الإسلاموفوبيا في بريطانيا.. اعتراف رسمي بما يتعرض له المسلمون، فلماذا لا يتوقف التمييز ضدهم؟
والإسلاموفوبيا مصطلح إنجليزي يتكون من كلمتين “الإسلام” و”فوبيا” التي تعني “رهاب” أو “خوف”، والمصطلح يعني “رُهاب الإسلام” أو “الخوف المرَضي من الإسلام”، وهو يوحي بالتحامل على الإسلام وكراهيته وكراهية المسلمين والخوف منهم، واتخاذ كون المرء مسلماً أو مسلمة سبباً كافياً للاعتداء عليه.
ويرجع ظهور المصطلح للمرة الأولى إلى عام 1997 عندما استخدمته جهة بحثية يسارية بريطانية تسمى “رينميد ترست”، لإدانة تنامي مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين، في دراسة بحثيةٍ هدفها تسليط الضوء على الظاهرة، بعنوان “الإسلاموفوبيا: تحدٍّ لنا جميعاً”.
وتفاقمت الإسلاموفوبيا في الغرب وحول العالم بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية، وشهدت بريطانيا ارتفاعاً في مشاعر الإسلاموفوبيا بمعدل مزعج، وصلت إلى حد إطلاق واحدة من أبرز الساسة المسلمين في بريطانيا ورئيسة سابقة للحزب المحافظ وهي “سيدة وارسي” صرخة تحذير.
ففي عام 2011 دقت وارسي ناقوس الخطر حين قالت إن العنصرية ضد المسلمين أصبحت عادية لدرجة أنها صارت “مقبولة اجتماعياً”، لكن لسوء حظها هي والمجتمع المسلم في بريطانيا، تدهور الوضع من سيئ لأسوأ، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ففي عام 2020، أرسل المجلس الإسلامي البريطاني ملفاً يضم 300 ادعاء عن ممارسات الإسلاموفوبيا ضد رئيس الوزراء بوريس جونسون وأعضاء الحزب المحافظ إلى لجنة المساواة وحقوق الإنسان الحكومية. وكانت هذه هي المحاولة الثانية من المجلس الإسلامي البريطاني لمناشدة اللجنة المعنية بمراقبة المساواة بشن تحقيق بشأن الحزب الحاكم وهذه الادعاءات، لكنها كانت أيضاً بلا جدوى.
ما الفرق بين الإسلاموفوبيا والعنصرية؟
وعلى الرغم من أن العقدين الماضيين قد شهدا تركيزاً لافتاً على التحذير من الإسلاموفوبيا، فإنها لا تحظى بنفس القدر من الاعتراف الذي تحظى به المصطلحات ذات الصلة، مثل العنصرية، ربما لأنه لم يُعترَف بها حقاً إلا في الخطاب السياسي.
لكن على أرض الواقع، وعلى الرغم من العديد من الجهود البارزة – بما في ذلك المبذولة من المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب بشأن المسلمين البريطانيين في عام 2018 – لا يوجد حتى الآن تعريف مقبول عالمياً للإسلاموفوبيا.
كما أن التشريعات المناهضة للعنصرية في بريطانيا غير كافية للتعامل مع استهداف المسلمين من الجماعات اليمينية المتطرفة التي تستخدم أشكال أكثر دهاء من التحيز والتمييز، إضافة إلى انتشار الخطاب المعادي للمسلمين في وسائل الإعلام البريطانية والغربية عموماً وربط المسلمين بالإرهاب وتوظيف ذلك سياسياً.
فعلى سبيل المثال، كتب صحفيون بارزون في وسائل إعلام رئيسية مقالات وصفوا فيها الإسلاموفوبيا بأنها محض خيال، وجادلوا أنَّ الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين لا تُذكَر، أو تساؤل تريفور كافاناغ: “ماذا سنفعل حيال مشكلة المسلمين بعد ذلك؟”.
وعلى الرغم من أن ذلك التحريض العلني على عموم المسلمين في بريطانيا واجه رفضاً من جانب البعض وانتقادات من الجهات المهنية مثل اتحاد الصحفيين المستقلين وبعض المشرعين في البرلمان، إلا أن التداعيات التي واجهها أصحاب تلك المقالات كانت ضئيلة أو منعدمة، وهو ما لم يكن ليحدث لو كان المستهدفون فئة أخرى غير المسلمين.
وقبل أن يصبح بوريس جونسون رئيساً للوزراء في بريطانيا، كانت له تصريحات قارن فيها النساء اللواتي يرتدين النقاب بـ”صناديق البريد” و”لصوص البنوك”، وعلى الرغم من ارتفاع حوادث الإسلاموفوبيا بنسبة 375% في الأسبوع الذي أعقب تعليقاته، خلُص تحقيق داخلي أجراه المحافظون إلى أنها تصريحات “محترمة ومتسامحة”.
وليس السياسيون اليمينيون وحدهم من يحرضون على الإسلاموفوبيا؛ ففي حين كانت هناك تغطية واسعة النطاق لحوادث الإسلاموفوبيا في حزب المحافظين، حظى حزب العمال أيضاً، الذي يعتبر أكبر حزب سياسي مناهض للعنصرية في البلاد، بتغطية سلبية.
ففي أواخر العام الماضي، أصدرت شبكة مسلمي العمل تقريراً يدين ممارسات الإسلاموفوبيا للحزب، وكشفت أن أكثر من واحد من كل أربعة أعضاء مسلمين من حزب العمال عانى من التمييز داخل صفوف الحزب، وأن نصف الأعضاء المسلمين لا يثقون بأن قيادة الحزب الجديدة ستتعامل مع هذه المشكلة.
الإعلام ودوره في ترسيخ الإسلاموفوبيا
يضاف إلى ذلك أنَّ وسائل الإعلام لها يد في هذه المشكلة، ربما بسبب تركيزها على الإسلام في السياقات الأجنبية، وأظهرت الدراسات أنَّ الاطلاع على الصور السلبية للمسلمين في وسائل الإعلام يزيد من احتمالية دعم السكان لسياسات الحكومة التي تضر بالمسلمين وتؤدي إلى تآكل حقوقهم.
وقد يعتقد البعض أن قضايا مثل العنصرية والإسلاموفوبيا والغيرية ما هي إلا مجرد مفاهيم مُجرَّدة مقتصرة على مجال الخطاب الأكاديمي، لكن الواقع غير ذلك تماماً، إذ هناك عواقب سلبية وخيمة يواجهها ضحايا الإسلاموفوبيا والعنصرية في جميع جوانب الحياة.
إذ أظهرت الدراسات أنَّ الطلاب المسلمين أقل فرصة في الحصول على أماكن في جامعات Russell Group، التي يُنظَر إليها على أنها مؤسسات النخبة في البلاد، حتى لو حصلوا على درجات مساوية لأقرانهم البيض. وفي الوقت نفسه، يتعرض المسلمون باستمرار “لأكبر العقبات الاقتصادية مقارنة بأية مجموعة” أخرى في المجتمع البريطاني؛ إذ تبلغ معدلات البطالة في المجتمع ضعف معدلاتها لدى عامة السكان.
دعوات سياسية لمواجهة الإسلاموفوبيا.. ولكن!
وعلى مدار سنوات، وجه العديد من صناع السياسة في بريطانيا بمن فيهم رئيسا الوزراء السابقان توني بلير وديفيد كاميرون دعوات للمجتمع الإسلامي لبذل جهود أكبر للتوافق مع القيم “البريطانية”. ومعظم هذه الدعوات المُطالِبَة بمزيد من الاندماج هي مجرد “انصهار تحت ستار التعددية الثقافية”، مثلما كتب الباحث ليون موسافي.
وهذه الدعوات تقتضي تخلي المجموعة المُهمَّشة عن هويتها الخاصة وتبني هوية المجموعة المُهيِّمنة، دون اضطرار هذه المجموعة الأخيرة إلى تقديم أية تنازلات ملموسة في المقابل. إلى جانب ذلك، فإنَّ تبني ما يُسمَى القيم البريطانية لم يحمِ المسلمين البارزين مثل البارونة سيدة وارسي، ووزير العدل الاسكتلندي حمزة يوسف، وعمدة لندن صادق خان، والصحفي آش ساركار، من التعرض للانتهاكات المعادية للإسلام.
ومن الواضح هنا أن هذه المقاربة التي تفرض على المسلمين التخلي عن هويتهم بشكل كامل هي بالتحديد ما يريده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضاً، إذ أقرَّ “المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ” (CFCM)، الأسبوع الماضي، ما يُعرف بـ”ميثاق الأئمة”، الذي يضع إطاراً لممثلي الاتحادات الإسلامية الفرنسية لتحويل الإسلام في فرنسا إلى “إسلام فرنسي“، بناءً على طلب من ماكرون.
وفي المقابل، قد يكون الترحيب بالجماعات الخارجية بداية جيدة، لكن يظل ذلك غير كافٍ. إنَّ قضايا التهميش تدور حول أكثر من مجرد مجموعة من الأشخاص المتحيزين ذوي الآراء المتخلفة؛ بل إنها عميقة ومنهجية. وفي الواقع، السبيل الوحيد لحل قضايا بهذا الحجم هو الإصلاح الشامل؛ من خلال الاعتراف أولاً وقبل كل شيء بأنَّ الإسلاموفوبيا هي مصدر قلق حقيقي.
إنَّ تبني التعريف العملي للإسلاموفوبيا؛ وهو: “الإسلاموفوبيا هي جزء أصيل من العنصرية، ونوع منها يستهدف التعبيرات عن الإسلام أو الإسلام المُتصوَّر”، والذي صاغته المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب بشأن المسلمين البريطانيين، سيقطع شوطاً طويلاً في الاعتراف بظاهرة التمييز بين المُشرِّعين، وكذلك التصدي لها بقوة. وقوبلت المحاولة السابقة لحمل الحكومة على قبول هذا التعريف العملي بمقاومة شرسة. لذا، سيتطلب دفعها لقبول التعريف شجاعة وإرادة سياسية هائلتين.
وما سيساعد في إظهار أنَّ الإسلاموفوبيا لن يُسمَح بها بعد الآن هو أخذ لجنة المساواة وحقوق الإنسان في الاعتبار مخاوف المجتمع المسلم، وشن تحقيق في حزب المحافظين بنفس الطريقة التي حققت بها في مزاعم معاداة السامية في حزب العمال. يجب أن يحدث هذا عاجلاً وليس آجلاً. لقد عانى المسلمون البريطانيون بالفعل طويلاً.