اغتيال إسرائيل لمقاومين من فتح يشعل الغضب بالضفة، فهل تؤدي الجريمة لتجديد شرعية السلطة أم إحراجها؟
جاء اغتيال إسرائيل لثلاثة مقاومين فلسطينيين من كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة فتح ممؤخراً، ليشعل حالة من الغضب بالضفة الغربية ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكن رغم ذلك، فإن الرئيس الفلسطيني استفاد من هذا الغضب لتمرير عدد من القرارات غير الشعبية.
وقعت الجريمة على يد الجيش الإسرائيلي في نابلس، يوم الثلاثاء الماضي 8 فبراير/شباط 2022، في وقت كانت فتح الفصيل الحاكم بفلسطين، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يواجهان انتقاداتٍ حادة وواسعة النطاق بسبب “اختطاف” المؤسسات الكبرى واستبعاد جماعاتٍ أخرى من عملية صنع القرار.
كما جاء الحادث، الذي وقع في أكبر مدينة فلسطينية في الضفة الغربية، وسط انتقاداتٍ متزايدة من قِبَلِ العديد من الفلسطينيين للتنسيق الأمني بين قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي.
وتزامَنَ ذلك مع اتهامات بأن فتح تخلت عن “الكفاح المسلَّح” وأن زعماءها “يتعاونون” علانيةً مع إسرائيل.
وفتحت حادثة الاغتيال التي نفذها الجيش الإسرائيلي ضد مقاومين فلسطينيين بمدينة نابلس باب التساؤلات والشكوك حول كيفية تنفيذ العملية من جهة، ومدى تورط الأجهزة الأمنية الفلسطينية من جهة أخرى.
كانت إسرائيل نفذت ظهر الثلاثاء 8 فبراير/شباط 2022 عملية اغتيال لمجموعة من المقاومين الفلسطينيين في مدينة نابلس، استشهد على إثرها 3 من قادة كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، في عملية أمنية مشتركة أشرف عليها كل من جهاز الشاباك وقوات خاصة من الجيش وعناصر من وحدة اليمام التابعة لشرطة حرس الحدود.
وزعم الجيش الإسرائيلي أن الثلاثة متورِّطون في سلسلةٍ من هجمات إطلاق النار على جنود ومدنيين إسرائيليين في الأسابيع الأخيرة.
ومع ذلك فإن الحادث يخدم من نواحٍ كثيرة مصالح فتح وعباس، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
جريمة اغتيال إسرائيل لثلاثة مقاومين فلسطينيين تساعد عباس على تمرير قرار مثير للجدل
تصرف عملية الاغتيال الانتباه عن الجدل الدائر حول اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله في وقت سابق من هذا الأسبوع.
قاطعت عدة فصائل وشخصياتٌ فلسطينية الاجتماع، مُعتَبِرةً أنه ينعقد دون “اتفاقٍ وطني” أو إستراتيجيةٍ واضحة في ما يتعلَّق بمستقبل العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.
وقال فلسطينيون آخرون إن الهدف الرئيسي للاجتماع هو تعيين عددٍ من الموالين لعباس في مناصب عليا في منظمة التحرير الفلسطينية وهيئتها التشريعية، المجلس الوطني الفلسطيني.
وقد صادَقَ المجلس المركزي الفلسطيني على مرشحي عباس، ليلة الإثنين 7 فبراير/شباط، مِمَّا زاد من غضب منتقديه وخصومه السياسيين.
ولكن بمجرد انتشار الأنباء عن عملية الجيش الإسرائيلي في نابلس، تبدَّدَ الجدل حول جلسة المجلس المركزي الفلسطيني وقراراتها وحلَّت محلَّه بيانات إدانة من قِبَلِ كافة الفصائل الفلسطينية. ويتحدَّث الفلسطينيون الآن عن مقتل الرجال الثلاثة بدلاً من التحدُّث عن المجلس المركزي الفلسطيني.
محاولة إعادة بناء صورة فتح المقاومِة
رغم تباهي عباس بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، ورفضه التام لأي عمليات مقاومة، فإن النشطاء الثلاثة ينتمون إلى كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، مما يسمح للحركة بالتباهي بأن أعضاءه يدشنون أيضاً عملاً عسكرياً ضد إسرائيل، وليس فقط حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
سارعت كتائب شهداء الأقصى بنشر بيانٍ أقروا فيه بأن المسلَّحين الثلاثة “شهداء”. ويهدف البيان إلى توجيه رسالة إلى الجمهور الفلسطيني مفادها أن فتح لا تزال ملتزمةً بـ”الكفاح المسلَّح” ضد إسرائيل على الرغم من حديث قادتها عن الحاجة إلى “مقاومة شعبية” سلمية.
هذه طريقة فتح في تسجيل النقاط مع الجمهور الفلسطيني المحبط، حسب الصحيفة الإسرائيلية.
المقاومون الثلاثة كانوا مطاردين من السلطة
وأشار فلسطينيون إلى أن أحد المسلَّحين، وهو أدهم مبروكة، سبق أن انتقد السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية واتهمها بالتجسُّس عليه. ونَشَرَ مبروكة على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاتٍ امتَدَحَ فيها حماس في غزة، وانتقَدَ فيها السلطة الفلسطينية لقتلها الناشط المناهِض للفساد نزار بنات في الخليل في يونيو/حزيران الماضي.
لكن ليس من غير المعتاد أن ينتقد مسلَّحو فتح في الضفة الغربية علناً السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية. وكان بعض المسلَّحين قد اشتبكوا مع ضباط أمن السلطة الفلسطينية، وخاصةً في مخيَّمات اللاجئين في جنين ونابلس.
وكشفت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” أن الشهداء الثلاثة وهم أدهم مبروكة، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط، كانوا ملاحقين من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية قبل أسابيع من وقوع حادثة الاغتيال.
وأوضحت المصادر أن مبروكة اعتُقل عدة أشهر في سجن أريحا التابع لجهاز المخابرات العامة في العام 2018، ووجهت إليه تهم تتعلق بتأجيج السلم الأهلي بسبب مشاركته في مظاهرات ضد سياسات السلطة الفلسطينية، وتعبيره المستمر عن رفضه للتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.
ماهر الأخرس، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أكد لـ”عربي بوست” أن “أحد الشهداء أبلغه قبل أيام من حادثة الاغتيال بأن السلطة الفلسطينية تقدمت بعرض لأفراد الخلية بتسليم أسلحتهم للأجهزة الأمنية، وإجراء تسوية بينهم وبين دولة الاحتلال، على إثرها يتعهد هؤلاء بعدم القيام بأي نشاطات عسكرية تستهدف الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين، مقابل صدور عفو عن التهم الموجهة إليهم”.
وأضاف: “إلا أنهم رفضوا المساومة والقبول بهذا العرض من السلطة الفلسطينية”.
السلطة تطالب بتشكيل لجنة تحقيق
أتاحت جريمة اغتيال إسرائيل للمقاومين الثلاثة، الفرصة للسلطة الفلسطينية لكي تظهر بمظهر المنتقد لإسرائيل، وأن تحاول الضغط عليها دولياً رغم عدم جدوى لذلك.
وفي هذا الإطار، دعت حكومة السلطة الفلسطينية إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية في “الجريمة المُروِّعة” وحثت الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى على إدانة إسرائيل.
واتَّهَمَت وزارة الخارجية الفلسطينية إسرائيل بارتكاب “جريمة وحشية”، وحمَّلَت الحكومة الإسرائيلية “المسؤولية الكاملة والمباشرة”. ودعت الأمم المتحدة إلى توفير الحماية للفلسطينيين والإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل لوقف “جرائمها”.
من ناحية أخرى، تُعَدُّ حادثة نابلس علامة على التحديات الضخمة التي تواجه السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية، إذ ينظر الكثير من الفلسطينيين إلى وجود جماعاتٍ مسلَّحة مختلفة في شوارع المدن الفلسطينية الكبرى على أنه مؤشرٌ على فشل السلطة الفلسطينية في فرض القانون والنظام وكبح جماح الميليشيات، التي ينتمي معظمها إلى حركة فتح والفصائل المتناحرة.