الجميع يحذر من انفجار الأوضاع، لكن الحكومة الإسرائيلية تواصل “الاستفزاز”.. فإلى أين تتجه الأمور؟
في الوقت الذي يحذر فيه الجميع من خطورة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ووصولها إلى حافة الهاوية، تواصل حكومة إسرائيل اعتداءاتها وإجراءاتها القمعية، فإلى أين تتجه الأمور في الشرق الأوسط؟
وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، قال للصحفيين الثلاثاء 7 مارس/آذار، إن خطر تصاعد الموقف خارج نطاق السيطرة كبير ليس فقط في الأراضي الفلسطينية أو إسرائيل بل في المنطقة.
والرسالة ذاتها صدرت عن الخارجية المصرية، بعد إقدام قوات الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب جريمة أخرى في الضفة الغربية المحتلة أدت إلى استشهاد 6 فلسطينيين، وفي الوقت نفسه واصل المستوطنون جرائمهم في بلدة حوارة، وسط تشجيع من جنود الاحتلال وحكومته.
حكومة إسرائيل تواصل “الاستفزاز”
منذ أن تولت حكومة إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو وعضوية وزراء ينتمون إلى المستوطنين ولهم مواقف متطرفة معلنة من أمثال إيتمار بن غفير وبلتسئيل سموتريتش وغيرهما، اقتربت الأمور من حافة الانفجار وارتفعت فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال.
سارعت الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن إلى محاولة تهدئة الأمور، رغم انشغالها عن المنطقة بصراعات القوى الكبرى سواء مع روسيا أو الصين، فتوجه وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى المنطقة في محاولة لاحتواء الموقف، وتكررت زيارات المسؤولين الأمريكيين أيضاً والهدف واحد.
ويمكن تلخيص ما تقوم به الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل في عدة محاور أساسية، أولها التوسع في الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية، وهو انتهاك صارخ ومباشر للقانون الدولي. أما المحور الثاني فهو إطلاق العنان للمتطرفين من المستوطنين، الذين وصفهم مسؤول إسرائيلي بارز هو يائير لابيد (رئيس الوزراء السابق) بأنهم “إرهابيون يهود”، كي ينكلوا بالفلسطينيين ويحرقوا منازلهم، وكل ذلك في حماية شرطة وجيش الاحتلال. أما المحور الثالث فهو الإسراع بعمليات تهويد القدس من خلال تهجير الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم، مثل حي الشيخ جراح وسلوان وغيرهما.
وفي هذا السياق، داهمت القوات الإسرائيلية مخيماً للاجئين في مدينة جنين بالضفة الغربية، الثلاثاء 7 مارس/آذار، مما أدى إلى استشهاد 6 فلسطينيين على الأقل، من بينهم شاب مسلح ينتمي إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ويُشتبه بضلوعه في قتل إسرائيليين اثنين بالرصاص في مستوطنة يهودية قرب قرية حوارة الأسبوع الماضي.
وقال شهود لرويترز إن اشتباكات اندلعت بعدما شاهد سكان في مخيم جنوداً إسرائيليين يخرجون من شاحنة للأثاث قرب منزل على تل يطل على وسط المخيم المترامي الأطراف، ليفتح مقاتلون فلسطينيون النار على جنود الاحتلال.
وأفاد بيان للجيش الإسرائيلي بأن قواته طوقت منزلاً تحصن فيه المسلح المشتبه به مع مقاتلين آخرين وأطلقت صواريخ تطلق من على الأكتاف باتجاه المبنى. وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن ستة فلسطينيين استشهدوا وأصيب 16 على الأقل فيما أصيب أحد أفراد الشرطة الإسرائيلية بجروح ولحقت إصابات طفيفة بثلاثة آخرين.
وقال الجيش الإسرائيلي إن المسلح الفلسطيني يُدعى عبد الفتاح خروشة، وهو عضو في حماس، وأطلق النار على الإسرائيليين وهما في سيارتهما عند نقطة تفتيش قرب قرية حوارة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة يوم 26 فبراير/شباط. وذكر أن نجلي خروشة اعتقلا في مداهمة لمدينة نابلس، وهي إحدى المدن في الضفة الغربية التي تتعرض لمداهمات جيش الاحتلال أيضاً.
ماذا يقول الفلسطينيون؟
في وقت مبكر من صباح الأربعاء 8 مارس/آذار، أعلن الجيش الإسرائيلي إطلاق صاروخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، مما أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار ودفع الإسرائيليين إلى الهروب إلى الملاجئ، على الرغم من أن الصاروخ سقط على ما يبدو داخل غزة وليس داخل الأراضي الإسرائيلية.
وأصدرت حماس وحركة الجهاد الإسلامي بيانين قالتا فيهما إن الشهداء ينتمون إلى حركتي المقاومة وكذلك إلى حركة فتح. وقالت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، في بيان: “ندعو مجاهدي شعبنا في كل مكان إلى تصعيد المقاومة المسلحة في وجه الاحتلال ومغتصبيه، والاشتباك معهم في كل ربوع وطننا المحتل”.
وقالت حماس، التي تدير قطاع غزة المحاصر ولها مقاومون في الضفة الغربية المحتلة، إن خروشة من أعضائها، وقالت إنه نفذ عملية حوارة.
كما استنكر المتحدث باسم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مداهمة جنين، التي جاءت بعد تعزيز كبير للقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية في أعقاب العنف في حوارة، التي تقع بالقرب من تقاطع طرق رئيسي شهد اشتباكات متكررة بين المستوطنين والفلسطينيين.
وإجمالاً استشهد أكثر من 70 فلسطينياً منذ بداية العام الحالي برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، من بينهم مقاومون ومدنيون وأطفال، وخلال الفترة نفسها، قتل 14 إسرائيلياً في سلسلة من الهجمات غير المنسقة نفذها أفراد فلسطينيون.
لكن ما تشهده حوارة بالتحديد يمثل نموذجاً صارخاً على مدى “الاستفزاز” الذي تمارسه حكومة نتنياهو والذي شجع غلاة المتطرفين من المستوطنين على استباحة الفلسطينيين وبيوتهم بصورة أثارت الغضب حتى في داخل إسرائيل ذاتها.
فقد شن المستوطنون اليهود، في حماية قوات الاحتلال، هجوماً عنيفاً وغوغائياً على حوارة، أدى إلى مقتل فلسطيني وإضرام النار في عشرات المنازل والسيارات، وهي أعمال الشغب التي وصفها قائد كبير في جيش الاحتلال بأنها “مذبحة”.
وأثارت الاعتداءات غضباً وتنديداً من المجتمع الدولي، وزادت ردود الفعل حدة بعد أن قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إنه يجب “محو” حوارة من الوجود.
وعلى الرغم من تصريحات شرطة الاحتلال الإسرائيلي بأنها ستعاقب المسؤولين عن الهجوم على الفلسطينيين في حوارة، إلا أن نفس الهجمات استمرت وهاجم مستوطنون القرية ليل الثلاثاء.
وقالت قوات الجيش الإسرائيلي وشرطة الحدود إنها فرقت حشوداً ممن وصفهم الجيش بأنهم “عدد من مثيري الشغب الذين يشنون أعمال عنف” في حوارة. لكن مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت مجموعة من المستوطنين يرتدون ملابس سوداء ويهاجمون سيارة أحد الفلسطينيين قبل أن يتمكن سائقها من الفرار.
وقال عمر خليفة الذي كان قد انتهى لتوه من التسوق في متجر وركب السيارة مع عائلته عندما وقع الهجوم “كانت زوجتي جالسة في الكرسي الخلفي للسيارة واحتضنت ابنتنا لحمايتها. كان من الممكن أن نفقدها، وكان هناك خطر حقيقي على حياتنا”.
وأظهرت لقطات أخرى جنوداً إسرائيليين يرقصون مع مستوطنين يهود في البلدة احتفالاً بما يُسمى بعيد المساخر اليهودي بينما يُسمع صوت يقول بالعبرية “حوارة تم غزوها يا سادة!”.
ولم يعلق الجيش الإسرائيلي على سؤال حول لقطات الجنود الراقصين مع المستوطنين في رده على طلب للإدلاء بمعلومات عن الواقعة. ولم يرد فوراً على سؤال من رويترز حول ما إذا كان قام بأي اعتقالات.
هل تجدي مناشدات التهدئة من بايدن وباقي الحلفاء؟
من الطبيعي أن يكون هذا السؤال هو الشغل الشاغل لجميع الأطراف في هذه المرحلة، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان (23 مارس/آذار) وزيادة المخاوف من أن يؤدي استمرار الحكومة الإسرائيلية في إجراءاتها القمعية بحق الفلسطينيين إلى خروج الأوضاع عن السيطرة تماماً.
وفي هذا السياق، كانت صحيفة The New York Times الأمريكية قد نشرت تقريراً يرصد كيف أن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة تزيد من خطر التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، ووضع الحكومة الإسرائيلية الجديدة الاستيطان في طليعة أجندتها.
وكرر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن دعواته للجانبين بتهدئة التوتر في الضفة الغربية المحتلة، ومن المتوقع أيضاً أن يثير وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مسألة العنف خلال زيارته لإسرائيل هذا الأسبوع. لكن لا توجد علامة على أي تراجع في أعمال العنف قبل بداية شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي.
وفي القاهرة، أدانت مصر اقتحام القوات الإسرائيلية لمخيم جنين مؤكدة رفضها التام “لسياسة الاقتحامات المتكررة الإسرائيلية وما ينتج عنها من سقوط ضحايا من المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني”.
وناشدت مصر في بيان صادر عن وزارة الخارجية “كافة الأطراف الدولية الفاعلة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وأعضاء مجلس الأمن، الاضطلاع بمسؤولياتهم لوضع حد للإجراءات الأحادية التصعيدية الجارية، وتهيئة الظروف لتمكين جهود التهدئة والتسوية السلمية لتؤتي ثمارها بعيداً عن حلقة العنف المدمرة القائمة”.
لكن البيانات المنتقدة والتصريحات التي تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة لا تجد آذاناً مصغية في تل أبيب، رغم أن انفجار الأوضاع لا يصب في مصلحة أي من الأطراف، وبخاصة الولايات المتحدة نفسها وحلفاؤها في المنطقة، بحسب تحليل لمجلة National Interest الأمريكية عنوانه “الحكومة الإسرائيلية تمثل تهديداً لمصالح أمريكا وليس فقط لقيمها”.
هذا التحليل، الذي كتبه يوناتان توفال، وهو محلل إسرائيلي بارز في ميتفيم (المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية)، يصف المواقف الأمريكية بأنها “ساذجة” إلى حد كبير، لأن الحديث “الأخلاقي” عن الديمقراطية والمخاطر التي تتهددها جراء سعي حكومة نتنياهو إلى إلغاء استقلال القضاء الإسرائيلي يغفل جانباً مهماً ورئيسياً يتعلق بالمصالح الأمريكية نفسها في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم أيضاً.
إلى أين تتجه الأمور في المنطقة؟
فعلى الرغم من أن هذه المخططات التي تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تمريرها تمثل بالفعل تهديداً لتلك الديمقراطية المزعومة، إلا أن إجراءات تلك الحكومة القمعية والاستفزازية بحق الفلسطينيين تمثل تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية، ومن ثم فإن التركيز على التهديد المحدق بالديمقراطية الإسرائيلية إما أنه “سذاجة” أو أنه “قلة حيلة” من جانب إدارة بايدن.
فعن أي جانب أخلاقي يتحدث بلينكن وبايدن مع حكومة يصرح وزير بها، وهو وزير المالية بلتسئيل سموترتيش، علناً بضرورة “محو” قرية فلسطينية من الوجود؟ وحتى تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، المنتقدة لما عبر عنه سموتريتش، جاءت “عاطفية وشخصية بحتة”، حيث قال برايس إن تصريحات سموتريتش أصابت المسؤولين الأمريكيين “بالغثيان”.
ويمكن القول إن أبرز ما تكشف عنه “التصريحات الغاضبة والمنتقدة” من جانب إدارة بايدن تجاه الحكومة الإسرائيلية هو مدى فشل واشنطن في تقدير مدى الخطر الذي تمثله تلك الحكومة للمصالح الأمريكية، بحسب توفال، المحلل الإسرائيلي.
فالجبهة الفلسطينية هي الجبهة الواضحة التي تتعرض فيها المصالح الأمريكية لتهديد مباشر بسبب سياسات الحكومة الإسرائيلية التوسعية والقمعية، وهو ما استرعى انتباه إدارة بايدن بالفعل فسارعت إلى تكرار زيارات المسؤولين للمنطقة، كما عقدت قمة العقبة الأمنية في الأردن، وذلك بعد أن تدخلت لدى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس لسحب قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي من مجلس الأمن قبل ساعات من التصويت عليه.
لكن تحركات وتصريحات الإدارة الأمريكية لا تأثير لها على الإطلاق فيما يتعلق بإجراءات الحكومة الإسرائيلية الاستفزازية. إذ استمرت اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في قرية حوارة بالضفة الغربية المحتلة، وهي القرية نفسها التي نادى الوزير الإسرائيلي علناً “بمحوها”.
الخلاصة هنا هي أن استمرار الحكومة الإسرائيلية في إجراءاتها القمعية تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يهدد بانفجار الموقف، وهو ما يمثل خطراً داهماً على الاستقرار في المنطقة، كما يمثل تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية، وليس فقط “لقيم الديمقراطية” التي ينشغل بها بايدن ومسؤولوه.
فعلى سبيل المثال، سيؤدي انفجار الموقف في الأراضي الفلسطينية إلى مخاطر انتشار عدم الاستقرار في الأردن، حيث غالبية السكان من أصل فلسطيني ويرتبطون بروابط مباشرة مع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن. والأردن حليف استراتيجي مهم للولايات المتحدة، وبالتالي فإن أي عدم استقرار يتهدد المملكة يقوض المصالح الأمريكية بطبيعة الحال.
وإذا كان استقرار الأردن، المجاور مباشرة للفلسطينيين، سيكون الضحية الأولى لسياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، فإن دولاً أخرى مجاورة، هي أيضاً حليفة استراتيجية لواشنطن، على الأرجح ستتأثر أيضاً.
وعلى الرغم من أن حكومات تلك الدول، مثل مصر والإمارات وغيرهما، تعتبر قوية بما يكفي للتعامل مع أي عواصف قد تنتج عن انفجار الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، بمعنى اندلاع احتجاجات منددة بإسرائيل والاحتلال وسياسات القمع تجاه الفلسطينيين، إلا أن تأثير تلك الاحتجاجات سيمثل ضغوطاً على حكومات تلك الدول قد تدفعها إلى اتخاذ مواقف أو اتباع سياسات تضر بالمصالح الأمريكية.