الباحثون عن عمل في فنلندا.. بين ثقافة الرفض والشرط الإنساني
سمر الزريعي
بين مطرقة خدمات التوظيف بهلسنكي، وسندان البحث عن عمل، وشكوى الباحثين عن فرصة حتى في مجال التنظيف التي لا تتفق ومؤهلاتهم، تقوم بعض الجهات باستجلاب عمالة آسيوية تمارس عبرها تجارة البشر.. البداية مع رسالة رسمية تتوعد..إحدى أولئك المهددين التي جاء فيها..
“مرحبًا، اليوم هو تاريخ تقريرك عن إرسالك لثلاثة أماكن تبحثين فيها عن عمل..ولكي لا يتم قطع استحقاقات البطالة الخاصة بك، سوف نتلقى نسخة من مدرستك التي تدرسين بها، ويجب أن تُظهر أن دراستك تتقدم وفقًا للخطة”..خدمات التوظيف بهلسنكي.
بهذه الرسالة أبدأ محطات تقريري الذي سيدور حول مدى توفر فرص العمل، أو استعداد الجهة التي لديها فرص عمل قبول هذا المهاجر الباحث عن عمل..
المفارقة أن الموجهة لها الرسالة طالبة تدرس في إحدى الكليات المهنية، وهي مطالبة بالبحث عن 3 أماكن عمل كل 3 أشهر..لأن المسؤولة بمكتب العمل أبلغتها منذ الشهر الأول من دراستها بضرورة البحث عن عمل وإلا ستقطع عنها راتب البطالة، بل وفي حال لم تتقدم أيضا في دراستها سوف يسترجع مكتب العمل ما قد صرفه على الدراسة..
إلى هنا لا يوجد أي خلاف فيما قالت المسؤولة.. ومع ذلك هل يعقل أن تبحث طالبة في شهرها الدراسي الأول عن عمل، في حين أنها لا تجيد أساسيات المهنة ؟!..وهل يجوز أن يستخدم أسلوب (التهديد) في حال لم تتقدمي في مستوى الدراسة سوف نسترجع ما تم صرفه على دراستك..؟
أعتقد أن كل هذا يجوز ويجوز..ولأن الجميع اعتاد على الخوف من غضب مكتب العمل بقطع الراتب..فأنا سأبحث عن وظائف لأسكت جوع خوفي من المستقبل..لا بأس سأبحث عن مهنة في مجال التنظيف لا يهم المهم أن أعمل..وهذا ما حصل…
مع أن الأهم من البحث عن العمل هو قبول من تتوفر لديهم فرص العمل بالباحث عن العمل..
ومن واقع تجربة شخصية لإحدى الطالبات.. التي أكدت أنها منذ شهر 8 2022 حتى شهر 1 هذا العام 2023 ، راسلت 6 أماكن عمل باحثة عن فرصة عمل في مجال التنظيف، ولكن للأسف لم تتلقى حتى الآن أي رد..
هذا ما قالته لي إحدى الطالبات في كلية دياكونيا وإحدى الباحثات عن عمل..
ولأن الوضع العام لدى الكثير من المهاجرين مشابه لحالتها سأطرق أبواب الباحثين عن عمل لأسمع شكواهم فكان هذا الاستطلاع.. الذي يصطدم بمشكلة رشيد محمد ..
رشيد محمد وجد عقد عمل في مجال التنظيف، ولكن صدر قرار برفض عقد العمل والترحيل..ومع الاستئناف والانتظار لعام بقي الرفض مواظبا على حضوره وتم تحديد موعد ترحيله..
إذا المشكلة مع رشيد ليست في وجود عمل..ولكن في النوايا المسبقة برفض وجوده.
مثال آخر ممن ليس لديهم إقامة في فنلندا..الأخت مرام صعب التي تستنجد بمن في قدرته المساعدة بسبب وضعها الصعب، فهي بحاجة ماسة للعمل أيا كان العمل، لأنه ليس لديها أي دخل بعد قطع المعونة عنها وطردها من الكامب مركز إيواء اللاجئين.
أما علاء الذي عمل في بلده قبل هجرته كمهندس برمجيات، فأصر على أن يبحث عمل في مجال تخصصه متمنيا أن يعمل في مجاله، فهو لا يريد أن يعمل في مجال التنظيف قائلا المهن المتوفرة هي للأسف التنظيف..في حين أنه كان يعمل في بلده كمهندس برمجيات ولديه خبرة جيدة جدا في ذلك .. كنت في الأول أتساءل لماذا أُجبر عن البحث عن عمل في مجال آخر؟فلقد أرسلت عشرات الطلبات باحثا فيها عن عمل عارضا شهادات خبرتي لكن دون رد..ولكن بعد تجاهل طلباتي بالعمل كمبرمج للأسف استسلمت للأمر الواقع وقدمت كباحث عن عمل في مجال التنظيف..وإلى الآن لم أتلقى أي رد..
ومهاجر آخر كتب على إحدى الصفحات الداعمة للجالية العربية في فنلندا عبر الفيسبوك، طالبا من متابعيها المساعدة..”مرحبا شباب محتاج شغل بالأسود “أي عمل غير رسمي بدون دفع ضرائب”.. مع العلم لدي إجازة قيادة B طالبا ممن يعرف بوجود عمل..أن لا ينساه ولكم جزيل الشكر محددا الأماكن وهي هلسنكي أو ايسبو أو فانتا.
مثال آخر طالب جامعة ويبحث عن عمل، ويطلب النصيحة بأن يُدل على مكان يعمل به، أو مواقع يتقدم من خلالها منبها أنه بدون خبره، فيما أغلب المواقع تطلب خبرة..ويتساءل ماذا أفعل في ظل هذا الوضع؟..
وآخر يقول إن الوضع جدا صعب، وهو بحاجة ماسة للعمل حتى في مجال التنظيف ليقدم على إقامة عمل، وليتمكن من العيش.
هذه النماذج من الباحثين عمل من الذين يملأون الفضاء الإلكتروني وما أكثرهم ممن يبحثون عن فرصة، هم أحد أوجه الصورة فيما الوجه الآخر كشفه ما نشرته صحيفة “هلسنكي صانومات” في إحدى تقاريرها وهو يتعلق بجانب لا إنساني في مجال آخر من العمل وهذه المرة لا يتعلق بعدم وجود فرص عمل ولكن في عبودية العمل، الذي يتعرض له جامعو المحاصيل الزراعية في فنلندا من التايلنديين..الذين وصل منهم العام الماضي حوالي أربعة آلاف شخص للعمل في جمع التوت، حيث عمل بعضهم في ظروف عمل قاسية جدا تصل إلى 18 ساعة في اليوم..
والتكييف القانوني والإنساني لهذا السلوك هو اتجار موصوف بالبشر عبر إجبار الضحايا على العمل في ظروف صعبة.. ولذلك وجهت السلطات الفنلندية إلى مسؤول كبير في وزارة العمل تهمة تلقي رشاوى وتسهيل بعض القرارات.
السؤال: طالما هناك مجال عمل، لم استجلاب عمال من دول أخرى في حين أن هناك الكثير ممن يبحثون عن عمل من المهاجرين؟ الذين يعيشون ظروفا صعبة وأصبحوا سجناء للديون التي تلاحقهم، في غياب حلول تراعي الشروط الإنسانية وتحفظ لهؤلاء كرامتهم وإنسانيتهم بصرف النظر عن المنطقة التي قدموا منها سواء لناحية الدين أو العرق كونهم أولا وأخيرا بشر..