آخر الأخبارتحليلات و آراء

التنظيم الدولي : و إديولوجيا النفي والعنف

سليم الزريعي

تاريخية الفكرة

تشير الحقائق التاريخية أن فكرة الإطار السياسي الدولي الذي ينظم الجماعة الإسلامية فكرة قديمة ؛ كان قد تم تناولها من قبل العديد من المفكرين ؛ وفي أوقات مختلفة وفي مقاربة لامعة يعيد الدكتور رفعت السعيد استحضارها بهدف دحض محاولة التبرؤ من وجود هذا التنظيم بكل الآثار الدموية التي يخلفها في الواقعين العربي والإسلامي ؛ والحقيقة أن أصل الفكرة قديم ويسبق نشوء الجماعة بأزمان طويلة‏..‏ إلى أن تبلورت ـ في بدايات العصر الحديث ـ عبر تعبير الجماعة الإسلامية‏Panislmisim‏ والذي ورد كثيرا في كتابات جمال الدين الأفغاني‏..‏ ولعل أشهر صيحاته في هذا الصدد هي دعوته للمسلمين في بلدان العالم بالتوحد‏,‏ مؤكدا أنه لو بصق كل مسلم بصقة واحدة لأغرق مجملها دولة الطغاة‏( 10‏ ) ( راجع‏:‏ خاطرات جمال الدين‏) ,‏ وكذلك فإن إنطلاق الثورة العرابية قد وجد له صدي في تحركات مسلمي الهند وفي الثورة المهدية في السودان‏ ,‏ ولكن كان للأمر في ذلك الحين شقه السلبي إذ أصدر الخليفة العثماني بناء علي ضغط من الانجليز فتوي باسم الباب العالي تقول إن العرابيين عصاة‏ ,‏ خارجون علي الملة‏ ,‏ وكانت هذه الفتوي أحد أسباب هزيمة العرابيين‏.‏

فيما حاول عبدالرحمن الكواكبي من جانبه أن يوضح صورة الأمر في كتابه أم القري الذي تخيل فيه اجتماعا تم في موسم الحج حضر فيه السيد الفراتي‏ ,‏ والفاضل الشامي والكامل الاسكندري والعلامة المصري والمتحدث اليمني والحكم التونسي والسعيد الانجليزي والإمام الصيني‏..‏الخ‏,‏ وسماه مؤتمر النهضة الإسلامية لبحث هموم المسلمين وكيفية إصلاح أحوالهم‏ ,‏ وفي ذات الوقت تقريبا كان الحزب الوطني‏ (‏ القديم‏)‏ يتعرض لانقسام حاد بين اتجاه يرفع شعار مصر للمصريين شعار يرفعه الشيخ عبدالعزيز جاويش مؤكدا أن مصر جزء من دولة الخلافة العثمانية بزعم أن إضاعة الخلافة إضاعة للذات‏.‏

غير أن الكثير من الباحثين يتفقون على أن النواة الحقيقية للتنظيم الدولي للجماعة‏ ,‏ أتت عقب فشلهم في احتواء الثورة المصرية ؛ ثم محاولتهم اغتيال عبد الناصر عام ‏(1954)‏ ؛ عندما هاجر العديد من قادة حركة الإخوان الي بلدان عدة ؛ وتمركز الكثير منهم في السعودية‏ ,‏ ومن السعودية سافر سعيد رمضان إلي ميونيخ بألمانيا ؛ حيث أقام بتمويل مثير للدهشة المركز الإسلامي الذي أصبح النواة التنظيمية بل والميلاد الفعلي للتنظيم الدولي للإخوان ‏.

وهذا الميلاد للتنظيم الدولي لحركة الإخوان وجد فرصته عندما اشتعلت الحرب الأفغانية بأن كان هناك‏..‏ فنشط الكثير من أعضائه في أفغانستان من أمثال الإخواني كمال السنانيري ود‏.‏ عبدالله عزام‏,‏ الذي أسس هناك عرين الأسد وأطلقوا عليه المأسدة ؛ وهناك تتلمذ علي يديه أيمن الظواهري الذي أكد أنه توجه إلي أفغانستان بإيعاز من الإخوان‏ (11) ( راجع‏:‏ فرسان تحت راية النبي ـ الإنترنت‏).‏

وليتعاظم دور التنظيم الدولي للجماعة ويستمر في نشاط عارم يحرك فرقا في أنحاء عدة من العالم ويدير ويدبر أموالا طائلة‏..‏ إلا أن التنظيم الدولي مع ذلك ظل دوما بأمواله واتصالاته تحت قبضة الجهاز السري للجماعة‏ ,‏ إلي أن تفجرت خلافات حادة بين مرشد الجماعة وبين إخوان الكويت بعد مساندة الإخوان لغزو صدام للكويت‏,‏ ثم تمرد حسن الترابي الذي كان لفترة طويلة واحدا من أبرز حكام السودان ‏,‏ علي هيمنة الجماعة ‏,‏ وانتهي الأمر بأن لوحت قيادة الجماعة بفكرة أهل مكة أدري بشعابها‏.

‏ ورغم كل ذلك ؛ هناك محاولة متعمدة أن يظل الحديث عن التنظيم الدولي ـ وكما اعتادت الجماعة غائما وحمال أوجه ـ نلمس ذلك في تصريح مأمون الهضيبي عندما كان مرشدا للجماعة يقول فيه ” ليس هناك شيء اسمه التنظيم الدولي يحرك الناس في بلادهم ‏,‏ هذا أبعد شيء عن الحقيقة وعن الواقع وليس من فكرنا ‏,‏ وأهل مكة أدري بشعابها‏ ” (‏12) ( الحياة ـ لندن ـ‏15/4/1995 )

بداية القصة

إذن التنظيم الدولي موجود وجودا فعليا ؛ يؤكد هذا الوجود المعطيات الملموسة ؛ ولعل السؤال الذي يلح هنا هو ؛ كيف بدأت القصة ؟ ؛ وهي القصة التي من شأنها أن تعيدنا إلى البداية ؛ تلك البداية التي تروي حكاية نشأة جمعية الإخوان المسلمين ؛ إذ من غير العلمي أن نحيط بدور وممارسات وفكر التنظيم الدولي ؛ دون البحث في الحركة التي خلقت هذا التنظيم ؛ كشرط علمي بهدف الإحاطة بدور وأهداف التنظيم الدولي ؛ هنا تحضر البدايات الأولي لتشكيل حركة الإخوان المسلمين في مصر أواخر العقد الثاني من القرن العشرين .

ففي حين تتحدث بعض المراجع أن فكرة تكوين حركة الإخوان تعود إلى حسن البنا الذي الذي أنشأ ” جماعة الإخوان المسلمين في الاسماعيلية عام 1928م كجمعية دينية تهدف إلى التمسك بالدين وأخلاقياته ؛ ثم انتقال نشاط الجماعة فى عام 1932 إلى القاهرة ؛ في حين أن نشاطها السياسي لم يبدأ إلا في عام 1938 . حين عرضت الجماعة حلا إسلاميا لكافة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانى منها البلاد في ذلك الوقت ؛ فكان أن رفضت الدستور والنظام النيابى على أساس أن دستور الأمة هو القرآن ؛ كما أبرزت الجماعة مفهوم القومية الإسلامية كبديل لمقولة (القومية المصرية ) التي كانت تنادي بها الأحزاب الأخرى . وحددت الجماعة أهدافها السياسية آنذاك في الآتي :

  • أن يتحرر الوطن الإسلامى من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لا ينكره إلا ظالم جائر ومستبد قاهر.
  • أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن دعوته الحكيمة للناس.( 13 ) . (الأهرام ، العدد 43958 ، السنة 131 ، السبت 14/4/2007 )

إلا أن هناك مقاربة أخرى في نشأة جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 ؛ يقدمها الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور ؛ الذي أعاد موضوع إنشاءها إلى رعاية رشيد رضا وتوجيهاته. وأن رشيد رضا هو الذى قام بتقديم الشاب حسن البنا إلى أعيان السعودية وأعمدة الدعوة الوهابية، ومنهم حافظ وهبة مستشار الملك عبد العزيز، ومحمد نصيف أشهر أعيان جدة. وابنه عبد الله نصيف الذي كان يتزعم رابطة العالم الإسلامي، والتى يتغلغل من خلالها النفوذ السعودي إلى العالم الإسلامي حتى اليوم ، وهى التي لعبت دوراً فى تجنيد الشبان للذهاب إلى أفغانستان.

ووفقا لهذه لمقاربة فإن حركة الإخوان المسلمين بهذا المعنى هي عبارة عن امتداد لدور الشيخ رشيد رضا ؛ الذي كان قد بدأه بتأسيس مدرسة الدعوة والإرشاد لتخريج الدعاة فى جزيرة الروضة ( مصر ) سنة 1912، التي كانت تجاورها مؤسسة الزهراء للسلفى الشامى محيى الدين الخطيب، فى نفس المنطقة، كما كانت مجلته “المنار” ذائعة الصيت متخصصة فى الدعوة الوهابية والسعودية ، هذا بالإضافة إلى مؤلفاته المتخصصة كـ ” الخلافة ” والسنة والشيعة ، وفيها كان يدعو إلى الخلافة الإسلامية ويرى فى ابن سعود المؤهل الوحيد للخلافة. وعن طريق مطبعة المنار نشر رشيد رضا الكثير من مؤلفات ابن حنبل وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب. وتوفى رشيد رضا بعد أن قام بتوديع الأمير سعود ولى العهد فى ميناء السويس سنة 1935 وترك الراية يحملها من بعده تلميذه حسن البنا مؤسس الإخوان .

و حسن البنا اعترف في مذكراته ” الدعوة والداعية “، بصلته بالشيخ حافظ وهبة والدوائر السعودية ، و جمال البنا شقيق حسن البنا يعترف بتلك الصلة بين شقيقه الأكبر، ووالده والسلطات السعودية فى كتابه ” خطابات حسن البنا الشاب إلى أبيه ” والدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته عن السياسة المصرية يشير إلى معرفته بالشاب حسن البنا فى موسم الحج سنة 1936، وكيف أن حسن البنا وثيق الصلة بالسعودية ويتلقى منها المعونة ، وكان البنا يمسك بيد من حديد بميزانية الجماعة ، ولذلك فإن الانشقاقات عن الإخوان ارتبطت باتهام حسن البنا بالتلاعب المالي وإخفاء مصادر تمويل الجماعة عن الأعضاء الكبار فى مجلس الإرشاد؛ وعن طريق الدعم السعودي استطاع البنا، وهو المدرس الإلزامي البسيط ، أن ينشئ خمسين ألف شعبة للإخوان في العمران المصري من الإسكندرية إلى أسوان (14) ( أحمد صبحي منصور ـ موقع مكتبة الحوار المتمدن )

والأمر الجدير بالملاحظة ارتباطا بطبيعة المنابع الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين ؛ هو ما الذي تسعى إليه كهدف نهائي ؛ وهي التي لا تخفي ذلك ؛ بل إنها تجاهر بالقول والفعل أنها تعمل على أقامة نظام حكم ديني ؛ أي دولة دينية ؛ بديلا عن الأنظمة القائمة ؛ وعلى ضوء ذلك يمكن القول أن الإخوان المسلمين هم مجموعة ذات أهداف سياسية ؛ تسعى لفرض نظام حكم عقائدي ( ديني ) وإضفاء هالة وقدسية على أشخاصهم وطروحاتهم التي تأتي بشكل أوامر لا تقبل النقاش والحوار ، ليسكتوا أي رأي أو اجتهاد مخالف لهم ؛ حتى من أعضاء الإخوان أنفسهم ؛ ممن لهم رأي آخر في هذه المسألة أو تلك ، حيث يطغي على هذا الاتجاه طابع التكفير ؛ (15) الرأي الأردنية الأربعاء 09 شعبان 1428هـ – 22 أغسطس 2007م ) ؛ للآخر وإن كان يتم اللجوء للتقية من قبلهم ؛ ارتباطا بظروف المكان والزمان التي قد لا تكون مواتية لهم في حينها .

ويمكن توصيف هذا النوع من أنظمة الحكم الذي تسعى إليه جماعة الإخوان المسلمين بأنه الدكتاتورية في أكثر تجلياتها تعبيرا عن ذلك الفكر ؛ كونها تعمل على إقامة نظام ثيوقراطي ( دولة دينية ) على أنقاض المجتمع القائم الذي يعتبرونه مجتمعا جاهليا ؛ يجب تغييره بالعنف ؛ ومن ثم إرساء دعائم المجتمع التي تكون فيه ” الحاكمية لله ” ولعل في تجربة حماس في غزة والترابي في السودان ما يوضح نوع النموذج الذي يجري العمل من أجل إقامته .فما دامت المجتمعات القائمة مجتمعات جاهلية كما يقول فكر هذه الجماعة ؛ فمن الطبيعي أن تحضر ثقافة العنف والتغيير بالقوة باعتباره الخيار الصحيح الواجب شرعا حسب فهمها .

ومن ثم إذا‏ ‏كانت‏ ‏ثمرة‏ ‏الخلط‏ ‏بين‏ ‏الدين‏ ‏والفكر‏ ‏الديني‏ ,‏ هي‏ ‏التحصن‏ ‏بالمقدس‏ , ‏والتستر‏ ‏به‏ ‏لإضفاء‏ ‏قدسية‏ ‏ ‏علي‏ ‏إمامهم‏ ‏وجماعتهم‏ ‏وأقوالهم‏ ‏وأفعالهم ‏, ‏فإن‏ ‏الثمرة‏ ‏الأخرى‏ ‏الأشد‏ ‏مرارة‏ ‏هي‏ ‏العنف‏ الذي يشكل مكونا أساسيا من فكر وسلوك تلك الجماعة .‏ ذلك أنه ما ‏دام‏ ‏المسلم‏ ‏القاعد‏ ‏عن‏ ‏الانضمام‏ ‏إليهم‏ ‏آثما‏. ‏فإن‏ ‏هذا‏ ‏الآثم‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏تجاسر‏ ‏بمعارضتهم‏ ‏يتعين‏ ‏مواجهته‏ ‏بالعنف‏ ” ‏ومن‏ ‏خرج‏ ‏علي‏ ‏الجماعة‏ ‏فاضربوه‏ ‏بحد‏ ‏السيف‏ ” كما يقول هذا الفكر .‏

وهكذا‏ ‏تبدأ‏ ‏العبارات‏ ‏الحادة‏ ‏المتوعدة‏ ‏بالعنف‏ ‏منذ‏ ‏البدايات‏ ‏الأولي‏ .؛ وفي ذلك يقول حسن‏ ‏البنا‏ ‏ ‏شعرا‏:‏

الدين‏ ‏شيء‏ ‏والسياسة‏ ‏غيره دعوى‏ ‏نحاربها‏ ‏بكل‏ ‏سلاح

(16) إسماعيل‏ ‏الشافعي ـ‏ الإخوان‏ ‏المسلمون‏- ‏دعوة‏ ‏البعث‏ ‏والإنقاذ‏(‏ص‏30)‏

أما‏ ‏صهر البنا ‏…‏وأحد‏ ‏قادة‏ ‏الجماعة‏ ‏عبد‏ ‏الحكيم‏ ‏عابدين‏ ‏فيعبر عن ذلك ‏شعرا‏ ‏أيضا‏ ‏في‏ ‏ديوانه‏ ‏الذي‏ ‏أسماه‏ ‏البواكير‏…‏

لنجرينها‏ ‏دماء‏ ‏جد‏ ‏ثائرة وثورة‏ ‏الحق‏ ‏لا‏ ‏يدري‏ ‏لها‏ ‏أمد

أو‏ ‏يصبح‏ ‏الشرع‏ ‏دستورا‏ ‏لأمتنا فليحذر‏ ‏القوم‏ ‏منذر‏ صعد‏.‏

ولم‏ ‏يكن‏ ‏هذا‏ ‏الوعيد‏ ‏موجها‏ ‏ضد‏ ‏الحكام‏ ‏بل‏ ‏ضد‏ ‏كل‏ ‏الآثمين‏ ؛ ‏أي‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏ليس‏ ‏عضوا‏ في جماعتهم ‏.‏ فعندما‏ ‏أصدرت‏ ‏جماعة‏ ‏الإخوان‏ ‏مجلتها‏ ‏النذير‏,‏ تعجل‏ ‏الشيخ‏ ‏عبد‏ ‏الرحمن‏ ‏الساعاتي‏ ‏والد‏ ‏المرشد‏ ‏العام‏ ‏حسن‏ ‏البنا‏ ‏في‏ ‏أن‏ ‏يجعلها‏ ‏نذيرا‏ ‏للجميع‏ ‏فكتب‏ ‏في‏ ‏عددها‏ ‏الأول‏ ‏مقالا‏ ‏عنوانه‏ ‏استعدوا‏ ‏يا‏ ‏جنود‏ ‏يقول‏ ‏فيه‏:

‏استعدوا‏ ‏يا‏ ‏جنود‏ ,‏ وليأخذ‏ ‏كل‏ ‏منكم‏ ‏أهبته‏ ,‏ ويعد‏ ‏سلاحه‏ , ‏ولا‏ ‏يلتفت‏ ‏منكم‏ ‏أحد‏ , ‏امضوا‏ ‏إلي‏ ‏حيث‏ ‏تؤمرون‏ . ‏ثم‏ ‏يقول‏: ‏خذوا‏ ‏هذه‏ ‏الأمة‏ ‏برفق‏ ‏فما‏ ‏أحوجها‏ ‏إلي‏ ‏العناية‏ ‏والتدليل‏ ,‏ وصفوا‏ ‏لها‏ ‏الدواء‏ ‏فكم‏ ‏علي‏ ‏ضفاف‏ ‏النيل‏ ‏من‏ ‏قلب‏ ‏يعاني‏ ‏وجسم‏ ‏عليل‏ ,‏ اعكفوا‏ ‏علي‏ ‏إعداده‏ ‏في‏ ‏صيدليتكم‏ ,‏ ولتقم‏ ‏علي‏ ‏إعطائه‏ ‏فرقة‏ ‏الإنقاذ‏ ‏منكم‏ , ‏فإذا‏ ‏الأمة‏ ‏أبت‏ ‏فأوثقوا‏ ‏يديها‏ ‏بالقيود‏ ,‏ وأثقلوا‏ ‏ظهرها‏ ‏بالحديد‏ . ‏وجرعوها‏ ‏الدواء‏ ‏بالقوة‏ ,‏ وإن‏ ‏وجدتم‏ ‏في‏ ‏جسمها‏ ‏عضوا‏ ‏خبيثا‏ ‏فاقطعوه ‏, ‏أو‏ ‏سرطانا‏ ‏خطيرا‏ ‏فأزيلوه‏. ‏استعدوا‏ ‏يا‏ ‏جنود‏ – ‏فكثير‏ ‏من‏ ‏أبناء‏ ‏هذا‏ ‏الشعب‏ ‏في‏ ‏آذانهم‏ ‏وقر‏,‏ وفي‏ ‏عيونهم‏ ‏عمي‏ (‏17) مجلة النذير‏-‏ أول‏ ‏المحرم‏-1357‏هجرية‏.) ‏

والعنف‏ ‏هنا‏ ‏مقصود‏ ‏لذاته‏ ‏بل‏ ‏هو‏ ‏السبيل‏ ‏الوحيد‏ , ‏فحسن‏ ‏البنا‏ ‏يقول‏:

‏وما‏ ‏كانت‏ ‏القوة‏ ‏إلا‏ ‏كالدواء‏ ‏المر‏ ‏الذي‏ ‏تحمل‏ ‏عليه‏ ‏الإنسانية‏ ‏العابثة‏ ‏المتهالكة‏ ‏حملا‏ ‏ليرد‏ ‏جماحها‏ ‏ويكسر‏ ‏جبروتها‏ ‏وطغيانها ‏, ‏وهكذا‏ ‏كانت‏ ‏نظرية‏ ‏السيف‏ ‏في‏ ‏الإسلام ‏. ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏السيف‏ ‏في‏ ‏يد‏ ‏المسلم‏ ‏إلا‏ ‏كالمشرط‏ ‏في‏ ‏يد‏ ‏الجراح‏ ‏لحسم‏ ‏الداء‏ ‏الاجتماعي‏ ‏( 18) حسن البنا ‏ـ مجلة النذير ؛ ‏رمضان‏1357‏هجرية‏ ؛ ‏مقال‏ ‏).‏

بل‏ ‏أنهم‏-‏ وحتي‏ ‏أكثرهم‏ ‏اعتدالا‏-‏ يعتبرون‏ ‏أن‏ ‏القتل‏ ‏سلاح‏ ‏في‏ ‏العمل‏ ‏السياسي‏ ‏يمكن‏ ‏لآحاد‏ ‏الناس‏ ‏أن‏ ‏يوقعه‏ ‏متى‏ ‏اعتقد‏ ‏أنه‏ ‏يقيم‏ ‏الحد‏…‏ولنتمعن هنا في شهادة ‏الشيخ‏ ‏محمد‏ ‏الغزالي‏ ‏أحد‏ ‏أكثر‏ ‏الإخوانيين‏ ‏اعتدالا‏ ‏ ‏ ‏أمام‏ ‏المحكمة‏ ‏التي‏ ‏حاكمت‏ ‏قاتل‏ ‏د‏.‏فرج‏ ‏فودة‏ الذي يجيب‏ ‏عبر‏ ‏الحوار‏ ‏التالي‏:‏

س‏-‏ من‏ ‏الذي‏ ‏يملك‏ ‏إقامة‏ ‏الحد؟

ج‏-‏ المفروض‏ ‏أن‏ ‏جهاز‏ ‏القضاء‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏يقوم‏ ‏بهذه‏ ‏المهمة‏.

س‏-‏ هل‏ ‏يبقي‏ ‏الحد‏ ‏علي‏ ‏أصله‏ ‏من‏ ‏وجوب‏ ‏إقامته؟

ج‏-‏ حكم‏ ‏الله‏ ‏لا‏ ‏يلغيه‏ ‏أحد‏,‏والحد‏ ‏واجب‏ ‏الإيقاع‏.‏

س‏-‏ ماذا‏ ‏لو‏ ‏أوقعه‏ ‏فرد‏ ‏من‏ ‏آحاد‏ ‏الناس؟

ج‏-‏ يعتبر‏ ‏مفتئتا‏ ‏علي‏ ‏السلطة‏ , ‏أدي‏ ‏ما‏ ‏ينبغي‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏به‏ ‏السلطة‏.‏

س‏-‏ هل‏ ‏هناك‏ ‏عقوبة‏ ‏للافتئات‏ ‏علي‏ ‏السلطة؟

ج‏-‏لا‏ ‏أذكر‏ ‏أية‏ ‏عقوبة‏ ‏في‏ ‏الإسلام‏.‏

محضر‏ ‏أقوال‏ ‏الشيخ‏ ‏محمد‏ ‏الغزالي‏ ‏أمام‏ ‏محكمة‏ ‏أمن‏ ‏الدول‏ ‏العليا‏ ‏في‏ ‏قضية‏ ‏اغتيال‏ ‏د‏.‏فرج‏ ‏فودة ؛ الذي يقول‏ ‏هذا‏ ‏بقلب‏ ‏بارد‏ ‏متصورا‏ ‏أن‏ ‏فرج‏ ‏فودة‏ ‏هو‏ ‏النقيض‏…‏العدو‏ ‏ناسيا‏ ‏الحديث‏ ‏الشريف‏ ‏” لا‏ ‏يزال‏ ‏المؤمن‏ ‏في‏ ‏فسحة‏ ‏من‏ ‏دينه‏ ‏ما‏ ‏لم‏ ‏يصب‏ ‏دما‏ ‏حراما‏ ” ‏أخرجه‏ ‏البخاري‏.‏

وناسيا‏ ‏رواية‏ ‏المقداد‏ ‏بن‏ ‏الأسود‏ ‏رضي‏ ‏الله‏ ‏عنه‏ ‏إذ‏ ‏قال‏: ” ‏قلت‏ ‏يا‏ ‏رسول‏ ‏الله‏:‏أرأيت‏ ‏إذ‏ ‏لقيت‏ ‏رجلا‏ ‏من‏ ‏الكفار‏ ‏فاقتتلنا‏ ‏فضرب‏ ‏إحدى‏ ‏يدي‏ ‏بالسيف‏ ‏ثم‏ ‏لاذ‏ ‏مني‏ ‏بشجرة‏ ‏وقال‏:‏أسلمت‏ ‏لله‏ , ‏أأقتله‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏قالها؟ فقال‏ ‏رسول‏ ‏الله‏:‏لا‏ ‏تقتله‏, ‏فقلت‏: ‏إنه‏ ‏قطع‏ ‏إحدى‏ ‏يدي‏ ‏ثم‏ ‏قال‏ ‏ذلك؟ فقال‏ ‏النبي‏:‏لا‏ ‏تقتله‏, ‏فإن‏ ‏قتلته‏ ‏كنت‏ ‏بمنزلته‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏كلمته‏ ” …( ‏أي‏ ‏مباح‏ ‏الدم‏ ) ‏أخرجه‏ ‏البخاري‏ ‏ومسلم‏ ‏وأبو‏ ‏داود‏.‏

وكان‏ ‏فرج‏ ‏فودة‏ ‏يعارضهم‏ ‏بقلمه ‏,‏ مجرد‏ ‏القلم‏ ‏ولم‏ ‏يقطع‏ ‏لهم‏ ‏يدا‏ ‏ولا‏ ‏إصبعا‏,‏ وكان‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏يقر‏ ‏بإسلامه ‏, ‏وبتمسكه‏ ‏بالإسلام‏.‏

ونسي‏ ‏فضيلة‏ ‏الشيخ‏ ‏المعتدل‏ ‏قول‏ ‏أحمد‏ ‏بن‏ ‏حنبل‏ ‏” مرتكب‏ ‏الكبيرة‏ ‏ليس‏ ‏بكافر‏, ‏ولا‏ ‏هو‏ ‏في‏ ‏منزلة‏ ‏بين‏ ‏منزلتي‏ ‏الكفر‏ ‏والإيمان‏, ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏معفوا‏ ‏عنه‏, ‏وإنما‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏يتوب‏ ‏وأمره‏ ‏إلي‏ ‏الله‏, ‏فإن‏ ‏زعم‏ ‏أحد‏ ‏أنه‏ ‏كافر‏ ‏فقد‏ ‏زعم‏ ‏أن‏ ‏آدم‏ ‏كافر‏, ‏وأن‏ ‏إخوة‏ ‏يوسف‏ ‏حين‏ ‏كذبوا‏ ‏أباهم‏ ‏كفار‏.‏والحاصل‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يكفر‏ ‏أحد‏ ‏من‏ ‏أهل‏ ‏التوحيد‏, ‏وإن‏ ‏عمل‏ ‏الكبائر‏ ؛ ‏ولسنا‏ ‏نعتقد‏ ‏أن‏ ‏فرج‏ ‏فودة‏ ‏بانتقاده‏ ‏لأفكار‏ ‏هؤلاء‏ ‏ ‏قد‏ ‏ارتكب‏ ‏كبيرة‏ ‏أو‏ ‏صغيرة‏,‏ بل‏ ‏لعله‏ ‏كان‏ ‏الأقرب‏ ‏إلي‏ ‏صحيح‏ ‏الإسلام‏.‏ ( 19) الأهرام العدد 2374 )

وهذا المنهج في العنف أصبح لدى أعضاء التنظيم شرطا من شروط تصويب مسار المجتمع ؛ لأنه يبدأ من أعضاء التنظيم أنفسهم ؛ ‏ولنتوقف هذه المرة ‏أمام‏ ‏كاتب‏ ‏إخواني‏ ‏من‏ ‏قادة‏ ‏الجهاز‏ ‏السري ‏ ‏لأنه‏ ‏الأصرح‏ ‏والأوضح‏, ‏إنه‏ ‏ ‏محمود‏ ‏الصباغ‏.‏الذي يقول :

يبدأ‏ ‏عضو‏ ‏الجهاز‏ ‏الخاص‏ ‏بالبيعة‏ ؛ ‏يدخل‏ ‏إلي‏ ‏حجرة‏ ‏مطفأة‏ ‏الأنوار‏,‏ويجلس‏ ‏علي‏ ‏بساط‏ ‏في‏ ‏مواجهة‏ ‏أخ‏ ‏في‏ ‏الإسلام‏ ‏مغطي‏ ‏جسده‏ ‏تماما‏ ‏من‏ ‏قمة‏ ‏رأسه‏ ‏إلي‏ ‏أخمص‏ ‏قدمه‏ ‏برداء‏ ‏أبيض‏,‏ ثم‏ ‏يخرج‏ ‏من‏ ‏جانبه‏ ‏مسدسا‏ ‏ويطلب‏ ‏من‏ ‏المبايع‏ ‏أن‏ ‏يتحسسه‏, ‏وأن‏ ‏يتحسس‏ ‏المصحف‏ ‏الشريف‏ ‏ثم‏ ‏يقول‏ ‏له‏: ‏فإن‏ ‏خنت‏ ‏العهد‏ ‏أو‏ ‏أفشيت‏ ‏السر‏, ‏فسوف‏ ‏يؤدي‏ ‏ذلك‏ ‏إلي‏ ‏إخلاء‏ ‏سبيل‏ ‏الجماعة‏ ‏منك‏, ‏ويكون‏ ‏مأواك‏ ‏جهنم‏ ‏وبئس‏ ‏المصير‏.‏( 20) محمود‏ ‏الصباغ‏-‏ حقيقة‏ ‏التنظيم‏ ‏الخاص‏-(‏ص‏1320).‏

والمقصود من عبارة‏ ‏إخلاء‏ ‏سبيل‏ ‏الجماعة‏ ‏منك؟ تأتي‏ ‏الإجابة‏ ‏عنها في‏ ‏صفحة‏ ‏أخري‏ ‏؛ عندما‏ ‏يورد‏ ‏ ‏ ‏الصباغ‏ ‏نصوص‏ ‏لائحة‏ ‏الجهاز‏ ‏الخاص‏ ‏الجهاز‏ ‏السري‏ ‏لجماعة‏ ‏الإخوان‏ مادة ‏13:‏

” إن‏ ‏أية‏ ‏خيانة‏, ‏أو‏ ‏إفشاء‏ ‏سر‏ ‏بحسن‏ ‏قصد‏, ‏أو‏ ‏بسوء‏ ‏قصد‏ ‏يعرض‏ ‏صاحبه‏ ‏للإعدام‏ ‏وإخلاء‏ ‏سبيل‏ ‏الجماعة‏ ‏منه‏, ‏مهما‏ ‏كانت‏ ‏منزلته‏,‏ ومهما‏ ‏تحصن‏ ‏بالوسائل‏, ‏واعتصم‏ ‏بالأسباب‏ ‏التي‏ ‏يراها‏ ‏كفيلة‏ ‏له‏ بالحياة (21 ) ” ‏المرجع‏ ‏السابق‏(‏ص‏1380).‏

