مقاربة في موقف حماس من اجتياحات الأقصى والقدس (2/2)

سليم يونس

تبرير التخاذل

ليخرج طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لحركة(حماس)، إسماعيل هنية، ليبرر موقف حماس بأن بعض الأطراف بدأت الاتصال بهنية من أجل العمل على احتواء الموقف، وعدم تدهور الأمور أكثر مما جرى حسب قولهم. بل إن النونو: “أكد رفض رئيس حركة حماس أن يعطي تعهدًا أو ضمانات لأي طرف لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع داخل فلسطين المحتلة. ومن ثم فإن أي قراءة  لوعود حماس وخطابها التي تفيد أن يدها هي الأعلى، وأن أي تدهور للأوضاع سينتج عنه خسارة صافية للكيان لصهيوني، وفوزا مؤزرا للمقاومة. ووفق هذ المنطق ربما تكون حماس قد فوتت هذه الفرصة، وأي قراءة تحاول تفكيك مفهوم (احتواء الموقف وعدم تدهور الأمور)، من شأنه أن يعطي انطباعا أن حماس ليست مع “تدهور الأمور” وأن هذا التدهور ليس في صالحها، وهو يناقض حديث التهديد والوعيد وجملة خطوطها الحمراء التي أكدها بشكل واضح السنوار مسؤول حماس في غزة، ليأتي قول هنية حسب النونو(رفض إعطاء ضمانات أو تعهد)، للقول أن حماس هي صاحبة القرار، والسؤال ضمانات لمن؟ وتعهد لمن؟ ثم أليس اتفاق التهدئة بين قطاع غزة وكيان الاحتلال يحمل معنى التعهد والضمان وتقوم به حماس كونها سلطة الأمر الواقع في غزة بالالتزام به والتصدي لأي قوة تحاول خرقه.

الاختبار.. الثاني

ليأتي الاجتياح الثاني لاختبار صدقية حديث السنوار وهنية يوم 5/6 ، وحديث رفض التعهد وإعطاء الضمانات، عندما كرر قطعان المتطرفين اليهود اقتحام الأقصى بمناسبة ما يسمى “عيد نزول التوراة”، في حماية شرطة الاحتلال، عندما شهدت الأراضي المحتلة صدامات بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين في باحة المسجد الأقصى بالقدس، أسفرت عن إصابة المئات بجروح. لتتحول ساحات المسجد الأقصى إلى مسرح للمواجهات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية، عقب اقتحام الأخيرة المسجد الأقصى والاعتداء على المصلين بالضرب بالهراوات وقنابل الصوت والغاز، ما أدى لإصابة أكثر من مئات الفلسطينيين بجروح مختلفة، ناهيك عن اعتقال أكثر من المئات من الفلسطينيين ممن كانوا معتكفين داخل المسجد الأقصى.

وأغلقت قوات الاحتلال، أبواب المصلى القبلي بالسلاسل الحديدية وحاصرت المرابطين داخله. كما عزلت قوات الاحتلال، المرابطين بداخله عن أماكن اقتحام المستوطنين.

هذا السلوك الصهيوني جعل تحذير الفصائل عقب اجتماع لها بغزة، من أن اقتحام المسجد الأقصى، من قبل المشاركين في المسيرة، سيكون “بمثابة برميل بارود سينفجر ويُشعل المنطقة بأكملها”، وإعلان “حركة حماس” أنها تضع كل الخيارات على الطاولة ومستعدة لكافة الاحتمالات التي قد تنجم عن “مسيرة الأعلام” التي يحضر لها الإسرائيليون في القدس، مع الأسف “جعجعة دون طحن”.

وكان هنية  قد قال: “أمامنا خيارات عديدة لمواجهة مسيرة الأعلام ومحاولات تدنيس المسجد الأقصى، إذ لدينا ثلاثية متأهبة للتعامل مع تطورات الموقف غدا (الأمة والشعب والمقاومة) وجاهزون لكل السيناريوهات.

فيما قالت الغرفة المشتركة التي تضم الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية في بيان إن الشعب الفلسطيني “لن يسمح بالمطلق بكسر قواعد الاشتباك والعودة إلى مربع الاستفزازات الذي قلنا كلمتنا فيه بكل قوة”.

هذه التعهدات والتهديد واختراع “هنية ” لمعادلة (الأمة والشعب والمقاومة) تقليدا لحزب الله اللبناني بشكل شعبوي ساذج، بأن تجاهل هنية أن موقع حزب الله بالنسبة للشعب اللبناني والكيان الصهيوني يختلف عما يعيشه الشعب الفلسطيني وفصائله المسلحة، كونه شعب واقع  الاحتلال الفعلي، وليبدو الحديث عن الأمة “مزحة” مضحكة، ليبدو حديث ثلاثية هنية بلا معنى أو مضمون. في ظل هذا التهافت لقسم كبير من الدول العربية على تبني الرواية الصهيونية فيما يتعلق بالحق الفلسطيني الثابت في وطنه التاريخي.

الشعب.. في الميدان

والمفارقة أن هذه اللغة والمواقف، تطلق، فيما مدن الضفة الأخرى تعيش واقعا هو بمثابة حرب مفتوحة على الشعب المشتبك مع الاحتلال على مدار الساعة، وما جرى ويجري في جنين ومدن أخرى مثال صارخ على أن كل مدن فلسطين وشعبها وقواها الحية في موقع الاستهداف كما القدس، ولهذا كانت ديمومة اشتباك الشعب الفلسطيني مع الاحتلال هي قدر وواجب، وهو والحال هذه لا ينتظر أوامر بالدفاع عن نفسه وأرضه من أحد. الذي ربما يحكم قراره شرط مصالحه، وهذا ما كشفته بالفعل اجتياحات تعدي قطعان المستوطنين في 29ايار/مايو و5 حزيران/ يونيو. التي ظهَّرت أن تلك الوعود والتعهدات  ارتباطا بما حدث ربما تندرج في سياق الترويج الإعلامي.

ولأن الكثيرين في القدس والضفة بشكل أساسي صدقوا تلك الوعود ولذلك ربطوا تلقائيا، أي استباحة لقطعان المستوطنين للقدس والأقصى برد فوري من حماس كونها هي السلطة في غزة. لكن سيل تلك الأقوال لم تترجم إلى فعل.

خلط مفاهيمي

ويبدو بؤس التبرير والخلط المفاهيمي، عندما يقال إن حماس لن تُجر إلى معركة يحدد مكانها وزمانها الكيان الصهيوني، في حين نقلت تقارير صحفية أن “شعبة الاستخبارات في الجيش الصهيوني لم تغير في الأسابيع الأخيرة تقديراتها، التي بموجبها حماس ليست معنية بصدام عسكري مباشر في غزة في الجولة الحالية”. وهو ما أكدته الوقائع اللاحقة،  ليكون السؤال لماذا هي غير معنية؟

يربط  بعض المراقبين  موقف حماس بحالة التأهّب الصهيوني التي أسّست لها ما سميت مناورة «عربات النار» منذ مطلع أيار/مايو الماضي، مما دفعها إلى خيار إعادة التموضع، وهو يناقض كل الترويج الذي سبق مسيرة الأعلام المعلومة مسبقا.

لماذا.. ؟!

لكن السؤال لماذا إطلاق كل تلك التعهدات وتضخيم القدرات بشكل غير موضوعي، بدلا من الغموض الفعال للقدرات، الذي يمكّن القوى في غزة من مكنة ترجمة أقوالها إلى أفعال، مع وعي أن هذه الأفعال لها تبعات مؤلمة ولكنها شرط لاستمرار الاشتباك في كل  فلسطين من أجل التحرير الذي هو عملية تراكمية معقدة وليس (فزعة)، بما يستوجب أن تتكيف الحياة في الضفة والقطاع مع شروطها.

هذه الشروط  يناقضها ليس الحديث عن إعادة الإعمار فقط، الذي هو محل  اشتباك بين السلطة في رام الله وسلطة حماس في غزة،  في حين أن العدو الصهيوني لن يتورع عن إعادة تدمير ما جرى تعميره في أي عدوان جديد، وإنما  بشكل صارخ فتح الكيان الصهيوني أبواب العمل لما يقارب الـ15 ألف عامل من غزة عبر رفد الاقتصاد الصهيوني باليد العاملة وبالطبع بموافقة سلطة حماس في غزة للتخفيف من وطأة واقع الحصار المفروض على القطاع الذي كان انقلابها عام 2007 ذريعته.

وأعتقد أن صدقية مواجهة الاحتلال ينتقص منها عدم وحدة فلسطينية تضع حدا لمفاعيل انقلاب حماس في غزة بكل نتائجه، لأنه من سوء التقدير أن يجري مواجهة الاحتلال على قاعدة التحرير في غياب تنظيم حركة فتح بكل ثقله الجماهيري والعسكري، بعيدا عن كارثة أوسلو وإفرازاتها، لأن مواجهة الاحتلال ليست وسيلة للمكاسب الحزبية، والبحث عن دور في أجندات القوى الإقليمية التي تبحث عن مصالحها في المقام الأول، ودرس جنين والقدس وغيرهما من المدن  هو الأعلى مصداقية، كونها تمارس الفعل وهو الذي يعلن عن نفسه، فديمومة الاشتباك مع الاحتلال ليست استعراضا إعلاميا وبلاغيا، وإنما هي فعل دائم حتى التحرير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى