إسرائيل للسلطة الفلسطينية: «نشكركم على تعاونكم في اعتقال مواطنيكم».. تفاصيل صادمة للتنسيق الأمني
«اعتقلنا آلاف الفلسطينيين بفضل التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية الذي لولاه لشهدنا زيادة كبيرة في العمليات المسلحة»، بهذه الكلمات الصادمة كشف جنرال إسرائيلي ضخامة التنسيق الأمني الإسرائيلي الفلسطيني.
وشهدت الضفة الغربية في الآونة الأخيرة زيادة في تنفيذ الهجمات المسلحة ضد جيش الاحتلال والمستوطنين، مقابل ارتفاع مستوى التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وفقاً لما أعلنه كبار الجنرالات الإسرائيليين، ما سرّع بكشف هوية منفذي الهجمات، عبر تبادل المعلومات الأمنية بين الجانبين.
وأثارت هذه التصريحات تساؤلات حول جدية تهديدات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقطع العلاقات مع إسرائيل، وهل يشمل ذلك التنسيق الأمني الإسرائيلي الفلسطيني؟
شهادة الجنرال الإسرائيلي الصادمة
شهدت الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري تصاعداً تدريجياً في تنفيذ الهجمات المسلحة التي تستهدف الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، كان آخرها تفجير عبوة ناسفة عن بعد قرب مدينة رام الله أسفرت عن مقتل مستوطنة، وقبلها اختطاف وقتل أحد الجنود الإسرائيليين، وفي وقت لاحق من العام تم تنفيذ عملية دهس ضد موقف للجيش الإسرائيلي، في حين وقعت عملية طعن بالسكين في ساحة الحرم القدسي ضد أحد الجنود.
فجأة، أعلن الجنرال الإسرائيلي عيران نيف، قائد فرقة الضفة الغربية في الجيش الإسرائيلي، أن «التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية وثيق، ويساعد في منع العمليات المسلحة ضد الإسرائيليين».
وقال: «بفضل هذا التنسيق تم إحباط أكثر من 200 عملية فقط خلال 2018، واعتقلنا 3 آلاف فلسطيني بتهمة المشاركة في الهجمات المسلحة، وضبطنا 100 كغم متفجرات في جنين، وخليتين لحماس من نابلس والخليل أقامتا مختبرين متفجرات، وخططتا لتنفيذ عمليات انتحارية».
وأضاف أنه «من المهم جداً الحفاظ على التنسيق الأمني، لأننا بدونه سنكون معرضين لزيادة كبيرة في العمليات المسلحة».
غير أن المثير للسخرية والاستغراب قول الجنرال الإسرائيلي: «لكني أمتنع عن توجيه إطراءات علنية نحو أجهزة السلطة الفلسطينية، لأنها ستعرض كبار قادتها كمتعاونين معنا».
وقد كشف الجيش الإسرائيلي معطيات إحصائية جديدة عن تطورات الوضع الأمني في الضفة الغربية، جاء فيها أنه اعتقل 3173 فلسطينياً متهمين بالانخراط في عمليات مسلحة ومظاهرات شعبية، ووضع يده على 406 قطع سلاح، وصادر قرابة نصف مليون دولار موجودة في منازل النشطاء الفلسطينيين، أما المعطيات عن الثلث الأول من 2019، حتى نهاية أبريل/نيسان فاعتقل فيها 1077 فلسطينياً، ووضع يده على 263 قطعة سلاح، وصادر 140 ألف دولار.
وبالفعل تراجعت العمليات خلال العام الماضي
نشر مركز المعلومات حول الاستخبارات الإسرائيلية دراسة مطولة جاء فيها أن العمليات الشعبية الفلسطينية كالطعن والدعس وإطلاق النار، وصلت مع نهاية 2018 إلى 55 عملية، لا تشمل إلقاء الحجارة على سيارات المستوطنين ودوريات الجيش، مقابل 82 هجمة عام 2017، فيما بلغ عدد القتلى الإسرائيليين من العمليات 12 قتيلاً، مقابل 18 آخرين في 2017، وبلغت ذروة العمليات عام 2015 ببلوغها 171 هجوماً.
حازم قاسم، المتحدث باسم حماس، قال إن «إعلان الاحتلال الإسرائيلي إحباطه لبعض عمليات المقاومة في الضفة الغربية، واعتقال بعض المقاومين، محاولة لترميم صورته التي هزها شباب الضفة الغربية بمقاومتهم المستمرة».
وأضاف أن «تباهي الاحتلال ومدح قيادته السياسية والأمنية لسياسة التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في رام الله، يؤكد حجم الجريمة التي تمثلها هذه السياسة، التي تجمع كل القوى الوطنية على رفضها، وهنا نحن نكرر مطالبة الكل الوطني بضرورة وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأن تقوم قيادة السلطة بتنفيذ قرارها بوقف التعامل بالاتفاقات مع الاحتلال، ووقف المماطلة والمراوغة بتنفيذ هذا القرار».
تل أبيب واثقة من استمرار التنسيق الأمني الإسرائيلي الفلسطيني رغم تهديدات عباس
تبدي إسرائيل ثقتها بأن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل استطاع أن يصمد رغم كل الأزمات السياسية التي عصفت بالجانبين، لأنه في الوقت الذي يعلن فيه أبومازن قطع العلاقات مع إسرائيل، فإن المعطيات الميدانية على الأرض تشير بالذات إلى أن التنسيق الأمني ما زال قائماً، رغم ارتفاع أصوات المسؤولين الفلسطينيين ضد إسرائيل.
وتفيد تقارير بأن عباس يعطي رسائل طمأنة للوفود الإسرائيلية التي يلتقيها، ويعبر لها عن احترامه للأمن الإسرائيلي، وأنه يتفق مع رئيس الشاباك على 99% من المسائل.
الوضع الميداني في الضفة الغربية، وتناوب السلطة الفلسطينية وإسرائيل على اعتقال المقاومين يعد مؤشراً متزايداً على أن منظومة العلاقات الحقيقية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ليس ما يتم الكشف عنه أمام العامة، بل هناك ما يحدث خلف الكواليس.
صحيح أن إسرائيل دأبت على مهاجمة رئيس السلطة محمود عباس، واتهامه بالرافض لمسيرة السلام والزعيم المعادي، ويجب عزله، لكنها في الوقت ذاته تفعل الكثير معها لمنع تدهور الوضع الأمني الذي قد يؤدي لإشعال الانتفاضة.
ولكن لماذا تزايدت العمليات في 2019؟
محمد حمادة، الخبير الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية، قال إن «تزايد العمليات الفدائية في الضفة الغربية في الفترة الأخيرة يرجع إلى زيادة حالة الحنق بسبب التعديات والغطرسة الصهيونية، خصوصاً فيما يتعلق بالانتهاكات بحق المسجد الأقصى، واستمرار الاستيطان، وتعديات المستوطنين، بجانب المحاولات الحثيثة من قبل التنظيمات الفلسطينية لإعادة الروح للعمل المقاوم في الضفة الغربية، لكن هذا التزايد في العمليات لا يعني أن قبضة التنسيق الأمني قد تراخت، بل أن هذا التنسيق في تزايد».
وأضاف أن «السلطة الفلسطينية تبذل جهوداً منقطعة النظير في ممارسة التنسيق الأمني للوصول لأي معلومات حول منفذي العمليات المسلحة، وتسهيل مهمات جيش الاحتلال، وجمع معلومات عن طريق المخبرين، لذلك فإن التنسيق الأمني في هذه المرحلة يمثل للسلطة عربون بقائها، ومن هنا لا يمكن أخذ تصريحات عباس بخصوص قطع العلاقات مع الاحتلال على محمل الجد، لأنه في اليوم التالي من هذا التهديد كانت اللجان الفنية والاقتصادية المشتركة الفلسطينية والإسرائيلية مجتمعة لمناقشة تنسيق أعمالها».
والسلطة تعترف ولكن ترى أن هناك مقابلاً يستحق هذا التعاون مع إسرائيل
«نعم التنسيق الأمني الإسرائيلي الفلسطيني مستمر»، هكذا قال مسؤول أمني فلسطيني، أخفى هويته.
واستدرك قائلاً إن «التنسيق الأمني مع إسرائيل لا يقتصر على منع تنفيذ العمليات المسلحة، لكنه يساعد على تقديم تسهيلات للفلسطينيين في الضفة الغربية للتنقل بين الحواجز الأمنية الإسرائيلية، ودخول إسرائيل سواء بغرض العمل أو العلاج أو الزيارات العائلية، والحصول على تصاريح السفر خارج الضفة الغربية، ما يعني أن هدف التنسيق الأمني يتمثل في الحفاظ على الأمن المشترك الفلسطيني – الإسرائيلي».
وتؤكد هذه المواقف الفلسطينية الإسرائيلية استمرار هذا التنسيق الأمني الذي تبرره السلطة بأنه لصالح الشعب الفلسطيني، ولكن تسليم المقاومين في وقت تتوحش فيه ممارسات إسرائيل يثير تساؤلاً: هل يأتي التنسيق الأمني الإسرائيلي – الفلسطيني بهدف خدمة القضية الفلسطينية أم من منطلق تنافس حزبي في ظل انتماء كثير من المقاومين لبيئة حماس؟