اقتصاد تونس في انتظار حكومة “إنقاذ عاجلة”

يزداد الاحتقان الاجتماعي في تونس يوما بعد يوم، ما يشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد التونسي المتأزم، خصوصا مع ارتفاع سقف المطالب الاجتماعية بسبب تضخم الأسعار.

ورغم استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية دون خروجها من منطقة الخطر فلا تزال نسبة البطالة في مستوى 15,1%، والتضخم 6,3%، ونسبة النمو بحدود 1,4%، بينما يبلغ العجز في الموازنة 3,5% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويزيد من الضغوط على الاقتصاد استمرار الأزمة السياسية في تونس، وسط تعثر تشكيل الحكومة وبرلمان منقسم، بخلاف اقتراب تسديد ديون خارجية للبلاد.

وغالبا ما ارتبط يناير/كانون الثاني من كل عام بتزايد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية مع اقتراب ذكرى وفاة محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد احتجاجا على وضعه.

وشكلت الحادثة انطلاقة لانتفاضة شعبية أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي.

ومطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري اندلعت احتجاجات في مدينة “جلمة”، انتهت إلى مواجهات بين سكان المنطقة وقوات الأمن، بعد أن انتحر الشاب عبدالوهاب الحبلاني (25 عاما) حرقا، احتجاجا على وضعه الاجتماعي في هذه المدينة المهمشة.

وبانتهاء الأسبوع الماضي، انقضت الآجال الدستورية الأولى (30 يوما) أمام رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لإعلان حكومته، في وقت يبدو فيه عجزه البائن عن خلق التوليفة السياسية القادرة للتصويت على عناصر حكومته في البرلمان، منذ تكليفه رسميا منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

بموازاة ذلك، انطلق البرلمان في جلسات عمله الأولى التي تخللتها مشادات وتجاذبات بلغت حد تعطيل العمل بسبب تبادل الشتائم بين نواب بخلفيات سياسية متضادة، ووصل الأمر إلى اعتصامات من قبل نواب داخل البرلمان، مع انطلاق مناقشة قانون الموازنة 2020 الأسبوع الماضي.

-“تأخر”

يقول المحلل المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان “إذا تأخرنا بهذا الشكل في تشكيل الحكومة في حين يشهد مجلس النواب أجواء مشحونة مع غياب التوافق، فإن هذا سيترك تأثيره حتما، لأنه لن يترك المجال أمام البلاد للدخول في إصلاحات الإنقاذ”.

كما يصف الوضع الاقتصادي بأنه “في حالة نزيف”، لأن “كل المؤشرات دون استثناء تتدهور”.

لم تستطع تونس منذ ثورة 2011 تجاوز الضغوط الاقتصادية، وركزت الطبقة السياسية اهتماماتها أكثر على تأمين الانتقال الديمقراطي السياسي، بينما تأجلت الإصلاحات الاجتماعية مع تفاقم المطالب المعيشية، بالإضافة إلى توجيه القروض الخارجية إلى الاستهلاك وسداد رواتب القطاع الحكومي بدلا من تخصيصها للاستثمار.

يرى سعيدان أن الحكومة مطالبة بالشروع مباشرة في إصلاحات، و”يجب أن تكون هناك حكومة قوية ومدعومة من البرلمان للقيام بإصلاحات هيكلية موجعة لوقف النزيف، وهذا ضروري ومطلوب في أقرب وقت ممكن”، خصوصا فيما يتعلق بالتحكم في نفقات الدولة والتقليص من الاستيراد.

ويشكل الدين الخارجي أهم الملفات التي شغلت الحكومات السابقة، بينها حكومة يوسف الشاهد التي استمرت أطول فترة مقارنة بسابقاتها ولم تستطع تحقيق الانتقال الاقتصادي الضروري في البلاد.

وتستقر نسبة الديون عند مستوى 74%، وبلغت 7% في عام 2018 من حجم الناتج الإجمالي، وفقا لصندوق النقد الدولي الذي منح عام 2016 قرضا لتونس صرف منها 1,6 مليار دولار على 4 سنوات، مقابل القيام بإصلاحات اقتصادية واسعة، على أن يتم سداده ابتداء من 2020.

تتوجه تونس مجددا إلى السوق الخارجية العام المقبل للحصول على قروض جديدة حسب مشروع الموازنة، لكن المهمة لن تكون سهلة في نظر سعيدان، الذي يتساءل “كيف ستتمكن من الحصول على هذه القروض؟”، عازيا السبب إلى “المناخ السياسي الذي لا يخدم صورة البلاد في الخارج”.

وتواجه سياسية تونس من حيث الاستدانة من الخارج انتقادا ورفضا شديدين من منظمات، خصوصا النقابة العمالية المركزية التي تدعو الحكومة إلى عدم الانسياق لإملاءات صندوق النقد الدولي.

وخلص سعيدان إلى التنبيه من الوصول إلى مرحلة عجز الدولة عن سداد مستحقاتها “لأنه إذا لم نستطع تسديد ديوننا فسندخل في دوّامة جدولة الديون وعندها سيكون الوضع أخطر بكثير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى