اتفاق وقف إطلاق النار.. والمفهوم الواسع للضمانات الأمنية
سليم الزريعي
من حق الناس في غزة ممن نجوا من الموت أن يفرحوا ويحتفلوا بأنهم بقوا على قيد الحياة، وأنهم نجوا من موت محقق من المحرقة التي استهدفت قطاع غزة، واستمرت خمسة عشر شهرا راح ضحيتها 6 في المائة من أهل غزة بين قتيل ومفقود ومصاب، مع تدمير بنية غزة حجرا وشجرا، لكن لا يجب ضمن معيار النزاهة الفكرية والسياسية والأخلاقية، توظيف هذا الاحتفاء والفرح بالنجاة الشخصية لأهل غزة، توظيفا سياسيا ـوحزبيا مصلحيا بحثا عن مكاسب صغيرة، تتناقض مع حجم النكبة بكل تداعياتها التي لحقت بالقطاع وأهله، وتجاهل سؤال ما الذي جرى ولماذا؟ وغياب فضيلة استخلاص العبر والدروس مما جرى.
ويصبح مفارقا عندما يصر البعض على اعتبار وقف الحرب مؤقتا بمثابة انتصار، في حين أن أهل غزة لهم رأي آخر، فيما هم يسمعون أن بنيامين نتنياهو قال: “حصلنا على ضمانات قاطعة، من بايدن وترامب، بأنه في حال فشل المفاوضات حول المرحلة الثانية، وحماس لم توافق على مطالبنا الأمنية، سنعود إلى القتال بقوة شديدة بدعم من الولايات المتحدة”، حسبما نقلت عنه وسائل إعلام إسرائيلية، لأن تفسير المطالب الأمنية مفهوم واسع، وأن من سيحدده هو الكيان الصهيوني، فقد يختلق الكيان أي ذريعة لاستئناف عملياته العسكرية، ضد أهل القطاع. سيما وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد تعهد للكيان بأنه سيوافق على استئناف الحرب على غزة في حال “خرق” حماس لاتفاق وقف إطلاق النار، أو تسلحت مجددا، أو استأنفت العمليات المسلحة في غزة”.
ولأن أهل غزة يعرفون أكثر من غيرهم ما تعرضوا له، وطبيعة الكيان، فهم لا يثقون في أن وقف إطلاق النار سيكون نهاية مآسيهم سيما بعد أن يطمئن الكيان على عودة المختطفين لدى حماس، فيما منح الاتفاق كما قال نتنياهو “ضمنا سيطرة إسرائيلية كاملة على محور فيلادلفيا والمنطقة العازلة اللذين يحيطان بكل قطاع غزة. إحاطة السوار بالمعصم، والمنطقة العازلة التي ستحيط بالقطاع بعرض كيلومتر، يمتد 400 متر إضافية في بعض الأماكن، في حين أن عرض القطاع هو بين 12 كيلومتر و6 كيلومترات في الوسط، وأن قوات الاحتلال وفق نتنياهو ستنتشر داخل القطاع وتغلقه من كافة الجهات ولن نسمح بتهريب الأسلحة إلى الداخل ولن نسمح بتهريب مختطفينا إلى الخارج”.
ومع هذا الواقع المجافي لا يوجد اتفاق فلسطيني حول أدارة القطاع، فمن جهة تحاول حماس التشبث بسلطتها في غزة، بصرف النظر عن تجربة حكمها التي ساهمت في جعل القطاع بمثابة سجن كبيرـ توج بحرب الإبادة التي شنها الكيان الصهيوني بعد عملية حماس في 7 أكتوبر على مستعمرات غلاف غزة، ولأنها تدرك صعوبة ذلك كونها في الأساس سلطة غير شرعية، فقد حاولت عن طريق التوافق مع فتح التي قد تشكل غطاء شرعيا لها أمام دول العالم، غير أن فتح التي هي السلطة الفلسطينية في رام الله، يبدو أنها ليست في وارد مد اليد لحماس، بل إنها تحاول أن تسدد حماس الآن فاتورة الانقلاب الدموي عليها في يونيو 2007 والسيطرة على غزة وطردها منه.
وأول المؤشرات على عزل حماس، هي تولي السلطة الفلسطينية عملية إدارة معبر رفح الذي يمثل رد اعتبار للسلطة من مصر والمجتمع الدولي على حساب حماس، التي كانت قد طردت فتح منه منذ سبعة عشر عاما، بعد أن غير الكيان الصهيوني موقفه “خلال المحادثات التي جرت في القاهرة، بأن “وافق على أن يرتدي موظفو السلطة الفلسطينية، الذين سوف يتمركزون على المعابر إلى قطاع غزة، الزي الرسمي” للسلطة الفلسطينية.
و”ستُوضَع لافتات تمثل السلطة الفلسطينية، لتسليط الضوء على المسؤولية التي سيقومون بها بشأن حركة المرور على المعابر، إلى جانب فريق المراقبين الأوروبيين الذين سيعودون إلى المعابر وفقًا لاتفاقية 2005 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وذلك يعني أن حركة “حماس”، والكيان الصهيوني لن يكون لهما أي تمثيل في إدارة المعبر من الجانب الفلسطيني، وتم الاتفاق على إدارته عبر ممثلين عن السلطة فلسطينية، بالإضافة للجنة تضم ممثلين للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، فيما سيكتفي الكيان بالمراقبة والتدقيق الإلكتروني لحركة الدخول والخروج من المعبر.
وربما جعل قيام السلطة بهذا الدور كونها تمثل الشرعية في نظر العالم، وأن دورها بات حاجة موضوعية في نظر الكثير من دول العالم على خلفية اعتبار أن حماس كيانا غير موثوق، تدير ظهرها لكل محاولات البحث عن حل وقواسم فلسطينية مشتركة لإدارة القطاع بعد رفضها لمسمى لجنة الإسناد المجتمعية غير الفصائلية، وكذلك تعثر تشكيل حكومة وحدة وطنية، دون أن يدرك الجميع أن المسألة ليست لعبة مصالح حزبية لهذا الطرف أو ذاك، وإنما هو مستقبل غزة وأهلها والمشروع الوطني الفلسطيني، وأن ما تعرضت له حماس لا يجب أن يكون فرصة لتصفية الحساب معها، ذلك لأنه لا يمكن إنكار وجودها الموضوعي في القطاع سيما بعد سبعة عشر عاما من الحكم، وهذا جعل حماس والعديد من القوى الفلسطينية التي تمثل المظهر العام في المشهد الفلسطيني، بالتشديد على «أهمية المحافظة على الوحدة الوطنية الفلسطينية وتشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني وفق اتفاق بكين الأخير»، مؤكدين أن «اليوم التالي لوقف العدوان هو شأن فلسطيني داخلي». جاء ذلك في بيان صدر عن لقائها مع حركة حماس في الدوحة وشارك فيه الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد النخالة، ونائب الأمين العام لـ«الجبهة الشعبة لتحرير فلسطين» جميل مزهر، ووفود قيادية من «الجبهة الديمقراطية» و«المبادرة الوطنية» و«الجبهة الشعبية – القيادة العامة» و«حزب الشعب الفلسطيني» و«هيئة شؤون الأسرى والمحررين».
لكن في الوقت الذي تطالب فيه جميع القوى الفلسطينية الفاعلة بحكومة وحدة وطنية، طالبت سلطة رام الله بـ “تولي دولة فلسطين مسؤولياتها الكاملة في القطاع باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة”.
وجاء في بيان لها، أن “دولة فلسطين هي صاحبة الولاية القانونية والسياسية على القطاع، كباقي الأرض الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس، ورفض اقتطاع أي جزء منه”.
وقالت إن الحكومة الفلسطينية “قد أتمت الاستعدادات كافة لتولي مسؤولياتها الكاملة في قطاع غزة، وأن طواقمها الإدارية والأمنية لديها كامل الاستعداد للقيام بواجباتها، للتخفيف من معاناة شعبنا، وعودة النازحين إلى منازلهم وأماكن سكناهم، وإعادة الخدمات الأساسية من مياه، وكهرباء، واستلام المعابر، وإعادة الإعمار”.
وموقف السلطة، يعني فتح الباب أمام بدائل أخرى قد تكون غير فلسطينية لن تكون في صالح أحد، في حين أنه ما من ضمانات في أن يكف العدو عدوانه على غزة، وفي ظل وجود إدارة أمريكية تتماهى في الفكر الصهيوني الإرهابي.. ومنح الكيان بشكل مسبق ضوء أخضر في حال لم توافق حماس على مطالب الكيان الأمنية.. وهي المطالب التي يحددها نزوع نتنياهو وفريقه الفاشي..
ليكون السؤال متى يتواضع البعض ويكف عن اعتبار ما جرى نصرا استراتيجيا؟ فيما ساهم طوفان حماس بأن قلب المنطقة بالمعنى الجيوسياسي، رأسا على عقب لصالح التحالف الصهيوني الأمريكي؟ ثم إذا لم يكفي ما تعرض له قطاع غزة من نكبة جديدة، لتكون مبررا للوحدة؟ فمتى ستكون؟!