بل‏ ‏إنه‏ ‏يعطي‏ ‏لنفسه‏ ‏ولزملائه‏ ‏الحق‏ ‏في‏ ‏القتل‏ ‏المباشر‏ ‏دون‏ ‏إذن‏ ‏من‏ ‏القيادة‏ ‏” إن‏ ‏أعضاء‏ ‏الجهاز‏ ‏يمتلكون‏- ‏دون‏ ‏إذن‏ ‏من‏ ‏أحد‏- ‏الحق‏ ‏في‏ ‏اغتيال‏ ‏من‏ ‏يشاؤون‏ ‏من‏ ‏خصومهم‏ ‏السياسيين‏, ‏فكلهم‏ ‏قارئ‏ ‏لسنة‏ ‏رسول‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏إباحة‏ ‏اغتيال‏ ‏أعداء‏ ‏الله‏(‏22) المرجع‏ ‏السابق‏-429)‏ ؛ فقط‏ ‏نلاحظ‏ ‏أن‏ ‏خصومهم‏ ‏السياسيين‏ ‏هم‏ ‏أعداء‏ ‏الله‏ ‏ويباح‏ ‏اغتيالهم‏.‏بل‏ ‏أن‏ ‏ ‏الصباغ‏ ‏يغالي‏ ‏فيقول‏ ‏إن‏ ‏قتل‏ ‏أعداء‏ ‏الله‏ ـ ‏أي‏ ‏الخصوم‏ ‏السياسيين‏ ‏للجماعة‏ ‏ـ غيلة‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏شرائع‏ ‏الإسلام‏, ‏ومن‏ ‏خدع‏ ‏الحرب‏ ‏فيها‏ ‏أن‏ ‏يسب‏ ‏المجاهد‏ ‏المسلمين‏ ‏وأن‏ ‏يضلل‏ ‏عدو‏ ‏الله‏ ‏بالكلام‏ ‏حتي‏ ‏يتمكن‏ ‏منه‏ ‏فيقتله‏(‏23 ) المرجع‏ ‏السابق‏ ‏ص‏ 1380).‏

ويبقي‏ ‏أن‏ ‏نشير‏ ‏إلي‏ ‏أن‏ ‏ ‏مصطفي‏ ‏مشهور‏ ‏مرشد‏ ‏الجماعة‏ ‏هو‏ ‏صاحب‏ ‏مقدمة‏ ‏هذا‏ ‏الكتاب‏.‏ (24) عصام‏ ‏حسونة‏-23‏يوليو‏ ‏وعبد‏ ‏الناصر‏-‏ص‏46؛ الأهرام العدد 2374)

ومن نماذج تلك الثقافة ما جاء في ورقة ‏تعليمات‏ ‏صادرة‏ ‏من‏ ‏قيادة‏ ‏الجهاز‏ ‏لأعضائه‏ ‏تقول‏ ‏إن‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏يحاول‏ ‏مناوأتهم‏, ‏أو‏ ‏الوقوف‏ ‏في‏ ‏سبيلهم‏ ‏مهدر‏ ‏دمه‏, ‏وأن‏ ‏قاتله‏ ‏مثاب‏ ‏علي‏ ‏فعله‏ ‏وأن‏ ‏من‏ ‏سياستنا‏ ‏أن‏ ‏الإسلام‏ ‏يتجاوز‏ ‏عن‏ ‏قتل‏ ‏المسلمين‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏مصلحة‏ ‏و‏…‏إن‏ ‏من‏ ‏السياسيين‏ ‏من‏ ‏يجب‏ ‏استئصاله‏ ‏وتطهير‏ ‏البلاد‏ ‏منه‏, ‏فإن‏ ‏لم‏ ‏توجد‏ ‏سلطة‏ ‏شرعية‏ ‏تصدهم‏, ‏فليتول‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏وضعوا‏ ‏أنفسهم‏ ‏للإسلام‏ ‏جنودا‏, ‏وأن‏ ‏الإسلام‏ ‏يتجاوز‏ ‏عن‏ ‏احتمال‏ ‏قتل‏ ‏المسلمين‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏مصلحة‏(‏25) عصام‏ ‏حسونة‏ – 23‏ يوليو‏ ‏وعبد‏ ‏الناصر‏-‏ ص‏46 المصدر السابق ‏).‏

ولأنه منهج وسلوك في مواجهة الآخر فقد حدد مؤسس التنظيم حسن البنا في‏ ‏رسالة‏ ‏التعاليم‏ ‏ واجبات‏ ‏العضو‏ ‏وعددها‏ 38‏ واجبا‏ , الواجب‏ ‏رقم ‏25 ‏منها‏ ؛ ‏يأمر‏ ‏العضو‏ ‏أن‏ ‏يقاطع‏ ‏المحاكم‏ ‏الأهلية‏,‏وكل‏ ‏قضاء‏ ‏غير‏ ‏إسلامي‏ ,‏ والأندية‏ ‏والصحف‏,‏ والجماعات‏, ‏والمدارس‏ ‏والهيئات‏ ‏التي‏ ‏تناهض‏ ‏فكرته‏ ‏الإسلامية‏ ‏مقاطعة‏ ‏تامة‏…‏والبند‏ ‏رقم‏37‏يأمره‏ ‏أن‏ يتخلي‏ ‏عن‏ ‏صلته‏ ‏بأية‏ ‏هيئة‏ ‏أو‏ ‏جماعة‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏الاتصال‏ ‏بها‏ ‏في‏ ‏مصلحة‏ ‏فكرته‏(‏26 ) حسن‏ ‏البنا‏- ‏رسالة‏ ‏التعاليم‏- ‏ص‏120؛ نفس المصدر)

ومن الواضح أن هذه الثقافة أُسست على فكر تكفير المجتمع وفي ذلك يقول سيد‏ ‏قطب‏ ‏: ” ‏إن‏ ‏الإسلام‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏إلا‏ ‏نوعين‏ ‏من‏ ‏المجتمعات‏:‏ مجتمع‏ ‏إسلامي‏, ‏ومجتمع‏ ‏جاهلي‏ ” ؛ ‏والمجتمعات‏ ‏الجاهلية‏ ‏عند‏ ‏سيد‏ ‏قطب‏ ‏” هي‏ ‏كل‏ ‏المجتمعات‏ ‏الشيوعية‏ ‏والوثنية‏ ‏واليهودية‏ ‏والمسيحية‏, ‏والمجتمعات‏ ‏التي‏ ‏تزعم‏ ‏أنها‏ ‏مسلمة‏ ‏(27 سيد‏ ‏قطب‏- ‏معالم‏ ‏في‏ ‏الطريق‏(‏ص‏106)‏) وبشكل‏ ‏أوضح‏ ‏يقول‏:” ‏يدخل‏ ‏في‏ ‏إطار‏ ‏المجتمع‏ ‏الجاهلي‏ ‏جميع‏ ‏المجتمعات‏ ‏القائمة‏ ‏علي‏ ‏الأرض‏(‏ص‏98).‏

وعند سيد قطب لا ‏حل‏ ‏وسط‏ ‏فهو‏ ‏يقول‏:‏” فنحن‏ ‏وهذه‏ ‏الجاهلية‏ ‏علي‏ ‏مفرق‏ ‏الطريق‏..‏فإما‏ ‏إسلام‏ ‏وإما‏ ‏جاهلية‏, ‏وإن‏ ‏وظيفتنا‏ ‏الأولي‏ ‏هي‏ ‏إحلال‏ ‏التصورات‏ ‏والتقاليد‏ ‏الإسلامية‏ ‏في‏ ‏مكان‏ ‏الجاهلية‏, ‏ولن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏بمجاراة‏ ‏الجاهلية‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏الخطوات‏ ‏لأننا‏ ‏حين‏ ‏نسايرها‏ ‏خطوة‏,‏ فإننا‏ ‏نفقد‏ ‏المنهج‏ ‏كله‏ ‏ونفقد‏ ‏الطريق ” ‏(‏ص‏19)‏ ؛ وهو‏ من ثم ‏لا‏ ‏يعترف‏ ‏بإسلام‏ ‏المسلمين‏ ‏” أن‏ ‏الناس‏ ‏ليسوا‏ ‏مسلمين‏ ‏كما‏ ‏يدعون‏ ‏وهم‏ ‏يحيون‏ ‏حياة‏ ‏الجاهلية‏,‏ ليس‏ ‏هذا‏ ‏إسلاما‏,‏ وليس‏ ‏هؤلاء‏ ‏مسلمين‏.‏ والدعوة‏ ‏إنما‏ ‏تقوم‏ ‏لترد‏ ‏هؤلاء‏ ‏الجاهلين‏ ‏إلي‏ ‏الإسلام‏, ‏ولتجعل‏ ‏منهم‏ ‏مسلمين‏ ‏من‏ ‏جديد ” ‏(‏ص‏173)‏ فهو والحال تلك ‏لا‏ ‏يعتبر‏ ‏أن‏ ‏الإسلام‏ ‏قائم‏ ‏إلا‏ ‏في‏ ‏حدود‏ ‏جماعته‏ ؛ ولذلك فهو ‏ ‏يدعو‏ ‏إلي‏ ‏إعادة‏ ‏إنشائه‏ ‏قائلا‏ ‏: ” وينبغي‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مفهوما‏ ‏لأصحاب‏ ‏الدعوة‏ ‏الإسلامية‏ ‏أنهم‏ ‏حين‏ ‏يدعون‏ ‏الناس‏ ‏إعادة‏ ‏إنشاء‏ ‏هذا‏ ‏الدين‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يدعوهم‏ ‏أولا‏ ‏إلي‏ ‏اعتناق‏ ‏العقيدة‏,‏ حتي‏ ‏ولو‏ ‏كانوا‏ ‏يدعون‏ ‏أنفسهم‏ ‏مسلمين‏,‏ وتشهد‏ ‏لهم‏ ‏شهادات‏ ‏الميلاد‏ ‏بإنهم‏ ‏مسلمون‏,‏ فإذا‏ ‏دخل‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الدين‏ ‏عصبة‏ ‏من‏ ‏الناس‏, ‏فهذه‏ ‏العصبة‏ ‏هي‏ ‏التي‏ ‏يطلق‏ ‏عليها‏ ‏اسم‏ ‏المجتمع‏ ‏المسلم‏ ” (‏ص‏40).‏

وينكر سيد‏ ‏قطب‏ ‏ من بعد ‏أية‏ ‏رابطة‏ ‏سوي‏ ‏رابطة‏ ‏الإسلام‏ ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يعترف‏ ‏بالوطن‏ ‏ولا‏ ‏بالوطنية‏ ‏لا‏ ‏رابطة‏ ‏سوي‏ ‏العقيدة‏, ‏ولا‏ ‏قبول‏ ‏لرابطة‏ ‏الجنس‏ ‏والأرض‏ ‏واللون‏ ‏واللغة‏ ‏والوطن‏ ‏والمصالح‏ ‏الأرضية‏ ‏والحدود‏ ‏الإقليمية‏ ‏إن‏ ‏هي‏ ‏إلا‏ ‏أصنام‏ ‏تعبد‏ ‏من‏ ‏دون‏ ‏الله ‏(‏ص‏580)‏ ؛ مرة‏ ‏أخري‏ ‏أنه‏ ‏رجل‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏المساومة‏ ‏لا‏ ‏حل‏ ‏وسط ‏, ‏ولا‏ ‏منهج‏ ‏بين‏ ‏بين‏…‏أنما‏ ‏حق‏ ‏وباطل‏ ,‏ هدي‏ ‏وضلال‏, ‏إسلام‏ ‏وجاهلية‏ ‏( 28 ) ( سيد‏ ‏قطب‏-‏ في‏ ‏ظلال‏ ‏القرآن‏(‏ج‏1-‏ص‏110)‏ ؛ وعلى ضوء هذا الفكر فهو يرفض ‏كل‏ ‏المجتمعات‏ ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏اسمها‏ ‏حكم‏ ‏الفرد‏ ‏أو‏ ‏حكم‏ ‏الشعب‏, ‏شيوعية‏ ‏أو‏ ‏رأسمالية‏, د‏يموقراطية‏ ‏أو‏ ‏ديكتاتورية‏, ‏أو‏ ‏أتوقراطية‏ ‏أو‏ ‏ثيوقراطية‏ (‏ 29 ) ( سيد‏ ‏قطب‏-‏ مقومات‏ ‏التصور‏ ‏الإسلامي‏-‏ ص‏23).‏

ما‏ ‏معني‏ ‏ذلك‏ ‏كله؟ ما‏ ‏معني‏ ‏تكفير‏ ‏المسلمين‏ ‏جميعا‏ ‏حكاما‏ ‏ومحكومين؟ معناه‏ ‏ببساطة‏ ‏أنهم‏ ‏جميعا‏ ‏مرتدون ‏.‏الأمر الذي يوجب إعادتهم للإسلام ؛ اي أنها دعوة للعنف .‏

وهو العنف الذي ‏ ‏يأتي‏ ‏منقادا‏ ‏وبشكل‏ ‏طبيعي‏ ‏للفكرة‏ ‏الأولي‏ ‏الذي‏ ‏وضع‏ ‏بذرتها‏ ‏‏حسن‏ ‏البنا‏ ‏ومدها‏ ‏علي‏ ‏استقامتها‏ ‏‏سيد‏ ‏قطب‏, ‏ولعل‏ ‏وضوح‏ ‏وصراحة‏ ‏سيد‏ ‏قطب‏ ‏قد‏ ‏دفعت‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏الإخوانيين‏ ‏المعتادين‏ ‏علي‏ ‏التقية‏ ‏والممالأة‏, ‏والتلاعب‏ ‏بالكلمات‏ ‏إلي‏ ‏القول‏ ‏بأن‏ ‏سيد‏ ‏قطب‏ ‏قد‏ ‏تباعد‏ ‏عن‏ ‏فكر‏ ‏الجماعة‏ ‏مستندين‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏إلي‏ ‏كتاب‏ ‏دعاة‏ ‏لا قضاة‏ ‏الذي‏ ‏أصدره‏ ‏حسن‏ ‏الهضيبي‏ ‏مرشد‏ ‏الإخوان‏ ‏آنذاك‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏السجن‏ ‏ناسين‏ ‏أن‏ ‏ ‏الهضيبي‏ ‏كان‏ ‏كغيره‏ ‏من‏ ‏قادة‏ ‏الجماعة‏, ‏يجاهر‏ ‏أحيانا‏ ‏بغير‏ ‏ما‏ ‏يعتقد‏,‏ ملتجئا‏ ‏إلي‏ ‏التقية‏ ‏(30) عصام حسونة مصدر سبق ذكره )

و مثل هذه الحركة التي تعتبر أنها هي وحدها من يملك الحقيقة المطلقة ؛ وما عداها هو مجتمع كافر ؛ من الطبيعي أن تكون ضد التعددية في الرأي والفكر لأن قبولها بالتعددية ؛ يعني أنها وجهات نظر تحتمل الصواب وتملك شيئا من الحقيقية ؛ وهو الأمر الذي لا يمكن التسليم به بالنسبة لمثل هذه الحركة ؛ وإن كانت تلجأ إلى التقية في ذلك ؛ ولهذا رفض البنا رفضا باتا الحزبية وأعلن عدائه للأحزاب السياسية إذ اعتبر أنها نتاج أنظمة مستوردة ولا تتلاءم مع البيئة المصرية ووصفت جريدة (النذير) الأحزاب المصرية بأنها أحزاب الشيطان مؤكدة على أنه لا حزبية في الإسلام في حين أعلنوا ولاءهم وأملهم في ” ملك مصر المسلم ” بعد أن نجح ” على ماهر والشيخ المراغى ” في توطيد العلاقة بين القصر والجماعة التي استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية عندما بدأ الملك يخشى من سطوة هذه الجماعة نتيجة قوة الأعداد الكبيرة التي انضمت إليها ، والتي أصبحت بها تنافس شعبية الوفد وقوة الأسلحة التي استخدمتها الجماعة أثناء حرب فلسطين ، مما أقلق الملك فاروق لذا أيد سياسة النقراشى الرامية إلى حل الجماعة؛ كما أعرب عن ارتياحه لاغتيال البنا. وكان السبب في إقدام النقراشى على حل الجماعة اعتقاده بأن حوادث القنابل والمتفجرات يرتكبها شبان من المنتمين إلى الإخوان. إلا أن الجماعة عادت إلى مزاولة نشاطها عام 1951م ؛ نتيجة صدور قرار من مجلس الدولة بعدم مشروعية قرار حلها ومصادرة ممتلكاتها.(31 ) المصدر السابق )

وفى وثيقة أخرى شديدة الأهمية يرفض «حسن البنا» بشكل واضح التعددية السياسية ، حيث يقول:” إن الحزبية السياسية إن جازت فى بعض الظروف فى بعض البلدان ، فهي لا تجوز فى كلها ؛ وهى لا تجوز فى مصر أبداً “. ويضيف في موضع آخر من ذات الوثيقة:” وأعتقد أيها السادة أن التدخل الأجنبي فى شؤون الأمة ليس من باب إلا التدابر والخلاف، وهذا النظام الحزبى البغيض، وأنه مهما انتصر أحد الفريقين فإن الخصوم بالمرصاد، يلوّحون له بخصمه الآخر، ويقفون منهما موقف القرد من القطتين ولا يجنى الشعب من وراء ذلك إلا الخسارة من كرامته، واستقلاله وأخلاقه ومصالحه». (32) ( المصدر السابق )

وإذا جاز القول أن حركة الإخوان المسامين حركة “دعوة” “إصلاحية” رفضت أن تتحول إلى “حزب” ؛ إلا أنها في الوقت ذاته صممت على ” ممارسات الحزب ” للسياسة فوقعت في تناقض واضح وهو التصميم على الثبات على شكل الجماعة ورفض شكل الحزب، إلا أنها سعت إلى الممارسة الحزبية .( 33) المصدر السابق )

غير أن المفارقة في مثل هذا الخطاب أنه في الوقت الذي ينفي فيه الآخر ؛ ويتبنى ثقافة مفارقة ؛ كان يحاول الاقترب من النظام الحاكم آنذاك ( 34) المصرى اليوم عماد سيد أحمد 11/ 11/ 2009 ) أي القصر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى