الحوار الفلسطيني والحلقة المفقودة بين المواقف العاجلة والمؤجلة.
عمر مراد.
عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
انعقد اجتماع الفصائل الفلسطينية في موسكو بين 29-2 و 1-3-2024، وانتهى إيجاباً بالاتفاق على بيان سياسي من عشر نقاط تتناسب مع الموقف الآني المطلوب إزاء القضايا والمهام الملحة الراهنة.
توجه البيان في مقدمته بالتحية للمبادرة الروسية ودعوة موسكو لهذا اللقاء الفلسطيني، والشكر لمواقف الاتحاد الروسي الداعم للقضية الفلسطينية، وتوجه البيان أيضاً بالشكر لدولة جنوب إفريقيا ودورها الجريء والمتقدم في رفع قضية أمام محكمة العدل الدولية لمحاسبة الكيان الصهيوني على الجرائم والمجازر وحرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا ما ذكره البيان في النقطة العاشرة.
أما باقي النقاط التسع في البيان، تتلخص بالتصدي للعدوان الإجرامي وحرب الإبادة الجماعية ومقاومة وإفشال مخطط التهجير، وعدم شرعية الاستيطان وفك الحصار الهمجي عن قطاع غزة، وإيصال المساعدات من دون قيود وإجبار جيش الاحتلال على الانسحاب من القطاع وسائر الأراضي المحتلة، والتمسك بوحدتها ورفض فصل القطاع عن الضفة والقدس، والتأكيد على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة “وفقاً للقرارات الدولية”، بالإضافة إلى دعم وإسناد الشعب والمقاومة في فلسطين وإعمار ما دمره الاحتلال، ودعم عائلات الشهداء والجرحى وكل المتضررين والتصدي للاحتلال واعتداءاته المستمرة على القدس والمقدسات، وأيضاً الاسناد الكامل للأسرى والأسيرات البواسل والعمل على تحريرهم كأولوية، وتمت الإشارة إلى حماية وكالة الغوث ودورها في رعاية اللاجئين الفلسطينيين.
رغم أهمية أن يجتمع اثنا عشر فصيلاً فلسطينياً، ولأول مرّة بعد خمسة أشهر من العدوان أي منذ السابع من أكتوبر، إلا أن ما ورد في البيان وتمت الإشارة إليه أعلاه لا يفي بالغرض المطلوب، وذلك لعدم الذهاب في الحوارات إلى وحدة الإرادة ووحدة الأداة والقيادة التي يتوجب عليها تبنّي هذه المهام والقيام بإدارة المعركة ببعديها السياسي والميداني، ما حصل في حوار موسكو ما هو إلا إبقاءً للوضع على حاله، وبالتالي كلٌ يتصرف من موقعه سواء في قمة الهرم والمؤسسات الرسمية أو من خارجها، حسب موقعه وقوة حضوره في السياسة وفي الميدان. ابتعد المتحاورون عن بذل أي جهد للبحث في آليات وطرق تفكيك ومعالجة الصعوبات والتعقيدات التي تحول دون إيجاد الصيغة العملية والموحدة والمؤقتة لقيادة هذه المرحلة الخطيرة، ريثما يتم معالجة جميع المشكلات وتوفير متطلبات الوحدة الوطنية والشراكة الحقيقية في منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الإطار الرسمي والشرعي والجامع لكل الفلسطينيين، وتثبيت دورها ومكانتها كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ألا يتطلب الوضع على خطورته في غزة والضفة والقدس، وما يشنه العدو من حرب إبادة جماعية واقتلاع وتهجير وضم للأراضي وتهويد القدس، الرد بيد من حديد وبقرار وطني وإرادة موحدة على مخططات العدو التصفوية واعتداءاته المستمرة على الأرض والشعب والوجود الفلسطيني؟! وهل يمكن لذلك أن يتم دون مرجعية وطنية موحدة؟!
كيف ستتعامل القيادة الرسمية الفلسطينية والرئيس أبو مازن مع مخرجات الحوار الفلسطيني هذه؟ وهل سيتم التعامل معها كمدخل للشروع بلم الشمل الفلسطيني وفقاً لأسس الشراكة الوطنية؟ وهل سيشكل الموقف الرسمي الحماية والغطاء السياسي لتعزيز صمود الشعب وتنامي المقاومة؟
إن الظروف الطارئة العاجلة منها والمؤجلة تفرض أولوية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية بكل المستويات دون تردد. ولا يحق لأحد كان أن يقدم مصالحه وحساباته الخاصة الفئوية على المصالح الوطنية وقضايا الأرض والوطن والكرامة.
إن جسارة المقاومة في الميدان والإرادة الشعبية في الثبات والصمود رغم الدماء والدمار وبعد مضي خمس شهور على العدوان حققت مستوى من القوة والندية مع العدو، فإذا كانت أمريكا والغرب بين شريك وداعم للكيان الصهيوني، فالشعب الفلسطيني صامد ومعه كل الشعوب العربية وأحرار العالم وقوى المقاومة في لبنان واليمن والعراق ودعم سورية وإيران عدا عن الكثير من دول المنطقة والعالم إن كان ببعدٍ عربي أو إسلامي أو أممي.
الظرف الموضوعي يشكل عاملاً مساعداً للشروع في إنجاز الوحدة الوطنية، وإشراك جميع الفصائل الفلسطينية على أساس الوضوح بالموقف والبرنامج، وطبيعة الشراكة والعلاقات المبدأية المفترض أن تحكم عملية إعادة البناء للمنظمة والتأسيس لعلاقات تحالفية أصيلة توفر الدعم النظيف (أي الإمكانيات والمساعدات الغير مشروطة).
إن إعادة النظر بطبيعة السلطة الفلسطينية الحالية وحجم الالتزامات والقيود المكبلة بها جراء اتفاقات أوسلو، يجعلها رهينة بيد الاحتلال، فإما أن تكون بخدمته وتحت وصايته ورحمته وتقوم بدورها الوظيفي بما تقتضيه مصلحته السياسية والاقتصادية والأمنية.. إلخ، وإما لا تكون، هذا هو موقف العدو. إذاً هذه قضية بحد ذاتها تستوجب التوقف والمعالجة، وتقديم الجواب الوطني حول السلطة التي يريدها الشعب الفلسطيني، فالسلطة المطلوبة وطنياً هي التي تلبي مصالح الشعب الفلسطيني وحفظ أمنه وكرامته وحريته، وهي المحكومة فقط بمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية، وليس بأي شروط أخرى تمليها قيود أوسلو أو حكومة العدو أو الدول الغربية المانحة.
إن الحوار الفلسطيني يجب أن يكون عميقاً وحيوياً ونقدياً ومسؤولاً يتناول القضايا الاستراتيجية السياسية والبنيوية، وفقاً لتطلعات الشعب وآماله بالعودة والتحرير وبناء دولته على كامل أرض فلسطين، فهي التي لا تتسع لأكثر من “شعب وهوية” أو لأكثر من “وطنية” أو “قومية”، فلسطين يجب أن تكون عربية وحرّة وللفلسطينيين أولاً وأخيراً ولكل من وقف مع قضيتهم وكفاحهم وكامل حقوقهم.