجنب الكونغرس الإغلاق الفيدرالي الجزئي، يوم الخميس 30 سبتمبر/أيلول، عندما أقر مجلس الشيوخ ومجلس النواب مشروع قانون للحفاظ على تمويل الإدارة حتى 3 ديسمبر/كانون الأول.
توفر فاتورة الإنفاق المؤقتة، التي حالت دون الإغلاق الأول منذ أواخر 2018 إلى أوائل 2019، المساعدة للمجتمعات التي تضررت بشدة من الأعاصير وحرائق الغابات والكوارث الطبيعية الأخرى، فضلاً عن الأموال لمساعدة اللاجئين الأفغان. لكن ذلك جاء بثمن؛ إذ اضطر الديمقراطيون إلى إزالة المصطلحات من مشروع القانون التي كان من شأنها رفع سقف الديون.
ماذا عن سقف الدين؟
قد يتسبب احتمال تخلف الحكومة الأمريكية عن سداد ديونها، إذا ظل سقف ديونها دون تغيير، في سلسلة من العواقب وأزمة عالمية في نهاية الأمر، وفقاً لما حذر منه تحليل إخباري نشرته شبكة “سي إن إن”، يوم الأربعاء.
قالت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، يوم الثلاثاء، إن أمام المشرعين الأمريكيين فسحة حتى الـ18 من أكتوبر/تشرين الأول، لرفع أو تعليق حد الدَين قبل احتمال أن تتخلف البلاد عن سداد ديونها الوطنية.
وفي حال تخلف الحكومة الأمريكية عن السداد، فإنها ستفشل في دفع الفائدة على ديونها، ما يؤدي إلى ارتفاع المعدلات التي تدفعها لاقتراض الأموال، وهو ما يعني أن الرهون العقارية وقروض السيارات وفواتير بطاقات الائتمان، سترتفع، و”من المحتمل أن يفقد ملايين الأمريكيين أعمالهم، وسينهار التعافي البطيء في ظل الوباء”.
من جهته، قال تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، يوم الخميس: “مثلما يدرك زملاؤنا الجمهوريون أنَّ إغلاق الحكومة سيكون كارثياً، يجب أن يدركوا أنَّ التخلف عن سداد الديون الوطنية سيكون أسوأ”.
ويتوقع الخبراء أنَّ الولايات المتحدة ستغرق في ركود فوري، وستفقد ملايين الوظائف، وسترتفع أسعار الفائدة وتهبط البورصة. وقال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في Moody’s Analytics، لشبكة CNN: “ستكون حرباً مالية فانية. من الجنون الكامل حتى التفكير في فكرة عدم سداد ديوننا في الوقت المحدد”.
ويبلغ الدين الفيدرالي الأمريكي حوالي 28.4 تريليون دولار. وتقول صحيفة الغارديان إنه يمكن تجنب هذا الكابوس، الذي يشبه تجاوز شخص رسوم بطاقة الائتمان ثم رفضه الدفع، من خلال منح وزارة الخزانة سلطة اقتراض إضافية تتجاوز الحد القانوني الحالي البالغ 28.4 تريليون دولار.
لكن ماكونيل جادل بأنه بما أنَّ الديمقراطيين يسيطرون على الكونغرس والبيت الأبيض، يجب عليهم تمرير تمديد حد الدين باستخدام نفس أدوات الميزانية التي يستخدمونها لمحاولة تمرير حزمة اجتماعية وبيئية بقيمة 3.5 تريليون دولار.
ويرى الديمقراطيون أنَّ هذا يعد نفاقاً صريحاً لأنَّ الخطوة ستغطي الإنفاق الذي وافق عليه الكونغرس بالفعل، وليس الاستثمارات المستقبلية. وتاريخياً، كان يصوت كلا الحزبين لرفع الحد الأقصى، وانضم الديمقراطيون إلى الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ لفعل ذلك ثلاث مرات خلال رئاسة دونالد ترامب.
وفي وقت متأخر من يوم الأربعاء 29 سبتمبر/أيلول، وافق مجلس النواب على مشروع قانون يعلق حد الديون حتى ديسمبر/كانون الأول 2022، لكن من المتوقع أن يوقفه الجمهوريون في مجلس الشيوخ. وهذا يعني أنَّ خطر التخلف عن السداد ما زال يلوح في الأفق.
ما هو مشروع “قانون البنية التحتية” وهل سيمرره الكونغرس؟
هذا هو حجر الزاوية في جدول أعمال بايدن، وهو استثمار تريليون دولار في الطرق والسكك الحديدية والجسور والموانئ والمطارات والإنترنت واسع النطاق والمزيد.
أرجأ مجلس النواب يوم الخميس التصويت المقرر على مشروع قانون البنية التحتية الذي أقرَّه مجلس الشيوخ الشهر الماضي في تصويت من الحزبين (مع تصويت 19 جمهورياً بنعم). لكن منذ ذلك الحين، تراجع الجمهوريون في مجلس النواب عن مشروع القانون، في خطوة لحرمان بايدن من الفوز.
تواجه بيلوسي أيضاً تمرداً من مجموعة مؤثرة من الديمقراطيين التقدميين الذين حذروا من أنها يجب أن تعطل مشروع القانون لحين إقرار مشروع قانون أكبر للاستثمار الاجتماعي والبيئي بقيمة 3.5 تريليون دولار.
ويريد التقدميون من بيلوسي أن تلتزم بالتصريحات السابقة بأنَّ كلا مشروعي القانون سيمران عبر الكونغرس معاً. وهم يخشون أنه بمجرد أن يضمن الديمقراطيون الوسطيون تمويل البنية التحتية، فسيشعرون بالتردد تجاه الالتزام الأكبر.
وقالت عضو الكونغرس إلهان عمر، وهي زعيمة التقدميين في مجلس النواب: “نحن لا نثق ثقة عمياء في أنَّ هذه القوانين سيصادق عليها مجلس الشيوخ، دون ضمانات فعلية”.
ومن غير المرجح أن تمضي بيلوسي في التصويت ما لم تتأكد من الفوز. وأرجأت رئيس مجلس النواب المفاوضات حتى اليوم الجمعة 1 أكتوبر/تشرين الأول؛ مما أعطى الديمقراطيين يوماً آخر على الأقل لكسر الجمود.
ما هو مشروع القانون البيئي والاجتماعي وهل سيُمرَّر؟
سوف يوسع التشريع المُقترَح الإعفاء الضريبي للأطفال، ويؤسس تعليماً شاملاً لمرحلة ما قبل الروضة، ويخلق نظام إجازة طبية وعائلية مدفوعة فيدرالياً. ويحتوي كذلك على مجموعة من البرامج لمكافحة أزمة المناخ وتحريك البلاد نحو الطاقة المتجددة.
وستُدفَع تكلفة الخطة البالغة 3.5 تريليون دولار على مدى 10 سنوات من خلال زيادة الضرائب على أغنى الأمريكيين والشركات. لكن الوسطيين يضغطون من أجل حزمة أصغر وقد تمتد المفاوضات بشأنها لأسابيع أو أكثر.
ويمكن أن يمر مشروع القانون عبر مجلس الشيوخ بدون أصوات الجمهوريين من خلال عملية تُعرَف باسم المصالحة، لكن اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين يقفان في الطريق. إذ يعترض جو مانشين من فرجينيا الغربية وكريستن سينيما من أريزونا على قيمة مشروع القانون. وقال مانشين، يوم الأربعاء، 29 سبتمبر/أيلول، إنَّ الإنفاق كثيراً في وقت التضخم وتضخم الديون الوطنية هو “تعريف الجنون المالي”.
وضغط بايدن على كل من عضوي مجلس الشيوخ، لكن لم يوضح أي منهما ما يريده بالضبط، الأمر الذي أدى إلى إحباط التقدميين. وقالت عضوة الكونغرس براميلا جايابال، رئيسة التجمع التقدمي في مجلس النواب: “إنهم بحاجة إلى طرح عرضهم المضاد، ثم نجلس ونتفاوض من تلك النقطة”.
وأشار مانشين للصحفيين يوم الخميس، 30 سبتمبر/أيلول، إلى أنه سيقبل بنحو 1.5 تريليون دولار؛ أي أقل من نصف مطالبات التقدميين، ومن غير المرجح أن يُقابل اقتراحه بالموافقة؛ لذا فإنَّ الجمود مستمر.
ماذا لو فشل الكونغرس في تمرير التشريعين؟
لا تراهن أبداً ضد نانسي بيلوسي، التي أنجحت قانون باراك أوباما للرعاية الصحية بأسعار معقولة على الرغم من الانقسامات الداخلية. لكن لو اتخذت الأمور منحى خاطئاً، فستمثل كارثة سياسية للديمقراطيين عامةً وبايدن على وجه الخصوص؛ مما قد يؤدي إلى تحطيم أجندة “إعادة البناء للأفضل” التي خاض الانتخابات على أساسها ضد ترامب العام الماضي.
كما أنه من المرجح أن يغذي ذلك الشعور بأنَّ الساسة في واشنطن لا يستطيعون فعل أي شيء. وحذَّر محللون من أنَّ الديمقراطيين سيواجهون هزيمة ساحقة في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني العام المقبل، وستتداعى محاولة بايدن لإعادة انتخابه في عام 2024. وستؤول رئاسته إلى فشل مُحقَّق.