الحكومة تضعهم في مواجهة مع الشعب وتعاملهم كـ”أسرى حرب”.. تفاصيل حملة التشويه المتعمَّدة ضد أطباء “مصر”

“ما أشبه الليلة بالبارحة” بهذه العبارة العربية الفصيحة بدأ د. هاني عبدالله حديثه عما فعلته وزارة الصحة بالأطباء، حين باعتهم إلى الشعب الغاضب، عقاباً لهم فيما يبدو على ذيوع صيتهم وارتفاع شعبيتهم في الفترة الأخيرة، عقب دورهم المقدر في الصفوف الأمامية لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19”.

ويفسر الطبيب الأربعيني وجهة نظره فيقول إن تكسير أي فئة تزداد شعبيتها ولو بشكل عارض بات هدفاً واضحاً لأجهزة الدولة المختلفة، والدليل ما حدث مع الصحفيين قبل سنوات، حين ارتفعت أسهمهم عقب دورهم في الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، والتمهيد لما حدث في 30 يونيو/حزيران من عام 2013، لكن تلقّى هؤلاء عقابهم على الفور، حين اقتحمت قوات الشرطة نقابة الصحفيين بالمخالفة لكل القوانين، وحينما حاول أصحاب مهنة القلم التجمع في نقابتهم للاعتراض على ما حدث تم تشويه صورتهم، وأطلقت أجهزة الأمن عليهم أعداداً من الغوغاء يُلقون عليهم الطوب والزجاجات الفارغة، وهم يدخلون مبنى نقابتهم بحجة أن الصحفيين يريدون أن يكونوا مميزين عن بقية الشعب، وهذا ينافي قواعد العدالة المجتمعية، كما تكرَّر نفس التشويه الممنهج مع اللاعب محمد صلاح، الذي سمعنا أن هناك أجهزة غضبت من شعبيته الطاغية، وخشيت من تأثيرها على تناقص شعبية المسؤولين الرسميين.

تكسير عظام

الآن يتكرر نفس السيناريو مع الأطباء الذين كسبوا قلوب المصريين في الشهور الثلاثة الأخيرة، نتيجة شجاعتهم في مواجهة تفشي وباء كورونا المستجد، لنجد وزيرة الصحة تشمر عن ساعديها من أجل الإساءة للأطباء وتشويه صورتهم أمام الرأي العام.

فقد أجبرت الوزارة الأطباء من كل التخصصات على العمل في علاج مصابي كورونا دون إجازات، سواء اعتيادية أو مرضية، وتهديد مَن لا ينفذون تلك الأوامر بالقبض عليهم عن طريق الأمن الوطني، وتحويلهم إلى محاكمات عسكرية، وتركت أصحاب الأمراض الأخرى يستغيثون بعد تحويل كل المشافي لعلاج مصابي الفيروس المستجد.

ويخشى عقلاء المهنة وحكماؤها ألا تتمكن المهدئات التي قدمها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال لقائه مع نقيب الأطباء من نزع فتيل الغضب لدى الأطباء، الذين يرى أغلبهم أن الوزارة تعاملهم مثل أسرى الحروب، تهددهم وتنقلهم من مكان لآخر دون أن تسألهم عن رأيهم أو تقدم لهم في المقابل أي مميزات أو مغريات تعينهم على التعامل مع احتمالات الموت التي يواجهونها يومياً.

شهدت الأيام الماضية أيضاً تطوراً خطيراً يُنذر بتبعات كارثية على مستقبل مهنة الطب في مصر، تَمثل في خطابات رسمية تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي لطلب تكليف أطباء من المستشفيات العامة للعمل في المستشفيات العسكرية خلال الفترة الحالية.

وزيرة الصحة تُصدّر حالة الخصومة والعداء مع الأطباء بلا سبب

“عربي بوست” سأل عضواً بمجلس نقابة الأطباء من المخضرمين في المهنة (رفض ذكر اسمه)، عن حقيقة خطابات تكليف الأطباء في المستشفيات العسكرية، فقال إن موضوع تكليف الأطباء بالعمل في المستشفيات العسكرية غير مؤكد حتى الآن، خاصة أنه تم بالفعل تكليف لأطباء بشروط معينة للعمل هناك، وكان ذلك في مارس/آذار الماضي، ولم يرد للنقابة أي مكاتبات رسمية بشأن الخطابات المتداولة، لكن في حالة ثبوته سيكون خطوة للخلف في علاقة الوزارة مع الأطباء الذين يستحقون معاملة تُراعيهم وتُقدرهم، وليس معاملة تُشعرهم أنهم مثل قطيع الحيوانات التي يمسك صاحبها عصا ليجبرها على الانتقال من هذا الحقل إلى تلك “الزريبة”، على حد وصفه.

كاشفاً أن تكليف الأطباء في المستشفيات العسكرية يُخرجهم من محيط عملهم المعتاد، ليبدأوا مهمة في مكان جديد عليهم، وبما أنهم مدنيون فسيكونون بالتأكيد في مرتبة أقل من الدكتور الضابط، وعليهم أن يقبلوا ذلك، وبعد انتهاء جائحة كورونا بإذن الله ستنهي المستشفيات العسكرية مهامهم ليعودوا إلى أماكن عملهم الأصلية وهم متأخرون عدة شهور عن زملائهم الذين لم يتم تكليفهم، وهذا بالتأكيد سيكون له تأثير على تطورهم الوظيفي فيما بعد.

وأضاف أن تعامل وزارة الصحة مع الأطباء بشكل عام منذ قدوم الوزيرة الحالية د. هالة زايد غير لائق، متهماً الوزيرة بتصدير حالة الخصومة والعداء في علاقة الوزارة مع الأطباء، في حين أن العكس هو ما يفترض أن يحدث، فلم نسمع مثلاً أن وزير الدفاع تعامل بعدوانية مع الضباط، أو وزير الداخلية يهاجم رجاله جهاراً نهاراً.

موجة الغليان ضد الطاقم الطبي تبدأ بالسباب وتصل إلى محاولة الاعتداء

خارج مستشفى الحميات بمنطقة إمبابة الشعبية، ووسط حالة السكون التي تسود الشوارع الخالية من المارة بسبب حظر التجوال ظهر طبيب ثلاثيني منهك إلى حد الإعياء في طريقه إلى أحد المحال النادرة المفتوحة في الليل، لبيع المأكولات السريعة.

وخلال دقائق انتظار تجهيز الساندويتشات تحدّث مع “عربي بوست” معرباً عن حزنه لما آل إليه حال الأطباء، في وقت تقوم فيه كل دول العالم بتدليل أطبائها والاستماع إلى مشاكلهم ومحاولة حلها، بينما في مصر فالضرب على الرأس هو مكافأة أي طبيب يُخلص في عمله، بينما تتغاضى نفس الوزارة عن آلاف الأطباء الذين لا يذهبون إلى نوبتجياتهم في المستشفيات الحكومية منذ سنوات.

يقول “الوزارة وضعتنا وجهاً لوجه مع المرضى من دون إمكانات ولا أماكن للعلاج ولا أجهزة للأشعة، ولا وقاية كافية تحمينا من العدوى، تتعامل معنا كأسرى حرب، وهو ما أدى إلى إصابة المئات منا بكورونا، وأصبح كل طبيب يغطي مناوبة زميله المصاب”.

ويضيف “الجديد هو تجرؤ بعض أهالي المرضى علينا بعد دخول المستشفى ضمن قائمة الـ320 مستشفى التي أعلنت عنها الوزارة، ونفت ما يتردد بشأن امتلاء مستشفيات العزل، وهو كلام غير صحيح أعرفه ببساطة لأن مستشفى الحميات في إمبابة لا يوجد به سرير واحد فارغ في الرعاية المركزة، في حين أن الأسرّة العادية غير مجدية للمرضى في المستوى الثالث من الإصابة بالفيروس، أي الذين يعانون من فشل الجهاز التنفسي، وبالتالي يحتاجون لأن يوضعوا على أجهزة التنفس الصناعي، وهي غير متوفرة في أي مكان بالمستشفى سوى بالرعاية المركزة”.

ويستكمل قائلاً “عندما نحاول إفهام أهالي المرضى أنه لا يوجد مكان لا يصدقنا أحد، وتبدأ موجة الغليان ضد الطاقم الطبي، التي تبدأ عادة بالسباب لي ولوالدتي وطاقم التمريض ثم مدير المستشفى، وتصل إلى محاولة الاعتداء التي تنجح أحياناً وتفشل غالباً حسب (شطارة) المعتدي وقدراته الجسدية، وخوف أفراد أمن المستشفى منه”، لكن الغريب -والكلام لا يزال للطبيب الحانق- أن معزوفة الشتائم التي توزّع علينا بكرم هائل لا تتضمن الوزيرة، رغم أنها المسؤول الأول عن منظومة الصحة في مصر، ما دفع بعض الظرفاء من زملائنا للقول إن الوزيرة هي مَن تُدبر حملات السباب تلك لكسر أنوف الأطباء!

يكمل الطبيب نظريته المثيرة حول وزيرة الصحة، مضيفاً بجدية هذه المرة “وضع الأطباء في مواجهة الأهالي ليس له في اعتقادنا سوى هدف واحد، أن تتحول الشعبية الطارئة لوزارة الصحة، التي وفرت المستشفيات بدلاً من الأطباء الذين يظهرون وكأنهم يتخلون عن المرضى ويرفضون علاجهم”.

قلة الوقائيات تحير الأطباء

د. محمد حسن، الذي يعمل في أحد المستشفيات العامة، فوجئ لدى دخوله صباح أحد أيام الأسبوع الماضي بتحويله إلى مستشفى عزل، دون سابق إنذار أو تجهيزات أو دورات توعية لكيفية التعامل مع المصابين بفيروس كورونا، يستكمل رحلة الحنق على وزارة الصحة فيقول: “لمصلحة مَن ما يحدث؟!”

 “ولماذا يتم تشويه صورة الطبيب الذي يعمل طوال 24 ساعة، ويقوم كثير من الأطباء والممرضون بشراء أدوات الوقاية من أقنعة وقفازات على حسابهم الشخصي، لأن السادة مديري المستشفيات يُخزّنون الوقائيات في المخازن حتى يتفاخروا أمام الوزارة والجهاز المركزي للمحاسبات بنجاحهم في الحفاظ على تلك الأشياء، وليس مهماً حياة الأطباء ولا صحتهم ولا حتى راحتهم”.

“قلة الراحة تتمثل في أن بعض الأطباء يحبسون قضاء حاجتهم لساعات طويلة، لأن بدلات الوقاية التي توزع عليهم مُحكمة الإغلاق، ولا سبيل لفتحها ثم إعادة إغلاقها مجدداً، أي أن الطبيب في حالة احتياجه لقضاء حاجته عليه خلع بدلة الوقاية التي تُقطع غالباً، ما يعني أنه يحتاج لبدلة جديدة، بينما المدير سيرفض بالتأكيد -وهذا ما حدث في مواقف متكررة مع أطباء مختلفين- صرف بدلتين لطبيب واحد في اليوم، وبالتالي على كل طبيب أن يقرر أن يواصل أداء عمله في إنقاذ الأرواح، على حساب إنقاذ نفسه من حبس البول وما له من تداعيات صحية خطيرة، أو أن يلبي نداء الطبيعة ويخرج من غرف الرعاية ولا يعود لها إلا في اليوم التالي، ويموت من يموت ويعيش من يعيش من المرضى”.

لا يعترض الطبيب على إرسال المستلزمات للدول الموبوءة، فهو يعلم أن السياسة الخارجية لها حسابات أخرى لا يفهمها المواطنون، ولكنه يعترض على ألا يتوفر له وزملائه تلك المستلزمات، ويموت البعض منهم أمام أعينهم (حتى 30 مايو/أيار مات حوالي 33 طبيباً طبقاً لتقرير أصدره ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، ووصل الآن إلى 42).

برلمانية.. دعوة الأطباء للاستقالة “خيانة عظمى”

الملاحظ في الحملات الممنهجة ضد الأفراد أو الفئات ممن تزداد شعبيتهم، أن الخطوات تكاد تكون واحدة، فالأمر يبدأ ببرامج ومقالات إشادة ومدح يصل إلى حد الغزل العفيف وأحياناً الصريح، ثم سرعان ما تتدخل جهة حكومية سواء وزارة أو اتحاد كرة أو غيره، لتصطنع مواجهة مع الطرف المغضوب عليه، وتليها حملات إعلامية منظمة تعدد مساوئ هذا الشخص أو هذه الفئة، وتغريدات من مشاهير تسخر من المغضوب عليه وتقلل منه، وهذا ما حدث في أزمة الأطباء مع وزارة الصحة.

ففي بداية الأزمة قامت القنوات بالمقارنة بين عمل الأطباء وبطولات رجال الجيش والشرطة في مواجهة أعداء الوطن والإرهابيين، وفي الصحافة المكتوبة خصصت أعمدة وتقارير مُجدت فيها الطواقم الطبية.

ثم جاءت الخطوة الثانية بتدخل وزارة الصحة ووضعهم في مواجهة مع عشرات آلاف المرضى وذويهم، وهم منزوعو السلاح والإمكانات، لتأتي الخطوة الثالثة متمثلة في هجوم الإعلام والبرلمان على الأطباء.

فقد تقدمت النائبة مايسة عطوة، وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، بطلب إحاطة لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرة الصحة، أكدت خلاله وجود مخطط إخواني لضرب الأطقم الطبية وتحريضهم ضد الدولة، دون تحرك من الجهات المعنية.

وقالت عطوة إن دعوة الأطباء للإضراب والاستقالة هي بمثابة “خيانة عظمى”، لأن “خدمة الأمة في هذه الساعة الحرجة عمل وطني يجب عدم التخلي عنه”.

وقام الفنان أحمد العوضي بنشر صورة ساخرة عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك، ظهر فيها بوجه هشام عشماوي وهو يرتدي ملابس الأطباء، ومكتوب عليها “الاختيار 2”.

وعندما أصدرت نقابة الأطباء -وهي الجهة الوحيدة حالياً في مصر التي تجهر بمعارضة سياسات الدولة في إدارة أزمة كورونا- بياناً حمّلت فيه الجهات التنفيذية والتشريعية والرقابية مسؤولية تعامل وزارة الصحة مع الأطباء، وبالتبعية وفاة العشرات منهم وإصابة المئات، بدأت حملة ممنهجة  لتشويه صورة الأطباء، وحوّلهم الإعلام الحكومي إلى شياطين وخونة و”دمى إخوانية”.

وذكر موقع صدى البلد تحت عنوان “خلية نائمة.. طبيب مستشفى المنيرة طلع إخوان”، وذلك إثر استقالة طبيب بعد وفاة زميله، وقال إنه “عضو في جماعة الإخوان”، وإن هناك مخططاً إخوانياً جديداً لضرب الأطقم الطبية وتحريضهم ضد الدولة، من خلال تحريض الأطباء على الاستقالة، وتصدير حالة تجاهل الحكومة ووزارة الصحة حقوقهم في التأمين والعلاج.

ورغم سخافة الاتهام، فقد حرصت نقابة الأطباء المصريين على نفي اتهامات العلاقة مع الإخوان، وقالت إنها ليست جديدة، وأكد مصدر طبي في النقابة أن “الدولة تستخدم تلك التهمة لتشويه أي نقد حتى لو كان من أجل المواطنين”، مضيفاً أن “مطالب الأطباء شرعية، ولا علاقة لها بالسياسة، ونحن بحاجة للحماية وأدوات للفحص ومناطق للحجر الصحي، ومن الطبيعي منح الأولوية للطواقم الطبية، لأن طبيباً واحداً يمكنه نشر العدوى لعدد كبير بين زملائه”.

وقال المصدر إن الوضع الحالي كارثي، وسبق وحذرنا منه، فالتخفيف التدريجي من حالة الإغلاق أدى إلى زيادة أعداد المصابين، وامتلأت المستشفيات بالمرضى، مؤكداً أن الأهالي لا يعلمون أن عدداً من المستشفيات يرفض استقبالهم، لأن هناك نقصاً شديداً في الأسرّة.

أغلبية الأطباء غير متخصصين في أمراض الجهاز التنفسي

يقول أحمد، وهو طبيب شاب بمستشفى المنيرة، إن الحكومة تعاقب الأطباء وتضعهم في مواجهة أمام الأهالي، بعدما أظهرنا أوجه القصور التي شابت تعامل الدولة معنا ومع التعامل مع الأزمة، وعزمنا على وقفة جادة لإنهاء الانتهاكات التي ترتكبها وزارة الصحة في حقّ الأطباء وأفراد الطواقم الطبية بشكل يومي، وفيها تهديد فعلي لأرواحنا.

ويضيف “تم ضمَّ مستشفانا للمستشفيات المخصصة لفرز وعزل المصابين بفيروس كورونا، في خطة التوسع التي قامت بها وزارة الصحة، لكن ذلك تم بدون تدريب أو تأهيل أو إمكانيات”.

ويشرح الطبيب أن بعضهم تم تكليفه دون التدريب على التعامل مع حالات اشتباه كورونا، وأغلبية الأطباء غير متخصصين في أمراض الجهاز التنفسي لكي يتعامل مع حالات الاشتباه الواردة إلى المستشفى للفرز والإحالة، ما ينذر بإصابة الطبيب الذي يتعامل مع الحالة.

ويستكمل قائلاً إن الوزارة لم تكتفِ بذلك، فبعد تصاعُد غضب واحتجاجات الأطباء المصريين إثر وفاة الطبيب وليد يحيى (23 عاماً) الذي لم يجد مكاناً في المستشفى لعلاجه، أعلنت وزارة الصحة توسيع المستشفيات التي تعالج المصابين بفيروس كورونا المستجد إلى 320 مستشفى عاماً ومركزياً على مستوى الجمهورية، لتخفيف العبء عن مستشفيات الحميات والصدر.

ورافق الإعلان عن تلك المستشفيات تأخر عشرات المستشفيات في الالتحاق بالخدمة، نتيجة عدم وصول المستلزمات، وعدم توافر أدوات أخذ المسحة لتحليل “بي سي آر”، أو عدم إخطار إدارات المستشفيات بالأساس بدخولها ضمن القائمة.

تعليمات وزيرة الصحة تدفع أهالي المرضى للاعتداء على الأطباء

وجد الأطباء وطواقم التمريض في هذه المستشفيات أنفسهم أمام موقف لم يتدربوا عليه، ومن دون توفير الاحتياجات اللوجستية الضرورية لهم من الأقنعة والقفازات وأجهزة التنفس الصناعي، والأخطر أن تنفيذهم لتعليمات وزيرة الصحة يجعلهم في مرمى السب والقذف والعنف من المرضى وذويهم.

فقد انتشر مقطع فيديو للدكتور سعد مكي، وكيل وزارة الصحة بالدقهلية، داخل مستشفى العزل بالمدينة الجامعية بالمنصورة، ينقل خلاله تعليمات للأطباء بإخراج المرضى من مصابي كورونا، الذين تحسّنت حالتهم بعد 5 أيام من العزل فقط، حتى ولو كانت مسحاتهم إيجابية على أن يستكملوا العلاج في منازلهم، مؤكداً أنها “تعليمات وزيرة الصحة”.

ويقول أحد الأطباء بالمستشفى لقد وضعونا في مواجهة مع الأهالي، فالمرضى الذين يتلقون علاج كورونا يرفضون الخروج خوفاً من نقل العدوى لأسرهم، وفي الجهة المقابلة أهالي عشرات المرضى ينتظرون خارج المستشفى أن تشغر أسرة في العناية المركزة لإدخال مرضاهم.

ويضيف “أهالي هؤلاء وأولئك قاموا بالاعتداء علينا بالسباب، وحاول بعضهم ضرب بعض أفراد الطاقم الطبي، حيث يعتقد أهالي المرضى المنتظرين أننا نتلكأ في إنقاذهم، بينما غضب أهالي المرضى النائمين في العناية، لأن تعليمات الوزيرة تقضي بأن من يرفض الخروج نمنع عنه العلاج والطعام والفراش والغسيل، والوزيرة قالت “بلغوا الأمن الوطني”.

يستكمل الطبيب: “وبعدما كنا في “بؤبؤ” عين المواطنين أصبحنا نواجه نيران غضبهم، وبعدين احنا هنعالج المرضى وللا هنحافظ على نفسنا من العدوى وللا من الاعتداءات وللا هنبلغ الأمن الوطني، ألا يكفي الضغط العصبي الذي نمر به”.

ويطلق الطبيب زفرة ضيق شديدة، مشيراً بصوت مبحوح إلى أن الأسوأ قادم لا محالة إذا استمر الوضع على ذلك، والنتيجة توقف الأطباء عن العمل إما لأنهم ماتوا من المرض، أو لأنهم خائفون من الإصابة بالفيروس، وحتى من سيعمل “مجبراً” أو تحت ضغط أخشى أن يتعامل بلامبالاة أو يحنث بالقسم الذي قطعه على نفسه وقت تخرجه عملاً بمنطق “يا روح ما بعدك روح”.

ويشير الطبيب الشاب إلى أن الفرار من المعركة سيُدخل البلاد في حالة من الفوضى، لهذا هم مجبرون على تحمل الضغط حتى تعبر البلاد أزمة كورونا، لكن بعد ذلك سوف يسعى مئات الأطباء وهو منهم لترك العمل الحكومي، والعمل في القطاع الخاص، أو حتى الهجرة من مصر نهائياً، حيث سمعوا أن العديد من الدول الغربية ترحب بهجرة الأطباء والممرضين بعد القصور الذي ظهر لديها في مواجهة تفشي فيروس كورونا.

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي قيام 3500 طبيب مصري بتقديم طلب هجرة للولايات المتحدة الأمريكية، بعد إعلان الأخيرة تشجيعها قدوم العاملين في المجال الصحي للحصول على تأشيرة عمل أو تأشيرة زيارة، خاصة أولئك الراغبين في العمل على أراضيها، وخصت السلطات الأمريكية بالذكر أولئك الذين يعملون في مجال مكافحة وباء كورونا.

وكانت نقابة الأطباء، قد أعلنت في وقت سابق، أن استقالات الأطباء شهدت تزايداً خلال عام 2019، حيث تقدم 3500 طبيب باستقالتهم من وزارة الصحة، مقارنة بالعدد في 2018 الذي كان 2600 طبيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى