استعادة الوحدة .. هي الرد على ما يدبر لـ”غزة”
استعادة الوحدة .. هي الرد على ما يدبر لـ”غزة”
سليم الزريعي
قي محاولة لتخفيف ضغط الحملة العسكرية البرية لجيش الاحتلال الصهيوني على غزة قال إسماعيل هنية، رئيس حركة حماس إن حركته قدمت تصورا شاملا، يبدأ بوقف العدوان وفتح المعابر وإجراء صفقة تبادل الأسرى وينتهي بفتح المسار السياسي لقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وحق تقرير المصير.
هذا الطرح يأتي بعكس ما رافق عملية طوفان الأقصى من متحدثي حماس ومن هنية تحديدا الذي أكد يوم الثلاثاء 10أكتوبر أن ملف” أسرى العدو لن يُفتح قبل نهاية المعركة وبثمن تقبله المقاومة”، لكن الأهم في ذلك التصريح لـ”هنية”، هو أن “معركة طوفان الأقصى دشنت مرحلة التحرير”، ومفهوم مرحلة التحرير متجاوز لأي تسوية سياسية، وهو يتناقض مع الحديث عن تسوية سياسية عبر فتح المسار السياسي.
والسؤال مسار سياسي مع منْ؟ وبين منْ ومنْ؟ وهل يعني ذلك أن سقف وعود وتطلعات التحرير الكامل فد تراجعت إلى سقف أوسلو؟ وما هو موقع حماس في هذا المسار السياسي في ظل أن الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني والدول الغربية يريدون من وراء الحملة السياسية على الأقل تصفية حماس سياسيا، وهذا يعني أنها لن تكون طرفا في المسار السياسي، فيما الهدف المعلن هو إنهاء الحركة عسكريا وكسلطة أيضا في غزة، بل والبحث في ترتيبات إدارة غزة حتى بعيدا عن الفلسطينيين، وهي توجهات ما تزال حتى الآن مجرد عصف فكري يجري بين عواصم أوروبية وأمريكا، وفي هذا السياق قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، إن الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها يناقشون احتمالات ما بعد الحرب في غزة، وفي الوقت نفسه أكد أن الولايات المتحدة لا تعتقد بأن حركة حماس الفلسطينية يمكنها المشاركة في حكم قطاع غزة في المستقبل، بعد نهاية الحرب مع إسرائيل.
ونعتقد أنه طالما أن المعركة لم تحسم حتى الآن، وربما تكون في صالح المقاومة، بمعنى حرمان الكيان من تحقيق أهدافه في القطاع، فإن التفكير في فرض إدارة تنصبها أمريكا والدول العربية بعد انتهاء العمليات العسكرية مبكرا جداـ مع إدراك أن هناك صعوبة في عودة الحال إلى ما كان علية الأمر من سيطرة حماس على القطاع، لأسباب موضوعية كون حماس انتقلت كجهاز سياسي وعسكري إلى العمل تحت الأرض وأن استهدافها من قبل الكيان الصهيوني كبنية سياسية وأمنية وعسكرية سيبقى قائما، مما يمنعها موضوعيا من إحكام سيطرتها على القطاع كالسابق، هذا من جانب ومن جانب آخر، حالة الاستعداء التي تستهدف حماس من قبل أمريكيا وأوروبا والكيان الصهيوني وبعض الدول العربية على ضوء المتغير الهائل الذي حصل بعد السابع من أكتوبر.
لكننا نعتقد أن هذا الموقف الأمريكي الأوروبي الصهيوني وربما العربي الذي يقول إنه لا مكان لحماس في إدارة غزة، يبقى مجرد رغبة غير ودية من قبل تلك الأطراف تجاه حماس، لكن الواقع قد يفرض شيئا آخر لأنه ما من ثابت في السياسية كونها في المحصلة هي” فن الممكن” كون حماس حالة شعبية غزية بامتياز، لكن مع ذلك من الصعب تصور عودة الحال إلى ما كان عليه قبل يوم السبت 7 أكتوبر الماضي ارتباطا بطبيعة القطاع الذي يحاصره الكيان برا وبحرا وجوا، وكل علاقاته الاقتصادية مع الخارج تمر عبر الكيان، وهو الذي يتحكم في تدفق السلع أو حتى منعها ،فيما فتح معبر رفح كمعبر تجاري كما يطالب هنية، فهي وصفة لجعل الانقسام نهائيا، وهو فيما نعتقد ما ترفضه مصر أولا ومنظمة التحرير مع هشاشة واقعها ثانيا، وهذا عائق موضوعي يمنع حماس من استمرار سيطرتها على غزة ،وتحول السجن المفتوح إلى زنزانة كبيرة من شأنها أن تفجر غضبا شعبيا مكبوتا طوال سنوات من حكم حماس.
ويمكن القول هنا إن إشكالية إدارة غزة كشفت بؤس حالة المشهد الفلسطيني وضرر الانقسام السياسي والجغرافي الذي تكرس طوال ستة عشر عاما بعد انقلاب حماس على السلطة عام 2007 ، حتى بات الحديث عن إدارة غزة بمفردها كإقليم مستقل بعيدا عن الضفة يمثل إشكالية سياسية وفكرية ،ولهذا ربما لا يجرؤ فلسطيني على القيام بهذه الخدمة في سياق مشروع صهيوني أمريكي يكرس الانقسام في الحالة الفلسطينية باستمرار تلك الحالة الشاذة التي مثلها وجود سلطة في غزة تقودها حماس ولها مشروعها السياسي والفكري، وأخرى في الضفة تديرها فتح ولها أيضا مشروعها السياسي والفكري وهما لا يلتقيان، لدلك يصبح ملحا الآن تجاوز هذه الحالة الشاذة ؛ أي حالة الانقسام باستعادة الوحدة لتعويم حماس في ظل شيطنتها من قبل أمريكا، التي سبق أن طلبت من قطر استضافة قيادة حماس في الدوحة هذا من جانب، فيما غضت الطرف عن التحويلات المالية القطرية التي تمر نقدا من الكيان الصهيوني إلى حماس في غزة عبر السفير القطري العمادي من جانب آخر. وهو أمر من المتوقع انتهاءه مع عملية طوفان الأقصى.
ولتجاوز حالة حماس كسلطة في غزة، وفي محاولة لتخطي هذا الوضع المعقد وتجاوز عقدة حماس اعتبر زعيم المعارضة في الكيان الصهيوني يائير لابيد، أن “الحل الأفضل لقطاع غزة ما بعد حركة حماس هو إعادة القطاع إلى سيطرة السلطة الفلسطينية”.
لكن الأمر لا يتعلق بما يريده الكيان وإنما بما يراه الفلسطينيون أصحاب القضية، وردا على هذه الاقتراحات، أكد رئيس وزراء السلطة الفلسطينية أنها لن تعود إلى حكم غزة دون اتفاق شامل يتضمن ضم الضفة الغربية في دولة فلسطينية موحدة غير ممكنة . وأضاف أن السلطة الفلسطينية لن تتعاون في هذا الشأن دون تنفيذ عملية سلام حقيقية تؤدي إلى إقامة دولتين ذوات سيادة.
بل إن أشتية قال إذا أدرنا القطاع ” دون إيجاد حل سياسي للضفة الغربية، فإننا سنبدو وكأننا ندخل القطاع على متن طائرة إف 16 أو دبابة إسرائيلية!». وهذ بالطيع لن يكون.
فيما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن واشنطن تدرس بدائل محتملة لمستقبل قطاع غزة إذا تم “عزل” حركة حماس، من بينها أن “تتولى سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة حكم غزة”.
وربما إن أسوأ ما في المشهد الراهن هو هذا التعامل مع غزة وأهلها وقواها بمعزل عن الحالة الفلسطينية العامة،في حين أن هناك حالة حرب تجري في الضفة، والمفارقة أن من يريد إعادة ترتيب وضع غزة بما يتلاءم مع الأجندة الصهيونية الأمريكية، هم أعداء الشعب الفلسطيني من أمريكيين وأوروبيين وصهاينة.
وأخيرا متى تدرك حركة فتح وحماس أن تلك الدول لا تضمر خيرا للشعب الفلسطيني وأن أهم خطوة لإفشال هذه النوايا العدوانية أو تقليل الخسائر الفلسطينية، هو استعادة الوحدة، كي تكون ردا ملموسا ضد ما يدبر إلى غزة، الذي جاءت أحد ترجماته قصف جباليا بقنابل زنة طن، تلك القنابل التي استهدفت أطفال غزة ونساءها ومستشفياتها وبنيتها التحتية التي وصفتها مؤسسات دولية بأنها جرائم حرب ، وكي تثبتوا فعلا وقولا أن شعب فلسطين في غزة وغيرها، هو وحده من يقرر مصيره وكيف يدير شؤونه، وأن ارفعوا أيديكم عن أهل غزة. يمكن القول إن الكرة الآن في مرماكم ، والوقت من دم، فهل أنتم فاعلون؟