الحقيقة التي يتجاهلها الجميع.. معركة العالم ضد وباء كورونا لا تبدو لها نهاية وشيكة

لم تعد تطورات فيروس كورونا تحتل الصدارة في نشرات الأخبار ولا حتى منصات التواصل الاجتماعي، فهل يعني ذلك أن العالم قد حقق الانتصار في معركة الوباء؟ الإجابة ربما تكون العكس تماماً وهذا ما تعكسه الأرقام بشكل عام حول العالم، فما قصة هذا الوباء وهل لها من نهاية وشيكة؟

موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC نشر تقريراً شارحاً بعنوان: “فيروس كورونا: هل يكسب العالم معركته ضد الوباء؟”، رصد الإجابة عن التساؤل في نقاط محددة ومعلومات وليس تحليلات أو تصريحات من هنا وهناك، تزامناً مع تخطي الإصابات بالوباء حول العالم 20 مليوناً والوفيات أكثر من 734 ألفاً اليوم الإثنين 10 أغسطس/آب.

الصورة تبدو قاتمة

مر ما يزيد قليلاً عن ستة أشهر، منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ عالمية بسبب ظهور فيروس جديد، ففي ذلك اليوم في نهاية شهر يناير/كانون الثاني، كان قد تم الإبلاغ عن ما يقرب من 10 آلاف حالة إصابة بفيروس كورونا، وتوفي أكثر من 200 شخص، جميعها داخل الصين فقط.

ومنذ ذلك الحين تغير العالم وشكل حياتنا كثيرًا، فكيف إذن كيف تسير هذه المعركة ضد فيروس كورونا القاتل؟ وإذا نظرنا إلى الكوكب ككل، فإن الصورة تبدو قاتمة، ففي بداية الوباء كان تسجيل 100 ألف إصابة جديدة بالفيروس يستغرق عدة أسابيع، لكن اليوم يتم تسجيل هذا الرقم الضخم خلال ساعات.

ارتفاع كبير في أعداد الإصابات بفيروس كورونا – رويترز

وتقول الدكتورة مارغريت هاريس، من منظمة الصحة العالمية: “ما زلنا في خضم وباء سريع الانتشار، وشديد وخطير للغاية. إنه موجود في كل مجتمع في العالم”.

الوباء واحد لكن تأثيره يختلف من بلد لآخر

لكن هناك حقيقة واحدة توحد الجميع، سواء أكان موطنهم في غابات الأمازون المطيرة، أو ناطحات السحاب في سنغافورة أو شوارع بريطانيا: هذا فيروس يزدهر عند الاتصال البشري الوثيق. كلما اجتمعنا أكثر أصبح انتشاره أسهل. هذا صحيح اليوم، كما كان عندما ظهر الفيروس لأول مرة في الصين.

أكثر من 734 ألف قتيل بفيروس كورونا حول العالم – رويترز

هذه الحقيقة توضح الوضع في أي مكان في العالم، وتحدد كيف سيبدو المستقبل، وهذا هو سبب الحجم الكبير للحالات في أمريكا اللاتينية – المركز الحالي للوباء – والإصابات المتزايدة في الهند، كما يفسر سبب احتجاز هونغ كونغ للأشخاص في منشآت الحجر الصحي، أو أن سلطات كوريا الجنوبية تراقب الحسابات المصرفية والهواتف، ويوضح سبب معاناة أوروبا وأستراليا، لتحقيق التوازن بين رفع قيود الإغلاق واحتواء المرض.

فيروس مراوغ سريع الانتشار

وتقول الدكتورة إليزابيتا غروبيلي، من جامعة سانت جورج بلندن: “هذا فيروس ينتشر في جميع أنحاء الكوكب. إنه يؤثر على كل فرد منا. ينتقل من إنسان إلى آخر. الأمر لا يتعلق بالسفر فقط، بل بتبادل أطراف الحديث وقضاء الوقت معاً. هذا ما يفعله البشر”.

وحتى الفعل البسيط المتمثل في الغناء معاً ينشر الفيروس، وقد ثبت أيضاً أنه فيروس مخادع للغاية، ويصعب تتبعه إلى حد كبير، حيث يتسبب في ظهور أعراض خفيفة أو لا تظهر أعراض بالمرة عند كثيرين، لكنه قاتل بدرجة كافية وقد يؤدي لإرباك المستشفيات.

الفيروس سريع الانتشار / رويترز

وتقول الدكتورة هاريس: “إنه الفيروس الوبائي لعصرنا هذا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. نحن نعيش الآن في زمن فيروس كورونا”.

طريقة واحدة لمنع انتشاره

صحيح أن دولاً قد حققت ما يمكن اعتباره نجاحاً في احتواء الوباء والسيطرة عليه، لكن ذلك يتم فقط من خلال كسر قدرة الفيروس على الانتقال من شخص إلى آخر، وهنا تأتي نيوزيلندا على قمة القائمة، فقد تصرفوا في وقت مبكر، بينما كانت لا تزال هناك حالات قليلة في البلاد؛ فرضوا الإغلاق وأغلقوا حدودهم، والآن بالكاد توجد حالات قليلة للغاية، وعادت الحياة إلى طبيعتها إلى حد كبير.

كما ساعد وضع الأسس السليمة في البلدان الفقيرة أيضاً على احتواء الفيروس؛ فمنغوليا لديها أطول حدود مشتركة مع الصين، حيث بدأ الوباء، وكان من الممكن أن تتأثر البلاد بشدة، ومع ذلك لم تحدث حالة إصابة واحدة تتطلب العناية المركزة، حتى يوليو/تموز الماضي، وحتى الآن، تم تشخيص 293 حالة فقط هناك ولم يسجل لديهم وفيات.

شوارع نيويورك الخالية، كيف يمكن تجنب الإغلاق الثاني؟ / رويترز

ويقول البروفيسور ديفيد هيمان، من كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، إن منغوليا قامت بعمل جيد بموارد محدودة للغاية، لقد قاموا بتتبع الوباء وعزلوا الحالات، وحددوا المخالطين وعزلوا هؤلاء المخالطين، كما قاموا بإغلاق المدارس بشكل سريع، ووضعوا قيوداً على السفر الدولي، وكانوا من أوائل المروجين لارتداء أقنعة الوجه وغسل اليدين.

ما أبرز أسباب الفشل؟

ومن ناحية أخرى، يقول البروفيسور هيمان إن “الافتقار إلى القيادة السياسية” أعاق العديد من البلدان، حيث “يواجه قادة الصحة العامة والقادة السياسيون صعوبة في التحدث معاً”، وفي مثل ذلك المناخ انتشر الفيروس، فمن الواضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير أطباء الأمراض المعدية في البلاد، أنتوني فاوتشي ، كانا على مواقف متباينة، إن لم تكن متناقضة تماماً خلال الوباء.

ترامب اتهم فوتشي – رويترز

وانضم الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو إلى المسيرات المناهضة للإغلاق، ووصف الفيروس بأنه “إنفلونزا صغيرة”، وقال إن الوباء أوشك على الانتهاء في مارس/آذار الماضي، ونتج عن ذلك أن أصيب 2.8 مليون شخص في البرازيل وحدها، وتوفي ما يقرب من 100 ألف آخرين.

لكن البلدان التي استطاعت السيطرة على الفيروس – في الغالب من خلال عمليات إغلاق مؤلمة عطلت حركة المجتمع – تجد أنه لم يختف، وسينتشر مرة أخرى إذا خففوا من حذرهم، ولا تزال العودة إلى الحالة الطبيعية بعيدة المنال، وتقول الدكتورة غروبيلي: “إنهم يكتشفون أن الخروج من الإغلاق أكثر صعوبة من الدخول فيه. لم يفكروا في كيفية التعايش مع الفيروس”.

الإغلاق مرة أخرى

وأستراليا واحدة من الدول التي تحاول رسم مسار للخروج من حالة الإغلاق، لكن ولاية فيكتوريا الآن في وضع “كارثي”، وعادت ملبورن إلى الإغلاق في أوائل يوليو/تموز الماضي، ولكن مع استمرار انتشار العدوى، فرضت منذ ذلك الحين قواعد أكثر صرامة، والآن هناك حظر تجول ليلي، ومن المتوقع أن يمارس الناس الرياضة ضمن مسافة لا تتجاوز 5 كيلومترات من منازلهم.

أوروبا أيضاً تنفتح، لكن إسبانيا وفرنسا واليونان سجلوا أكبر أعداد من حالات الإصابة خلال أسابيع، كما سجلت ألمانيا أكثر من ألف حالة يومياً، وذلك لأول مرة منذ ثلاثة أشهر، لذلك أصبح ارتداء أقنعة الوجه، الذي كان شيئاً غريباً في بداية الوباء، أمراً شائعاً الآن في أوروبا، حتى إن بعض المنتجعات الشاطئية تصر على إلزام مرتاديها بها.

النجاح مؤقت ولا يجب أن ننخدع

وفي تحذير لنا جميعاً، فإن النجاح في الماضي ليس ضماناً للمستقبل، فقد تمت الإشادة بهونغ كونغ على نطاق واسع، لنجاحها في كبح الموجة الأولى من فيروس كورونا، لكن تم الآن إغلاق الحانات وصالات الألعاب الرياضية مرة أخرى، في حين تمكن منتجع ديزني لاند هناك من إبقاء بواباته مفتوحة، لمدة تقل عن شهر.

وتقول الدكتورة هاريس: “إنهاء الإغلاق لا يعني العودة إلى الأساليب القديمة. إنه وضع طبيعي جديد. لم يفهم الناس هذه الرسالة على الإطلاق”.

ويظل موقف إفريقيا في مكافحة فيروس كورونا سؤالاً مفتوحاً، وهناك أكثر من مليون حالة، وبعد بداية ناجحة، يبدو أن جنوب إفريقيا في وضع سيئ، حيث توجد غالبية الحالات في القارة، لكن الاختبارات القليلة نسبياً تعني صعوبة الحصول على صورة واضحة تماماً، وهناك لغز معدل الوفيات المنخفض بشكل ملحوظ في إفريقيا، مقارنة ببقية العالم.

من اليسار إلى اليمين: رئيس تايوان تساي إنغ ون، ورئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل

وهناك تكهنات متعددة حول السبب؛ الناس أصغر كثيراً فمتوسط العمر في إفريقيا هو 19 عاماً، والفيروس أكثر فتكاً في الشيخوخة، وقد تكون فيروسات كورونا الأخرى ذات الصلة أكثر شيوعاً، ما قد يوفر بعض المناعة ضد الوباء، والمشاكل الصحية الشائعة في البلدان الغنية، مثل السمنة ومرض السكري من الفئة الثانية، والتي تزيد من مخاطر كوفيد أقل شيوعاً في إفريقيا.

كما أن الدول تبتكر في الاستجابة للوباء، فتستخدم رواندا الطائرات بدون طيار لتوصيل الإمدادات إلى المستشفيات، والإعلان عن القيود المفروضة لمواجهة فيروس كورونا، بل إنها تُستخدم في القبض على من يخالفون القواعد، بمن في ذلك راعية إحدى الكنائس.

ولكن كما هو الحال مع أجزاء من الهند وجنوب شرق آسيا وما وراءها، فإن صعوبة الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي يقوض أبسط الإرشادات المتعلقة بغسل اليدين، وتقول الدكتورة غروبيلي: “هناك أناس لديهم ماء لغسل أيديهم، وآخرون ليس لديهم ماء. هذا فرق كبير، يمكننا تقريبا تقسيم العالم إلى قسمين. وهناك علامة استفهام كبيرة حول كيفية السيطرة على الفيروس ما لم يكن هناك لقاح”.

متى إذن تنتهي حرب الوباء؟

هناك بالفعل علاجات دوائية، فقد ثبت أن ديكساميثازون – وهو دواء ستيرويدي رخيص التكلفة – ينقذ بعض المرضى الأكثر عرضة للخطر، لكنه لا يكفي لمنع وفاة جميع مرضى كوفيد 19، أو رفع الحاجة إلى جميع القيود.

وسيتم إيلاء اهتمام وثيق للسويد في الأشهر المقبلة، لمعرفة ما إذا كانت استراتيجيتها ستنجح على المدى الطويل، حيث إنها لم تفرض إغلاقاً، ولكن حتى الآن كان لديها معدل وفيات أعلى بكثير من جيرانها، بعد فشلها في حماية الناس في دور الرعاية.

لقاح فيروس كورونا
istock\ لقاح فيروس كورونا

وبشكل عام، فإن آمال العالم في إعادة الحياة إلى طبيعتها معلقة على اللقاح. تحصين الناس يكسر قدرة الفيروس على الانتشار، فهناك الآن ستة لقاحات تدخل المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وهذه هي المرحلة الحاسمة، التي سنكتشف فيها ما إذا كانت اللقاحات التي تبدو واعدة تعمل بالفعل، لكن العقبة الأخيرة تلك هي المرحلة التي تعثرت فيها أدوية عدة.

ويقول مسؤولو الصحة إن التركيز يجب أن يظل على ما “إذا” كنا سنحصل على لقاح من عدمه، وليس على “متى”، وتقول الدكتورة مارغريت هاريس، من منظمة الصحة العالمية: “لدى الناس اعتقاد هوليوودي بشأن اللقاح، وأن العلماء سيحلون المشكلة. في فيلم مدته ساعتان، تأتي النهاية بسرعة كبيرة، لكن العلماء ليسوا براد بيت (الممثل)، يحقنون أنفسهم ويقولون “سوف نُنقذ جميعاً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى