الإمارات والمغرب..عندما يكون التطبيع عدوانا موصوفا

سليم يونس

عندما ينخرط متطوعون إماراتيون في صفوف نجمة داوود الحمراء التابعة للاحتلال، لتقديم ما سموها خدمات العلاج الطبيعي للجنود الصهاينة العائدين من خدمة التجنيد- أي من التنكيل بالفلسطينيين-، وعندما يخضع عشرات المرشدين السياحيين في مدينة أكادير، جنوب المغرب، لدورة تدريبية مكثفة في اللغة العبرية، وتاريخ يهود المنطقة استعدادا لاستقبال المملكة آلاف السياح الصهاينة، فنحن أمام خلل في المسلمات الثقافية البديهية في الوطن العربي من بعض سكان نظامين عائليين ينتميان للأسف إلى الوطن العربي.

هذا السلوك من الإمارات والمغرب لا يمكن فصله عما يمارسه كيان الاحتلال بمستجلبيه من الجنود وقطعان المستوطنين، من قمع وعدوان مستمر على كل مظاهر الحياة في فلسطين المحتلة حيث يعيش الشعب الفلسطيني، ربما يقول البعض إن هذه الدول حرة التصرف في سياستها الخارجية ومن حقها أن تتخذ القرار الذي يلبي مصالحها، هذه المقاربة من ناحية الشكل تبقى مقبولة شرط وهي ترعى مصالحها أن لا تمس مصالح الشعب الفلسطيني من قريب أو بعيد، في ما يتعلق بأرضه وحقوقه التاريخية في وطنه فلسطين، كما يراها هو؛ والقانون الدولي وفي الحد الأدنى قرارات الشرعية الدولية كالقرار 181 والقرار 194 ، لا  كما تراها سلطة الأمر الواقع الاحتلال الصهيوني، لأن أي سلوك أو تصرف يعترف للعدو بما هو ليس له، إنما يمثل انتقالا موضوعيا لتلك الدول إلى خندق الأعداء المباشرين لفلسطين وشعبها هذا أولا،  وثانيا على كل من يُقدم على مثل هذا الفعل المعادي أيا كان، أن يكف عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية كونه قد انتقل موضوعيا إلى المعسكر المعادي بالنسبة للشعب الفلسطيني.

ومن المهم هنا ونحن نضع النقاط على الحروف، فيما نعيش حالة تهافت وسُعار غير مسبوق لكي الوعي من أجل إعلاء المقولة الصهيونية على حساب الثابت الفلسطيني  والعربي في فلسطين كأرض عربية فلسطينية من النهر إلى البحر كانت وما تزال، أننا ونحن نقيم أي موقف عربي رسمي أو شعبي تجاه القضية الفلسطينية فإن هذا التقييم ينطلق من ثابت بقاء وديمومة هذا الموقف طالما أنه بُني على قواعد ثابتة من القانون والحق والعدل، وليست متقبلة .

نقول ذلك بسبب حالة الانكشاف العربي المهين كما نعتقد لبعض النظام العربي وقطيعه المصلحي من القوى السياسية والقطيع الشعبي، هذا إذا ما قارنا موقف تلك القوى الرسمية وجزءا من الحالة الشعبية بموقف بعض أهل بلاد الكفر في أوروبا والولايات المتحدة الذين انتصروا لقيم الحق والعدل والقانون في فلسطين، كونها تتجاوز الأديان والإثنيات والغنى والفقر والقوة والضعف. فجوهر  موقفها هو الانحياز لكل ما هو إنساني وقانوني وحق وعدل، وهو ما لا تعرفه – في النتيجة- تلك الدول العربية اسما التي بتطبيعها واعترافها بالكيان الصهيوني المحتل سواء في مناطق الـ1948 أو الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة، فإن هذا الاعتراف والعمل مع الكيان الغاصب، وفق مفهوم المخالفة يمنح حقوقا للكيان الغاصب وينفيها عن أصحاب البلاد الأصليين.

ويبدو أن غياب النزاهة والتزوير الفاضح باتت تلازم المسؤولين في أنظمة التطبيع العربية، فمن التعدي على حقائق التاريخ وتزوير الواقع في مناهج الإمارات المدرسية إلى العدوان المباشر على الحقوق الفلسطينية الثابتة في وطنه من قبل مسؤولين مغاربة وهم يباهون ويحتفون بوجود مليون صهيوني يهودي مغربي في فلسطين المحتلة، يحتفظون بجنسيتهم المغربية ويتمتعون بكل حقوق المواطنة في المغرب الذي يعتبرهم وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة في حوار مع قناة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) “جالية يهودية مغربية”، وهم من ثم في نظر الوزير ليسوا محتلين للأرض الفلسطينية، ليقول “إن قرار التطبيع مبني على قناعة نظرا لروابط المغرب بجاليته اليهودية” وأشار بوريطة إلى أن “العلاقة عريقة جدا، والصلة بين المغرب والجالية اليهودية عميقة الجذور” ويبلغ التماهي المغربي حد قول الوزير بوريطة ” وأتساءل ما إذا كان بإمكاننا التحدث عن المغرب والجالية إن مليون إسرائيلي مغربي الذين يعيشون في إسرائيل يحافظون على روابط وثيقة مع بلادهم ومع ملوكهم منذ عدة قرون.

وقال بوريطة في حوار مع جريدية “يديعوت أحرنوت الصهيونية إن العلاقات بين المغرب وإسرائيل  كانت دوما “طبيعية” حتى ومن قبل اتفاق التطبيع الأخير الذي أعلن عنه الرئيسُ الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب.

وأضاف وزير الخارجية متحدثا عن تاريخ علاقات البلدين قائلا : “من وجهة نظرنا، نحن لا نتحدث عن تطبيع لأن العلاقات كانت أصلاً طبيعية، نحن نتحدث عن استئناف للعلاقات بين البلدين كما كانت سابقاً، لأن العلاقة كانت قائمة دائماً. لم تتوقف أبداً”.

الوزير بوريطة وهو يتحدث عن مليون صهيوني مغربي في فلسطين لم يقل لنا ماذا يفعلون في فلسطين؟ وما هو وضعهم القانوني بالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الصهيوني؟، ألا يحتل هؤلاء الصهاينة اليهود المغاربة منازل ومدن وقرى مليون فلسطيني شردوا من أرضهم؟، ثم أليسوا مكونا عضويا في المؤسسات الصهيونية الأمنية والعسكرية؟ ثم ألم يشاركوا على مدى عقود في حروب الكيان الغاصب على عزة والضفة والقدس التي يرأس لجنتها يا للمفارقة ملكهم ؟ ليبدو فاضحا بكل المقاييس عندما  يكشف وزير الخارجية المغربي أن العلاقة مع الكيان الصهيوني “كانت قائمة دائماً ولم تتوقف أبداً”.

هذا الموقف من هذه الدول هو عدوان موصوف ضد الشعب الفلسطيني وقضيته، ولكن هذا التخندق الفاضح والتماهي مع العدوانية الصهيونية ضد شعب أولى القبلتين وثالث الحرمين لن يتمكن من هزيمة هذا الشعب الصامد منذ قرن من الزمان ومعه كل أحرار الأمة العربية والعالم .. وخرافة المشروع التوراتي في فلسطين كما تقول المعطيات وصيرورة الأحداث كما يقول يهود صهاينة وغير صهاينة إلى زوال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى