اعترفوا بالتجسس على زعماء عرب لصالح الإمارات.. قصة “الغراب الأسود” التي تورّط فيها عملاء أمريكيون
اعترف ثلاثة عملاء سابقين في وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA بالتجسس لصالح الإمارات، في إطار وحدة سرية اسمها “رافين” أو “الغراب الأسود”، قامت باختراق حسابات وهواتف نشطاء في مجال حقوق الإنسان وصحفيين وحكومات منافسة.
هذا الإقرار من جانب العملاء الثلاثة، مارك باير ورايان آدامز ودانييل جيريك، الذين أقدموا عليه الثلاثاء 14 سبتمبر/أيلول لتجنب المحاكمة الجنائية، يعيد إلى سطح الأحداث قصة “الغراب الأسود”، التي كانت وكالة رويترز أول من نشر تحقيقاً استقصائياً تفصيلياً حول أنشطتها المشبوهة قبل نحو عامين.
تفاصيل اعترافات العملاء الأمريكيين
اعترف باير وآدامز وجيريك بأنهم عملوا بالتجسس الإلكتروني لدى الإمارات وقاموا بانتهاك القوانين الأمريكية الخاصة بمكافحة القرصنة الإلكترونية وحظر بيع تكنولوجيا عسكرية حساسة، وذلك في إطار اتفاق لتجنب المحاكمة دفعوا بموجبه غرامات قدرها 1.7 مليون دولار. وكان الثلاثة أعضاء في (مشروع رافين) الذي ساعد الإمارات في التجسس على أعدائها.
وأفادت الوثائق القضائية الصادرة عن محكمة اتحادية أمريكية في واشنطن العاصمة الثلاثاء، بأن الثلاثة أقروا باختراق شبكات كمبيوتر في الولايات المتحدة وتصدير أدوات اختراق إلكتروني متطورة دون الحصول على الإذن المطلوب من الحكومة الأمريكية.
كما أفادت تلك الوثائق القضائية بأن باير وآدامز وجيريك اعترفوا باستخدام سلاح إلكتروني متطور، يطلق عليه “كارما”، سمح للإمارات باختراق هواتف آيفون دون الحاجة إلى نقر ضحية الهجوم على روابط لبرمجيات خبيثة.
وسمح كارما للمستخدمين باختراق عشرات الملايين من الأجهزة وهو مؤهل للاستخدام كنظام لجمع المعلومات الاستخبارية، بموجب قواعد الرقابة الاتحادية على الصادرات. لكن السلطات قالت إن العملاء لم يحصلوا على إذن الحكومة الأمريكية المطلوب لبيع تلك الأداة للإمارات.
وذكرت رويترز أن مشروع رافين استخدم كارما لاختراق أجهزة آلاف الأهداف، ومن بينها الناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان، الحاصلة على جائزة نوبل، وكذلك مقدم برامج على تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي).
ولم يرد العملاء أو محاموهم على طلبات بالتعقيب من جانب رويترز، كما لم ترد سفارة الإمارات في واشنطن العاصمة على طلب التعليق.
وفي إطار الاتفاق مع السلطات الاتحادية لتجنب المحاكمة، وافق مسؤولو المخابرات الثلاثة السابقون على دفع مبلغ إجمالي قدره 1.69 مليون دولار وعدم السعي مرة أخرى للحصول على ترخيص أمني أمريكي، وهو لازم للوظائف التي تتيح الاطلاع على أسرار تتعلق بالأمن القومي.
وقال مارك جيه. ليسكو القائم بأعمال مساعد المدعي العام الأمريكي لإدارة الأمن القومي بوزارة العدل في بيان “القراصنة المأجورون وأولئك الذين يدعمون تلك الأنشطة التي تنتهك القانون الأمريكي يجب أن يتوقعوا محاكمة على سلوكهم الإجرامي”.
وقال بريان فورندران، مساعد مدير قسم الإنترنت بمكتب التحقيقات الاتحادي في بيان “هذه رسالة واضحة للجميع، بمن فيهم موظفو الحكومة الأمريكية السابقون، الذين فكروا في استخدام الفضاء الشبكي للاستفادة من معلومات تخضع للرقابة على الصادرات لصالح حكومة أجنبية أو شركة تجارية أجنبية… هناك خطر، وستكون هناك عواقب”.
“الغراب الأسود” وسنوات من التجسس لصالح الإمارات
وكانت لوري ستراود، وهي محللة سابقة في وكالة الأمن القومي الأمريكية عملت ضمن مشروع “الغراب الأسود” في أبوظبي، لكنها استقالت قبل سنوات وعادت إلى الولايات المتحدة، حيث أبلغت سلطات التحقيق الأمريكية بما شهدته من “مخالفات” أثارت شكوكها، ومن ثم صارت من المبلغين عن تلك المخالفات.
وبعد الإعلان عن اعتراف العملاء الثلاثة بجرائمهم التجسسية، قالت ستراود لرويترز إنها سعيدة بتوجيه تلك الاتهامات، وأضافت: “كان أهم حافز لتسليط الضوء على هذه القضية هو الصحافة الاستقصائية.. فقد أوجدت المعلومات التقنية التي نشرت في الوقت المناسب الوعي والزخم لضمان العدالة”.
وكان التحقيق الاستقصائي الموسّع لوكالة “رويترز” مطلع عام 2019 قد كشف عن تورُّط الإمارات في تجنيد عملاء سابقين بوكالة الأمن القومي الأمريكي والاستخبارات الأمريكية، لأغراض التجسّس على “أعدائها”، وقرصنة هواتفهم وحواسبهم، ومن بينهم زعماء عرب.
وبحسب “رويترز”، فإن المشروع الإماراتي السري أُطلق عليه اسم “رافين”، أو “الغراب الأسود”، وهو فريق سري يضم أكثر من 12 عميلاً من الاستخبارات الأمريكية، من أجل العمل على مراقبة الحكومات الأخرى، والمسلّحين، ونشطاء حقوق الإنسان الذين ينتقدون النظام.
وكانت ستراود واحدة من أولئك الذين انضمّوا إلى المشروع، حيث قدمت استقالتها من وكالة الأمن القومي الأمريكي، وعملت مع فريقها من داخل أحد القصور في أبوظبي، لمساعدة الإمارات على اختراق الهواتف وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بالأعداء.
وتم تجنيد ستراود من قِبل أحد متعهّدي الأمن السيبراني في ولاية ماريلاند، من أجل مساعدة الإمارات على إطلاق عمليات القرصنة، وهو المشروع الذي استمر حتى 2016.
وأضاف تحقيق رويترز أن الإماراتيين نقلوا مشروع “رافين” إلى شركة أمن إلكتروني في بلادهم تُدعى “دارك ماتر”، حيث اضطرّت “سترويد”، ومعها عدد من الأمريكيين، إلى إنهاء مهمتهم بعد أن طُلب منهم مراقبة مواطنين أمريكيين.
وكان فيصل البناي المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “دارك ماتر” قد أقر في عام 2018 في مقابلة مع أسوشيتد برس الأمريكية بوجود “علاقات عمل قوية بين شركته والحكومة الإماراتية، إضافة إلى توظيف الشركة محللين سابقين في الاستخبارات الأمريكية ووكالة الأمن القومي”، لكنه نفى “اشتراك شركته في أي عمليات اختراق أو قرصنة”، بحسب تقرير لشبكة ABC News الأمريكية حول قصة “الغراب الأسود” واعتراف العملاء الثلاثة.
وقالت ستراود وقتها: “أعمل لوكالة استخبارات أجنبية تستهدف أشخاصاً أمريكيين. لقد شعرت لحظتها بأني سأكون جاسوسة من النوع السيئ”. وبيّنت وكالة “رويترز” أن قصة “الغراب الأسود” تكشف كيف استخدمت الإمارات قراصنة من الولايات المتحدة كانوا يعملون في السابق على استخدام أدوات التجسّس الحديثة، من أجل خدمة مشروعها الاستخباراتي الذي يستهدف نشطاء في حقوق الإنسان، وصحفيين ومنافسين سياسيين.
كيف تم تجنيد العملاء الأمريكيين؟
اعتراف العملاء الثلاثة بالذهاب للعمل مرتزقة تسلل إلكتروني لدى الإمارات ربما يكون قمة جبل الجليد في قصة “الغراب الأسود”، فهم يواجهون اتهامات اتحادية بالتواطؤ لانتهاك قوانين التسلل الإلكتروني، كما أنهم متهمون بخرق قيود الصادرات العسكرية.
وقالت الوثيقة “استخدم المُدعى عليهم وسائل غير مشروعة واحتيالية وإجرامية، منها استخدام أنظمة التسلل الإلكتروني السرية المتقدمة والتي تم الحصول عليها من الولايات المتحدة وأماكن أخرى، للتسلل غير المصرح به إلى أجهزة كمبيوتر محمية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى والحصول على المعلومات دون سند من القانون”.
لكن رويترز كانت قد أجرت مقابلات مع 9 من عملاء “الغراب الأسود”، كما اطّلعت على الآلاف من الصفحات والوثائق ورسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمشروع، مشيرة إلى أن تقنيات المراقبة التي تستعملها وكالة الأمن القومي الأمريكي كانت أساسية في رصد تحرّكات المعارضين، حيث أكّد العملاء الأمريكيون أنهم لم يستهدفوا مواطنين إماراتيين.
ويشير كل ذلك بالطبع إلى أن التحقيق من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية لا يزال مستمراً، وبالتالي قد تظهر للعلن تفاصيل أخرى ومتهمون آخرون، وهو ما يسبب إحراجاً كبيراً لواشنطن وأبوظبي، وهما حليفتان.
أما عن كيفية نجاح الإمارات في تجنيد عملاء أمريكيين كانوا يعملون لدى وكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات الأمريكية، فقد ألقى تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية الضوء على بعض الأساليب التي استخدمتها أبوظبي، من خلال وكلاء لها على الأراضي الأمريكية لتجنيدهم.
وكانت التوليفة أو الدوافع التي استخدمتها الإمارات لتوظيف محللين سابقين تابعين لوكالة الأمن القومي الأمريكي في شبكة التجسس الخاصة بها تتكون من مبالغ مالية ضخمة وعمل مع حكومة حليفة لمحاربة “الإرهاب”، بحسب تقرير الصحيفة.
ومع تولي إدارة الرئيس جو بايدن المسؤولية خلفاً لإدارة دونالد ترامب- الذي كانت تربطه علاقات قوية مع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات- أرسل شيتال باتيل مساعد مدير المخابرات المركزية الأمريكية رسالة تحذير إلى جميع العاملين في الوكالة، بعد ملاحظة “الارتفاع الكبير في عدد العملاء السابقين الذين تورطوا في الكشف عن معلومات حساسة تخص أنشطة الوكالة ومسؤوليها وطريقة العمل بها”.