الإجهاض وانقسام الشارع الأمريكي.. كيف ورط ترامب جو بايدن؟
فقرار المحكمة العليا في أمريكا والذي أبطل الجمعة، حكمًا تاريخيًا صدر في عام 1973 اعترف بحق المرأة الدستوري في الإجهاض وقننه على مستوى البلاد، يتوج 50 عامًا من الجهود التي قادها اليمين الديني الذي تعهد بمواصلة التعبئة لحظره في أكبر عدد ممكن من الولايات، بل في البلاد بأكملها.
وما إن صدر القرار حتى انقسم الأمريكيون حوله بين مؤيد ورافض له، واحتشد الآلاف السبت أمام مبنى المحكمة العليا في واشنطن لليوم الثاني تواليًا، فيما نشرت السلطات الأمنية حواجز في محيط المقر الذي وضع تحت حماية الشرطة.
وقالت طالبة العلوم السياسية ميا ستاغنر البالغة 19 عاما “ما حصل أمس لا يمكن وصفه وهو مثير للاشمئزاز (..) لا يجوز إجبار أي امرأة على أن تصبح أما”، فيما هتف إلى جانبها مدافعون عن الإجهاض الاختياري، مرددين شعارات: “فصل الدين عن الدولة”، و”جسدي خياري”.
وقالت سافانا كريفن الناشطة في جمعية “لايف أكشن غروب” المناهضة للإجهاض الاختياري “أؤمن بقدسية الحياة البشرية وكرامتها”، مضيفة “الحياة تبدأ في الرحم، الحياة تبدأ مع الحمل”.
وإلى لوس أنجلس، حيث تظاهر مئات المدافعين عن الإجهاض الاختياري، وسط توقعات بأن تشهد مدن أخرى تحركات احتجاجية، على القرار الذي وصف بـ”التاريخي”.
وفي ولاية ميسوري التي حظرت الإجهاض فور صدور القرار بدون استثناء، حالات الحمل الناتجة من الاغتصاب أو سفاح القربى، تجمع متظاهرون في سانت لويس خارج آخر عيادة للإجهاض في الولاية.
ومن بين تظاهرات الجمعة، شهدت اثنتان أعمال عنف؛ ففي سيدار رابيدز بولاية أيوا صدمت شاحنة صغيرة مجموعة من المتظاهرين ما أدى إلى إصابة امرأة، وفق وسائل إعلام محلية.
وفي ولاية أريزونا، أقرت الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين “ضربوا مرارًا نوافذ مجلس الشيوخ المحلي”، وفي لوس أنجلوس، فرّق عناصر الشرطة تظاهرة بالقوة مستعملين الهراوات.
من جانبه، قال معهد غوتماشر الذي يقوم بحملات دولية من أجل توفير وسائل منع الحمل والإجهاض، إن القرار يستهدف الفقراء والأقليات، متوقعًا أن تحظر نصف الولايات الأمريكية عمليات الإجهاض في المستقبل المنظور.
آثار فورية
وفور صدور القرار، أغلقت عيادات الإجهاض في ميسوري وساوث داكوتا وجورجيا أبوابها واحدة تلو الأخرى، إلا أن الولايات التي يحكمها الديموقراطيون مثل كاليفورنيا ونيويورك تحدته، معلنة مواصلة إجراء العمليات على أراضيها.
وبعد ساعات على صدور القرار الجمعة، حظرت ثماني ولايات على الأقل كل عمليات الإجهاض، فيما تعتزم سبع ولايات أخرى حظرها في الأسابيع المقبلة.
وفي غضون ذلك توقفت العيادات فيها عن إجراء عمليات الإجهاض، كما هو الحال في تكساس أكبر الولايات الأمريكية؛ حيث بات يتعين على النساء الراغبات في الإجهاض قطع مئات الأميال للوصول إلى أقرب عيادة في ولاية نيو مكسيكو.
وفي قسم من البلاد، ستُجبر النساء الراغبات في الإجهاض على مواصلة حملهن أو الإقدام على الإجهاض سرًا لا سيما عن طريق الحصول على حبوب الإجهاض عبر الإنترنت، أو السفر إلى ولايات أخرى تسمح به.
وتوقعا لتدفق عدد كبير من الراغبات في الإجهاض، اتخذت تلك الولايات وغالبيتها ديموقراطية تدابير لتسهيل الإجهاض على أراضيها وبدأت العيادات في تعزيز مواردها من الموظفين والمعدات.
لكن المدافعين عن حق الإجهاض يقولون إن السفر مكلف وسيؤثر قرار المحكمة العليا خصوصا على النساء الفقيرات والعازبات وأعدادهن كبيرة في صفوف الأقليات السوداء وذات الأصول اللاتينية.
ماذا قال جو بايدن؟
معارضة القرار لم تكن على المستوى الشعبي فحسب، بل إن الرئيس جو بايدن ندد فورا به، معتبرًا أنه “خطأ مأساوي”، مؤكدًا أنه يعلم “كم هو مؤلم ومدمّر هذا القرار لكثير من الأمريكيين”.
واعتبر الرئيس الأمريكي القرار بمثابة “اللحظة المخيفة”، داعيًا الأمريكيين إلى الدفاع عن الحق في الإجهاض، خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويخشى المدافعون عن الإجهاض أن تلغي المحكمة العليا حقوقًا أخرى مثل زواج المثليين أو وسائل منع الحمل، بعد أن صار غالبية أعضائها محافظين.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير على متن الطائرة الرئاسية السبت إن هذا الاحتمال “يقلقنا” و”سيكون وضعا مروعا”، معتبرة أن البلاد تشهد “لحظة مخيفة”.
ما دور ترامب؟
للرئيس السابق دونالد ترامب دور كبيرا في القرار، فقد عين خلال ولايته ثلاثة قضاة محافظين في المحكمة العليا، ما جعل نظراءهم الليبراليين أقلية داخلها، وهو ما جعل بايدن في ورطة، أمام قرار مصيري للمحكمة أدى إلى هذا الانقسام الحاد في المجتمع والولايات الأمريكية.
هل الجميع يعارض؟
تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الأمريكيين يؤيدون الحق في الإجهاض؛ لكن إلغاء الحكم التاريخي الذي يضفي شرعية على الإجهاض ظل هدفا للمعارضين والمحافظين المسيحيين على مدى عقود، مع تنظيم مسيرات سنوية في واشنطن بما في ذلك في يناير/ كانون الثاني هذا العام.
وأمام المحكمة العليا في أمريكا، جرى تقسيم الشارع المكتظ بالناس إلى نصفين؛ ففي أحدهما سادت أجواء احتفالية، وعزف معارضو حق الإجهاض الموسيقى وأطلقوا فقاعات الهواء في الجو ورقصوا، ورددوا الهتاف “وداعا رو” في إشارة للقانون. على الجانب الآخر، هتف دعاة حقوق الإجهاض “لا عدالة، لا سلام”.
وقال ماركو سانتشيث (23 عاما) من بورتلاند في أوريجون وهو عضو في جماعة (طلاب من أجل الحياة) المناهضة للإجهاض منذ السنة الأولى في المدرسة الثانوية “جئت إلى هنا لمقاومة العار في بلدنا الذي سمح بقتل أرواح بريئة قبل الولادة”.
إلا أن أشد المدافعين عن القرار، كانت “الأكاديمية الباباوية” من أجل الحياة والتي أشادت بقرار المحكمة العليا في الولايات المتحدة بشأن الإجهاض وقالت إنه “يتحدى العالم أجمع” فيما يخص قضايا الحياة.
وقالت الأكاديمية في الفاتيكان في بيان إن الدفاع عن الحياة البشرية لا يمكن أن يتم حصره في حقوق فردية لأن الحياة أمر “له أهمية اجتماعية واسعة”.