استدرجه ضابط مخابرات وأعدموه ثم جمدوا جثمانه! قصة اغتيال إسرائيل لفتى فلسطيني عمره 14 عاماً
دقائق من الصدمة والذهول حاول خلالها الفلسطيني أسامة أبو سلطان، أن يقنع نفسه بأن الجثمان المسجَّى أمامه يعود لابنه أمجد ذي الـ14 ربيعاً، لكن إحساسه مرتبك.
أفاق أبو سلطان، من هول الصدمة، وانتبه ثم حدّث نفسه: “هذا له لِحية، أمجد طفل لم تنبت لحيته بعد، وهذا جسد شخص أربعيني، وأمجد طفل”.
كان ذلك يوم الجمعة الماضي، حين أعلن الجيش الإسرائيلي تسليم جثمان الطفل الشهيد أمجد أبو سلطان، فكانت المفاجأة أن الجثمان ليس لأمجد، فأعيد لسلطات الاحتلال، وأفرج عن جثمان أمجد مساء السبت.
استشهد أبو سلطان يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قرب الجدار الفاصل الإسرائيلي المقام على أراضي بلدة بيت جالا غربي مدينة بيت لحم (جنوب).
استدراج وإعدام أمجد أبو سلطان
لم يكن أمجد أبو سلطان مهتماً إلى حد كبير بالدراسة، فاتفق مع والده على أن يتوقف عند الصف التاسع، ومن ثم يتجه إلى التعليم الصناعي، بحسب والده. وانخرط الفتى كالكثير من أبناء جيله، في المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي، عبر المشاركة في المسيرات والمظاهرات.
تقول عائلة “أمجد” إن ضابط المخابرات الإسرائيلي (في جهاز الأمن العام المعروف باسم الشاباك)، المسؤول عن منطقة “بيت لحم”، ويُطلِق على نفسه اسماً مستعاراً هو “كابتن وسام أبو أيوب”، كان يتوعَّد الفتى الفلسطيني، ويستدرجه كي يقتله.
يدعم هذا الاتهام نشر الضابط على حسابه في “فيس بوك” عقب مقتله تغريدة قال فيها: “أمجد أبو سلطان كان يهدِّد وكان يطب (يهاجم) في أمن الدولة.. احفظوا أولادكم بعيدين عن الشر”.
نشر الضابط صورة يبدو أنها جزء من محادثة جرت بينه وبين الفتى الفلسطيني، أمجد أبو سلطان، تتضمن عبارات تشير إلى عزم “أبو سلطان” مواصلة “مقاومة الاحتلال”. ولاحقاً، في 31 أكتوبر/تشرين الأول، نشر الضابط المسؤول عن منطقة بيت لحم تغريدة، أعلن فيها انتقاله لعمل آخر.
رغم أن الحساب غير موثق، إلا أنه يبدو حقيقياً، حيث كان الضابط ينشر فيه صور معتقلين فلسطينيين خلال تواجدهم داخل مراكز التوقيف الإسرائيلية.
كما كان الضابط ينشر بشكل دوري، أسماء المعتقلين والمفرج عنهم، من منطقة “بيت لحم”. كما كان ينشر صوراً من داخل منازل اقتحمتها قوات الاحتلال، واعتقلت أفراداً منها.
تورط ضابط في المخابرات الإسرائيلية
يقول والد الفتى أمجد أبو سلطان لوكالة الأناضول: “إن المحادثة التي نشرها الضابط تؤكد أنه كان يستفزه وكأنه يستدرجه لقتله”. ويضيف: “الضابط هو الذي بدأ في مراسلة أمجد (عبر موقع فيس بوك)، وقال له اعتقلنا صاحبك، ويدعى أدهم”.
كما يتساءل الوالد: “كيف لضابط أن يراسل طفلاً في عمر 13 أو 14 سنة؟!”. وأشار إلى أن الضابط الإسرائيلي اعتقل لاحقاً جميع أصحاب أمجد، ثم تواصل معه، واستفزه بالإيحاء له بأنه “شخص غير مهم” لذلك نجا من الاعتقال، على عكس زملائه.
يُعلق والد أمجد على تصرف الضابط: “هذا استهداف.. فيه تحفيز وتلاعب بطفل عمره 14 سنة”. ويشدد على أن قوات الاحتلال كانت تستطيع اعتقال “أمجد” بسهولة، سواء من منزله، أو قرب الجدار العازل قبيل إطلاق النار عليه، لكنّ ضابط المخابرات كان يخطط لإعدامه “بدم بارد”.
يتابع أن ابنه الشهيد، قُتل في مكان مكشوف ومراقب بالكاميرات قرب الجدار العازل. ويضيف: “عندما همّ بإشعال زجاجة حارقة، أُطلقت النار عليه من الخلف، وكانوا يستطيعون اعتقاله بسهولة”.
يكمل: “لماذا لم يعتقلوه؟، (هذا) كمين نُصِب لطفل نازِل (تحرك) في الليل، ومشى نحو كيلومتر، عندما أشعل الزجاجة أطلقوا النار عليه، أربع مجموعات من الجيش كانت مختفية، وأُطلقت النار عليه من مسافة 4-5 أمتار”.
معلومات تؤكد ذلك
يقول إنه حصل على معلومات تفيد أن قوات الاحتلال كانت تراقب تحركات أمجد أبو سلطان، منذ مغادرته المنزل، وحتى وصوله للمكان الذي استشهد فيه. ويوضح الوالد أن شاباً آخر كان بصحبة “أمجد”، اعتُقل عندما حاول الاقتراب من الشهيد ومساعدته، وكان بالإمكان اعتقال الشهيد أيضاً.
تابع قائلاً: “انتظَروه، أطلقوا 4 رصاصات على طفل من مسافة قريبة.. كان (في السابق) يضرب الزجاجات (الحارقة) على الجدار (الأسمنتي) كرسالة احتجاج، لأن الزجاجات لم تكن تصل إلى أكثر من نصف الجدار”.
كما يقول إن “غرفة عمليات كاملة أدارت عملية الاغتيال.. مستحيل أن تصدق أن هذا يحدث مع طفل عمره 14 سنة”.
4 أيام حتى ذاب الجليد
رفض والد أمجد أبو سلطان، دفن جثمان ابنه فور تسلمه، وقبل تشريحه أرسله إلى معهد للتشريح بجامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس (شمال)، وانتظر ذوبان الجليد من مساء السبت حتى الخميس، حيث جرت عملية التشريح.
تجمّد إسرائيل جثامين الشهداء في ثلاجات تصل درجة حرارتها نحو 80 درجة مئوية تحت الصفر، وهو ما يجعل ذوبان الجليد يستغرق وقتاً طويلاً.
وصل جثمان أبو سلطان بعد ظهر الخميس إلى مستشفى بيت جالا الحكومي بمدينة نابلس، استعداداً لتشييعه الجمعة، وفق والده، الذي رجّح أن يصدر تقرير الطب الشرعي خلال أسبوع.
“قتل بدم بارد”
من جهته، قال عيسى عمرو، الناشط في توثيق انتهاكات الاحتلال ومؤسس “تجمع شباب ضد الاستيطان” (غير حكومي) إن ما جرى مع الطفل أمجد هو “قَتْل بدم بارد”.
أضاف في حديثه للأناضول أن “ضابطاً في المخابرات الإسرائيلية استدرج أمجد واستفزه خلال محادثات خاصة عبر موقع فيس بوك، وجهّز قوة عسكرية وقتله”.
تابع: “كل الدلائل تُشير إلى إطلاق الرصاص الحي على الشهيد من مسافة قريبة جداً، بغرض القتل، مع وجود إمكانية لاعتقاله”. وأشار عمرو إلى أن الضابط نشر على حسابه في موقع فيسبوك، المحادثة مع أبو سلطان.
أضاف أن “ما جرى مع الفتى أمجد حصل مع آخرين”. ويكمل: “جيش، يعتبر نفسه من أقوى جيوش العالم يستدرج أطفالاً ويستفزهم ثم يقتلهم، هذا يستوجب ملاحقة المجرمين على أفعالهم وفضح ممارساتهم”.
مع تسليم جثمان “أمجد”، تستمر سلطات الاحتلال في احتجاز جثامين 90 شهيداً، منذ العودة إلى سياسة الاحتجاز عام 2016، إضافة إلى 254 شهيداً تحتجزهم منذ سنوات في مقابر خاصة، بحسب الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء (غير حكومية).