الأزمة في الصين والقلق يسود العالم.. قصة النقص الحاد في الكهرباء الذي يهدد الجميع
وتتمثل أزمة الطاقة التي لم تواجه الصين مثيلاً لها منذ عام 2008 في النقص الحاد في الكهرباء، نتيجة لعدد متنوع من الأسباب، ما جعل خبراء الاقتصاد حول العالم يدقون جرس الإنذار بصورة لافتة.
وتناول تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية تلك القصة في تقرير بعنوان “أزمة الطاقة في الصين يمتد تأثيرها إلى العالم”، رصد الأسباب والنتائج والداعي لذلك القلق حول العالم.
ما أسباب أزمة الطاقة في الصين؟
تعود أزمة نقص الطاقة في الدولة التي تمثل مصنع العالم، إلى مجموعة من العوامل، إذ ارتفعت أسعار الفحم بسبب نقص إمدادات الفحم المحلية، الذي فاقمه تراجع الواردات من أستراليا ومنغوليا، ودفع ذلك محطات الكهرباء إلى خفض الإنتاج لتجنب الخسائر بسبب القيود الرسمية على أسعار بيعها.
وكانت الصين تعتمد بشكل أساسي على أستراليا في وارداتها من الفحم والحديد، وكلاهما مادة خام رئيسية لعمل المصانع في البلاد، لكن العلاقات بين كانبيرا وبكين توترت بشكل لافت، على خلفية اتهام أستراليا للصين بعدم الشفافية فيما يتعلق بأصل فيروس كورونا، ما أدى إلى قيام الأخيرة بتقليص وارداتها من الأولى كعقاب.
أما العامل الثاني فيتمثل في سعى بكين إلى تحقيق أهداف كفاءة استخدام الطاقة، وهذا يؤدي إلى تخفيضات رسمية في الطاقة في بعض الصناعات، على خلفية تفاقم أزمة التغير المناخي، التي تحولت إلى تهديد حقيقي للحياة على الكوكب، واستدعت تخفيض الانبعاثات الكربونية بصورة حادة.
وفي الوقت نفسه، ارتفع الطلب على الكهرباء منذ إغلاق الصين الناجم عن الجائحة، نهاية أبريل/نيسان عام 2020، حيث زادت المصانع من إنتاجها لتلبية طلب المستهلكين المتزايد في الغرب.
كيف تنعكس أزمة الصين على العالم؟
هذه الأزمة واسعة النطاق، التي تواجه الصين، تمثل عاملاً سلبياً بالنسبة لتعافي ثاني أكبر اقتصادات العالم، وتعطل سلاسل التوريد العالمية وتفاقم الضغوط على اقتصادات العالم.
وتُظهر هذه الأزمة في الطاقة، التي لم تحدث بهذا الحجم منذ أكثر من عشر سنوات، كيف أن أولويات سياسة بكين المتغيرة، التي تشمل جهودها للحد من انبعاثات الكربون، قد يمتد تأثيرها على الاقتصاد العالمي الذي أعادت الجائحة تشكيله.
ويقول مايك بيكهام، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Simple Modern، التي تصنع منتجات مثل زجاجات المياه المزودة بطبقة عازلة وحقائب الظهر، للصحيفة الأمريكية: “سيكون لها آثار تعاقبية، وحين بدأنا نفهم تداعيات ما يحدث أدركنا أن هذا على الأرجح أكبر من أي شيء رأيناه في مسيرتنا المهنية”.
والأسبوع الماضي، أبلغت الحكومة المحلية إحدى شركات التوريد الرئيسية لبيكهام، ومقرها في مدينة كيتشاو بشرق الصين، أنه لا يمكنها العمل إلا أربعة أيام في الأسبوع، وليس ستة أيام كما جرت العادة. وفضلاً عن ذلك يتعين عليها الالتزام بسقف استخدام الطاقة، وهذا يخفض قدرة المصنع بحوالي الثلث.
وتُفاقم أزمة الطاقة في الصين من ضغوط الطاقة العالمية التي تهدد بتعطيل التعافي بعد الجائحة، إذ أدى ارتفاع الطلب وتقلبات الطقس وضعف الإنتاج إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي. وقد أثر هذا الارتفاع على إنتاج المصانع الأوروبية وفواتير الطاقة المنزلية، وأثار أيضاً قلق أوروبا والولايات المتحدة إزاء إن كانت هذه الإمدادات المتناقصة كافية لتزويد اقتصادات العالم بالطاقة خلال فصل الشتاء.
وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار الغاز بشكل جنوني في أوروبا، في ظل خشية الخبراء الاقتصاديين من أن تشهد القارة نقصاً في تأمين هذه المادة التي تعد أساسية للتدفئة خلال فصل الشتاء، وسجلت أسعار الغاز مستويات تاريخية، إذ ارتفعت بنسبة 250% خلال عام تقريباً.
فقد وصل سعر الغاز الأوروبي إلى حدود المئة يورو لكل ميغاواط ساعة الجمعة، 1 أكتوبر/تشرين الأول، رغم أن أسعاره كانت أقل من 20 يورو عام 2019 قبل أزمة فيروس كورونا وجمود الاقتصاد العالمي.
وفي فرنسا، أُعلن الأربعاء عن رفع أسعار الغاز بنسبة 12.6% ابتداء من الأول من أكتوبر/تشرين الأول، رغم رفع أسعاره بشكل ملحوظ في يوليو/تموز وأغسطس/آب وسبتمبر/أيلول. ووفقاً للإحصاءات، أصبحت الصين في شهر سبتمبر/أيلول المستورد الأول للغاز المسال في العالم، بعد أن تخطت اليابان.
وتدخلت الحكومة البريطانية مؤخراً بإعانات لإعادة فتح مصنع أسمدة أُغلق بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، ويوفر حصة كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في البلاد، وهو منتج ثانوي يُستخدم في معالجة الأغذية. وقالت الحكومة الفرنسية هذا الأسبوع إنها ستمنع أي زيادة في فواتير الغاز والكهرباء المنزلية حتى الربيع.
سلاسل التوريد تواجه مشكلة
وقد تؤدي أزمة الطاقة في الصين أيضاً إلى زيادة الضغط على سلاسل التوريد العالمية، برفع أسعار المواد الخام والمكونات الأساسية، إذ كتب تينغ لو، كبير الاقتصاديين الصينيين في شركة نومورا القابضة، في مذكرة للعملاء قبل أيام: “الأسواق العالمية ستشهد نقصاً في إمدادات المنسوجات والألعاب وقطع غيار الآلات”.
وأضاف تينج لو أن الصدمة الناتجة في الإمدادات ستؤدي على الأرجح إلى زيادة التضخم العالمي، لا سيما في الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة.
وامتدت قيود الطاقة إلى أجزاء من قواعد التصنيع في الصين، مثل تلك التي تنتج السلع المرتبطة بأشباه الموصلات. وقد أثر النقص العالمي في أشباه الموصلات هذا العام بالفعل على شركات صناعة السيارات وغيرها من الصناعات.
يقول ستيف كوك، المدير الإداري لشركة Cre8tive Brand Ideas Ltd، وهي شركة توزيع بضائع ترويجية مثل الحقائب والملابس والأقلام وملحقات الكمبيوتر في سوليهل بإنجلترا، إنه يعتمد على شركات توريد مصدر 80% من منتجاتها من الصين. وقد أدى ارتفاع تكاليف الشحن وأزمات سلاسل التوريد إلى ارتفاع تكلفة منتجاته وتأخر تسليمها لعملائه.
وقال إنه يتوقع أن تزداد هذه الضغوط لأن أزمة الطاقة تضغط على الإنتاج، مضيفاً: “نعتمد كثيراً على الصين، وهذا لا يصدق”.
ومن جانبه قال ديفيد فيشمان، المدير المقيم في شينزين في شركة استشارات الطاقة Lantau Group، لوول ستريت جورنال: “هذه لحظة صادمة للنظام لكل من صانعي السياسات والشركات”.
وأضاف أن زيادة إمدادات الغاز والفحم حلول قصيرة الأجل، ولكن من الضروري أن تفكر بكين في تنويع مصادر الطاقة على المدى الطويل.
يقول توماس برورتيس، المدير في شركة Foshan Oufeng Furniture Co في غوانغدونغ: “هذه هي المرة الأولى خلال الـ15 عاماً التي قضيتها في الصين التي يستمر فيها انقطاع التيار الكهربائي كل هذا الوقت”.
ومنذ حوالي أسبوعين، بدأت الحكومة المحلية إرسال رسائل يومية إلى مديري المصانع لإبلاغهم إن كان يُسمح لهم بالعمل في ذلك اليوم.
وكانت آخر مرة واجهت فيها الصين أزمة في الكهرباء في أوائل القرن الحالي، وكان جزء كبير منها راجعاً إلى التصنيع السريع. وقد تراجع الطلب على الكهرباء تراجعاً حاداً بعد الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008.
وهذا النقص في الطاقة، فضلاً عن أزمات الشحن المستمرة والقيود الصارمة على السفر إلى الصين، دفع بيكهام، المدير التنفيذي لشركة Simple Modern، لدراسة إعادة جزء من الإنتاج إلى الولايات المتحدة، حيث تزداد بيئة الأعمال في الصين تقلباً كل يوم. وقال: “الحزب في الصين يعطي الأولوية دائماً لأهدافه، وسيصعب على الغرباء فهم دوافعهم”.