استهداف الإرهاب الدولة السورية.. لعبة جيوسياسية تتعدى دمشق
سليم الزريعي
لا يسع المراقب إلا أن يقرأ هذا الهجوم الكاسح من منطقة خفض التصعيد التي تضمنها أنقرة وفق اتفاق تركي روسي، من قبل عشرات آلاف الإرهابيين المدججين بأحدث الأسلحة، والتقنيات الحديثة والطائرات المسيرة، والمنتمين إلى عشرات الدول، وهم يرتدون الملابس العسكرية المشابهة للملابس التركية والأمريكية والفرنسية، بعيدا عن اللاعبين الأساسيين ممن لا يريدون لسوريا أن تتعافي، استكمالا للمخطط القديم الجديد الذي روجت له وعملت على تنفيذه وزيرة خارجية أمريكا السابقة هيلاري كلينتون من خلال أدوات إرهابية، وبمشاركة دول إقليمة ومنها بشكل محدد تركيا.
ذلك أن 400 ألف إرهابي دخلوا إلى البلاد من 40 دولة، حسب قناة صدى البلد المصرية، لم يهبطوا من السماء في الأراضي السورية بعد عام 2011 ، وإنما جاءوا عبر المنافذ التركية المختلفة، وهم كذلك الآن بكل هذا التسليح الذي يضاهي تسليح دول.
غير أن المريب في الأمر هو أن هذا الهجوم قد جاء عقب العديد من العمليات العسكرية الصهيونية التي استهدفت سوريا، بعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني ولبنان. والتهديد باستهداف سوريا بزعم مرور السلاح إلى حزب الله اللبناني.
ويستطيع المراقب أن يلحظ ذلك التناغم المكشوف والمفضوح، بين الولايات المتحدة وتركيا والكيان الصهيوني، فيما يجري في المناطق السورية، وقد أكد أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة كولومبيا الأميركية البروفيسور “جيفري ساكس”، ٍ أن هجوم جبهة النصرة والفصائل الإرهابية التابعة إلى أنقرة ، وقسد الكردية، التي ترعى مشروعها في سوريا قوات الاحتلال الأمريكي، هي “عملية إسرائيلية وأمريكية وتركية”.
ذلك أن واشنطن جزء أساس من المشكلة؛ كونها تحتل أجزاء واسعة من شمال شرق سوريا حيث الثروة النفطية، وخزان زراعة القمح السوري، فيما هي مع أوروبا الإمبريالية تفرض حصارا اقتصاديا من أجل إسقاط الدولة السورية.
فيما تمثل أنقرة التي تحتل أجزاء من سوريا، القاعدة اللوجستية لعشرات آلاف الإرهابيين من العديد من دول العالم الذين عاثوا فسادا في سوريا، وما زاد التآمر التركي بعدا أكثر خطورة وعدوانية، أنه من خلال تركيا تقوم هيئة المخابرات الأوكرانية العامة بتنظيم نشاط الإرهابيين وتزويدهم بالسلاح”، وفق مطالعة المندوب الروسي في مجلس الأمن، الذي كشف عن وجود عسكريين ومستشارين أوكرانيين من المخابرات، جهزوا ودربوا قوات هيئة تحرير الشام الإرهابية.
ولاشك أنه حتى المواطن العادي وليس الخبير، يمكنه أن يخمن أن أنقرة أرادت أن ترد على رفض الرئيس الأسد المتكررة للقاء أردوغان، بأنها تملك ورقة الجماعات الإرهابية، وهذا يكشف سوء النية المبيت لدى الجانب التركي، الذي يرفض ربط اللقاء بين الأسد وأردوغان، بإعلان موقف تركي مبدئي تلتزم فيه أنقرة التزاما واضحا ضمن مواقيت متفق عليها بسحب قواتها من المناطق التي تحتلها في شمال سوريا.
وإذا كان لا يخفى على المتابع أن أنقرة تشكل غطاء وحاضنة للمنظمات الإرهابية ،بشكل عام، وأخرى تابعة لها، سبق أن وظفتها في خدمة سياساتها الإقليمية، فإنه بالتأكيد لا يخفى على سوريا وحتى روسيا وإيران، وهم يعرفون أن أردوغان يريد القول للرئيس الأسد إنك ستدفع ثمن رفضك الاستجابة للإرادة التركية.
وربما أكثر ما يؤكد حقيقة أن تركيا هي الفاعل الأساس فيما بتعلق بوجود ونشاط الجماعات الإرهابية، هو ما أكده مصدر رفيع المستوى لقناة للميادين، من أنّ إخراج ضباط الأكاديمية العسكرية الـ650 الذين كانوا محاصرين في حلب، لم يجري مع جبهة النصرة، وإنما “جرى بوساطة روسية” مع أنقرة، التي أمرت الجماعات الإرهابية بتمكين طلبة الأكاديمية من الانسحاب الآمن، وهذا يكشف طبيعة الدور التركي.
وقد حمل مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك تركيا مسؤولية العدوان الإرهابي، فقال: إن الهجوم الإرهابي على شمال سوريا لم يكن ممكنا تنفيذه دون ضوء أخضر وأمر عمليات تركي إسرائيلي مشترك.
وجاء خلال إحاطة الضحاك بمجلس الأمن الدولي: أن “الهجوم الإرهابي على حلب تزامن مع تدفق الإرهابيين عبر الحدود الشمالية وتكثيف الدعم الخارجي لهم بما فيه العتاد الحربي والأسلحة الثقيلة والعربات والطائرات المسيرة وتقنيات الاتصال الحديثة وتأمين خطوط الإمداد العسكري واللوجيستي”.
ولم يكن الكيان الصهيوني بعيدا عما جرى، كون التصعيد الإرهابي هو جزء من خطة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو طويلة الأمد المستمرة منذ 30 عاما، وهدفها الإطاحة بتلك الحكومات في الشرق الأوسط التي تدافع عن قضية فلسطين.
وقد قال بنيامين نتنياهو، بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله إنه تمكن من تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط ، وبالطبع لصالح الكيان، بل إن قادة الكيان ذهبوا بعيدا بان أعدوا ما سموها “خططا عملياتية جديدة “ستجعل لبنان ينتهي “بإجراء تغييرات في لبنان والمنطقة”
ولهدا السبب رأى المندوب السوري في مجلس الأمن الكيان الصهيوني مسؤول عن الهجوم الإرهابي على الشمال السوري إلى جانب تركيا ، فقال: لم يكن ممكنا تنفيذ الهجوم دون ضوء أخضر وأمر عمليات تركي إسرائيلي مشترك مهدت له اعتداءات إسرائيلية متكررة على الأراضي السورية”،
وفي مقاربته لما يجري في سوريا، أكد المفكر السياسي المصري مصطفى الفقي أن ما يحدث في سوريا، هو جزء من مخطط خطير جدا دخلت فيه تركيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل مع طرف غير مرئي، إلى جانب تجاوزات واضحة من قوى إقليمية على الأرض في سوريا خصوصا التنظيمات الإرهابية القديمة مثل “داعش” وغيره.
وهذه القوى وأدواتها تقف وراء محاولة تغيير الأوضاع في المنطقة لكي تصبح أكثر ملاءمة للمد الإسرائيلي وإهدار المكانة للشعوب العربية. وهي تريد استثمار ما جرى في غزة ولبنان، من أجل إعادة هندسة المنطقة جيوسياسيا وفق مصالحها، وهذا يستهدف إيجاد بديل سوري، أو حتى بدائل، من خلال تشظي سوريا، يتعامل أو تتعامل مع الكيان الصهيوني، ومحاصرة طهران، وإقامة حاجز أمام الوجود الروسي في ظل المتغيرات التي أحدثها تجمع بريكس وانضمام أكثر من بلد عربي له، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، التي تشير نتائجها مع وجود تكتل بريكس، أن العالم يتغير نحو تعدد المراكز القطبية، على قاعدة تختلف عما نتج بعد حقبة ما بعد الحرب الباردة، عبر ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
وأخيرا يمكن القول إنه ليس صعبا أن يكتشف المراقب أن استهداف سوريا، هو استهدف للوجود والنفوذ والمصالح الروسية والإيرانية في المنطقة، ليكون السؤال هل تترك طهران وموسكو للمثلث التركي الأمريكي الصهيوني فرصة الانفراد بدمشق؟ وهل هي مستعدة لدفع ذلك الثمن؟ أم أن لديها كلام آخر، له علاقة بمصالحها، وبصدقية تحالفاتها، وأنها على استعداد أن تدافع عنها أمام واشنطن، وتل الربيع، وأنقرة متعددة الوجوه، وبالتأكيد مواجهة الجماعات الإرهابية متعددة القوميات؟ تلك هي أسئلة الأيام المقبلة..المفتوحة، بانتظار من هو الأقدر على وضع النقاط على الحروف، الإرهابيين ومشغليهم؟ أم سوريا وتحالفاتها؟.